المراقبة القضائيــة وفق قانون المسطرة الجنائية المغربي

المراقبة القضائيــة وفق قانون المسطرة الجنائية المغربي

عالـم القانون29 أكتوبر 2021
المراقبة القضائيــة وفق قانون المسطرة الجنائية المغربي

يعتبر قانون المسطرة الجنائية التي صادق عليه البرلمان المغربي إنجازا قانونيا. يدشن لمرحلة جديدة في مجال العمل القضائي بصفة خاصة والبناء القانوني والمؤسساتي ببلادنا عموما.
وقد خضع هذا القانون مند بداية إعداده لنقاشات خصبة سواء على مستوى المؤسسات الدستورية أو على مستوى الفاعلين الحقوقيين والسياسيين والقانونيين من خلال الندوات والأيام الدراسية التي خصصتله. وركز القانون الجديد على تدعيم مكاسب المملكة الحقوقية، بتكريس دولة الحق والقانون وما يقتضيه ذلك من تعزيز للديمقراطية وحقوق الإنسان، وضمان حقوق الدفاع.
وبالمصادقة على قانون المسطرة الجنائية، يكون المغرب، قد أضاف لبنة أساسية، في ضمان محاكمة عادلة، تتوفر فيها كل الضمانات القانونية الكفيلة بتقوية سلطة العدالة الجنائية عن طريق جهاز القضاء.
ورصدا لأهم مستجدات القانون الجديد سوف نعمل من خلال هذا البحث المتواضع على رصد أهم ما جاء به في باب المراقبة القضائية باعتبارها آلية بديلة لأسلوب الاعتقال بمفهومه الكلاسيكي. وذلك من خلال المنهج الآتي :
الفصل الأول : ماهية المراقبة القضائية.
الفصل الثاني : مضمون المراقبة القضائية.
الفصل الأول : ماهية المراقبة القضائية.
وقد جعل المشرع المغربي من هذه المؤسسة، تدبيرا استثنائيا، لا يعمل به إلا في الجنايات أو الجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، وبمفهوم المخالفة، فإن الجنح المعاقبة بالغرامة لا يتخذ بشأنها هذا التدبير، ويلتقي المشرع المغربي في ذلك مع نظيره الفرنسي، الذي كان سباقا في اعتماد هذا التدبير بمقتضى القانون رقم 576-84 الصادر في 9 يوليوز 1984. والمعدل بمقتضى القانون رقم 93.1013 الصادر في 24 غشت 1993. حيث جاء في المادة 137 ق.م.ج.ف :
« La personne mise en examen reste libre sauf à raison des nécessités de l’instruction ou à titre de mesure de sureté, à être soumise au contrôlejudicaire,… »
فالمادة 137 الفرنسية تقابل المادة 150 من ق.م.ج المغربي. وكلاهما يؤكد الطابع المؤقت والاستثنائي للمراقبة القضائية للعلة الآتية :
أن الأصل هو البراءة. تطبيقا للمادة الأولى من ق.م.ج المغربي التي جاء فيها أن كل متهم بارتكاب جريمة يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا بمقتضى محاكمة عادلة.
ويعد قرار الوضع رهن المراقبة القضائية أحد الاختصاصات الجديدة التي أعطاها القانون الجديد لقاضي التحقيق. ورهنها بسلطته التقديرية لتحقيق ما يلي :
أولا : الحد من حالات الاعتقال، التي أفرزتها التجربة السابقة. وتكدس المعتقلين بالسجون. وإرهاق كاهل الدولة ماديا من خلال ما يتطلبه المعتقلون من إيواء وطعام وتمريض[1]. وتجنيد لأطر النيابة العامة وإدارة السجون وما يتطلبه الأمر من تنسيق بينهما لنقل وإحضار المتهمين كلما اقتضت ضرورة المحاكمة ذلك.
ثانيا: ضمان حضور المتهم.
ما لم تتطلب ضرورة التحقيق، أو الحفاظ على أمن الأشخاص، أو على النظام العام، اعتقاله احتياطيا.
وحددت المادة 151 ق.م.ج مجموع مدة الوضع رهن المراقبة القضائية، في اثنتى عشر شهرا، ( شهرين قابلة للتجديد خمس مرات ). لكن يلاحظ أن المادة المومأ إليها سابقا لم تحدد جزاء خرق المدة المشار إليها سابقا. وكان حريا بالمشرع المغربي أن يحدد الجزاء، في بطلان الإجراء أو الحق في المطالبة بالتعويض للمتهم، باعتبار أن إجراء الوضع رهن المراقبة القضائية يمس حقا من حقوق الإنسان، المتمثل في حق التنقل والتصرف في الأموال الخاصة.
وإذا كان قرار الوضع رهن المراقبة القضائية، خاضعا للسلطة التقديرية لقاضي التحقيق. إلا أن هذا الأخير ملزم بتبليغه إلى ممثل النيابة العامة، داخل أربع وعشرين ساعة ويتعين أن يكون القرار معللا. وفي هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية ما يلي :
« Aux termes de l’art. 145. c. pré. Pén. Le placement en détention provisoire est prescrit par une ordonnance spécialement motivée qui doit comportés l’énoncé des considérations de droit et de fait sur la caractère insuffisant des obligations du contrôle judicaire…»[2]
ويمكن تبليغ الأمر حالا إلى المتهم شفاهيا. مع تحريره بعد ذلك في محضر. كما يبلغ القرار معللا إلى النيابة العامة داخل أربع وعشرين ساعة. ويحق لهذه الأخيرة. وكذا المتهم، استئنافه خلال اليوم الموالي لصدوره، طبقا للشكليات المتعلقة باستئناف أوامر قاضي التحقيق بشأن الإفراج المؤقت لدى الغرفة الجنحية الاستئنافية، التي تبث فيه داخل خمسة أيام من تاريخ الإحالة.
ويمكن لقاضي التحقيق، كلما ارتأى شخصيا ذلك، أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو دفاعه، بعد استشارة النيابة العامة، إن لم تكن هي صاحبة الطلب، أن يغير التدبير المتخذ أو إضافة تدبير آخر أو أكثر. وفي هذا الإطار جاء في أحد القرارات القضائية الفرنسية ما يلي :
« il se déduit des dispositions des arts. 139 et 141-2 qu’une juridiction d’instruction ne peut, lorsqu’elle met un inculpé sous contrôle judiciaire, décider par avance, sans nouvel examen, qu’une obligation se substitueras a une autre au cas où le dit inculpé ne satiferait pas à l’obligation initiale » 2 Bis
وقد سمح المشرع المغربي، مثل نظيره الفرنسي ( المادة 140 ق.م.ج.ف ) لقاضي التحقيق بإلغاء الوضع تحت المراقبة تلقائيا، أو بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو محاميه.
إلا أن الملاحظ أن المشرع المغربي، لم يحدد الأجل الذي يتعين بمقتضاه البث في طلب المتهم أو دفاعه أو النيابة العامة برفع حالة المراقبة القضائية. بخلاف المادة 140 من ق.م.ج. فرنسي التي حددت لقاضي التحقيق مدة خمسة أيام للبث في طلب المتهم المشار إليه سابقا بمقرر معلل. وإذا تعذر ذلك أمكن للمتهم رفع طلبه مباشرة للغرفة الاتهام الفرنسية chambre d’accusation . التي تبث تبعا للملتمسات الكتابية للوكيل العام داخل أجل عشرين يوما. وفي حالة تجاوز هذه المدة اعتبر تدبير المراقبة القضائية مرفوعا بقوة القانون.
وفي هذا الإطار جاء في قرار صادر بتاريخ 16 يناير 1975. عن القضاء الجنائي الفرنسي :
« une requête tendant à la suppression de deux des trois versements d’un cautionnement préscrit en application de l’art. 138, 11°= s’analyse comme une demande de main levée partielle du contrôle judiciaire au sens da l’art. 140 et l’ordonnance qui refuse d’y faire droit est expressément visée par l’art. 186. al. 1er, comme étant de celle dont l’inculpé peut interjeter appel » [3]
وفي هذا الإطار، نتساءل هل يحق للغرفة الجنحية الاستئنافية أن تضيف تدبيرا من التدابير المنصوص عليها في المادة 152 من ق.م.ج. المغربي لم يقرره قاضي التحقيق ؟
من خلال قراءة مقتضيات قانون المسطرة الجنائية المغربي في باب المراقبة القضائية واختصاصات الغرفة الجنحية الاستئنافية. فإن هذه الصلاحية تبقى أصلية لهذه الأخيرة باعتبارها جهازا لمراقبة أعمال قاضي التحقيق وهذا ما قرره العمل القضائي المقارن. فقد جاء عن القضاء الفرنسي ما يلي :
« le chambre d’accusation, juridiction d’instruction du second degré, se trouve nécessairement investie des pouvoirs conférés au magistrat instructeur par les art 138 a 140 C. pré. pénale, et peut imposer le versement d’uncautionnement ; obligation non prévue par le juge d’instruction, alors même qu ‘elle est saisie du seul appel de l’inculpé » [4]
وعموما، يمكن إلغاء الوضع تحت المراقبة القضائية، أثناء جميع مراحل التحقيق إذا لم يحترم المتهم، الالتزامات المفروضة عليه، بمقتضى الأمر الصادر عن قاضي التحقيق. وفي هذه الحالة يصدر هذا الأخير، ضده أمرا بالإيداع في السجن، أو أمرا بإلقاء القبض، بعد أخذ رأي النيابة العامة. ويقابل هذا المقتضى الذي نص عليه المشرع المغربي في المادة 151 ق.م.ج الفقرة الثانية من المادة 141 من ق.م.ج الفرنسي ( قانون رقم 93.1013 الصادر بتاريخ 24 غشت 1993).
. وفي هذا الإطار جاء في أحد القرارات القضائية الفرنسية.
« Il résulte des dispositions de l’art. 141-2 c. pré. Pén. Que lorsque l’accusé mis sous contrôle judiciaire par la juridiction du jugement se soustrait volontairement aux obligations du contrôle judiciaire, l’ordonnance de prise de corps est éxécutée sur ordre du président de la cour d’assises, ou, dans l’intervalle des séssions, du président de la chambre d’accusation… »5
بعد استعراضنا لماهية المراقبة القضائية، واختصاص قاضي التحقيق بشأنه وموقف القانون والقضاء المقارن منه. نتناول في الفصل الثاني، مضمون هذا التدبير، مسترشدين لحداثته على المستوى الوطني بالتجربة الفرنسية. والمواثيق الحقوقية الدولية، كلما اقتضت ضرورة البحث ذلك.
الفصل الثاني : مضمون المراقبة القضائية.
حددت المادة 152 من ق.م.ج المغربي مضمون تدبير المراقبة القضائية. وسوف نستعرض على التوالي، الالتزامات الملقاة على المتهم بمقتضى قرار الوضع تحت المراقبة، والجهات المتدخلة في تطبيق هذا التدبير إلى جانب قاضي التحقيق. ثم مدى انسجام الالتزامات المنصوص عليها في المادة 152 ق.م.ج.م مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان.
أولا : مضمون المادة 152 ق.م.ج.م
تقابل المادة 152 من ق.م.ج. المغربي المادة 138 من قانون المسطرة الجنائية الفرنسي. مع بعض الاختلاف سوف نعود إليه في حينه بعض استعراض كل الالتزامات التي جاءت بها المادة 152 من القانون المغربي :
نصت المادة أعلاه على ما يلي :
” يتضمن الأمر بوضع الشخص تحت المراقبة القضائية الخضوع تبعا لقرار قاضي التحقيق لواحد أو أكثر من الالتزامات التالية”.
1- عدم مغادرة الحدود الترابية المحددة من طرف قاضي التحقيق.
2- عدم التغيب عن المنزل أو السكن المحدد من طرف قاضي التحقيق إلا وفق الشروط والأسباب التي يحددها القاضي المذكور.
3- عدم التردد على بعض الأمكنة التي يحددها قاضي التحقيق.
4- إشعار قاضي التحقيق بأي تنقل خارج الحدود المعنية.
5- التقدم بصفة دورية أمام المصالح والسلطات المعنية من طرف قاضي التحقيق.
6- الاستجابة للاستدعاءات الموجهة إلى الخاضع للمراقبة من أية سلطة أو أي شخص مؤهل معين من طرف القاضي.
7- الخضوع لتدابير المراقبة المتعلقة بالنشاط المهني أو حول مثابرته على تعليم معين.
8- إغلاق الحدود.
9- تقديم الوثائق المتعلقة بهويته لا سيما جواز السفر إما لكتابة الضبط أو لمصلحة الشرطة أو الدرك الملكي مقابل وصل.
10- المنع من سياقة جميع الناقلات أو بعضها أو تسليم رخصة السياقة لكتابة الضبط، مقابل وصل، ويمكن لقاضي التحقيق أن يأذنله باستعمال رخصة السياقة : كمزاولة نشاطه المهني.
11- المنع من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وجه الخصوص من طرف قاضي التحقيق.
12- الخضوع لتدابير الفحص والعلاج أو لنظام الاستشفاء سيما من أجل إزالة التسمم.
13- إيداع كفالة مالية يحدد قاضي التحقيق مبلغها وأجل أدائها مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر.
14- عدم مزاولة ببعض الأنشطة ذات طبيعة مهنية أو اجتماعية ما عدا المهام الانتخابية أو النقابية.
15- عدم إصدار الشيكات.
16- عدم حيازة الأسلحة وتسليمها إلى المصالح الأمنية المختصة مقابل وصل.
17- تقديم ضمانات شخصية أو عينية يحددها قاضي التحقيق تستهدف ضمان حقوق الضحية.
18- إثبات مساهمة المتهم في التحملات العائلية أو أنه يودي بانتظام النفقة المحكوم بها عليه.
ومن خلال إجراء مقارنة أولية بين المادة 152 ق.م.ج.م والمادة 138 ق.م.ج. فرنسي يلاحظ، أن المادة الفرنسية تضمنت ستة عشرة التزام ملقى على كاهل الموضوع رهن المراقبة القضائية، في حين أن المادة المغربية أعلاه تضمنت ثمانية عشر التزاما بحيث أضافت التزاما جديدا، وأوردته في الفقرة 8 من المادة 152 يتمثل في إغلاق الحدود.
وأكيد أن الممارسة الميدانية ستفرز العديد من التساؤلات والإشكاليات، حول طبيعة الأنشطة ومدى خضوعها للمنع كما هو وارد بالفقرة 7 و 14 6من المادة 152 ق.م.ج.مغربية.
ومن ذلك مثلا، هل يمكن للموضوع رهن المراقبة، أن يقوم ببعض الأعمال والأنشطة التطوعية باعتبار أن الفقرة 14 نصت على عدم مزاولة بعض الأنشطة ذات طبيعة مهنية أو اجتماعية ما عدا المهام الانتخابية أو النقابية. ويمكن القول أن قاضي التحقيق بما له من سلطة في توجيه التحقيق أن يمنع مزاولة الأنشطة التطوعية إذا كانت تتخذ صوريا لمزاولة نشاط ذو طبيعة مهنية أو اجتماعية
وهذا ما أكده القضاء الفرنسي في أحد قراراته والتي جاء فيها :
« la juridiction d’instruction peut sans outre passer son pouvoir imposer au titre de l’article 138 . al 12 du code de procédure pénale l’obligation de ne pas se livrer a certaines activités exercés a titre bénévole des lors qu’il est constate que ces fonctions constituent en fait un véritable activité professionnelle au sens dudit article » .7
وأكيد أن القضاء المغربي سوف يقول كلمته في الموضوع مستقبلا . سيما أن قرارات قاضي التحقيق لن تكون بمعزل عن ثلة من الطعون المقدمة من هيئة الدفاع بعلة تعارضها مع قيم حقوق الإنسان .
ثانيا : مدى انسجام الالتزامات المنصوص عليها في المادة 152 ق.ج.م. مع مبادئ حقوق الإنسان.
تعتبر فلسفة حقوق الإنسان أحد الفروع الصلبة للثقافة القانونية بصفة عامة. والجنائية بصفة خاصة.
والتي ما فتئ المغرب يكرسها منذ ردح من الزمن،عبر العديد من القوانين والمؤسسات؛ أولها إنشاء مجلس استشاري لحقوق الإنسان، ثم وزارة خاصة بهذا القطاع، ثم الالتزام دستوريا باحترام حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا، وأخيرا خلق ديوان للمظالم.
ومما لا شك فيه، أن الالتزامات الواردة في المادة 152 ق.ج.م. المغربي تتضمن بين دفتيها، جملة من القيود على حقوق، تعد من النواة الصلبة لحقوق الإنسان. ألا وهي حق التنقل. والحق في العمل. والحق في سرية الحياة الخاصة . فإلى أي مدى جاءت مقتضيات المادة 152 ق.ج.م. مغربي منسجمة مع التزامات المملكة المغربية الحقوقية ؟
إن الجواب على هذا السؤال، ليس بالأمر الهين ، وكل تسرع سوف يلقي بنا في غياهب أحكام القيمة، وشائبة الخطأ. لكون التجربة لا زالت في المهد سيما وأن النصوص القانونية مهما بلغت درجة حبكتها وجودتها تبقى رهينة بحسن تطبيقها. فالقائمون على تنفيذ المادة 152 ق.ج.م. هم من على كاهلهم تفعيل مقتضيات المادة بالشكل الصحيح والسليم البعيد عن مكامن الزلل وبراثن الغلو.
وإذا كانت إشكالية الالتزامات المرافقة للوضع رهن المراقبة القضائية ومدى تعارضها مع حقوق الإنسان سوف لن تخلو أكيد قاعات الجلسات المغربية من طرحها مستقبلا8، فإن ذلك لن يثنينا على تناول بعض هذه النقاشات لدى بعض التجارب المقارنة.
وهكذا في إطار سلطة قاضي التحقيق في منع المتهم من مغادرة التراب الوطني الفرنسي نص القضاء الزجري الفرنسي في حكم له صادر سنة 1991 على مايلي :
« l’interdiction de quitter le territoire national et de fréquenter un lieu de culte, imposée à un inculpé placé sous contrôle judiciaire, n’est pas incompatible avec l’art.9 de conv. européenne de droit de l’homme » .9
وفي باب إيداع كفالة مالية يحدد قاضي التحقيق مبلغها جاء في حكم آخر.
« satisfait aux exigences de l’art.5.3 convention européenne de droit de l’homme l’arrêt qui, pour fixer le montant du cautionnement auquel peut être subordonnée la mise en liberté d’une personne mise en examen, prend en considération, outre l’importance du préjudice imputé à cette personne les ressources decelle-ci ».10
وفي إطار تطبيق الالتزام بعدم مزاولة بعض الأنشطة المهنية والاجتماعية وتعارض هذا المنع مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان جاء في قرار قضائي فرنسي آخر :
« les dispositions de l’art.138, al.2 ‘12°=). Code de procédure pénal qui prévoient spécialement la restriction apportée à la liberté des activités professionnelles, ne sont pas incompatibles avec celles de l’article 11 conv. E.D.H » 11.
ومهما يكن الأمر، فإن مقتضيات المادة 152 ق.م.ج كما جاء أيضا في المادة 150 ق.م.ج هي تدبير استثنائي، الغاية منه تسهيل البحث والتحقيق، والحيلولة دون المتهم ومحو آثار الجريمة أو تبديد وسائل الإثبات أو الفرار، مع مراعاة تشديد الالتزامات أو تخفيفها بحسب ظروف كل قضية، ومثال هذه المرونة، أن المشرع المغربي، حينما نص في الفقرة 9 من المادة 152 ق.م.ج على تقديم المتهم للوثائق المتعلقة بهويته لاسيما جواز السفر.
فإنه ربط ذلك، بوجوب تقديم وصل إلى المتهم، مقابل الوثائق المسلمة، تشير إلى نوع الوثيقة المسحوبة، والبيانات المتعلقة بها، واسم المتهم الشخصي والعائلي، وتاريخ ومكان ولادته، ورقم بطاقة هويته. ويجب في الحالة المنصوص عليها في هذا البند، أن توضع على الوصل صورة حديثة للمتهم، وأن يبين فيه أنه سلم مقابل وثيقة الهوية.
وفي حالة الأمر بخضوع المتهم لتدابير الفحص والعلاج أو الاستشفاء، من أجل إزالة التسمم. فإن المشرع، وتماشيا مع مقتضيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وكذا اتفاقيات مكافحة المخدرات الجهوية والدولية، أعطى للمتهم، صلاحية طلب العلاج من التسميم وأن يختار الطبيب المختص أو المؤسسة المناسبة له.
وفي مجال تكريس حرية الرأي والتعبير، نص المشرع المغربي في المادة 156 ق.م.ج على عدم مساس تطبيق الوضع تحت المراقبة القضائية، بحرية الرأي بالنسبة للأشخاص الخاضعينله، ولا بمعتقداتهم الدينية أو السياسية ولا بحقهم في الدفاع تماشيا مع مقتضيات العهد الولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
واحتراما لحق العمل. قيد المشرع أمر قاضي التحقيق المتهم بعدم مزاولة بعض الأنشطة ذات الطبيعة المهنية أو الاجتماعية بضرورة إشعاره بذلك الإجراء، عند الاقتضاء للمشعل أو السلطة التسلسلية التي يتبع لها المتهم، أو الهيئة المهنية التي ينتمي إليها أو السلطة المختصة لممارسة المهنة أو النشاط المهني. فهكذا لو شمل قرار المنع محام، فيتعين على قاضي التحقيق إشعار هيئة المحامين المنتمي إليها المحامي موضوع قرار المنع.
وإذا جاءت المقتضيات الاستثنائية أعلاه متطابقة ظاهريا، مع مبادئ حقوق الإنسان في انتظار محك الممارسة، فإن البند الحادي عشر من المادة 152 ق.ج.ق القاضي بمنع المتهم من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وجه الخصوص، من طرف قاضي التحقيق. يثير جملة من التساؤلات حول مدى جدوى هذا الإجراء. فإذا كانت الغاية من المادة 152 ق.ج.ج عامة والفقرة 11 منه هي الحيلولة دون تواصل المتهم مع باقي أعضاء العصابة مثلا . فان ذلك قد يتعذر أمام التطور التكنولوجي للاتصالات، والتي تمكن المتهم من تحقيق التواصل المنشود بكل سهولة ويسر دون أن تطاله يد المراقبة المنصوص عليها في المواد 153 و 154 من ق.م.ج لذلك كان المشرع الفرنسي حسب اعتقادنا أكثر توفيقا من نظيره المغربي. حينما نص على منح الاتصال بأية وسيلة كانت.
« de quelque façon que ce soit . »
لذلك من الأفضل لو صيغت الفقرة 11 كما يلي : المنع من الاتصال ببعض الأشخاص المحددين على وجه لخصوص بأية وسيلة كانت من طرف قاضي التحقيق.
ثالثا : الجهات المشرفة على تدبير المراقبة القضائية.
إلى جانب قاضي التحقيق، أسند المشرع الجنائي لجهات موازية حق المشاركة في تطبيق وتفعيل مقتضيات الوضع رهن المراقبة القضائية. وهكذا منحت المادة 153 ق.م.ج الحق لقاضي التحقيق بتعيين شخص مادي أو معنوي مؤهل للمشاركة في تطبيق الوضع رهن المراقبة.
ونتساءل في هذا الإطار عن هذه الهيئات التي يمكنها المساهمة في حسن تنفيذ هذا التدبير الاستثنائي ؟ الشخص المشارك في المراقبة كما جاء في المادة 153 ق.م.ج يمكن أن يكون شخصا طبيعيا أو معنويا. وتتحكم في اختياره، نوع وطبيعة التدبير المتخذ من طرف قاضي التحقيق.
فإذا أمر قاضي التحقيق بالتزام المتهم بالخضوع للفحص الطبي، فان مهمة الإشراف على هذا التدبير تسند إلى طبيب أو جهاز إداري تابع لمستشفى معين ( لاحظ المادة 160 ق.م.ج ).
وإذا كان الالتزام هو المنع من إصدار شيكات فان الجهاز المكلف بتطبيق هذا الإجراء هي الوكالة البنكية أو الشخص أو المؤسسة، التي تسير الحساب البنكي للمتهم وكذا بنك المغرب 12 ( لاحظ المادة 163 ق.م.ج ).
والغاية من إخبار بنك المغرب بالمنع القضائي من إصدار الشيكات، هو تمكين هذا البنك من أن يقوم بدوره بنشر المعلومات المتعلقة بالمنع على كافة المؤسسات البنكية. إذ يتعين على كل مؤسسة بنكية ثم إخبارها بالمنع أن تمتنع عن تسليم المتهم وكذا وكلائه صيغ الشيكات.
ويتميز المشرع الفرنسي عن نظيره المغربي، في باب المنع من إصدار الشيكات. أنه لم يجعل المنع مطلقا، كما جاء في الفصلين 152 و163 من قانون المسطرة الجنائية المغربي. بل يسمح للمتهم بإصدار الشيكات المصادق عليها 13، ولتهذيب المتهم قد تسند مهمة المراقبة، إلى أستاذ في التعليم إذا تقرر خضوع المتهم، لأخذ دروس تعليمية مع التزام المعلم برفع تقارير لقاضي التحقيق حول مواظبة ومثابرة المتهم على الدروس.
وتعتبر الضابطة القضائية، في شخص رئيس مصلحة الشرطة، أو الدرك الملكي لمكان إقامة المتهم، أهم الأجهزة المشاركة في تنفيذ إجراء المراقبة القضائية نظرا لما يتوفر لديها من أطر وإمكانيات تيسر لها سبل تتبع المتهم في حله وترحاله، وإبلاغ قاضي التحقيق بكل خرق لأمر الوضع رهن المراقبة لاتخاذ المتعين، كتعويض الوضع رهن المراقبة بتدبير الاعتقال الاحتياطي إذا كانت ضرورة ومصلحة التحقيق تقتضي ذلك، سيما أمام تعنت المتهم وإصراره على خرق أحد الأوامر الواردة بالمادة 152 ق.م.ج.
وفي ختام هذه الدراسة نتناول جملة من التساؤلات التي شغلت بالنا واستفزت فضولنا العلمي، ونحن نقوم بدارسة هذا المستجد الذي جاء به قانون المسطرة الجنائية آملين أن تكون محل نقاش من طرف المهتمين بالحقل القانوني. وتتمحور هذه التساؤلات في مدى انسجام بعض الالتزامات المنصوص عليها بالمادة 152 ق.م.ج مع مقتضيات فروع قانونية أخرى كالقانون التجاري ومدونة الأسرة.
أ- جاء في الفقرة 18 من المادة 152 ق.م.ج أن على المتهم الموضوع رهن المراقبة القضائية إثبات مساهمته في التحملات العائلية وأدائه بانتظام للنفقة المحكوم بها، وأضافت المادة 165 ق.م.ج أنه إذا أمر قاضي التحقيق بمساهمة المتهم في التحملات العائلية أو بأداء نفقة فانه يشعر المستفيد منها بذلك.
ونتساءل في هذا الإطار، ألا يشكل هذا الاختصاص الممنوح لقاضي التحقيق بأمر المتهم بأداء التحملات العائلية والنفقة. تعد على اختصاص قضاء الأسرة؟ وأليس من شأن ذلك أن يخلق ارتباكا على مستوى الممارسة وتعارض في الأحكام القضائية ؟
وهل يجوز للمتهم الذي أدى نفقة زوجته أو والديه أو أبنائه أن يحتج عليهم بالوفاء بالتزاماته تجاههم في حالة وضع دعوى بالنفقة من طرفهم أمام قاضي التوثيق أو قضاء الأسرة لدى المحاكم الوطنية ؟
وأخيرا هل يملك قاضي التحقيق وهو المتخصص في القضايا الجنائية والجنحية الخبرة الكافية لتقدير وعاء النفقة وأسبابها وحال الزوجة ودخل الزوج ؟14 وهل يجوز تقديم طلب بالزيادة أو نقص النفقة المفروضة من قبل قاضي التحقيق علما أن مدة الوضع رهن المراقبة القضائية قد تصل في أقصاها إلى سنة.
ب – نصت الفقرتين 13 و17 من المادة 152 ق.م.ج مغربي على التزام الموضوع رهن المراقبة القضائية بالوفاء بالتزامين ماليين يتمثلان :
1- إيداع كفالة مالية يحددها قاضي التحقيق مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة المادية للمعني بالأمر 15.
2- تقديم ضمانات شخصية أو عينية يحددها قاضي التحقيق تستهدف ضمان حقوق الصحية.
ونتساءل في هذا الإطار ما مدى صحة تطبيق هذا الالتزام على متهم يكون قد فتحت في حقه سلفا إحدى مساطر صعوبة المقاولة من وقاية داخلية أو خارجية كما جاء في مدونة التجارة وما حجية قرار السنديك بتجميد المعاملات المالية والتصرفات النقدية للمتهم تجاه قرار قاضي التحقيق بالالتزام بدفع كفالة مالية أو ضمانات شخصية أو عينية ؟ وما تأثير أداء هذه الضمانات على كثلة الدائنين العاديين أو المرتهنين ؟ أليس من شأن هذه الضمانات تعطيل مفعول فلسفة صعوبات المقاولة المتمثلة في إنقاد المقاولة، التي لم تصل بعد إلى حالة متقدمة من التدهور، وظهر من مخطط التسوية أنه يمكن إصلاحها.

وصفوة القول أن تدبير المراقبة القضائية يبقى إجراءا استثنائيا، أثبت نجاعته لدى التجارب القانونية المقارنة، من حيث الحد من تكدس المتهمين في غياهب السجون وتفعيل الدور الإنساني للعقوبة في الإصلاح والتهذيب، ومن المعول على من سوف تسند لهم هذه الصلاحية أن يعطوها البعد الحقيقي الذي توخاه المشرع.

[1] ) تعتبر ظاهرة تكدس المعتقلين بالسجون ظاهرة لا تخلو من تبعاتها حتى الدول المتقدمة كفرنسا راجع بهذا الخصوص مقال
– Cyrille carretti. Le monde 1 jeudi 18 avril 2002.
[2] – crim. 8 âout 1995. Bull. crim. N°= 264. D. 1996. Somm. 261. obs. Pradell.
2Bis – crim.11 mars1986 : Bull. crim 24 juin 1986.
[3] – crim. 16 janvier 1975 : brul. Crim. N°= 21, aussi crim 24 juin 1986.
Ibid. N°= 221 ; D. 1987. samm. 78, obs. Pradel.
[4] –- crim. 11 avril 1991 : Bull. crim N° 176.
Dalloz. Code de procédure pénal. 2000.
5– cri;e 26 janvier 1999 : Bull. crim N°= 13. code de procédure pénale Edition litec.
6 ) راجع تساؤل ذ. عبد الله الولادي في مقاله مدى ملائمة مشروع مدونة المسطرة الجنائية مع المعايير الدولية حول المعايير التي يعتمدها قاضي التحقيق في تعيين مؤهل طبقا للمادة ق.م.ج. لمساعدته في عمل يرتبط بحقوق الناس وأسرارهم وحرمة عائلاتهم.
8 ) – راجع بهذه الخصوص المقالات المنشورة في الصحف الوطنية التي واكبت الموائد الدراسية المنعقدة من طرف هيئات المحاماة الوطنية لدراسة مشروع قانون المسطرة الجنائية.
– جريدة الصباح الثلاثاء 21-5-2002 – السنة الثالثة- العدد 657 صفحة 6.
– جريدة العلم العدد 19075 الأربعاء 7 غشت 2002 على هامش المؤتمر 24 لجمعية هيئات المحامين بالمغرب.
9 – crim . 11 avril 1991 M Bull . crim n° 176
10 – crim . 19 avril 1995 M Bul . crim . n° 158,D,1996 . Somme. 255, obs . Pradel.
11 – crim . 25 juill . 1995 M Bul. crim . n° 259,Rev.Sc.crim. 1996. 137, obs . Dintilhac.
12 – للمزيد من الإيضاح راجع : محمد لفروجي الشيك وإشكالاته القانونية والعملية مطبقة النجاح الجديدة. الطبقة الأولى البيضاء 1999 ص 379
13 – نصت الفقرة 13 من المادة 138 ق.م.ج على مايلي :
-« Ne pas émettre de chèques autre que ceux qui permettent exclusivement le retrait de fonds par le tireur auprès du tiré au ceux qui sont certifiés et le cas échéant remettre au greffe les formules de chèques dont l’usage est aussi prohibé . »
14 – راجع بهذا الخصوص : محمد الشتوي : المعين في التوثيق وفق الضوابط المنظمة لخطة العدالة. الطبعة الأولى. المطبعة الوراقة الوطنية مراكش 2001.
وقارن مع خالد بنيس قانون الأحوال الشخصية مطبعة بابل 1998 ص 69 وعبد الفتاح بنوار : قانون الأحوال الشخصية والأسرة . مطبعة النجاح الجديدة 1995 البيضاء ص 25.
15 -– قرر القضاء الفرنسي أنه يدخل في مفهوم الحالة المادية للمتهم ليس فقط أرباحه ومداخليه المهنية ولكن أيضا كل العناصر المكونة لتروثه المالية مهما كان مصدرها.
راجع الحكم :
Crim .28 Sept . 1994 / Bull . crim n° 307 . D . 1995, somm. 146 .obs.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق