يكتسي تنفيذ العقوبات أهمية كبرى، فهو أساس تحقيق العدالة الجنائية واستتباب الأمن والسلم الإجتماعي من خلال تحقيق الردع العام والردع الخاص.
وإذا كان تنفيذ العقوبات الزجرية ضرورة لبعث الروح في أحكام القانون الجنائي وتنزيلها على أرض الواقع، فإن ما يتطلب هذا التنفيذ من سرعة وحزم وصرامة، يجب أن لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع حقوق المحكوم عليه إعمالا للقواعد الوطنية والكونية المتعلقة بشرعية تنفيذ العقوبات، ذلك أن الانحراف في تنفيذ العقوبة الجنائية يؤدي إلى هدر مبدأ المحاكمة العادلة، والانحراف في تطبيق العقوبة ترافقه كثير من الأخطاء والهفوات من جراء عدم احترام القانون الواجب التطبيق وبالتالي يمكن النيل من حريات الأفراد وحقوقهم.
أولا : الأحكام العامة بشأن تنفيذ العقوبات السالبة للحرية والغرامات
ولتنفيذ العقوبة السالبة للحرية لابد من توافر مجموعة من الشروط :
1- أن يكون الحكم مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، وبالتالي يصبح قابلا للتنفيذ،إذ لابد أن يكون المتهم قد مارس حقه في الطعن أي أن يكون قد استنفد جميع الطرق القانونية المتاحة له سواء تعلق الأمر بالطعون العادية أو غير العادية (المادتان 398 و 532 ق3).
2- أن لا يكون الحكم قد طاله التقادم: تعرض المشرع للتقادم في المواد من: 648 إلى 653 من قانون المسطرة الجنائية.
وأشير إلى أن المادة 651 من قانون المسطرة الجنائية قانون 22.01، أدخلت عليها تعديلات مؤخرا بمقتضى القانون رقم 35.11 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5990 وتاريخ 2011/11/27 ، والتي قلصت من أمده حيث أصبح على الشكل التالي:
*بالنسبة للعقوبات الجنائية بمضي 15 سنة عوض 20 من تاريخ صيرورة الحكم مكتسبا لقوة الشيء المقضي به.
*وبالنسبة للعقوبات الجنحية بمضي 4 سنوات عوض 5 من تاريخ صيرورة الحكم مكتسبا القوة الشيء المقضي به، وإذا زادت مدة العقوبة عن هذا الحد فبمضي مدة العقوبة .
*وبالنسبة للعقوبات في المخالفات بمضي سنة واحدة عوض سنتين من تاريخ صيرورة الحكم مكتسبا لقوة الشيء المقضي به.
*أما بالنسبة للمصاريف القضائية فيمضي مدة 15 سنة.
3- ضرورة وقوع التنفيذ من طرف الجهة المختصة، وهي النيابة العامة باعتبارها تنوب عن المجتمع ويحق لها أن تسخر القوة من اجل تحقيق هذه الغاية الفصل 38 من ق م ج).
وقد أضافت المادة 617 من قانون المسطرة الجنائية انه يجب على ممثل النيابة العامة لدى كل محكمة زجرية يتم تكليفه بتنفيذ أحكام تقضي بعقوبات سالية للحرية أن يمسك سجلا يخصص لتنفيذ العقوبات ونشرها، ونشير هنا إلى أنه وبعد التعديل الحاصل في قانون المالية السنة 1993 وخصوصا الفصل 14 منه ومواد المسطرة الجنائية بمثابة إحداث الحساب الخاص فقد أصبح كتاب الضبط هم أيضا مختصون في طلب تنفيذ الأحكام تحت مراقبة النيابة العامة خصوصا في الجانب المتعلق بتحصيل الغرامات والإدانات النقدية حتى يتأتى للأعوان المكلفين تحصيل مداخيل الحساب الخاص، في ظروف ملائمة تماشيا مع الطرق القانونية والمقتضيات الجديدة، لمباشرة عمليات تحصيل الغرامات والإدانات النقدية، والمصاريف القضائية، والرسم القضائي، إلى جانب القباض بالخزينة العامة.
بعد سلسلة من الاتصالات، والمشاورات والاجتماعات مع وزير المالية ومصالح الخزينة العامة، وإدارة التسجيل والتنبر استغرقت وقتا طويلا، تم الاتفاق على إحداث هذا الحساب وسمي :
• (بالصندوق الخاص بتوسيع المحاكم وتجديدها)، ويعتبر السيد وزير العدل الأمر بقبض موارده وصرف نفقاته.
• ويجد الحساب سنده القانوني في أحكام الفصلين 1 الفقرة الثانية و6 الفقرة الثالثة من الظهير الشريف رقم :1.72.260 بتاريخ 9 شعبان 1392 الموافق ل 18/9/1972 بمثابة القانون التنظيمي للمالية، اللذين ينصان صراحة على إمكانية فتح حساب خاص جديد، إذا كان الهدف منه تحسين الشروط المتعلقة بالمداخيل.
لكن يلاحظ من خلال تصريف العمليات المرتبطة بالحساب المرصد الأمور خصوصية المسمى الصندوق الخاص لدعم المحاكم” ومراقبة الوثائق الحسابية الواردة من المحاكم وكذلك من خلال الزيارات التفقدية لمكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري بالمحاكم التي تقوم بها مديرية الميزانية والمراقبة أن هذه الأخيرة تعترضها العديد من الإشكالات المادية والقانونية.
إذ بلغ عدد موظفي شعبة الصندوق خلال سنة 2007 ،520 موظفا ليتنقل سنة2008 الى 534 ليرتفع لسنة 2009 الى 561 وليستقر سنة 2010 في 700 موظف، فيما بلغ عدد المبلغين والمنفذين خلال نفس السنوات 1037 ليتقلص إلى 749 سنة 2008 و791 سنة 2009 و816 سنة2010 حيث يلاحظ أن عدد الموظفين والمبلغين المكلفين بالتنفيذ يبقى دون العدد المطلوب للقضاء على إشكالات التنفيذ.
ثانيا : معيقات وإكراهات التنفيذ الزجري
رغم المجهودات الحثيثة التي تبذلها وزارة العدل والحريات من أجل الرفع من عملية تحصيل الغرامات والإدانات النقدية والصوائر والمصاريف القضائية وكذا تطوير عمل مكاتب التبيلغ والتنفيذ الزجري بمختلف محاكم المملكة فقد تبين من خلال تصريف العمليات المرتبطة بالحساب المرصد الأمور خصوصية المسمى “الصندوق الخاص لدعم المحاكم”، ومراقبة الوثائق الحسابية الواردة من المحاكم، وكذلك من خلال الزيارات التفقدية لمكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري بالمحاكم، أن هذه الأخيرة تعترضها العديد من الإشكالات المادية والقانونية يمكن إيجازها فيما يلي:
*عدم التقيد بالمقتضيات والتوجيهات المضمنة بالمناشير والرسائل الدورية الصادرة عن الوزارة في مجال التبليغ والتنفيذ الزجري.
* عدم التقيد بالهيكلة المقررة بشان مكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري، وعدم تقسيمها إلى شعبمتخصصة إلى جانب عدم وجود شعب لتصفية صوائر المساعدة القضائية، والرسوم القضائية التكميلية والمصاريف القضائية في الميدان الجنائي؛
* عدم إعطاء الأهمية اللازمة للتبيلغ الزجري، ويتجلى ذلك من خلال انعدام الدقة والتتبع والسرعة في انجاز الطيات القضائية، وكذا عدم تخصيص موظفين قارين للقيام بعملية التبليغ بالمدار الحضري، وعدم تتبع الطيات المراد تبليغها عن طريق الانابات القضائية والسلطة الإدارية مما قد يؤدي إلى تقادم العديد من المقررات القضائية؛
*ارتفاع مجموع التكفلات الباقية بدون تحصيل، الشيء الذي يتعين معه على كتابة الضبط السهر على تنفيذها في أقرب الآجال باعتبارها ديونا عمومية، ناهيك عن مبالغ الغرامات والإدانات النقدية والصوائر والمصارف القضائية غير المتكفل بها والتي وضعت ملفاتهابالرفوف معرضة للإهمال والتقادم؛
*عدم مسك السجلات الرسمية بمكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري بصفة مضبوطة، مما يتعذر معه معرفة مسار ومال الملفات التنفيذية بكيفية دقيقة؛
*عدم تفعيل آليات التحصيل خارج المحكمة بواسطة المقتطع نموذج 202، إذ يتم الاكتفاء بتوجيه الاستدعاءات الإنذارية من أجل الأداء بصندوق المحكمة وكذا عدم تفرغ مأموري الإجراءات للقيام بالتحصيل خارج المحكمة بواسطة المقتطعات نموذج 202، والاكتفاء بتكليف موظفين منوطة بهم مسؤولية شعب أخرى بكتابة الضبط وكتابة النيابة العامة الشيء الذي من شأنه أن يؤدي إلى تراجع في عملية التحصيل وانخفاض مداخيل الغرامات والإداناتالنقدية وتقادم العدد الكبير منها؛
*عدم مراقبة إنتاج الموظفين المعهود إليهم بعملية التحصيل خارج المحكمة، وعدم مسكهم السجل إجراءات التنفيذ نموذج 604 لتحديد عدد الملفات التنفيذية المسلمة لكل مأمور على حداولمعرفة مسارها ومآلها؛
*اقتصار الكثير من مأموري الإجراءات على انجاز محاضر تحري، عدم وجود ما يحجز، عنوان مجهول، محاضر امتناع، مما أدى إلى تسجيل تراجع ملحوظ في عملية التحصيل،وبالتالي ارتفاع حجم التكفلات الباقية بدون تحصيل؛
*عدم توفر بعض مأموري الإجراءات المكلفين بالتنفيذ الزجري خارج المحاكم على وسائل التنقل؛
*عدم الاهتمام بالملفات التي تتضمن مبالغ مالية مهمة، كتلك المتعلقة بسحب شيك بدون رصيد والغرامات الغابوية؛
*عدم تفعيل مساطر التحصيل الجبري الأخرى، كالحجز والبيع؛
*عدم تمكن العديد من العاملين بمكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري من المساطر القانونية التي يتعين القيام بها في مجال التحصيل، وذلك ناتج أساسا عن عدم التخصص والتفرغ لمهام التبليغ والتنفيذ الزجري؛
*عدم احتفاظ مكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري بالموظفين المستفيدين من الدورات التكوينية المبرمجة من طرف الجهات المختصة، مع عدم تطعيمها بالعناصر المتوفرة على خبرة وكفاءة مهنية؛
*نقل العديد من الموظفين المستفيدين من الدورات التكوينية إلى مكاتب أخرى داخل المحكمة وعدم إشراكهم في عملية التحصيل؛
*ضعف تحصيل الانابات القضائية الزجرية الواردة على المحكمة، وكذا عدم تتبع الانابات القضائية الزجرية الصادرة إلى مختلف المحاكم، حيث تحفظ بالرفوف في انتظار التوصل بإفادات هذه المحاكم دون إنجاز تذاكير بشأنها، مما يستوجب معه على السيد رئيس كتابة الضبط إصدار تذاكير إلى المحاكم المعنية مع مواصلة الإجراءات المتعلقة بالإنابات الأخرى، وتوزيع الملفات على مأموري الإجراءات لمباشرة إجراءات التحصيل الجبري بشأنها؛
*عدم تتبع كتابة الضبط لطلبات الإكراه البدني المحالة على النيابة العامة التي لم يتم تنفيذها، الأمر الذي يستوجب توجيه تذاكير في الموضوع إلى النيابة العامة للإسراع بتفعيل المسطرةبخصوص هذه الملفات؛
* عدم تصفية الرسوم القضائية التكميلية وصائر المساعدة القضائية، حيث يلاحظ ان الملفات التي استفاد أطرافها من المساعدة القضائية خصوصا في إطار نزاعات وحوادث الشغل، يتم حفظها ولا تعمل كتابة الضبط على تحديدها وتصفيتها وتحصيلها، الشيء الذي يتعين معه الانكباب على تصفية هذه الملفات ومتابعة تحصيل الصوائر المتعلقة بها، طبقا لمدونة تحصيل الديون العمومية؛
*عدم تحديد وتصفية المصاريف القضائية في الميدان الجنائي؛
*البطء في الإجراءات وضعف آليات المراقبة والإشراف على مستوى المحاكم؛ . عدم قيام النيابة العامة لدى المحاكم بالدور المنوط بها في المراقبة والتتبع للأطراف الفاعلة بالتبليغ والتنفيذ الزجري داخل وخارج المحاكم، باعتبارها المشرف الأول على مكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري، نظرا لأن المبالغ المتحصلة من الغرامات والإدانات النقدية تعتبر اموالا عمومية يتعين مراقبتها باستمرار؛
*عدم مؤازرة النيابة العامة لمكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري بالشكل المطلوب؛
*عدم مؤازرة الضابطة القضائية لهذه المكاتب، مع تراخي النيابة العامة في إعطاء تعليمات صارمة إليها بهدف المؤازرة والإسراع بتنفيذ طلبات الإكراه البدني المحالة عليها وضبط عناوين المتهمين وهوياتهم أثناء إنجاز المحاضر؛
*عدم مشاركة موظفي كتابة النيابة العامة في عملية التحصيل؛
*ضعف تأطير وتوجيه الموظفين العاملين بمكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري، الشيء الذي انعكس سلبا على عمليتي التبليغ والتنفيذ، مما يستوجب معه بذل مزيدا من الجهد للرفع من الكفاءة المهنية للموظفين المعنيين بالأمر، وخصوصا مأموري الإجراءات المكلفين بعملية التحصيل خارج المحكمة؛
*عدم تمكن العديد من رؤساء كتابات الضبط من تصريف أشغال مكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري بالشكل المطلوب، وانهماكهم في أشغال باقي المكاتب بالمحكمة الشيء الذي يؤثر سلبا على هذه المكاتب؛
*عدم اعتماد نظام المعلوميات بشأن العمليات المنجزة بمكاتب التبليغ والتنفيذ الزجري، وذلك لتسهيل عملية المراقبة والتتبع على المستويين المركزي والمحلي؛
*ضرورة تحفيز الموظفين المكلفين بعملية التحصيل.
وللدلالة على تعثر سير التنفيذ الزجري يكفي التذكير بأن ثلث الغرامات المتحمل بها فقط يتم تنفيذه من طرف المحاكم وأنه من مجموع 6.023.414.474 درهما تم التحمل بها من طرف المحاكم خلال المدة المتراوحة بين سنة 1993 (تاريخ إنشاء الحساب الخاص ويونيو 2012 لم ينفذ خلال نفس الفترة سوى 2.031.627.421 درهما (أي 33%). وهو ما يتطلب وضع نظام جديد لتنفيذ العقوبات المالية المحكوم بها ولو اقتضى الأمر إسناد ذلك إلى جهات متخصصة من القطاع الخاص، أو إلى هيئة عمومية منفصلة عن المحاكم.
كما يتطلب الأمر التحكم في مشكل تبليغ الأحكام ووضع نظام معلوماتي لتداول الملفات بالمحاكم يمكن من الإحالة المباشرة والفورية للملفات القابلة للتنفيذ على الجهة المكلفة بالتنفيذ الزجري.
وتقترح كذلك فرض غرامات عن التأخير في الأداء لتحفيز المحكوم عليهم على الأداء.