الحبس و الغرامة بسبب تسليم شهادة طبية غير صحيحة

حكم قضائي: الحبس و الغرامة بسبب تسليم شهادة طبية غير صحيحة

حكم قضائي: الحبس و الغرامة بسبب تسليم شهادة طبية غير صحيحة

أصدرت المحكمة الابتدائية بمدينة واد زم (وسط المغرب) بتاريخ 11-03-2019 حكما ابتدائيا قضى في منطوقه بمؤاخدة طبيب من أجل تسليمه شهادة طبية غير صحيحة نافذة، والحكم عليه بسنة واحدة حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها ألف درهم1.

ويعتبر هذا الحكم من الأحكام النادرة، بحيث غالبا ما كانت هذه القضايا تنتهي بالبراءة لصعوبة الإثبات، رغم كثرة المؤشرات على ظاهرة الشهادات غير الصحيحة والتي يطغى عليها طابع المجاملة. وما يفاقم من إشكالات هذه الظاهرة، هو أن هذه الشهادات تكون في أحيان كثيرة سببا في زج مجموعة من الأبرياء في السجون بشكل يؤثر في تدني مؤشر الثقة والنجاعة في العدالة، ويساهم بشكل سلبي في تكبد شركات التأمين خسائر مادية كبيرة”2.

وقائع القضيـــــــــــــــــــة

تتعلق وقائع القضية التي صدر بشأنها منطوق الحكم أعلاه، في كون امرأة تقدمت بشكاية ضد جارتها تتهمها فيها بتعريضها للضرب والجرح معززة شكايتها هاته بشهادة طبية مسلمة من طرف طبيب معتمد بها مدة الحجز 35 يوما، وهي مدة طويلة جدا في عرف القضاء المغربي. وعند الاستماع الى المشتكى بها صرحت أنها تبادلت السب والشتم مع جارتها ولكنها لم تعرضها لأي عنف أو جرح، فيما صرح الطبيب أن المشتكية عندما طلبت منه الشهادة كان ضغطها منخفضا ونقلت له أنها تشكو من آلام في الرأس وأنه لم يسألها عن الغرض من هذه الشهادة. وعند مواجهته بتقرير الطب الشرعي كون المشتكية لا تعاني من أي عجز، صرح بأن عامل الوقت قد يكون وراء انتهاء عجزها.

وبعد عرض محاضر الشرطة القضائية على النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمدينة واد زم، تمت متابعة الطبيب بتهمة “صنع شهادة طبية تتضمن بيانات كاذبة بشأن العجز المضمن بها”، بينما تمت متابعة المشتكية التي أدلت بشكايتها مرفقة بهذه الشهادة الطبية بتهمة تقديم “الوشاية الكاذبة”، طبقا للفصلين 364 و 445 من القانون الجنائي المغربي. وبعد عرض القضية على المحكمة ومناقشتها علنيا أصدرت المحكم المذكورة مقررها بالإدانة المسطرة أعلاه في حق المتهمين.

أسباب الإدانة

تبين قراءة الحكم موضوع هذه النازلة، كما غيرها من النوازل المشابهة، أن العنصر الحاسم فيها هو عنصر إثبات التهمة في مواجهة الطبيب بالأساس لكون هذا الموضوع في المغرب تتداخل فيه عدة عوامل تربط بما هو مهني خاص بالأطباء. فعلى المحكمة أن تعتمد على خبرة طبيب آخر، مما يجعلها غالبا عرضة لتقارير مبنية على المحاباة المهنية أو الانتصار المهني الفئوي، أكثر مما هي مبنية على الاعتبارات العلمية.

وفي القضية الحاضرة، تميزت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمدينة واد زم بأن عرضت المشتكية على الخبرة الطبية المضادة للتأكد من نسبة العجز التي أدلت بها بواسطة الشهادة الطبية ليتضح فيما بعد أنها نسبة غير صحيحة. وبناء عليه، قررت المحكمة مؤاخذة المتهم الطبيب بالمنسوب اليه والحكم عليه بالعقوبة المبينة أعلاه .

وبعد هذا الحكم النادر في المغرب والذي يأتي وسط اتهامات من طرف الرأي العام بتفشي ظاهرة الشهادات الطبية المتضمنة لبيانات غير صحيحة والتي كثيرا ما أسهمت في إدانة أبرياء أمام المحاكم وخاصة في جرائم الضرب والجرح وغيرها، يتوقع أن يكون له وقع على الحد من هذه الظاهرة التي ينبغي كذلك معالجتها مهنيا وأخلاقيا وليس فقط قضائيا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق