مقدمــــة
يعتبر الزواج من أهم القرارات التي يمكن الإنسان أن يأخذها في حياته، و لهذا عرفه المشرع المغربي بأنه” ميثاق تراض و ترابط شرعي بين رجل و إمرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان و العفاف و إنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين طبقا لأحكام هذه المدونة” فعلى هذا الأساس فالزواج لا يعد عقد تملك أو انتفاع، بل هو ارتباط وثيق بين الزوجين مدى الحياة كما أنه عقد عظيم سماه المشرع بالميثاق ، كونه عقدا يحقق مـصلحة العبـاد في الـدنيا والآخـرة عـن طريـق جلب المنفعة ودفع المفسدة أو حتى التقليل منها.
فقد أولاه الشارع الحكيم وحتى القانون الوضعي استنادا إلى مبادئ الشريعة عناية فائقة، بوضع نظـام دقيـق لكـل مـسائله منذ المراحل السابقة لإبرامه حتى انحلاله بالطلاق أو بأية وسيلة أخرى.
وبالنظر إلى أهمية وخطورة هذا العقد أوجدت مرحلة سابقة عليه هي مرحلة الخطبة، وقد عرفها أحد الفقهاء بأنها “طلـب الرجل النكاح من امرأة معينة خالية من الموانع الشرعية” فهي لا تعد تصرفا شرعيا مستقلا بل تمهيدا لتصرف آخر هـو عقـد الزواج، وهي المدخل الطبيعي الموصل إلى ارتباط الرجل بالمرأة في زواج صحيح، فكان الواجـب عـلى كـل مـن المـرأة والرجـل التدقيق باختيار الآخر، خاصة أن الزواج شرع ليكون أبديا بين الزوجين، فهي وسيلة للتعارف والتحري يتوصل من خلالها كـل من الخاطبين إلى معرفة مدى صلاحية أحدهما للآخر، فإن تلاقت الرغبات أقدما على العقد بإصدار الإيجاب والقبول.
فالخطبة مجرد وعد لا عقد، وقد نصت المادة الخامسة من مدونة الأسرة المغربية، على أن “الخطبة تواعد رجل و امرأة على الزواج، ولكل من الخاطبين العدول بأي وقت يشاءانه قبل إتمام الزواج، وهو ما تؤكـده المـادة 6 من مدونة الأسرة “يعتبر الطرفان في فترة خطبة إلى حين الإشهاد على عقد الزواج، و لكل من الطرفين حق العدول عنها.
و عند إلحاق أحد الطرفين ضرر بالآخر في مرحلة الخطبة، فإن له المطالبة بالتعويض حيث تنص المادة السابعة من مدونة الأسرة على :”مجرد العدول عن الخطبة لايترتب عنه تعويض
غير أنه إذا صدر عن أحد الطرفين فعل سبب ضرر للأخر، يمكن للمتضرر المطالبة بالتعويض .”
و عليه فإنه إذا ما ترتب على استعمال هذا الحق مضرة للغير أو حاد صاحبه عما قصد منـه شرعـا، عـد ذلـك تعـسفا وجـب درؤه، ويتحمـل المتعسف تبعات ذلك وأهمها التعويض، لأن التعسف فيها يشكل من الخطورة من حيث آثاره الـشيء الكثـير، وذلـك لتعلـق الضرر بالجانب المعنوي أكثر من الجانب المادي، كـما ترجـع أهميتـه إلى أنـه يتنـاول جانبـا
عمليا في كل من الفقه الإسلامي ومدونة الأسرة المغربية لما له من ارتباط كبير بواقع الناس، حيث تنـاول أهـم الـروابط التـي تربط الأفراد في المجتمع وهي العلاقات الأسرية، ولأن الحاجة تدعو إليه، أين ترتقب زيادة في نسبة كل من التعسف في حـق العدول عن الخطبة، ومن ثم جاء هذا الموضوع ليبين بوضوح حدود استعمال هذين الحقين وتبعات تجاوزهما.
و علىه،
و لأجل الإجابة على هاته الإشكالية و منها على موضوع عرضنا فإننا سنعمل على معالجته وفق المنهجية التالية:
المبحث الأول: الطبيعة المفاهيمية و القانونية للخطبة و شروط العدول عنها.
إن التعويض عن الضرر عند العدول عن الخطبة، يبين بما لا يدع مجالا للشك أنه و على الرغم من أن مدونة الأسرة المغربية جعلت العدول عن الخطبة اختياريا و يمكن لأي من الخاطب أو المخطوبة استعمال هذا الحق متى شاءا، إلا أنه جعل هذا العدول الإختياري مشروطا بعدم إحداث ضرر للطرف الأخر، علما أن مدونة الأسرة المغربية لم تتحدث عن أنواع هذا الضرر و كيفية حدوثه و تركت الأمر للفقه لسبر أغواره، ومنه يمكن القول أن العدول عن الخطبة رغم أنه إختياري فإنه مشروط بعدم إلحاق الضرر بالطرف الأخر، فماهي إذن شروط العدول عن الخطبة(المطلب الثاني) و قبل الحديث عن هذه الشروط لابد بداية من الوقوف على الإطار القانوني و المفاهيمي للخطبة(المطلب الأول)
المطلب الأول: الإطـــــار المفاهيمي و القانوني للخطبة.
تعتبر الخطبة أول خطوة في سبيل تكوين الرابطة الزوجية، ونظرا إلى المقصد من تشريعها تكون وسيلة للتعارف والتقارب بين الخاطبين من أجل تحقيق الهدف منها، والذي يعد ممهدا للزواج.
الخطبة في اللغة : من الخطب وهو الشأن أو الأمر، وخطبة المرأة دعوتها إلى الزواج.
في الاصطلاح :عرفها المالكية بأنها التماس التزويج والمحاولة عليه.
و الخطبة بكسر الخاء هي التماس الزواج من امرأة معينة، بتوجيه هذا الالتماس إليها أو لوليها، كـما يمكـن أن تكـون الخطبـة صريحة أو بالتعريض.
وتستمد الخطبة طبيعتها من معناها اللغوي الذي لا يكاد يفـارق المعنى الاصطلاحي، وهو أنها طلب أو التماس المرأة للزواج، وبالتالي هي ذلك الإجراء الذي يقوم به راغـب الـزواج مـن أجـل
تبليغ نيته للمرأة التي يريد الارتباط بها، وأن أكثر ما يمكن أن يترتب على الخطبـة هـو تواعـد بـالزواج، وهـذا مـا يظهـر مـن مباحث النكاح المبثوثة بكتب الفقه الإسـلامي وفي هـذا مـا يـدل عـلى انـصراف الخطبـة إلى الـشروع في النكـاح.
فالخطبـة في الشريعة ليست عقدا وإنما هي تمهيد للتعاقد، غير أن الخلاف الذي يقع بين الفقهاء هو مدى لزوم هذا الوعد، وقد انقـسم الفقه الإسلامي إلى مجموعتين فالأولى ترى أن الخطبة وعد ملزم يجب الوفاء به، أمـا المجموعـة الثانيـة فهـي تـرى العكـس وبالتالي الخطبة هي وعد ملزم.
أما فقهاء القوانين الوضعية فقد إنقسمو حول طبيعتها إلى فريقين، فمنهم من اعتبرها مجـرد وعـد بالتعاقـد ومـنهم مـن أعطاهـا الصبغة العقدية.
حيث نجد أصحاب النظرية العقدية للخطبة، يرون بأنها تقوم على أساس أنها عقد يتم بين الطرفين، وهو عقد صحيح وملزم، شأنه في ذلك شأن كافة العقود الملزمة لجانبين.
حيث يعتبر هذا الاتجاه أن للخطبة صبغة عقدية إلزامية، بحيث أن ما يدور بين الخاطب والمخطوبة من إيجاب وقبول حول إتمـام إجراءات الزواج يعتبر بمثابة عقد، ويرتكز أصحاب هذه النظرية على المفهوم العادي للعقد والأركان العامة التي يقوم عليهـا، فالعقد وفق التعريف الكلاسيكي هو اتفاق بين شخصين يلتزم كل منهما بالقيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل،
أما الجانب الثاني فيمثل فاعتبر أن الخطبة هي مجرد وعد، وفقا للشريعة الإسلامية ولكل من الخاطبين العدول عنها بعد وقوعهـا وهـو الموقـف الذي تبناه المشرع المغربي، فهي لا تعدو أن تكون وعدا وليست عقدا، وإن تمت باتفاق الطـرفين، فـلا تبـيح مـا يباح بعقد الزواج.
ولقد أكدت الشريعة الإسلامية والقضاء المغربي على ذلك من خلال الأحكام المتعلقة بعدم الإقرار بنسب الطفل الذي حملت به أمه خلال فترة الخطبة، وذلك على أساس أن الخطبة لا تبيح ما يبيحه الزواج.
ويبدو أن قانون الأسرة قد خالف القاعدة المقررة في قانون الالتزامات و العقود، فمن جهة اعتبر الخطبة وعد بالزواج، ومـن جهـة أخـرى اعتبرها غير ملزمة، بإجازته العدول لكلا الطرفين، وتطبيق النصوص بهذه الصفة يؤدي إلى تـضارب الأحكـام في كـلا القـانونين، والجدير بالذكر أن القانون المدني يعتبر الشريعة العامة، أما قانون الأسرة فهو قـانون خـاص والأصـل أن الخـاص يقيـد العـام، ومن ثمة فإن أحكام مدونة الأسرة هي التي تؤخذ بعين الاعتبار.
المطلب الأول: شــــــــــــــــــــــــــروط الـــــــــعدول عن الخطبة.
من خلال هذا المطلب سوف يتم التطرق إلى شروط العدول عن الخطبة في الشريعة الإسلامية ثـم بعـد ذلك شروط العدول عن الخطبة على ضوء مدونة الأسرة المغربية، فبخصوص شروط الخطبة في الشريعة الإسلامية، نجد أن العدول عن الخطبة نتيجة طبيعية لرفض أحـد طرفيهـا الاسـتمرار فيهـا وإتمـام الـزواج، لأن كـلا مـن الخطبـة والـزواج رضائيين، والقول بغير ذلك يجعل الخطبة عقدا ملزما، ويجعل الزواج يتم بالإكراه، وكلاهما لا يصح باتفاق المذاهب الإسلامية، فالخطبة وعد بالزواج ولا ترقى على مرتبة العقد، وأنه يجوز العدول عن الخطبـة إذا ارتـبط العـدول بأسـباب يقبلهـا العقـل والمنطق، أما فيما يخص شروط العدول عن الخطبة على ضوء مدونة الأسرة المغربية فنجد أن الخطبة لا تتمتع بأية قوة إلزامية بالنسبة إلى الطرفين معا ولو طالت فترة الخطبـة، وهـذا معنـاه أنـه يجـوز لكـلا الخـاطبين التخلي نهائيا عن مشروع الزواج بالعدول عن الخطبة، فهما غير ملزمين بإتمام الزواج، وأن لكليهما حقا شرعيـا في العـدول، ولا يعد العدول المجرد سببا لأية مطالبة قضائية، وهو ما نصت عليه المـادة السابعة من مدونة الأسرة فإذا وقع العدول انقضت ولا يجوز للطرف الذي لم يعدل أن يطلب من القضاء الحكم له بـإلزام الطـرف العـادل بالاسـتمرار في الخطبة وإبرام عقد الزواج أو إتمام مراسيم الـدخول رغـم معارضـته أو عـدم رضـاه، لأن للخـاطبين ممارسـة حـق العـدول، ومن المعلوم أن ممارسة حق من الحقوق لا توجب الـشخص بـالتعويض وهـو المبـدأ، فالخطبـة وإن تمـت بتوافـق الإيجاب والقبول من الطرفين، فإنها لا تخرج عن كونها وعدا بالزواج في نظر المشرع المغربي.
المبحث الأول: التعويض المترتب عن العدول عن الخطبة و أثاره.
المعروف و كما سبق و أن درسنا أن العدول عن الخطبة هو حق لكل من الخاطب و المخطوبة يمارسه كل منهما متى أراد ذلك، حتى و لو طالت مدة الزواج، إلا أن مدونة الأسرة المغربية أجازت كذلك الحق في الحصول على تعويض متى حدث ضرر للطرف الذي لم يعدل عن الخطبة و إنما تضرر جراء هذا العدول، إلا أن المشرع المغربي لم يبين لنا طبيعة و نوع هذا الضرر فما مدى جواز التعويض الناتج عن الأضرار المحتملة و الواجبة التعويض، كما عالجها الفقه و القضاء المغربي(المطلب الأول)، و ماهي الأثار المترتبة على الضرر الواجب التعويض(المطلب الثاني).
المطلب الأول: مـــــــــــدى شرعية التعويض الناتج عن الضرر.
أجمع الفقهاء على أن الخطبة ليست زواجا وأنها مجرد وعد غير ملـزم بـه، وأنهـا تمهيـد أو مقدمـة لـه ولكـل مـن الخـاطبين العدول عنها لسبب أو بدونه، ومن خلال هذه الحقيقة البسيطة برزت مشكلة واجهت الفقهـاء المعـاصرين تتـصل بإمكانيـة أحد الطرفين المطالبة بالتعويض عن النكول عن هذا المشروع إذا انسحب الطرف الآخر دون مبرر.
حيث بدت الآراء متناقضة فيما يخص مدى استحقاق التعويض عن هذا الانسحاب والتراجع عن الاستمرار في مشروع الزواج.
أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد ذهب في مدونة الأسرة إلى مذهب القـائلين بـالتعويض عـن الأضرار الناتجـة عـن العـدول سواء أ كانت أضرارا مادية أم معنوية استنادا إلى المادة 7 من مدونة الأسرة.
لقد ظهرت عدة نظريات حول هذا الأساس المعتمد في حالة الفسخ، والذي ينجر عنه ضرر يلحق الخاطب أو المخطوبة وهـو ما يستلزم الحكم بالتعويض.
و ما يهمنا هو كيف تعامل المشرع المغربي الذي اعتبر التعسف في استعمال الحق خطأ يرتب المسؤولية التقصيرية المنصوص عليها في قانون الإلتزامات و العقود المغربي، والتي يشترط لقيامها كل من عنصر الخطأ والضرر والعلاقة السببية، فالعدول عن الخطبة بغير مـبرر أو بقـصد الإضرار بالطرف الآخر أو لسبب غير مشروع هو خطأ تقصيري يوجب التعويض.
ويرى بعض الفقهاء أن علاقة التعسف في استعمال الحق بالمسؤولية المدنية هي علاقة طبيعية، حيث يتمثل جـزاء التعـسف فيه بالتعويض، كما أن حالة التعـسف مـا هـي إلا صـورة مـن صـور الخطـأ، وبالتالي فإن نظرية التعسف في استعمال الحق تقوم فعـلا على فكرة الخطأ باعتبار أن صاحب الحق قد أخل بالغاية التي من أجلها قرر هذا الحق وبالتالي يكون قد أخل بفعله.
وتتمثل أركان المسؤولية الناجمة عن العدول عن الخطبة في ثلاثة أركان وهي كالتالي:
ويتضمن الخطأ عنصرا ماديا ومعنويا.
– العنصر المادي : يتمثل العنصر المادي في الانحراف عن السلوك المألوف بين النـاس بتجـاوز الحـدود الواجـب التزامهـا مما يؤدي إلى التعدي على حدود الغير،28 وتقاس درجة الانحراف بمعيارين :أولها معيـار الانحـراف في الـسلوك، فـإذا تعمد الخاطب في عدوله عن الخطبة الإضرار بالخطيبـة يعـد ذلـك انحرافـا عـن سـلوك الرجـل العـادي ومنـه تقـوم مسؤوليته التقصيرية، وثانيها معيار ضرورة الاعتداد بالظروف الخارجية في تقـدير الانحـراف، فقـد يـساهم المعـدول عنه بفعله بدفع العادل للعدول عن الخطبة سواء مـن المخطوبـة أو الخاطـب، وعـلى المـدعي إثبـات هـذا التعـدي بإقامة الدليل على توافر أركان المسؤولية التقصيرية.
– العنصر المعنوي : يشترط لاعتبار السلوك خطأ ويرتب المسؤولية أن يكون مرتكبه مؤهلا أي مميزا يعي ما يفعله، وبالنسبة للعـدول عـن الخطبة، وبما أن العدول لا يقتضي توافر شروط، فإنه لا يعد خطـأ في حـد ذاتـه ولا يوجـب التعـويض، وإنمـا يكـون الأخـير نتيجـة مـا يصاحب العدول من أفعال ألحقت ضررا ماديا أو معنوي بالمعدول عنه، وهذه الأفعال تكون ناجمة عن الخطبة في حد ذاتهـا وتعد ضمن آثارها وقد تكون أجنبية.
ويقصد به كل أذى يصيب الشخص في حق من حقوقه أو مصالحه المشروعة، والضرر نوعان ضرر مادي وآخر معنوي:
أ-الضرر المادي:
وهو ما يصيب الشخص في جسمه أو ماله، ويتمثل في الخسارة المالية أو الجسمانية التي تترتب عن المساس بحق أو مـصلحة مشروعة للمضرور، أما بالنسبة للتعسف في العدول عن الخطبة فيتمثل في مصاريف التحضير للزواج، وكذا تفويت الفرصة في الزواج بسبب طول مدة الخطبة وبعدها يعدل الخاطب.
ب – الضرر المعنوي:
التعويض عن الـضرر المعنـوي يتمثل في القذف واتهام المخطوبة في شرفها وسمعتها، ومنها ما يتعلق بالجانب العاطفي كعدول الخاطـب بـدون سـبب يؤدي إلى أضرار معنوية للمعدول عنه، فهو عبارة عن الألم والحزن الذي يلحق الإنسان جراء فعل صادر من الغير، فألم الفراق في العدول عن الخطبة ضرر معنوي، وكذا إفشاء أسرار أحدهما للغير عند العدول.
إضافة إلى جملة من الشروط التي أدرجها الفقه بخصوص توافرها في الضرر الذي يوجـب التعـويض، وهـي تتمثـل فـيما يلي :المساس بحق أو مصلحة مشروعة مادية كانت أو معنوية، وأن يكون الضرر محققا، وأن يكون الـضرر شخـصيا، وألا يكون سبق تعويض الضرر.
يعد موضوع العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر من المواضيع المعقدة جدا.
فهي ركن جوهري بكافة صورها، تفرضها بداهة المنطق ومقتضيات العدالة، فلا يكفي أن يخطـئ المـدين وأن يـضار الـدائن،بل يجب أن يكون الخطأ هو السبب في إحداث الضرر، ويقع عبء إثباتها على المدعي(الدائن)، فقد ينـتج الـضرر عـن سـبب واحد ومباشر فتقوم المسؤولية مباشرة، وقد ينتج عن تعدد الأسباب.
المطلب الثاني: أثــــــــــــــار التــــــعويض الناتج عن الضــــــــــــرر.
لما كان الشرع والقانون يجيزان لكل من الخطيبين حق العدول عن الخطبة، ولما كان العـدول ذاتـه لا يرتـب عـلى أي مـنهما تعويضا، لكن هذا الأخير يكون نتيجة ما صاحب العدول من أفعال أحدثت أضرارا ماديـة أو معنويـة بالمعـدول عنـه، وهـذه الأضرار قد تكون ناتجة عن تصرفات أجنبية، كما قد تكون غير أجنبية فإذا أقام المتضرر مـن جـراء التعـسف في العـدول عـن الخطبة دعواه أمام القاضي، وتقرر أن هناك مسؤولية تقصيرية، فإن القاضي يحكم للمدعي بتعويض عادل عن الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة به.
سنعالج في هذا المطلب التعويض عن الضرر المادي والمعنوي(أولا)، ثم كيفية تقدير التعويض(ثانيا).
أولا :التعويض عن الضرر المادي والمعنوي.
يجوز للطرف المتضرر من العدول عن الخطبة أن يطالب بالتعويض عن الضرر الذي لحق به، مما لاشـك فيـه أن العـدول قـد يسبب أضرارا مادية أو معنوية للطرف المعدول عنه، و نجد أن التعويض عن الضرر المادي يثبت الحق في الحصول على التعويض عليه بتوافر شرطين هما:
-ألا يكون لمن عدل مبرر ينزع عن أفعاله صفة السلوك الخاطئ المعتبر أساسا للتعويض، كاكتـشاف مـانع مـن موانـع الـزواج كان مجهولا قبل الخطبة.
-أن تكون للعادل يد في إحداث الضرر الحاصل للمعدول عنه، كالأمر بإجراء تصرف على
وجهة معينة، وفجأة تنقلب المـوازين رأسا على عقب، فيحدث ذلك ضررا ماليا للمتصرف وفق ذلك الرأي، كـأن يخـبر الخاطـب خطيبتـه بتـاريخ الـزواج وأن عليهـا التخلي عن عملها، وبعد استقالتها بيوم يلغي الموعد ويفسخ الخطبة والتعويض عن الضرر المادي يكون إما قانونيا أو اتفاقيا أو قضائيا، ولما كانت الخطبـة ليـست عقـدا فـإن التعـويض لا يكـون اتفاقيا، كما لا يوجد في مدونة الأسرة ما يحدد هذا التعويض ولا طريقة حسابه، مما يخرجه من دائـرة التعـويض القـانوني، إذ اكتفى المشرع بإقرار مبدأ التعويض عن العدول، فيبقى فقط التعويض القضائي الذي تمـنح فيـه الـسلطة الكاملـة للقـاضي في تقديره وكيفية دفعه.
والتعويض هو محاولة رفع الظلم عن الطرف المتضرر، ولـيس إكراهـا عـلى إتمـام العقـد، كـما ذهـب الـبعض إلى القـول بـأن الخطبة مجرد وعد بالزواج غير ملزم وأن التعويض فيه إكراه ضمني.
و بخصوص التعويض عن الضرر المعنوي، فهو أمر ثابت بموجب أحكام القانون واجتهادات القـضاء، يـسري عليـه مـا يـسري عـلى الـضرر المـادي، غـير أن الإشكال الحقيقي يكمن في إثبات هذا الضرر المعنوي، لأنه غالبا ما يكون مرتبطا بآلام نفسية تلحق المعدول عنه أو المـساس بشرفه، وذلك لأن الخطبة ليست بالأمر السري بل هي محل إشهار بين المحيطين به.
لكن ليست كل الأضرار المعنوية ناتجة عن ألم العدول طـول فـترة الخطبـة، إذ مـن المتـصور أن تكـون الأضرار المعنويـة التـي لحقت المخطوبة بعد عدول الخاطب ترجع إلى أسباب تعود إليه وحده، كما لو قام بإثارة إشاعات حولهـا كيـدا منهـا وتلويثـا لسمعتها قصد الإضرار بها.
ثانيا :كيفية إحتساب التعويض.
لم يحدد المشرع المغربي قيمة التعويض عن الضرر في حالة العدول عن الخطبة ولا كيفية حسابه أو طريقة التعـويض، مـما يتطلــب الرجــوع إلى القواعــد العامــة المنــصوص عليهــا قانون الإلتزامات و العقود المغربي، وبــالرجوع إليه نجد أن التعويض القضائي يأخذ شكلين:إما التعويض العيني أو التعويض بمقابل.
أولا :التعويض العيني.
وذلك بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه، فبالنسبة للعدول عن الخطبة فإن كان العادل استولى على مال الطـرف الآخـر بـسبب الخطبة، أي تسبب بضرر مادي للمعدول عنه، فإنه في هذه الحال يكون التعويض عينيا بإرجاع ما استولى عليه، أما بالنسبة للتعويض عن الضرر المعنوي، فلما كان الأخير يصيب مصلحة غير مالية، كالتشهير وتشويه الـسمعة، فإنـه يجعـل
القاضي يجد صعوبة في تقديره والتعويض عنه، ومن تطبيقات التعويض العيني عـن الـضرر المعنـوي :حـق الـرد أو التـصحيح على ما تنشره الصحف، متضمنا ما ينطوي من مساس بحق من الحقوق الأدبية، كـأن يكـون العـادل عـن الخطبـة صرح عـن ذلك لوسائل الإعلام، أو صرح أنه قد عدل لاكتشافه أن تصرفات المخطوبة غير مسؤولة.
ثانيا :التعويض بمقابل.
هو أحد صور التعويض وهو الصورة الغالبة له، يقضي به القاضي عند عدم إمكان التعويض العيني، فإن كان الـضرر ماديـا في العدول يمكن تعويضه بالنقد، فالتعويض العيني هو أكثر طرق التعويض الملائمة لإصلاح الضرر، والأصـل فيـه أن يكـون مبلغـا معينا من المال يعطيه دفعة واحدة للمضرور، أو مبلغا مقسطا أو إيراد مرتب مدى الحياة.
وبالنسبة للأضرار المعنوية الناشئة عن العدول عن الخطبة، فعلى الرغم من أن تقـدير الـضرر بـالنقود أمـر صـعب، باعتبـاره ينال من حق أدبي يصعب تقديره بالمال للمعتدى عليه، إلا أنه لا يمنع ذلك، لما لـه مـن أثـر كبـير في تحقيـق ألم التعـدي عـلى شرف الإنسان واعتباره.
كما يخضع التعويض عن الضرر للقواعد العامة لقانون الالتزامات و العقود، وذلك بأخذ بعين الاعتبار الظروف المـصاحبة للأفعـال التـي كانت مصدرا للضرر، وثقافة الطرفين ومراكزهم الاجتماعية، وكذا السن والوظيفة.
قد يصيب المعدول عنها ضرر مادي، كأن تفقد وظيفتها، وضرر معنوي كأن تجرح في سمعتها وشرفها، فهنا تستحق التعـويض عن الضررين، فالقاضي عليه أن يتبين الظروف الملابسة لرفع دعوى التعـويض حتـى يكـون اقتناعـه باسـتحقاق المعـدول عنـه التعويض أو بعدم استحقاقه.
ولتقدير التعويض يجب على القاضي أن يبحث أولا عن المعيار الذي يعتبر معه الفعل خطأ يستوجب التعويض عـن العـدول عن الخطبة، وفي ذلك يرى جمهور الفقهاء، أن المعيار المعول عليه في هذا المجال هو المعيار الموضوعي، الذي يقدر بمعيـار السلوك المألوف للرجل العـادي إن وجـد في الظـروف نفـسها، وأدى هـذا الانحـراف إلى الإضرار بـالطرف المعـدول عنـه، كـان مسؤولا عن التعويض عن هذا الضرر، كما أن القاضي يراعي في تقديره للتعويض الشخص المضرور والمعيـار المعتمـد هنـا هـو المعيار الشخصي.
خـــــــــــــــاتمــــــــــــــــــــــــــــــــة:
في الختام يتبين أن هذا الموضوع، يظهر أهمية التفاهم و الحذر في علاقات الخطبة، حيث يمكن أن يؤدي العدول عن الخطبة إلى تداعيات قانونية و اجتماعية، يجب على الأفراد أن يكونوا على علم بحقوقهم و التزاماتهم في مثل هذه الحالات، كما أن العدول عن الخطبة حتى و إن حصل فيجب أن يكون دون ترك أضرار نفسية و مادية على الطرف الأخر، فقط لأن الخطبة إنتهت، بل لابد من التقيد بأساسيات التعامل الجيد و إحترام الأخرين رغم الخلافات، و هذا هو التجسيد الحقيقي لمبدأ التعايش مع الأخر حيث يشمل التفاهم المتبادل و التسامح و التقدير للتنوع الثقافي و الاجتماعي، و يتضمن أيضا القدرة على حل النزاعات بشكل بناء و التعاون مع الأخرين من أجل تحقيق الفهم المشترك و التعاون في مختلف جوانب الحياة، و بالتالي فالتفاهم و التواصل الجيد لتجنب الصراعات و التكاليف القانونية و العواقب المحتملة للعدول عن الخطبة هو الحل الأمثل، فالعدول من الأفضل حتى إن وقع أن يكون دون أضرار، حتى نجسد مجتمع التعايش و الإحترام و الإختلاف.