حكم بلانكو الصادر سنة 1873 محكمة التنازع

تقرير حول حكم بلانكو الشهير الصادر سنة 1873

عالـم القانون2 أبريل 2024
حكم بلانكو 1873

اختصاص – مسؤولية
محكمة التنازع 8 شباط / فبراير 1873 بلانكو
مجموعة الملحق الأول ص 61 تقرير دافيد (1)

 

من حيث أن محل الدعوى المقامة من السيد بلانكو ضد مدير إقليم الجيروند – ممثلاً للدولة – هو تقرير مسؤولية الدولة مدنياً، تطبيقاً للمواد 1382 و 1383 و 1384 من التقنين المدني عن الضرر الناشئ عن الجرح الذي أصيبت به ابنته بفعل العمال الذين تستخدمهم إدارة التبغ.

ومن حيث أن المسؤولية التي يمكن أن تقع على الدولة عن الأضرار التي تسببها للأفراد أفعال الأشخاص الذين تستخدمهم في المرفق العام لا يمكن أن تحكمها المبادئ التي وضعها التقنين المدني لتنظيم الروابط بين الأفراد بعضهم ببعض.
وأن هذه المسؤولية ليست عامة ولا مطلقة، بل إن لها قواعدها الخاصة التي تتغير تبعاً لحاجات المرفق ولضرورة التوفيق بين حقوق الدولة والحقوق الخاصة،وأنه بذلك وطبقاً للقوانين المشار إليها أعلاه يكون القضاء الإداري وحده مختصاً بنظرها …. (تأييد قرار التنازع).

و تعود و قائع النازلة إلى طفلة، وقعت وجُرحت فرفع والدها دعوى تعويض أمام القضاء العادي ضد الدولة باعتبارها مسؤولة مدنياً عن الخطأ الذي ارتكبه عمال المصنع.
وإذ رفع طلب التنازع كان على محكمة التنازع أن تحسم مسألة – مع ترديد عبارة مفوض الحكومة دافيد – من له من جهتي القضاء الإداري والعادي الاختصاص العام بنظر دعاوى التعويض ضد الدولة».

وقد عرف الحكم الصادر في هذه المناسبة حظاً فريداً، فقد اعتبر خلال عهد طويل حكم المبدأ وحجر الزاوية في القانون الإداري كله. ويتمسك بعض الكتاب الآن بزوال أهميته لو كانت له تلك الأهمية التي أسبغت عليه، ودون الدخول في هذه الخلافات يجب بحث ما أضافه هذا الحكم وحدوده.

أولاً : ويتعلق ما أضافه هنا الحكم سواء باختصاص القضاء الإداري وبمضمون القانون الإداري ذاته فهو ينشئ رابطة بين الأول والثاني.

1 – ففيما يتعلق بالاختصاص يقرر حكم بلانكو أولاً التخلي نهائياً عن معيار تحديد الاختصاص القائم على النصوص التي مقتضاها ألا يكون إلا للمحاكم الإدارية تقرير مديونية الدولة ).

فاعتباراً من ذلك لا تظل باقية إلا الإحالة إلى قوانين 16 – 24 آب/ أغسطس 1790 و 16 فركتيدور عام ثالث وحدها، التي تحظر على المحاكم العادية أن تعرقل بأية طريقة أياً ما كانت أعمال الأجهزة الإدارية و أن تنظر أعمال الإدارة من أي نوع كانت.
وقد فسر مفوض الحكومة دافيد هذه النصوص بأن المحاكم العادية لا تختص إطلاقاً بنظر جميع الدعاوى المقامة ضد الإدارة بسبب المرافق العامة – أياً كان محلها – وحتى ولو كانت تستهدف لا قيام القضاء العادي بإلغاء أو تعديل أو تفسير أعمال الإدارة، ولكن فقط مجرد الحكم عليها بمبالغ مالية تعويضاً عن الأضرار التي تسببها هذه العمليات.

وهكذا يظهر المرفق العام بدءاً من ذلك معيار الاختصاص الإداري، فيؤكد الحكم والتقرير إطلاق الاختصاص الإداري في أنزعة المسؤولية كصفة خاصة، واستبعاد أي نظر عن الإدارة الخاصة، فيستبعد المفوض صراحة اختصاص القضاء العادي وتطبيق القانون المدني، مع أن الأمر في القضية يتعلق بمصنع تبغ ذي شبه كبير بالمنشأة الصناعية الخاصة وبأفعال نسبت إلى مجرد عمال هم خارج التدرج الإداري
والأمر كذلك حتى لو كان العامل الذي سبب الضرر في تنفيذ المرفق ليست له صفة الموظف ولكنه مستخدم معاون أو تابع للإدارة ارتبطت معه بمقتضى عقد أبرم طبقاً للقواعد العامة.

2 – وفيما يتعلق بجوهر القانون يذهب حكم بلانكو إلى ما هو أبعد من موضوع مسؤولية الدولة فتسري حيثياته في شأن القانون الإداري في مجموعه، فهي من ناحية تستبعد المبادئ التي وضعها التقنين المدني، ومن ناحية أخرى تؤكد الطبيعة الخاصة للقواعد التي تسري
على المرافق العامة .

ونلاحظ في شأن النقطة الأولى جرأة القاضي في استبعاد تقنين وضعه المشرع فإن كانت الصيغة يمكن أن تستند إلى تقليد تاريخي كامل فيظل التأكيد مع ذلك قضائياً وحاسماً.

وتتضمن ذات الطبيعة الخاصة للقواعد المطبقة على المرافق العامة مظهرين :

يتعلق الأول بذاتية القانون الإداري، وتقوم ليس فقط في خروجه على القانون المدني، ولكن كذلك في أنه يكون نظاماً ذاتياً خاصاً بمنطقه وحلوله، وهذه الحلول – وهي المظهر الآخر – تبررها حاجات المرفق. وهكذا فإن المرفق العام وهو معيار الاختصاص الإداري هو في ذات الوقت أساس القانون الإداري، ولا يستبعد الحكم عنصر السلطة تماماً، عندما يبين أنه لا يمكن أن تنطبق على الدولة القواعد السارية على العلاقات بين فرد و فرد ويذكر بحقوق الدولة».

ومع ذلك فواضح أولوية اعتبار المرفق العام وحاجاته. فهذا الاعتبار هو الذي أدى بالمحكمة إلى اعتبار مسؤولية الدولة ليست عامة ولا مطلقة.

3 – وتأكد مبدأ ربط الاختصاص والموضوع فكل من التقرير والحكم نفسه على السواء، يقيم رابطة مباشرة تبادلية بين تطبيق القواعد الذاتية المستقلة autonome غير المألوفة exorbitant في القانون الخاص، وبين اختصاص القضاء الإداري.

وهكذا كان حكم بلانكو علامة تحول في القضاء الإداري حتى وإن كان لم يفعل أكثر من سلوك الحلول السابقة في نظام واحد، حتى وإن أصبح بعض ما قرره محل نظر فيما بعد.

ثانياً : أما حدوده فقد ظهرت في الواقع نتيجة تدخلات تشريعية أو قضائية أثرت في كل من عناصر الإضافة المبينة التي جاء بها.

1- ففيما يتعلق بالاختصاص ليس معيار المرفق العام مطلقاً سواء في القضاء أو التشريع.
أ ـ لا يستبعد القضاء في تبرير اختصاص القاضي الإداري معايير أخرى؛

فبصفة خاصة تكفي ممارسة السلطة العامة التي أشار إليها مفوض الحكومة دافيد في تقريره في قضية بلانكو، لأن تؤدي إلى هذا الاختصاص ) ، حتى بما في ذلك في شأن المسؤولية.

وعلى العكس لا يكفي المرفق العام وحده دائماً لأن يؤدي إلى الاختصاص الإداري:

فقد يوجد في قضية، دون أن تدخل هذه بذلك وحده في اختصاص القاضي الإداري. فالأمر كذلك في حالة الإدارة الخاصة لمرفق عام.

وقد عرض التقرير في حكم بلانكو لهذه الحالة [ الدولة المالك» و«الدولة شخص مدني أهل للالتزام بالعقود طبقاً للقواعد العامة، وسيتم تطويرها في تقرير مفوض الحكومة روميو في قضية تربية، ثم إقرارها في حکم 31 تموز / يوليو سنة 1912 شركة الجرانيت السماقي بفوج » بالنسبة (تنازع) العقود.

وقد أخذ به ـ خلافاً لما حبذه دائيد سنة 1873 – في أنزعة المسؤولية غير التعاقدية وخاصة بالنسبة للمرافق العامة الصناعية والتجارية التي يدخل نظر انزعتها من حيث المبدأ في اختصاص القضاء العادي).

وفي هذا الصدد، إذا كان مرفق الشيخ والكبريت في الأصل مرفقاً عاماً ذا طبيعة إدارية، فلا يسمح تحويله إلى مؤسسة عامة صناعية وتجارية .

ثم إلى شركة تجارية 1980 ثم إلى قطاع خاص عام 1995، بأن يُطبق عليه الآن حل حكم بلانكو وقد ترتبط الإدارة الخاصة للمرفق العام ليس فقط بمحله ولكن بأن يُعهد به إلى شخص خاص، فلا يكفي وجود مرفق عام وحده للاختصاص الإداري بنظر أنزعته التعاقدية وغير التعاقدية ) : فلكي يختص القاضي الإداري بالحكم في تعويض الأضرار التي يسببها هذا الشخص، يجب أن تنشأ في نفس الوقت من أداء المرفق العام ومن ممارسة أحد امتيازات السلطة العامة.

ب ـ وقد خالف المشرع نفسه قواعد الاختصاص التي استخلصتها محكمة التنازع في حكم بلانكو

وبصفة خاصة أحال قانون 31 كانون الأول / ديسمبر 1957 إلى القضاء العادي، مخالفة للمادة 13 من قانون 16 – 24 آب/ أغسطس سنة 1790 منازعات التعويض عن الأضرار أياً كان نوعها الناشئة عن مركبة أياً كانت عدا تلك التي تلحق الميدان العام (م1).
وفي تطبيق هذا القانون فسر القضاء مدلولة المركبة أوسع تفسير بتطبيقها صفة خاصة على كراكة شهرية (3) ، وكاسحة جليد) وطائرة (5) وقارب (6) ومعدية (1) وعربة يد (2). ووسائل معامل ومع أخذ هذه الأحكام في الاعتبار فلا شك على الإطلاق في أن المنازعة بشأن الضرر الذي سببته للطفلة بلانكو عربة صغيرة يدخل اليوم في اختصاص القضاء العادي على أساس قانون 31 كانون الأول/ ديسمبر 1957.
ولكن هذا القانون لا يرد إلا على المسؤولية غير التعاقدية الناشئة عن تدخل مركبة، فلا ينطبق لا على الأنزعة بين طرفي عقد إداري ولا على مسؤولية الأشخاص العامة القائمة على خطأ في تنظيم موقع عمل ومراقبته الذي ساهم في حادث مركبة  ولا على الأمور
الأجنبية عن المسؤولية. وتبين الفقرة السابق ذكرها من تقرير مفوض الحكومة دافيد أنه إذا كان يمكن الجدل حول الاختصاص الإداري بشأن التعويض، فلا يثور تساؤل بشأن إلغاء أو تعديل قرار من الإدارة، فيثبت الاختصاص الإداري تلقائياً.
وتجد صدى لهذا التقرير في حكم المجلس الدستوري في 23 كانون الثاني / يناير 1987 و 28 تموز / يوليو 1989(6) اللذين اعتبرا بالتحديد أنه يدخل في الاختصاص النهائي للقضاء الإداري إلغاء أو تعديل القرارات التي تتخذها الجهات الإدارية. فإذا كان تم تجاوز حكم بلانكو من بعض النواحي على هذا الوجه، فما زال للتقرير الموضوع فيه امتداد حالي.

2 – وفيما يتعلق بموضوع القانون الإداري،

فذاتيته واستقلاله إزاء القانون المدني لیست بارزة بوضوح كما قد يحمل حكم بلانكو على الاعتقاد ففي المحل الأول يحدث أن يُطبق القضاء الإداري بصراحة مواد القانون المدني (مثلاً المواد 1153 و 1154 بشأن الفوائد التأخيرية والتعويضية وضمها إلى رأس المال) أو المبادئ التي تستلهمها هذه المواد (2) . ولكن القاضي الإداري هو الذي يقرر في جميع الأحوال إذا كان ثمة محل التطبيق التقنين المدني أو مبادئه .
في المحل الثاني فقد تقارب القضاء الإداري والعادي في بعض نواحي قانون المسؤولية، ولم تنشأ عن ذلك حتى في هذه الحدود، وحدة المسؤولية الإدارية والمدنية، فلا زالت ذاتية الأولى قائمة ولكنها أخذت معنى جديداً : فإذا كانت لا زالت تتضمن في بعض المجالات – تطبيقاً للمعنى الأصلي لصيغة حكم بلانكو – قواعد أقل إفادة للأفراد من تلك التي كان يؤدي إليها تطبيق التقنين المدني تطلب خطأ جسيماً مثلاً)، فغالباً ما تؤدي أكثر فأكثر إلى إقرار مسؤولية الإدارة في أحوال ما كان القانون المدني ليسمح فيها بتعويض الضرر وأخيراً يظهر ذلك المبالغة في صيغة أن مسؤولية الدولة ليست عامة ولا مطلقة». فبكل تأكيد لا تعوض الإدارة بدون أي شرط الضرر الذي تسببه . ولكن تمت معالجة هذه الشروط على وجه بحيث يجد المكلفون في المسؤولية الإدارية حماية فعالة ضد الإدارة وعامليها، كما يشهد بذلك بصفة خاصة إقرار مسؤولية الإدارة عن أخطاء عامليها الشخصية، وتطور المسؤولية بغير خطا.

3 – وربط الاختصاص والموضوع ليس مطلقاً.

فالمؤكد أن المشرع كثيراً ما كفاه تعديل قواعد الاختصاص ليحدد بذلك ذاته القانون الواجب التطبيق على النزاع المعني كما يكفي اعتبار مبادئ القانون العام منطيقة لإقرار اختصاص القضاء الإداري وحده بنزاع ما ولكن قد يتحقق الانفصال بين الاختصاص والموضوع؛ وعلى هذا فالمحاكم العادية المختصة بنظر الدعاوى بشأن مرفق عام القضاء تطبق عليها القانون الإداري)، أوليس هذا الحل تأكيداً لحكم بلانكو فيما يتعلق بخصوصية القانون الواجب التطبيق على المرفق العام، وبالاستنتاج العكسي فيما يتعلق بالاختصاص الإداري بشأن المرفق العام غير القضاء؟
وأخيراً، لم تعدل مبادئ حكم بلانكو بصفة أساسية رغم ما أدخل عليها فيما بعد من تنويع وهكذا فلا زال يمكن ترديد حيثياتها عند اللزوم.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق