الشفعة في إطار بيع العقار بالمزاد العلني

عالـم القانون28 أغسطس 2024
الشفعة في إطار بيع العقار بالمزاد العلني

ودون الدخول في مقدمات أكاديمية من تعريف للشفعة وأسس جوازها وآجالها وغيرها من المفاهيم نتناول مباشرة الإشكال القانوني المطروح،  فإذا كانت الشفعة في إطار البيع الرضائي لا تعرف جدلا فقهيا وكثرة في الأحكام والاجتهاد القضائي فإن الشفعة في إطار البيع بالمزاد العلني طرحت إشكالا وغيابا لموقف واضح سواء على مستوى العمل والاجتهاد القضائي من جهة ونقاشا فقهيا نادرا تتنوع مواقفه بين رافض ومعارض من جهة وموقف موافق ومؤيد من جهة ثانية.
وسيكون من المفيد التعرض بإيجاز أولا للموقف الفقهي من خلال الكتابات المنشورة ثم التعرض ثانيا لموقف القضاء المغربي على مستوى المجلس الأعلى ثم أخيرا إبداء الملاحظات أوليا بخصوص :

 

أولا : اختلاف الفقه بخصوص جواز الشفعة في إطار البيع بالمزاد العلني.

يمكن إيجاز المواقف في موقفين اثنين موقف مؤيد وآخر معارض ويمكن إيجاز مؤيدات كل موقف على حدة.

أ – مؤيدات الموقف المؤيد للأخذ بالشفعة

نجد في هذا المجال الدكتور محمد ابن معجوز يذهب إلى جواز الأخذ بالشفعة في هذا النوع من البيوع استنادا لكون ليس هناك فرق أو خلاف بهذا الشأن وبغض النظر من كون الشفيع حاضرا أثناء المزايدة أم لم يكن حاضرا.*1
كما نجد الأستاذ محمد المحجوبي يسير في نفس الاتجاه وفي نوع من التوسط بحيث يرى أن الشفعة تجوز للشريك إذا لم يحضر المزايدة أو لم يتم إعلامه بها أما إذا كان حاضرا أثناء المزاد ولم يشارك أو استدعي ولم يحضر فلا شفعة له.*2

وعلى العموم يمكن إيجاز مؤيدات الموقف المؤيد أنه لا يوجد نص قانوني يمنع الشفعة في البيع بالمزاد العلني.

ثانيا : مؤيدات الموقف الرافض للشفعة

في هذا المجال نجد الأستاذ مأمون الكزبري يساوي ويقوم بالقياس بين البيع بالمزاد العلني والبيع الجبري في إطار قانون 1946/11/16 المتعلق بملكية الشقق والطبقات، فإذا كان المشرع لم يجز الشفعة في نطاق هذا القانون إذا كان هناك بيع جبري للشقة فمن غير المعقول الأخذ بالشفعة في البيع بالمزاد العلني ككل، كما يعتمد في رأيه بموقف القضاء اللبناني والديني برفض الأخذ بالشفعة*3
وهذا الموقف غير مستساغ من الناحية القانونية ذلك أن الحق المنصوص عليه في إطار قانون 1946/11/16 لا يتعلق بحق الشفعة وإنما بحق الأفضلية وشتان الفرق بينهما سواء من حيث طبيعة الملكية أو حالة الشياع الواردة عليهما حتى أن بعض الفقه يرى أن ما هو منصوص عليه في الفصل 29 من قانون 1946/11/16/ لا يتعلق بالشفعة خاصة وأن قانون الملكية المشتركة الجديد قانون 18.00 الذي نسخ هذا القانون ينحو هذا


1-الدكتور محمد ابن معجوز ” أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي” مطبعة النجاح الطبعة الثانية 1993 صفحة 174.
2- د. محمد المحجوبي ” الشفعة في الفقه المالكي والتشريع المغربي” الطبعة الثانية 2000 صفحة 105.
3-الأستاذ مامون الكزبري ” التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع ” الجزء الثاني الطبعة الثانية 1987 ص 175.

المنحى عندما أعطى الصبغة التعاقدية لهذا الحق أي حق الأفضلية ولم يعطه الصبغة النظامية أو القانونية.*4
كما نجد من مؤيدي هذا الموقف الرافض الأستاذ محيي الدين اسماعيل علم الدين والذي أعلن على موقفه بالمقولة التالية ” ولا تثبت الشفعة إذا كان العقار قد خرج من ملك المشفوع منه جبرا أي ببيع قضائي أو بنزع ملكية للمنفعة العامة

وأخيرا نجد الأستاذة بثينة العلوط والتي أسست لموقفها الرافض عند تناولها لجواز الشفعة من عدمه في بيع العقار جبرا تنفيذا لحكم قاضي بقسمة التصفية بما يلي : ” أما بالنسبة لوجهة نظرنا في الموضوع فإننا إذا مع الاتجاه الذي يقول بجواز الأخذ بالشفعة في البيع بالمزاد العلني عموما إلا أننا نرى بأنه في هذه الحالة موضوع دراستنا وإن كانت تتعلق ببيع قضائي وهو مختلف نوع ما عن البيوع القضائية الأخرى، ومن تم لا يمكننا أن نسمح للشريك أو الشركاء بطلب حق الشفعة مع أن الحكم نفسه يهدف إلى إنهاء حالة الشياع فمغزى قسمة العقار عن طريق التصفية في ذاته ينصب حول القضاء على الملكية الشائعة وخروج كل شريك بنصيه في العقار وإن كان هذا النصيب عبارة عن مبلغ نقدي، إلا أنه في حقيقته يرغب في تفريد الملكية ولذلك يصعب القول في هذه الحالة بإمكانية أخذ الشركاء بالشفعة أثناء المزاد العلني أو دعوى القسمة لأن ذلك يخالف طبيعة دعوى القسمة ذاتها.*5
وهذه المواقف على العموم لم يواكبها اجتهاد قضائي متميز وإن كان هناك قرارين للمجلس الأعلى متضاربين فيما بينهما يمكن التعرض لهما بإيجاز.


4-الدكتور عبد الحق الصافي ” الملكية المشتركة للعمارات والدور المقسمة إلى شقق أو طبقات أو محلات” ص 174 وما بعدها مطبعة النجاح الجديدة الطبعة الأولى.
5-الأستاذة بثينة العلوط : ” القسمة القضائية للعقار ” الطبعة الأولى 2005 مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع ص 157 و ما بعدها.

ثانيا : قلة الاجتهادات القضائية وتضاربها بخصوص الشفعة في إطار البيع بالمزاد العلني

 

تتمثل هذه القلة في وجود قرارين اثنين قرار أول في 22 بتاريخ 1981/1/24 ملف مدني عدد 77021 ذهب إلى جواز الأخذ بالشفعة معللا موقفه بالحيثيات التالية : ” لكن حيث أنه حسب مقتضيات الفصل 25 من ظهير 1915/61 المتعلق بالتحفيظ العقاري فإن الشفعة هي الحق الثابت لكل من يملك مع آخرين على الشياع عقارات أو حقوقا عينية عقارية في أن يأخذ الحصة المبيعة بدلا من مشتريها فيكفي لممارستها أو لصحة البت فيها توافر الشروط التي حددها القانون والتي من بينها الشراء الذي تنشأ بقيامه وتزول بانعدامه لذلك فالحكم المطعون فيه كان على صواب عندما ارتكز على ما ثبت للمحكمة من أن السيد محمد وبنتيه كوثر وعبلة اشتروا حقوقا مشاعة من الرسم العقاري المشار إليه أعلاه وأن شرائهم ثابت بمحضر إرساء المزايدة العلنية المؤرخ في 1973/1/3 وبتقييد الشراء على الرسم العقاري كما أن الحكم كان على صواب عندما اعتبر أن دعوى إبطال البيع التي أقامها طالب الشفعة لا تأثير لها في البت في صحة الشفعة وأجاب بما فيه الكفاية كما أثير من دفوع في هذا المجال”. فهذا القرار أقر صراحة جواز الشفعة في البيع بالمزاد العلني إذا ما انصب البيع على جزء مشاع وأخضعها للقواعد العامة الواردة بالفصل 25 من ظهير 1915/6/2.*6

 

في حين نجد أن القرار الثاني عدد 2323 الصادر عن المجلس الأعلى في 2004/7/21 ملف مدني 4/1/3269 قضى برفض طلب الشفعة


6-قرار المجلس الأعلى منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 35 صفحة 74.

إذا ما انصب البيع على كافة العقار لكون حالة الشياع الموجبة للشفعة انتهت وخرج العقار من كافة المالكين على الشياع وجاء بالحيثيات التالية : ” وحيث تبين صدق ما عابته الوسيلة على القرار المطعون فيه ذلك أن المحكمة مصدرته عندما اعتمدته أساسا لقضائها بإلغاء الحكم الابتدائي القاضي برفض الدعوى وقضت باستحاق المطلوبين شفعة المنزل المدعى فيه من يد الطالب بنفس العقد على كون البيع بالمزاد العلني للمدعى فيه كان جبرا على المطلوبين ويدخل في باب البيع صفقة وإن البيع الجبري لا يضع حدا للشياع إلا إذا رضي به المبيع عليه حين التنفيذ، وذلك بأن لا يطلب الضم داخل ثلاث سنوات أو يقبض نصيبه في الثمن، ورتبت على ذلك توافر حالة الشياع وخلصت إلى القول بتأسيس دعوى الشفعة وعدم صواب الحكم الابتدائي القاضي برفضها والحال أن بيع المشفوع فيه لم يكن صفقة وإنما كان بالمزاد العلني بواسطة المحكمة وعلى جميع الشركاء تنفيذا لقرار بالقسمة اكتسب قوة الشيء المقضي به وبعد تنفيذ القرار بالقسمة فإن حالة الشياع قد انتهت ولم يبق بعد ذلك للمطلوبين ما يشفعون به ولما قضت لهم المحكمة بالشفعة رغم خروجهم من الشياع فإنها لم تجعل لقضائها أساسا وعرضت قرارها للنقض*7

وعلى العموم يمكن إجمال الموقف القضائي من خلال حالتين اثنتين :

-الحالة التي ينصب فيها البيع بالمزاد العلني على جزء مشاع من العقار فهنا تجوز الشفعة لكون حالة الشياع ما زالت ثابتة وبالتالي فالمستند الشرعي والقانوني للشفعة ما زال قائما
-الحالة التي ينصب فيها البيع بالمزاد العلني على كافة العقار وهنا لاتجوز الشفعة لكون هذا البيع نقل العقار جملة لكافة المالكين على الشياع وبالتالي فموجبات الشفعة خاصة حالة الشياع لم تعد قائمة.


7-قرار المجلس العلى منشور بمجلة الإشعاع عدد 30 و 31 ص 350

ثالثا : ملاحظات حول الشفعة في إطار البيع بالمزاد العلني

يمكن إيجاز هذه الملاحظات في محورين اثنين محور ينصب على المواقف أعلاه سواء الفقهية منها أو القضائية ومحور ثاني ينصب على آليات الأخذ بالشفعة في إطار الرأي القاضي بجواز الأخذ بالشفعة.

وبخصوص المحور الأول يمكن القول أن هناك عدم وضوح الرؤية العامة للموضوع الشيء الذي جعل المواقف تتضارب فيما بينها وتتفرق بتفرق حالات البيع بالمزاد العلني وصوره وهذا ما أدى إلى وجود موقفين اثنين يصلان حد التناقض مما يدفعنا للقول أن مؤسسة الشفعة كمؤسسة قانونية عرفها المغرب قديما تجد سندها في قواعد الفقه المالكي لم تعد لها من المسوغات في الوقت الحالي فالقول بدفع مضرة الأجنبي هو قول مردود عليه اعتبارا لكون المجتمع تطور بشكل ملحوظ والظروف المنشئة والمبررة للشفعة لم تعد قائمة والتمييز بين الأجنبي عن الملك والمالك على الشياع فيه تقييد لحرية تصرف المالك في ملكه ولو كان شائعا ولنا إسوة بالتشريعات العربية المقارنة التي ألغت هذه المؤسسة كالتشريع السوري على سبيل المثال.

أما بخصوص المحور الثاني والمتعلق بآليات الأخذ بالشفعة فهناك انعدام معايير واضحة لضبط هذه المعايير فنجد رأيا يرى أن تمارس الشفعة أثناء البيع بالمزاد العلني بحيث أن المالك على الشياع عليه الحضور بالمزايدة والتزايد مع باقي المتزايدين وداخل هذا الموقف تثار صعوبة أداء مبلغ البيع ومفهوم مصاريف العقد فهل الشفيع عليه أداء كامل الثمن الذي رسا عليه البيع بالمزاد العلني أم يجوز استثناء قيمة نصيبه المشاع والذي يملكه أصلا خاصة وأن هناك مقتضيات قانونية واضحة تنص على ضرورة أداء كافة الثمن عند البيع بالمزاد العلني إذ نجد الفصل 477 ق م م ينص على ما يلي : ” يؤدي من رست عليه السمسرة ثمنها بكتابة الضبط خلال عشرة أيام من المزاد ويجب عليه علاوة على ذلك أن يؤدي مصاريف التنفيذ المحددة من طرف القاضي والمعلن عنها قبل السمسرة”. كما أنه داخل هذا الموقف يلاحظ أنه لم يتم التمييز بين البيع في إطار الحجز العقاري والذي ينصب على الجزء المشاع العائد للمدين المحجوز عليه والبيع في إطار قسمة التصفية والذي ينصب على كامل العقار.
إذن وكخلاصة لهذا الموضوع الموجز نرى ضرورة الالتفات لمثل هذا الإشكال وإن كان نادرا فهو موجود سواء بالتدخل التشريعي أو اجتهاد قضائي واضح.

المصدر ذ.جيلالي بوحبص
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق