اختصاص المحاكم التجارية بالبت في دعوى الأداء الناشئة عن عقد القرض مع تكييفها

الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية بين النصوص القانونية والاجتهادات القضائية

صورة رمزية تعكس الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية، تظهر مطرقة القاضي ومستندات قانونية مع خلفية تحتوي على رسومات مالية.

نصت المادة 6 من مدونة التجارة على كون الصفة التجارية تكتسب بالممارسة الاعتيادية أو الاحترافية لمجموعة من الأنشطة، منها البنك والقرض والمعاملات المالية، وقد انطلق البعض في تحديد اختصاص المحاكم التجارية من هذه المادة، وكان يحصر مناقشة هذا الاختصاص في نطاقها، والحال أن قانون إحداث المحاكم التجارية حدد اختصاص المحاكم التجارية في المادة الخامسة، التي نصت على اختصاص المحاكم التجارية في الدعاوى المتعلقة بالعقود التجارية والدعاوى الناشئة بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية والدعاوى المتعلقة بالأوراق التجارية والدعاوى الناشئة بين شركاء في شركة تجارية والتراعات المتعلقة بالأصول التجارية.
ونصت المادة 581 من القانون رقم 73 لسنة 2017، على إسناد اختصاص البت في قضايا صعوبات المقاولة للمحكمة التابعة لدائرة نفوذها مكان مؤسسة التاجر الرئيسية أو المقر الاجتماعي للشركة.

وبالإضافة إلى ما نص عليه قانون إحداث المحاكم التجارية، نصت المادة 15 من القانون رقم 17 لسنة 1997 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، على اختصاص المحاكم التجارية للبت في المنازعات المترتبة عن تطبيق هذا القانون.
كما نص القانون رقم 49 لسنة 1916 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي في المادة 35 منه على اختصاص المحاكم التجارية بالنظر في التراعات المتعلقة بتطبيقه.
وعلى الرغم من كون المشرع قام بتحديد اختصاص المحاكم التجارية، فإنه يبدو من الاطلاع على بعض الأحكام أنه كثيرا ما تتم مناقشة هذا الاختصاص خارج النصوص المتعلقة بالاختصاص، إما في إطار مدونة التجارة، وإما بالاستناد إلى القانون رقم 31 لسنة 2008 القاضي بتحديد تدابير الحماية المستهلك. ولذلك سنحاول معالجة الموضوع من خلال الكلام عن البت في الاختصاص بمقتضى نصوص لا علاقة لها بقانون إحداث المحاكم التجارية (فقرة أولى لننتقل إلى الكلام عن تكييف دعوى المطالبة بالمبالغ المترتبة عن عقد القرض (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: البت في الاختصاص بالاستناد إلى نصوص لا علاقة لها بالنصوص المنظمة لاختصاص المحاكم التجارية

قبل التعرض للأسس المعتمدة من قبل بعض أحكام القضاء التي تبت في الدفع بعدم الاختصاص النوعي بالاستناد إلى نصوص لا علاقة لها بالنصوص المنظمة للاختصاص النوعي للمحاكم التجارية يكون من المناسب التطرق لعلاقة اختصاص المحاكم التجارية باختصاص المحاكم الابتدائية، لكون اختصاص البت في التراعات المترتبة عن عقد القرض تتنازعه المحاكم التجارية والمحاكم الابتدائية وقضاء القرب.

أولا: علاقة اختصاص المحاكم التجارية بالمحاكم الابتدائية

تتميز المحاكم التجارية باتساع دائرتها القضائية الشاملة للاختصاص المحلي لعدة محاكم ابتدائية، وبالتالي فالمحاكم التحارية تختص نوعيا بالبت في جميع القضايا الداخلة في اختصاصها، في نطاق اختصاصها المحلي، الذي تتقاسمه مع بعض المحاكم الابتدائية، وهذا الاختصاص النوعي ليس مطلقا وإنما هو مقيد باختصاصها القيمي.
وقد كانت المادة السادسة من القانون رقم 53 لسنة 1995، تقضي باختصاص المحاكم التجارية بالنظر ابتدائيا وانتهائيا في الطلبات التي لا تزيد قيمتها الأصلية عن تسعة آلاف درهم، وابتدائيا في جميع الطلبات التي تفوق هذا المبلغ، وبعد نسخ هذه المادة أصبحت تقضي باختصاص المحاكم التجارية بالنظر في الطلبات الأصلية التي تتجاوز قيمتها 20.000 درهم، وبالنظر في جميع الطلبات المقابلة، أو طلبات المقاصة مهما كانت قيمتها. ومؤدى ذلك أن الاختصاص النوعي لم يبق مطلقا، وحدد في الطلبات الأصلية التي تتجاوز قيمتها عشرين ألف درهم، أما الطلبات التي لا تزيد قيمتها عن هذا المبلغ، فقد أصبحت داخلة في اختصاص المحاكم الابتدائية، وبالنتيجة قالبت في الطلبات عن عقد القرض قد تكون داخلة في اختصاص المحاكم الابتدائية، وقد تكون داخلة في اختصاص المحاكم التجارية.
فإن تعلق التزاع بقرض مبرم بين شخصين غير تاجرين، فواضح أن الاختصاص ينعقد للمحاكم الابتدائية، وأما إن تعلق بتراع ناشئ بين تاجرين ومتعلق بأعمالهما التجارية وكانت قيمة الطلب لا تتجاوز عشرين ألف درهم فإن الاختصاص ينعقد للمحكمة الابتدائية، وإذا تجاوز الطلب هذا المبلغ، فإن الاختصاص ينعقد للمحاكم التجارية، ونفس الحل يطبق بالنسبة للتراع الناشئ بين شريكين في شركة تجارية، بشأن عقد قرض مبرم بينهما.
وتتجلى هذه العلاقة كذلك بالنسبة للقروض المتعلقة بمؤسسات الائتمان التي تشمل البنوك وشركات التمويل والهيئات المعتبرة في حكمها المنظمة بمقتضى القانون رقم 12-103 ، فإذا تعلق الأمر بشركات التمويل، وكان الزبون تاجرا وتجاوز مبلغ الطلب 20.000 ،درهم، فإن الاختصاص ينعقد للمحاكم التجارية لتعلق التراع بمعاملة بين تاجرين تعلقت بأعمالهما التجارية، أما إذا كان الزبون غير ،تاجر، فإن الاختصاص ينعقد للمحاكم الابتدائية بصورة مطلقة.

 

ثانيا: الأسس المعتمدة في تحديد اختصاص المحاكم التجارية من خارج قانون إحداث المحاكم التجارية

 

إذا كان من الواضح أن اختصاص المحاكم التجارية محدد من طرف المشرع في المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية، وفي مواد أخرى متفرقة وفق ما تمت الإشارة إليه أعلاه، فإن الملاحظ من استقراء بعض أحكام القضاء، أن منها ما ينطلق في تحديد اختصاص المحاكم التجارية من نصوص لا علاقة لها بالنصوص الناظمة للاختصاص النوعي للمحاكم التجارية.
وحتى تتمكن من معالجة هذه المسألة، سنتولى الحديث عن البت في الاختصاص خارج قانون إحداث المحاكم التجارية لننتقل بعد ذلك للحديث عن تكييف دعوى أداء مبلغ القرض.

1- البت في الاختصاص خارج قانون إحداث المحاكم التجارية

أ- البت في الاختصاص بالاستناد إلى مدونة التجارية

تجدر الإشارة في البداية، إلى أن المادة الأخيرة من مدونة التجارة الحاملة لرقم 736 نصت على أنه في انتظار إحداث محاكم مختصة للبت في النزاعات التي تنشأ بين التجار، أو لتطبيق هذا القانون بيت فيها وفق النصوص التشريعية الجاري بها العمل، فالمستفاد من هذه المادة أن اختصاص المحاكم التجارية سيكون محصورا في التراعات التي تنشأ بين التجار أو لتطبيق مدونة التجارة، ومؤدى ذلك أن هذه المحاكم ستكون محكمة التجار، ولما صدر قانون إحداث المحاكم التجارية نص في المادة الخامسة على اختصاصات اعتمدت في بعضها معايير موضوعية تمثلت في العقود التجارية والأصول التجارية والأوراق التجارية، بغض النظر عن الأطراف سواء كانوا تجارا أم لا.
ويبدو أنه ترسخ في ذهن بعض الباحثين والممارسين أن اختصاص المحاكم التجارية سيكون وفق ما ورد في المادة 736 وفاتهم الرجوع إلى المقتضيات المتعلقة بالاختصاص، التي جاءت بها المادة الخامسة، لأن من يقرأ المادة 736 سيفهم أن المشرع سيقوم بإحداث محاكم تجارية مختصة للبت في النزاعات الناشئة بين التجار أو لتطبيق مدونة التجارة، ولم يكن يتوقع أنه سيقوم بتحديد اختصاصاتها وفق ما نصت عليه هذه المادة التي تضمنت اختصاصات شاملة لغير التجار كما هو الشأن بالنسبة للعقود التجارية، والأصول التجارية، والأوراق التجارية التي تختص المحكمة التجارية بالبت فيها بغض النظر عما إذا كان الطرفان تاجرين أم لا.
ويلاحظ من الاطلاع على مجموعة من الأحكام، أنها انطلقت للبت في الدفع بعدم الاختصاص النوعي المثار أمامها من طبيعة العقد الرابط بين الطرفين، وذهبت إلى أن العقد يكون مختلطا حينما يكون تجاريا بالنسبة لأحد الأطراف، ومدنيا بالنسبة للطرف الآخر، وقررت بأنه لا يحق للتاجر أن يرفع دعواه في مواجهة غير التاجر، إلا أمام المحكمة الابتدائية، بينما يحق لغير التاجر أن يرفعها أمام المحكمة الابتدائية أو المحكمة التجارية، وأنه لما تقرر المحكمة بأن “الخصومة مدنية”، وتستبعد الدفع بعدم الاختصاص النوعي المثار من قبل البنك، تكون قد سايرت المبدأ المذكور.
وقد استندت هذه الأحكام فيما ذهبت إليه إلى المادة الرابعة من مدونة التجارة وأسست القاعدة القائمة على إعطاء غير التاجر خيار مقاضاة التاجر أمام المحكمة التجارية أو أمام المحكمة الابتدائية.
وإذا رجعنا إلى هذه المادة سيتضح أنها وردت ضمن القسم الأول المتعلق بالأحكام العامة من الكتاب الأول المتعلق بالتاجر، ونصت على أنه: “إذا كان العمل تجاريا بالنسبة لأحد المتعاقدين ومدنيا بالنسبة للمتعاقد الآخر طبقت قواعد القانون التجاري، في مواجهة الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه تجاريا ……”، فالسياق الذي وردت فيه هذه القاعدة المتعلق بالأحكام العامة المتعلقة بالتاجر، ينسجم مع تنصيصها على تطبيق قواعد القانون التجاري على المتعاقد الذي كان العمل تجاريا بالنسبة إليه ومعلوم أن المقصود بقواعد القانون التجاري، ما نصت عليه المادة 2 من مدونة التجارة التي تحدثت عن قوانين وأعراف وعادات التجارة والقانون المدني، شريطة عدم تعارض قواعده مع المبادئ الأساسية للقانون التجاري، وبعبارة أخرى فالقواعد المقصودة هي القواعد الموضوعية، أما القواعد الإجرائية كالاختصاص، فقد تولى المشرع تنظيمها بمقتضى القانون رقم 53 لسنة 1995 المتعلق بإحداث محاكم تجارية،

وبالتالي فإن البحث في مدى اختصاص المحاكم التجارية للبت في التزاعات المتعلقة بعقود القرض يجب أن ينطلق من النصوص المنظمة للاختصاص، ولا يمكن أن يتعداه إلى القواعد الموضوعية كالمادة الرابعة من مدونة التجارة التي لا يمكن الاستناد إليها إلا في الحالات التي تقتضي هذه النصوص الرجوع إلى مدونة التجارة كما هو الحال بالنسبة للتزاعات الناشئة بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية المنصوص عليها في المادة الخامسة من القانون رقم 53 لسنة 1995 المتعلق بإحداث محاكم تجارية، فالفصل في الاختصاص هنا يستوجب التثبت من الصفة التجارية للطرفين وكون العمل تجاريا وهذا لن يتحقق إلا بالرجوع لنصوص مدونة التجارة الناظمة لذلك.

ب البت في الاختصاص بالاستناد إلى قانون حماية المستهلك

 

إذا كانت بعض أحكام القضاء تنطلق للبت في اختصاص المحاكم التجارية من مدونة التجارة، فهناك أحكام أخرى تستند إلى القانون رقم 31 لسنة 2008، القاضي بتحديد تدابير الحماية المستهلك، والسبب في ذلك يرجع إلى كون المشرع نص في المادة 111 على وجوب إقامة دعاوى المطالبة بالأداء أمام المحكمة التابع لها موطن أو محل إقامة المقترض، واعتبر بمقتضى المادة 151 من نفس القانون هذه المادة وغيرها من مواد القسم السادس من النظام العام، إلا أنه لم يتعرض لأي مقتضى يتعلق بالاختصاص النوعي لتوضيح ما إذا كان البت في التراع المتعلق بالقروض الاستهلاكية يدخل في اختصاص المحكمة التجارية التي تشمل دائرتها القضائية مجموعة من المحاكم الابتدائية أم أن الاختصاص النوعي ينعقد لإحدى المحاكم الابتدائية التي تتقاطع مع المحاكم التجارية اختصاصها، ونظرا لكون المحكمة الابتدائية تكون في الغالب أقرب إلى موطن أو محل إقامة المقترض، فإن بعض أحكام القضاء حاولت الاستناد إلى مقتضيات البند 17 من
المادة 18 من نفس القانون، لتصرح بأنه يحق للمقترض أن يثير أمام القضاء تعسفية الشرط الذي من شأنه إبعاده عن المحكمة العادية، وبذلك تكون آلية الشروط التعسفية متممة للنقص الحاصل في قواعد الاختصاص النوعي في القانون المذكور ما دام أن غاية المشرع من سن هذا القانون هو تحقيق التوازن بين المهني والمستهلك الطرف الضعيف، وحمايته من التجاوزات التي تؤثر على حقه في الاستهلاك ” وذلك على الرغم من كون وقائع الحكم الذي أورد هذا التعليل صدر في غيبة المدعى عليه الذي لم يتمسك بمقتضيات البند 17 القانون رقم 31 لسنة 2008 وعلى فرض أنه حضر وتمسك هذه المقتضيات فإن الأمر لا يتعلق بشرط تعسفي وإنما بواقع قانوني وواقعي يتجلى في كون المحاكم التجارية تختص نوعيا للبت في نوع معين من القضايا في نطاق اختصاص محلي شامل لدوائر قضائية لمحاكم ابتدائية، وأنه إذا كانت غاية المشرع من إسناد الاختصاص المحلي للبت في دعوى المطالبة بالأداء بمقتضى المادة 111 إلى المحكمة التابع لها موطن أو محل إقامة المقترض هو إبعاد الشروط المضمنة بعقود القرض التي تسند الاختصاص في الغالب للمحكمة التجارية بالدار البيضاء باعتبار أن مقرات المؤسسات المقرضة تكون في الغالب بمدينة الدار البيضاء، فإنه كان على بينة من وجود محاكم تجارية أخرى مختصة نوعيا للبت في هذا الطلب وبالتالي فتواجد المقترض بدائرة نفوذ محكمة ابتدائية داخلة في دائرة نفوذ محكمة تجارية لا يمكن أن يسلب اختصاص المحكمة التجارية النوعي لفائدة المحكمة الابتدائية، إلا إذا كانت قواعد الاختصاص النوعي تقضي بذلك ولا يمكن الاستناد إلى المادة 111 الآنفة الذكر ولا إلى المادة 18 المتعلقة بحالات الشرط التعسفي وخاصة البند 17 الذي يتحدث عن حالة لا علاقة لها بالاختصاص المحلي ولا بالشرط المتعلق به فهذا البند يتعلق بحالة إلغاء أو عرقلة حق المستهلك في إقامة دعاوى قضائية أو باللجوء إلى طرق الطعن التي تولى المشرع توضيحها من خلال التنصيص في نفس البند على كون الإلغاء أو العرقلة يتعلق بالإثبات فقط من خلال الحد من وسائل الإثبات المقررة قانونيا أو تحميل المقترض عبء الإثبات الذي يقع عادة على الطرف الآخر.

الفقرة الثانية: تكييف دعوى الأداء المترتبة عن عقد القرض

ويبدو من القراءة الأولية لما ورد في الكتاب الرابع من مدونة التجارة، أنها لم تتعرض لعقد القرض بصورة واضحة ومن ثم يمكن القول أنه وإن كان يدخل في الأنشطة التجارية التي تؤدي إلى اكتساب الصفة التجارية نتيجة الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية حسبما هو منصوص عليه في المادة 6، فإنه لا يدخل ضمن العقود المنصوص عليها بصورة حصرية في الكتاب الرابع المذكور، خلافا لما هو مسطر ببعض الكتابات التي تذهب إلى أن ما ورد في المدونة جاء على سبيل المثال وليس الحصر ويحاول بشتى الوسائل إضفاء الصفة التجارية على بعض العقود ليطبق عليها البند الأول من المادة الخامسة، والحال أن فتح باب الاجتهاد لإضفاء الصفة التجارية على عقود لم يعتبرها المشرع كذلك لا مبرر له ما دام قد تم التنصيص في الفقرة الثانية على التراعات الناشئة بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية مباشرة بعد الفقرة المتعلقة بالعقود التجارية، فهذه الفقرة تستغرق جميع الأنشطة التجارية التي لم يشملها تصنيف العقود التجارية مادامت ناشئة بين تاجرين ومتعلقة بأعمالهم التجارية.
وتبعا لذلك فإذا كان التزاع متعلقا بعقد منصوص عليه في مدونة التجارة، فإن المحكمة التجارية تكون مختصة بالبت في التزاع طبقا لفقرة الأولى، أما إذا كان الأمر غير ذلك فإنه ينظر في التراع في ضوء ما هو منصوص عليه الفقرة الثانية، ومن ثم فإذا كان التراع يتعلق بعقد قرض طرفاه تاجران وله ارتباط
بأعمالهما التجارية، فإن التراع يدخل في اختصاص المحاكم التجارية وإلا كان خارجا عن اختصاصها.
هذا بالنسبة للحالات المتعلقة بأشخاص طبيعية أو معنوية لا علاقة لها مؤسسات الائتمان أما إن تعلق الأمر بمؤسسات الائتمان، فإنه لما كانت المادة 10 من القانون رقم 103 لسنة 2012 المتعلق بمؤسسات الائتمان تشمل البنوك وشركات التمويل، ولما كان المشرع اقتصر في معرض تعداده للعقود التجارية على العقود البنكية فمؤدى ذلك أن عقود القرض التي تهم مؤسسات التمويل لا تدخل في إطار العقود البنكية، ومن ثم فهي ليست عقودا تجارية، ولا تكون المحاكم التجارية مختصة بالبت في العقود المبرمة بينها وبين زبنائها إلا إذا كان الزبون تاجرا ويتعلق القرض معاملاته التجارية.
أما عقود القرض الميرمة مع الأبناك وزبنائها سواء كانت استهلاكية أم لا، فإن البحث في طبيعتها يستلزم الرجوع إلى المدونة التي خصصت القسم السابع من الكتاب الرابع المتعلق بالعقود التجارية للعقود البنكية، وحصرتها في الحساب البنكي وإيداع النقود وإبداع السندات والتحويل وفتح الاعتماد والخصم وحوالة الديون المهنية ورهن القيم ثم قسمت الحساب البنكي إلى حساب بالاطلاع أو حساب لأجل حسبما هو منصوص عليه في المادة 487 . ويتضح من قراءة النصوص المنظمة لهذه العقود أن عقد الحساب بالاطلاع العقد الأساسي بالنسبة لباقي العقود التي لا يمكن تصور إجراء العمليات المتعلقة بها إلا عن طريق قيدها بالحساب بالاطلاع، بل إن بعض العقود التي تبدو عديمة العلاقة بالحساب بالاطلاع كإيداع السندات فإن الفقرة الثانية من المادة 514 نصت على إيداع المبالغ المحصلة عن السندات المودعة تحت تصرف المودع عن طريق تقييدها بالحساب بالاطلاع المفتوح باسمه.
وقد نظم المشرع عقد فتح الاعتماد في المادتين 524 و 525 من مدونة التجارة وعرفه بأنه: “التزام البنك بوضع وسائل للأداء تحت تصرف المستفيد أو الغير المعين من طرفه في حدود مبلغ معين من النقود”، فهو بذلك يختلف عن عقد القرض الذي يقتضي تمكين المقترض من مبلغ القرض بعد توقيع العقد مباشرة دفعة واحدة أو على مجموعة من الدفعات على أن يؤدي في شكل أقساط ثابتة داخل أجل معين ولا يتصور أن يقوم البنك بمنح قرض لشخص لا يرتبط وإياه بحساب للاطلاع لكون تسليم القرض يقتضي قيده بالجانب الدائن الحساب لتقيد بعد ذلك الأقساط بالجانب المدين استنادا لمقتضيات المادة 493 من المدونة التي عرفت الحساب بالاطلاع بأنه: “عقد بمقتضاه يتفق البنك مع زبونه على تقييد ديونهما المتبادلة في كشف رصيد على شكل أبواب دائنة ومدينة والتي بدمجها يمكن في كل حين استخراج رصيد موقت لفائدة أحد الأطراف”.
وانطلاقا مما ذكر، فإن مبلغ القرض أصبح مديحا بالحساب بالاطلاع الذي أضفي عليه المشرع صفة العقد البنكي، وبالتالي فاختصاص البت في الطلب الناشئ عن مبلغ ترتب عن عقد القرض يكون من اختصاص المحاكم التجارية استنادا للمادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية التي نصت على اختصاص المحاكم التجارية للبت في العراعات المتعلقة بالعقود التجارية، فتنصيص هذه المادة على التراعات المتعلقة بالعقود التجارية يوسع من نطاق اختصاصها ليشمل أي نزاع يتعلق بالعقود التجارية، ومن ثم فإذا كان عقد القرض غير داخل ضمن العقود التجارية، فإن دمج المبالغ المتعلقة به في عقد الحساب بالاطلاع يجعل التراع الناشئ بشأنه متعلقا بعقد تجاري داخل في اختصاص المحكمة التجارية.

خلاصة

يستفاد مما تقدم، أن المحاكم التجارية تختص بالبت في الطلبات المترتبة عن عقود القرض المبرمة مع الأبناك لارتباطها بالحساب بالاطلاع الذي يعتبر عقدا بنكيا منضويا تحت العقود التجارية المنصوص عليها في المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم التجارية، أما تلك المبرمة مع مؤسسات التمويل قد تختص بها استنادا للفقرة الثانية المتعلقة بالتراعات الناشئة بين التجار والمتعلقة بأعمالهم التجارية، وليس استنادا للفقرة الأولى المتعلقة بالعقود التجارية، ونفس الشيء يطبق بالنسبة للحالات المتعلقة بأطراف لا علاقة لهم بمؤسسات الائتمان، ولا يمكن البت في أي حال من الأحوال في اختصاص المحاكم التجارية نوعيا للبت في هذه الطلبات بالاستناد إلى المادة الرابعة من قانون إحداث المحاكم التجارية وقانون حماية المستهلك.
وقد حاولنا رصد الأسباب الكامنة وراء هذا الاختلاف القائم بين المحاكم التجارية بشأن تكييف دعوى المطالبة بالمبالغ المترتبة عن عقد القرض، فتوصلنا إلى كون ذلك يرجع إلى المقالات المقدمة من قبل الأبناك بشأن دعاوى الأداء التي تعتبرها في بعض الأحيان دينا مترتبا عن الحساب بالاطلاع وتستدل بشأنها بكشف حساب، وفي أحيان أخرى تعتبرها دعاوى ناشئة عن عقد القرض وتستدل بعقد القرض وبالجدول المتضمن للأقساط، فشكلت بذلك أحكام القضاء انعكاسا لهذه الطلبات وأصبحت بعض الأحكام تتحدث
أن يمنح البنك قرضا لشخص لا تتوفر فيه صفة الزبون، أي أنه يجب أن يكون متوفرا على حساب بالاطلاع ليتم بعد ذلك إبرام عقد القرض ووضع مبلغه رهن إشارة الزبون بتسجيله في الجانب الدائن من حسابه وأداء أقساطه في إطار هذا الحساب.

المصدر د. محمد صابر: رئيس المحكمة التجارية بمراكش
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق