العقوبات البديلة في المغرب: الدليل المختصر للمواطن

عنوان بديل جذّاب: بدائل السجن تدخل الخدمة: ماذا يغيّر قانون 43.22 في العدالة الجنحية؟

“Justice Beyond Bars” فوق خلفية مغربية مع ميزان عدالة ومحكمة وتقويم 22 AUG وسوار إلكتروني وعملٌ لفائدة المنفعة العامة—تصوير لقانون العقوبات البديلة 43.22 في المغرب.

من السجن إلى الإصلاح: كيف تعمل العقوبات البديلة؟
مقدمة: لماذا نحتاج إلى بدائل للسجن؟

دخل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة حيّز التنفيذ يوم 22 غشت 2025، ليُحدث تحوّلاً عملياً في فلسفة التجريم والعقاب بالمغرب: من “السجن أولاً” إلى عقوبات إصلاحية تُوازن بين حماية المجتمع، وتقليص الاكتظاظ، وإعادة إدماج المحكوم عليهم. الإشكالية التي يطرحها هذا التحوّل ليست تقنية فحسب، بل مجتمعية: كيف نضمن أن بدائل الحبس لا تُضعف الردع العام، وفي الوقت نفسه تُصحّح سلوك الجانحين وتقلّص العود وتُخفف الأعباء على الدولة والأُسر؟ هذا المقال يقدّم قراءة عملية ومبسطة في المقتضيات الجوهرية، والمجالات المستفيدة، وآليات التنفيذ، والمخاطر والتحديات التي ينبغي الانتباه لها في مرحلة التنزيل.

المحور الأول: ما الذي جاء به القانون 43.22؟ الفلسفة والأنواع

القانون لا يُلغي السجن، بل يتيح بدائل عندما تكون الجريمة في نطاق معيّن، وعندما تُحقّق البدائل أغراض الجزاء على نحوٍ أفضل (الإصلاح والاندماج وتقليص العود). وقد حدد النص أربع فئات رئيسية من العقوبات البديلة:
1. العمل لأجل المنفعة العامة؛
2. المراقبة الإلكترونية (سوار/سوار كاحل وتتبع زمني/مكاني)؛
3. تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية/علاجية/تأهيلية (حضور برامج علاج الإدمان، المنع من ارتياد أماكن معينة، إلزامية التكوين…)؛
4. الغرامة اليومية (Day-fines) بدل أيام الحبس، بمبالغ تتناسب مع دخل وظروف المحكوم عليه.
هذه البدائل لا تُطبَّق اعتباطاً؛ فالقاضي يختار ما يناسب شخصية الجاني وخطورة الفعل، مع مراعاة مبادئ التفريد والتناسب، حفاظاً على الردع الخاص والعام في آن. كما أرفق المشرّع القانون بمرسوم تطبيقي رقم 2.25.386، ودعّمته رئاسة النيابة العامة بدليلٍ إجرائيّ موجّهٍ لقضاة النيابة العامة لضمان تنزيلٍ متناسقٍ وطنياً

المحور الثاني: من يستفيد؟ النطاق والجرائم المستثناة

تطبَّق العقوبات البديلة أساساً على الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها السالبة للحرية خمس سنوات، مع سلطة للقاضي في استبدال العقوبة كلياً أو ما تبقى منها عندما تستوفي الشروط. وقد استبعد المشرّع فئاتٍ من الجرائم اعتُبرت “خطيرة” بحكم أثرها المجتمعي أو مساسها بالأمن والمال العام، من قبيل: الإرهاب، الجرائم الماسة بأمن الدولة، الفساد والرشوة، اختلاس وتبديد المال العام، غسل الأموال، الجرائم العسكرية، الاتجار الدولي بالمخدرات، الاتجار بالبشر، الاستغلال الجنسي للقاصرين والأشخاص في وضعية إعاقة؛ كما يُضيَّق نطاق الاستفادة على العائدين (المكرّرين) بحسب ضوابط القانون. هذا التمييز بين “الجرائم البسيطة/المتوسطة” و“الجرائم الخطيرة” يمثّل صمّام أمان لردع الأفعال الأشدّ خطراً، ويطمئن الرأي العام إلى أنّ البدائل ليست تساهلاً غير محسوب.

المحور الثالث: كيف تعمل البدائل عملياً؟ شرح مبسّط للآليات

1) العمل لأجل المنفعة العامة

يقضي المحكوم عليه ساعاتٍ محددةً من عملٍ غير مؤدّى الأجر لفائدة إدارات الدولة، الجماعات الترابية، المؤسسات العمومية، أو جمعيات النفع العام. يُحدّد الحكم طبيعة العمل، مكانه، مدّته وتوقيت تنفيذه بما يراعي قدرات المعني ومصلحة الجهة المستقبِلة، وتحت إشراف قضائي/إداري يضمن الانضباط والسلامة المهنية. هذه الآلية تحافظ على صلة المحكوم بالمجتمع وسوق الشغل، بدل عزله في بيئة سجنية قد تُفاقم مخاطر العود

2) المراقبة الإلكترونية

تخضع حرية المحكوم لتنظيمٍ زماني/مكاني عبر سوارٍ إلكتروني، مع إمكان تحديد جداول الخروج والعودة، وأماكن الحظر (مثلاً محيط الضحية أو مؤسسات حساسة). أي محاولة لإتلاف الجهاز أو تعطيله تعرّض صاحبها لعقوبات إضافية قد تصل إلى الحبس والغرامة، ما يجعل النظام ذا قوة ردعية، مع كلفةٍ أقل من السجن وآثارٍ اجتماعية أخ.

3) تقييد الحقوق أو التدابير الرقابية/العلاجية/التأهيلية

قد يستعيض القاضي عن الحبس بـ التزامٍ علاجي (علاج الإدمان)، أو برنامج تأهيلي (محوّ الأمية، تكوين مهني)، أو حظرٍ محدّد (منع الظهور في أماكن/ساعات معينة)، أو التزامٍ بالحضور لدى الجهة المكلّفة. الهدف هو مواجهة السبب الجذري للسلوك الإجرامي (إدمان، هشاشة مهارية، نمط تواصلي عدائي…) عبر تدخّلٍ مُصمَّمٍ على قياس الحالة

4) الغرامة اليومية (Day-Fines)

تستبدل أيام الحبس بـ مبلغ مالي عن كل يوم ضمن نطاق بين 100 و2000 درهم/اليوم، مع مراعاة الوضعية المالية للمحكوم أو ذويه، تحمّلاته الأسرية، خطورة الفعل، وطبيعة الضرر. هذه التقنية—المعروفة أوروبياً—تجعل الغرامة متناسبة فعلياً مع القدرة المادية، فتتجنب ظلم “الغرامة الثابتة” وتُبقي الردع قائماً. ويتيح النص أداءها على أقساطٍ أو بآليات تنفيذ تيسيرية حيثما توفرت الشروط.

المحور الرابع: كيف يُتَّخذ القرار؟ وما دور القضاء والنيابة؟

يُتّخذ قرار استبدال الحبس بعقوبة بديلة عند الحكم أو عند التنفيذ وفق الحالات التي يجيزها القانون، وبعد التحقّق من أهلية الملف (نوع الجريمة، سوابق، ظروف شخصية واجتماعية، موقف الضحية والتعويض). ويمكن أن يكون الطلب من الدفاع، أو بمبادرة من النيابة العامة، أو من المحكمة نفسها في ضوء الوقائع. وعملياً، صدرت مذكرة/دليل استرشادي من رئاسة النيابة العامة يحدّد المبادئ الإجرائية، نماذج المقررات، كيفية التحقّق من الاستثناءات، وآليات التنسيق مع الجهات المُستقبِلة (مؤسسات عمومية/جمعيات) لضمان تنفيذ منظم وقابل للتتبّع.
لتوحيد الممارسة، نَبَّهَت مواد الشرح الرسمية والإعلامية إلى أنّ الحكم بالبديل لا يعني التساهل: فالإخلال بقيود البديل (عدم الحضور، الإتلاف، رفض العمل…) قد يفضي إلى سحب الامتياز والرجوع إلى الحبس أو إلى تغليظ الغرامة بحسب نوع البديل. كما شدّدت تغطيات رسمية وإعلامية على أنّ الغاية هي تقليص العود والاكتظاظ دون المساس بالأمن القانوني، وأن التنفيذ سيبدأ تدريجياً مع جاهزية الموارد البشرية واللوجستية.

المحور الخامس: ماذا تغيّر على الأرض؟ مؤشرات مبكرة وتحديات

على المستوى الميداني، بدأت محاكم ابتدائية بالانخراط في تنزيل القانون مباشرةً بعد دخوله حيّز التنفيذ؛ نُشرت تقارير عن أحكامٍ بديلةٍ مبكرة، فيما أعلن الإعلام عن صدور أكثر من مائة حكم بديل خلال الأسابيع الأولى في سياق تجريبيّ موسّع، إلى جانب دعواتٍ صريحة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى تمويلٍ كافٍ، وتكوينٍ للقضاة، وحملات وعي لضمان النجاح. هذه المؤشرات تُظهر قابلية التطبيق، لكنها تُحيل أيضاً على حاجاتٍ تشغيلية: قواعد بياناتٍ للجهات المستقبِلة، بروتوكولات تتبّع، وحدات للقياس والتقييم، وتنسيق محكم بين القضاء والإدارة والجمعيات.
ورغم الترحيب الواسع، أشار محللون قانونيون وحقوقيون إلى تحدياتٍ واقعية ينبغي تحصينها تشريعياً وتنظيمياً:
• تكافؤ الفرص في الغرامة اليومية: ينبغي أن يُطبَّق معيار القدرة المالية بصرامة وشفافية حتى لا تتحوّل الغرامة إلى “امتياز للأغنياء”.
• جودة الاستقبال: نجاح العمل لأجل المنفعة العامة مرهون بقدرة المؤسسات والجمعيات على تأطير المحكومين وتوفير مهام ذات قيمة اجتماعية.
• الرقابة والتتبّع: المراقبة الإلكترونية فعالة عندما تكون هناك قدرات بشرية وتقنية لمواكبتها وتدبير حالات الإخلال.
• الانسجام الترابي: تفادي فجوات التطبيق بين المدن والقرى، ومعالجة تفاوت البنية التحتية والخدمات.
• التواصل مع الضحايا: ضمان حقّ الضحية في الإعلام والتعويض وطمأنته بأن البديل لا يعني الاستخفاف بالفعل.
هذه الملاحظات لا تُنقص من قيمة الإصلاح، لكنها تُذكّر بأنّ القانون إطار، أما النجاح فمرهون بتعبئة المنظومة ككل.
“كيف تُنظّم بديلك”؟ خطوات عملية للمعنيين والدفاع
• تقييم الأهلية: راجع نوع الجريمة (أقل من 5 سنوات)، وضعية السوابق، وهل تدخل ضمن الاستثناءات. أي ملف يضم جرائم من القائمة المستثناة غالباً غير مؤهل.
• مقترحات تنفيذ واقعية: في المنفعة العامة، اقترح جهة استقبال مناسبة (مرفق اجتماعي، جماعة ترابية، مؤسسة تعليمية/صحية)، مع جدول زمني يتناسب مع شغل المحكوم وقدراته الصحية؛ في المراقبة الإلكترونية، احرص على خطة يومية واضحة (عمل/دراسة/عناية أسرية) تسهّل موافقة المحكمة؛ في التدابير العلاجية/التأهيلية، أرفق الملف بما يثبت قابلية الولوج لبرنامج معتمد؛ وفي الغرامة اليومية، قدّم وثائق الدخل والتحمّلات لإثبات القدرة على الأداء.
• حماية مركز الضحية: وجود صلح/تنازل/تعويض—حيث يقتضي النص—يعزّز وجاهة البديل ويؤكد جدّية التدارك.
• الالتزام والشفافية: أي إخلالٍ متكررٍ قد يفضي إلى إلغاء البديل والتنفيذ الحبسـي، أو إلى تشديد تدابير الرقابة/الغرامة. احرص على التبليغ المسبق عند العذر القاهر وطلب التعديل وفق القانون.

أسئلة شائعة موجزة

• هل يعني البديل أنّ الجريمة “بلا عقوبة”؟ لا. البديل عقوبة تُنفّذ خارج السجن، لكنها مقيّدة بضوابط دقيقة وقابلة للعقوبات عند الإخلال.
• هل يستفيد كل محكوم؟ لا. هناك نطاق محدّد للجرائم، واستثناءات صارمة، وتقدير قضائي فردي.
• هل يمكن الجمع بين بديلين؟ يتيح القانون صياغات مركّبة بحسب الحالة (مثلاً منفعة عامة + برنامج علاجي)، شريطة احترام التناسب والتفريد.
• من يراقب التنفيذ؟ المحكمة والنيابة، وبتنسيق مع جهات الاستقبال/الاختصاص التقني (المراقبة الإلكترونية) وفق المرسوم التطبيقي والدليل الاسترشادي.

خاتمة: من تجريم السلوك إلى إصلاح الإنسان

يؤسّس القانون 43.22 لتحوّلٍ ثقافي بقدر ما هو قانوني: ففعالية العقوبة لا تُقاس فقط بفترة الحبس، بل بقدرتها على تغيير السلوك وتقليل العود وحماية المجتمع. البدائل—إذا طُبّقت بصرامةٍ وعدالةٍ وموارد كافية—قادرة على تجفيف منابع الجنوح في الجنح البسيطة والمتوسطة، وتخفيف الكلفة البشرية والمالية للاكتظاظ. ويبقى السؤال المفتوح الذي يخصّنا جميعاً—قضاةً ومحامين ومؤسساتٍ ومجتمعاً مدنياً وإعلاماً: كيف نحافظ في السنوات الأولى للتنزيل على التوازن الدقيق بين الردع والرحمة، بين الحزم والفرصة الثانية، حتى لا تتحوّل البدائل إلى شعارٍ بلا أثر؟

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق