قانون المنافسة فالمغرب على محك الاتصالات: ماذا وراء ملف «اتصالات المغرب–إنوي»؟

من التعويضات المليارية إلى الشراكة: ماذا يكشف نزاع اتصالات المغرب–إنوي عن قانون المنافسة؟

تصميم بصري يجمع بين رمز القضاء (واجهة محكمة) ورمز الاتصالات (برج إرسال وإشارات الشبكة) مع خريطة المغرب وخطوط شبكة رقمية، ليعكس مضمون المقال حول نزاع المنافسة والتعويضات في قطاع الاتصالات المغربي.

في ظرف سنوات قليلة، تحوّل نزاع بين فاعلين كبار في الاتصالات إلى واحد من أكثر الملفات تداولاً في المغرب، لأنه يجمع بين قانون المنافسة وتنظيم قطاع الاتصالات والتعويضات المدنية الضخمة وتأثير ذلك على الأسعار وجودة الخدمة والاستثمار. جوهر القضية بسيط في ظاهره: منافس يتهم الفاعل التاريخي باستعمال وضعية قوة في السوق بطريقة تضر بالمنافسة، ثم ينتقل النقاش إلى المحكمة: هل وقع ضرر؟ من تسبب فيه؟ وبأي معيار يُحسب التعويض؟
هذه القضية جذّابة “سيوياً” لأن القارئ لا يبحث فقط عن رقم التعويض، بل عن معنى الحكم: هل هو “غرامة” أم “تعويض”؟ وكيف يمكن أن تُقدَّر الخسارة في سوق معقد مثل الاتصالات؟ وما أثر ذلك على 5G والألياف البصرية؟

1) خلفية النزاع: عندما يصبح الولوج إلى البنية التحتية سؤالاً قانونياً

وفق ما نقلته وكالة رويترز، تقدّمت «وانا كوربوريت/إنوي» بالدعوى سنة 2021، معتبرةً أن «اتصالات المغرب» استعملت وضعها المهيمن بما يخلق ممارسات منافسة غير عادلة.
في قطاع الاتصالات، المنافسة ليست مجرد “إعلانات وعروض”، بل تتعلق كثيراً بـالولوج إلى البنية التحتية الأساسية: الحلقة المحلية، الشبكات الثابتة، الربط، وتقاسم بعض العناصر التي لا يمكن اقتصادياً تكرارها بسهولة في كل مدينة وحي. لهذا، أي نزاع حول شروط الولوج أو التأخير أو الأسعار أو التمييز بين المنافسين يمكن أن يتحول إلى ملف منافسة كامل، لأن أثره لا ينعكس على شركة واحدة فقط، بل على السوق وعلى المستهلك في النهاية.

2) التسلسل القضائي بالأرقام: من حكم 6.36 مليارات إلى تسوية 4.38 مليارات

أول محطة بارزة كانت 29 يناير 2024: محكمة تجارية (بحسب بيان رسمي لاتصالات المغرب: المحكمة التجارية بالرباط) قضت بإلزام «اتصالات المغرب» بأداء تعويض لفائدة «وانا/إنوي» قدره 6,368,371,743 درهماً كتعويض عن ممارسات منافية للمنافسة، مع إعلان الشركة نيتها الطعن.
ثم جاءت محطة الاستئناف: رويترز ذكرت أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم في 3 يوليو 2024 مع تعويض في حدود 6.3 مليارات درهم. وتشير وثائق مرتبطة بالمجموعة المالكة لحصة الأغلبية (e&) إلى أن القرار صدر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء وأكد مبلغاً في حدود 6.38 مليارات درهم.
لكن المفصل الأهم “حديثاً” هو ما وقع في 27 مارس 2025: الطرفان أعلنا شراكة بنيوية (FiberCo وTowerCo) وفي الوقت نفسه اتفاقاً لتجاوز النزاع، عبر التخلي عن الطعون وتخفيض مبلغ التعويض إلى 4.38 مليارات درهم (وفق بيان «اتصالات المغرب» نفسه، ووفق رويترز.

3) “غرامة” أم “تعويض”؟ هذا الفرق هو مفتاح فهم القضية

في النقاش العمومي تُستعمل كلمة “غرامة” كثيراً، لكنها قد تُربك الفهم القانوني. عملياً لدينا مستويان مختلفان:

أولاً: التعويض القضائي لفائدة متضرر خاص (إنوي/وانا).

هذا هو جوهر حكم 2024: المحكمة اعتبرت (وفق ما نقلته رويترز ووفق بيان الشركة) أن هناك ممارسات منافية للمنافسة ترتّب عنها ضرر، فألزمت بأداء تعويضات (dommages-intérêts) لفائدة المنافس المتضرر.

ثانياً: غرامات/جزاءات تنظيمية تصدر عن الجهة المنظمة.

رويتـرز أشارت إلى أن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT) سبق أن غرّمت «اتصالات المغرب» سنة 2020 بمبلغ كبير (تتداول تقارير رويترز أرقاماً في نطاق 3.3 إلى 3.6 مليارات درهم) بسبب ممارسات مرتبطة بعرقلة ولوج المنافسين لبعض عناصر الشبكة/السوق الثابت.
هنا الفرق: الغرامة التنظيمية تذهب عادةً إلى الخزينة/الدولة (منطق الردع العام)، بينما التعويض القضائي يذهب للطرف الذي أثبت الضرر (منطق جبر الضرر).

4) كيف تُبنى “حجة المنافسة” في قطاع الاتصالات؟

قانون المنافسة لا يجرّم “القوة” في السوق بحد ذاتها؛ الذي يهمه هو سوء استعمال تلك القوة: تمييز غير مبرر، إقصاء المنافسين، شروط ولوج مجحفة، أو ممارسات تجعل المنافسة شكلية فقط.
وفي الاتصالات بالذات، تظهر أسئلة تقنية تتحول إلى أسئلة قانونية:
• هل البنية التحتية المعنية تُعامل كـ“منشأة أساسية” يصعب الاستغناء عنها؟
• هل شروط الولوج واضحة وشفافة وغير تمييزية؟
• هل هناك “أثر إقصائي” حقيقي على المنافس (فقدان زبناء/تعثر توسع/تكلفة إضافية)؟
لهذا تتقاطع الخبرة التقنية (هندسة الشبكات، الكلفة، آجال الربط…) مع التحليل الاقتصادي (الحصة السوقية، هوامش الربح، سيناريوهات “لو لم تقع الممارسة”). وهذا ما يفسر لماذا تتحول هذه الملفات إلى قضايا رأي عام: لأنها لا تُقرأ فقط كصراع شركات، بل كاختبار لمدى صرامة قواعد المنافسة في القطاعات الحيوية.

5) كيف يُحسب الضرر والتعويض في قضايا المنافسة عادة؟

هنا بيت القصيد الذي يبحث عنه القارئ: كيف وصلنا إلى مليارات؟
من حيث المنهج (بشكل عام، دون الادعاء بمعرفة تفاصيل الخبرات في هذا الملف بالذات)، تقدير الضرر في قضايا المنافسة يبنى غالباً على فكرة “العالم البديل”: ماذا كان سيقع للمنافس لو لم تحصل الممارسة؟
أشهر المناهج التي تُستعمل دولياً ومحلياً في مثل هذه الملفات:
• الربح الفائت (Lost profits): كم زبون/عقد/حصة سوقية فقدها المنافس بسبب الممارسة؟
• التكلفة الإضافية (Extra costs): هل اضطُرّ المنافس إلى حلول أغلى أو أبطأ؟
• أثر الإقصاء على الاستثمار: هل تأخر الانتشار الجغرافي أو تحديث الشبكة بسبب شروط ولوج غير منصفة؟
• الخصم الزمني (Discounting): لأن الضرر قد يمتد لسنوات، تُحسب قيمة اليوم بشكل مختلف عن قيمة الغد.
وهنا تظهر أهمية الخبرة القضائية والوثائق التجارية: لأن المحكمة لا تحكم “بالانطباع”، بل تحتاج سلاسل من المعطيات والقرائن القابلة للمناقشة، وهذا ما يجعل مثل هذه القضايا طويلة ومتشعبة.

6) ماذا بعد؟ أثر الحكم/التسوية على السوق والمستهلك… وعلى 5G والألياف

في مارس 2025، الإعلان لم يقتصر على التسوية المالية، بل تضمن مشروعين مشتركين لتقاسم/تسريع البنية التحتية:
• استثمار أولي في حدود 4.4 مليارات درهم للمرحلة الأولى (3 سنوات).
• مشروع “TowerCo” بهدف يقارب 2000 برج في 3 سنوات و6000 برج في أفق 10 سنوات وفق بيان “اتصالات المغرب”
• التأكيد على أن تنفيذ الشراكة يبقى رهيناً بموافقة ANRT وباعتبارات التنظيم والمنافسة.
بالنسبة للمستهلك، المنطق المتوقع هو: إذا تحسّن الاستثمار في البنية التحتية وانتشر الألياف والجيل الخامس بسرعة وبكلفة أقل، يمكن أن ينعكس ذلك على الجودة والتغطية وربما على العروض والأسعار (مع بقاء ذلك مرتبطاً بمستوى المنافسة الفعلية في السوق). وبالنسبة للشركات، الرسالة الأوضح هي أن قضايا المنافسة لم تعد “نظرية”: أرقام التعويضات الكبيرة تجعل الامتثال (compliance) والتدبير القانوني للبنية التحتية جزءاً من حسابات الربح والخسارة.

خاتمــــــــة

ملف «اتصالات المغرب–إنوي» ليس مجرد خبر اقتصادي مثير؛ هو درس عملي في كيف تتحول المنافسة من شعار إلى قواعد قابلة للإنفاذ: تنظيم قطاعي (ANRT)، ونزاع قضائي بالتعويضات، ثم تسوية تُعيد تشكيل خريطة الاستثمار في الألياف والجيل الخامس. وبين كلمة “غرامة” و“تعويض” يوجد فرق قانوني حاسم: الأول ردع تنظيمي، والثاني جبر ضرر لمتضرر محدد—وفهم هذا الفرق هو ما يجعل القارئ يقرأ الخبر بوعي، لا كرقم ضخم فقط.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق