شهد نظام التعليم الياباني، إصلاحات واسعة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية في عام 1945م أتاحت إعادة توجيه المناهج والمقررات والكتب الدراسية، وبخاصة تلك المقررات التي تؤدي إلى إثارة النزعات الحزبية والطائفية، مثل مادة التربية الأخلاقية لتكون بشكل أقل من النعرة القومية والنزعة العسكرية التي كانت عليها قبل الحرب العالمية الثانية. كما أتاحت الإصلاحات إقامة نظام تعليمي يُعرف بـست سنوات للمرحلة الابتدائية، وثلاث للمتوسطة وثلاث أخرى للمرحلة الثانوية ثم أربع سنوات للجامعة. وتم ضم المرحلة المتوسطة إلى المرحلة الابتدائية لتصبح السنوات التسع الأولى من التعليم تعليمًا أساسيًا إلزاميًا تصل نسبة الالتحاق به 100% حيث تقع مسؤولية إلحاق التلاميذ بالمدارس على عاتق أولياء الأمور، كما تشير إلى ذلك المادة 26 من القانون الياباني، وكذلك تقع على المدن والقرى والبلدات مسؤولية تأسيس المدارس وتجهيزها لاستيعاب الأطفال في هذه السن.
وبالرغم من أن المدارس الثانوية لا تدخل في مرحلة التعليم الإلزامي، إلا أن نسبة التقدم إليها من خريجي المدارس المتوسطة تجاوزت التسعين في المائة (2.94% حسب إحصائية عام 1986م) وخصوصًا في المدن التي يلتحق معظم أولادها وبناتها تقريبًا بالمدارس الثانوية. وتفخر اليابان بأن نسبة الأمية فيها صفر في المائة ( وهناك رأي يقول إنها 99.9% )، بل لقد أعلنت اليابان سابقًا أنه بعد عام 2000م يعتبر الشخص الذي لا يُجيد لغة أجنبية ولا يستطيع التعامل مع الكمبيوتر في عداد الأميين.
من خلال ما سبق يمكن أن نستشف التقدم الملحوظ الذي يعرفه قطاع التعليم في اليابان بالنظر إلى النتائج المحققة، وفق التقارير السالفة الذكر، و حيث أن إبراز جميع مظاهر و تجليات المتقدمة لقطاع التعليم، على مستوى تفعيل الحكامة الجيدة، يتطلب منا إنجاز بحث خاص عن قطاع التعليم باليابان، سنكتفي من خلال هذا الفرع بإبراز بعض مظاهر و تجليات الحكامة الجيدة (الفقرة الأولى)، إضافة إلى أهم تجليات الإلتقائية في هذا المضمار(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : مظاهر و تجليات الحكامة الجيدة بقطاع التعليم في اليابان.
حتى نلم بكافة مظاهر و تجليات الحكامة الجيدة بقطاع التعليم في اليابان، لابد من ذكر أبعاد الدور الذي تقوم به المؤسسة التعليمية في تشكيل حياة إنسان اليابان لأنه من المناسب أن نوضح تصوراً عاماً عن النظام التعليمي، إعتبار لكون العنصر البشري الركن الأساسي لبلورة الحكامة الجيدة، وعليه فالنظام التعليمي اليابان يقوم على المحاور الأتية:
1. يقوم النظام التعليمي في اليابان والذي يستوعب مائة في المائة من السكان حتى مرحلة دخول الجامعة، على مبدأ المساواة في المعاملة بين التلاميذ دون أية تحيزات ناتجة عن انتماءات طبقية أو خلفيات عائلية أو قدرات ذهنية، والافتراض الأساسي للنظام التعليمي هو أن كافة التلاميذ يتساوون في القدرات ويأتي دور المعلم في تنمية كافة القدرات بشكل متوازن بين الجميع.
2. نتيجة لهذا الافتراض الأساسي بالمساواة فإن الانتقال من مرحلة تعليمية إلى مرحلة تعليمية أعلى منذ بداية التعليم الابتدائي، وحتى دخول الجامعة يتم بشكل تلقائي مضمون فلا رسوب للتلاميذ، ومن يدخل يضمن الخروج منها مع نفس الزملاء الذين دخل معهم،وليس معنى هذا أن التلميذ لا يتعرض للامتحانات …… والهدف من الامتحانات الدورية هو التأكيد من أن المعلم قد حقق هدف التوازن في توصيل المعرفة وتنمية القدرات بين مختلف التلاميذ.
عند مستوى التعليم الجامعي يختلف الوضع فيما يتعلق بالمساواة والامتحانات والانتقال من صف لآخر هنا تبدأ المنافسة في الامتحانات والقدرات لدخول الجامعات والكليات وبالتالي فإن على الطالب أن يختار عدداً من اختبارات القدرات التي تعكس إمكاناته المناسبة لمجالات التخصص الجامعي.
ومن خلال ماسبق يتضح كيف تبرز لنا معايير الحكامة الجيدة التي تحدثنا عنها سالفا و المثمثلة في الشفافية و المساواة و المناصفة و الجودة و سيادة القانون…….
و في هذا السياق فالإدارة التعليمية عملية ضرورية وهامة للنظام التربوي في أي مجتمع حيث تتوقف قدرة التعليم على قدرة وكفاءة نظامه الإداري باعتباره أداة السيطرة عليه وعلى تنظيمه، وأداة فاعلة لتوجيهه وتقويمه من أجل الوصول إلى تحقيق مستوى معين من الارتقاء في مجال التعليم ونجاح الإدارة التعليمية في اليابان راجع إلى أنه أحد الأنماط الإدارية ذات الصلة الوثيقة بالنظام الإداري العام في المجتمع الياباني، الأمر الذي أضفى عليه العديد من المميزات والخصائص التي تفتقدها إدارة التعليم في كثير من المجتمعات.
أً – إدارة التعليم على المستوى القومي :
ممثلة في وزارة التربية والتعليم وتقع عليها مسئولية نشر التعليم والعلوم والثقافة وكذلك مسئولية التخطيط للتعليم وبرامجه وإدارة جامعاته ولها سلطة اتخاذ القرارات الخاصة بإنشاء المؤسسات التعليمية، وينطوي تحت لوائها مجمعة لجان لكل من التعليم الابتدائي –الثانوي –الفني – الجامعي – التعليم الخاص – الشباب المرأة العلاقات الدولية.
ويوجد على المستوى القومي اتحاد المعلمين الياباني، حيث يقوم بالعديد من الأنشطة المهنية والاجتماعية ويتحمل الجزء الأكبر من المسئولية الخاصة بالنشاط المهني وله كيان متميز عن الوزارة ويتشكل هذا الاتحاد من أربع مستويات من جمعيات المعلمين وله صحيفة شهرية ويعقد اجتماعاً للمعلمين على مستوى الدولة لبحث مشاكلهم كما أن للاتحاد فروعاً في المقاطعات.
ب- بعض جوانب الإفادة من إدارة التعليم الياباني:
بالنظراً للتفوق العلمي والتكنولوجي فلقد أصبح هذا النظام يثير الانتباه ويجذب إليه العديد من المجتمعات المتقدمة برغم ما وصلت إليه من مستوى عالٍ في كثير من المجالات، وهي لا تحاول تقليده، وإنما تحاول الإفادة مما يتميز به من خصائص فريدة، وتضمين هذه الخصائص لنظمها الإدارية حتى يستمر لها التقدم والتفوق . ولكن من ناحية ثانية يجب على الدول النامية أن تحذو حذو الدول المتقدمة لأنها في أمس الحاجة لذلك، وتطويع تجارب الآخرين لظروفها المحلية والثقافية والعمل بما يلي :
1. العمل على بناء نظام إداري متكامل العناصر يأخذ بمزايا المركزية واللامركزية .
2. العمل من خلال مفاهيم وأسس واضحة ومحاولة تطبيقها بأسلوب متميز بالتنسيق والتكامل فيما بينها
3. التأكيد على الصلة الوثيقة بين الإدارة التعليمية والتخطيط للتعليم .
4. الأخذ من أسس الإدارة اليابانية فيما يتعلق بعمليات التوظيف الدائم والمشاركة في اتخاذ القرار.
5. الإفادة من التجربة اليابانية في عمليات التكامل بين المركزية واللامركزية وبين الإدارة على المستويات الثلاثة للنهوض بالتعليم.
6. مشاركة الإدارات التعليمية على اختلاف مستوياتها في النهوض بالبحث التربوي لحل الكثير من المشكلات التي تواجهها.
7. مشاركة الإدارات التعليمية في رفع مستوى الوعي التربوي والتعليمي عن طريق عقد الندوات والمؤتمرات داخل المؤسسات التعليمية.
الفقرة الثانية : تجليات الإلتقائية بقطاع التعليم في اليابان.
تتميز اليابان بشكل عام بمركزية التعليم، أو نستطيع القول أن نظام تعليمها يغلب عليه طابع المركزية. ومن إيجابيات هذا المبدأ في التعليم توفير المساواة في التعليم ونوعيته لمختلف فئات الشعب على مستوى الدولة بغض النظر عن المقاطعة أو المحافظة التي وُلد فيها التلميذ أو الطالب، وبذلك يتم تزويد كل طفل بأساس معرفي واحد سواء كان في شمال اليابان أو جنوبها أو وسطها وبغض النظر عن الحالة الاقتصادية لهذه المنطقة، حيث تُقرر وزارة التعليم اليابانية الإطار العام للمقررات الدراسية في المواد كافة بل ويُفصَّل محتوى ومنهج كل مادة وعدد ساعات تدريسها، وبذلك يتم ضمان تدريس منهج واحد لكل فرد في الشعب في أي مدرسة وفي الوقت المحدد له. وعادة لا توجد اختلافات جوهرية تذكر بين المدارس في مختلف مناطق اليابان وكلها تتمتع بمستوى متجانس عال مع التفاوت في نوع التفوق فقط. والوزارة مسئولة عن التخطيط لتطوير العملية التعليمية على مستوى اليابان، كما تقوم بإدارة العديد من المؤسسات التربوية بما فيها الجامعات والكليات المتوسطة والفنية. ومن المعروف أن المدارس في اليابان هي التي قامت بغرس المعرفة التي ساعدت اليابان على التحول من دولة إقطاعية إلى دولة حديثة بعد عصر «ميْجى Meiji» (1868 – 1912م)، وكذلك تحول اليابان من دولة مُنْهكة تتلقى المساعدات بعد الحرب العالمية الثانية إلى دولة اقتصادية كبرى تُقدم المساعدات لمختلف الدول النامية في العالم.
ولكن في الحقيقية لا يعني ذلك أن مركزية التعليم مطلقة في اليابان فهناك قسط أيضًا من اللامركزية حيث يوجد في كل مقاطعة من مقاطعات اليابان مجلس تعليم خاص بها، ويعتبر السلطة المسئولة عن التعليم وإدارته وتنفيذه في هذه المقاطعة. ويتكون مجلس التعليم من خمسة أعضاء يعيّنهم رئيس المقاطعة أو المحافظ بموافقة مجلس الحكم المحلي الذي يتم تعيين أعضائه بما فيهم رئيس المقاطعة من قِبَل سكان المقاطعة. ويقوم هذا المجلس باختيار الكتب المناسبة لمقاطعته من بين الكتب المقررة التي عادة ما يقوم القطاع الخاص بطباعتها، ولكن بالطبع بعد الحصول على موافقة من وزارة التعليم عليها. ويقوم هذا المجلس أيضًا بإدارة شؤون العاملين بما في ذلك تعيين ونقل المعلمين من مدرسة لأخرى، كما يقوم بالإشراف على مؤسسات التعليم الإقليمية وتقديم النصح لها.
كما أن المعلمين بالرغم من المركزية في الإشراف عليهم، إلا أنهم يتمتعون أيضًا بقسط من الحرية بصفتهم من هيئة صُناع القرار بالمدرسة وعلى رأسهم مدير المدرسة. وهم يجتمعون في ربيع كل عام لمناقشة وتقرير الأغراض التربوية للمدرسة، والتخطيط لجدول النشاط المدرسي لتحقيق تلك الأغراض التربوية وإعداد ذلك في كتيب كل عام. كما يقوم المعلمون كذلك بعقد حلقات بحث أو «سيمنار» كل ثلاثة أشهر لإلقاء البحوث والنقاش حول نظريات التعلم ومشاكل العملية التعليمية. وهم يقومون بإدارة مدارسهم دون ضغط ملزم من جانب الوزارة وذلك تحت ظل سلطة اتحادهم. ولذلك يشعر المعلمون في اليابان بأهميتهم في صنع القرار لأنهم ليسوا مجرد موظفين تابعين لوزارة التعليم.
ويبدو أن مبدأ التمازج والتوازن بين المركزية واللامركزية يتلاءم مع نظام التعليم الياباني، ويعكس طبيعة التفكير اليابانية في المزج بين الثقافات والقديم والجديد. فالمركزية كانت موجودة قبل فرض قوات الحلفاء وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية مبدأ اللامركزية وغيرها من الإصلاحات على نظام التعليم في اليابان بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية. ولكن بعد أن استعادت اليابان سيادتها في عام 1952م، قامت بإلغاء بعض الإصلاحات التي فُرضت عليها ولم تكن مناسبة لها ومنها مبدأ اللامركزية.
يركز النظام الياباني للتعليم على تنمية الشعور بالجماعة والمسؤولية لدى التلاميذ والطلاب تجاه المجتمع بادئًا بالبيئة المدرسية المحيطة بهم، مثل المحافظة على المباني الدراسية والأدوات التعليمية والأثاث المدرسي وغير ذلك. فمن المعروف عن المدارس اليابانية المحافظة على نظافة المدرسة، فأول شيء يُدهش زائر المدرسة اليابانية، وجود أحذية رياضية خفيفة عند مدخل المبنى المدرسي مرتبة في خزانة أو أرفف خشبية يحمل كل حذاء اسم صاحبه، حيث يجب أن يخلع التلاميذ أحذيتهم العادية وارتداء هذه الأحذية الخفيفة النظيفة داخل مبنى المدرسة. وهذه العادة موجودة في معظم المدارس الابتدائية والمتوسطة وكثير من المدارس الثانوية أيضًا.
ومن الشائع في المدارس اليابانية أيضًا، أن يقوم التلميذ عند نهاية اليوم الدراسي بكنس وتنظيف القاعات الدراسية بل وكنس ومسح الممرات بقطع قماش مبللة. بل والأكثر من ذلك غسل دورات المياه وجمع أوراق الشجر المتساقط في فناء المدرسة وكذلك القمامة إذا وجدت!. وكثيرًا ما ينضم إليهم المدرسون في أوقات معينة لإجراء نظافة عامة سواء للمدرسة أو للأماكن العامة أيضًا مثل الحدائق العامة والشواطئ في العطلة الصيفية، وذلك بدون الشعور بالضِعة سواء من التلاميذ أو المعلمين. بالإضافة إلى ذلك يقوم الأطفال بتقديم الطعام للحيوانات أو الطيور التي تقوم المدرسة بتربيتها حيث إنه لا توجد شخصية «الحارس» أو «الفراش» في المدارس اليابانية ولا يوجد عمال نظافة، ولذا يأخذ التلاميذ والطلاب والمعلمون على عاتقهم تنظيف المدرسة وتجميل مظهرها الداخلي والخارجي، بل يمتد هذا النشاط إلى البيئة المحيطة بالمدرسة أيضًا وذلك بتعاون الجميع وفي أوقات منتظمة ومحددة.
ويتضح أوج هذه المسؤولية وروح الجماعة والتعاون والاعتماد على النفس عند تناول وجبة الطعام في المدرسة. فمن المعروف أنه لا يوجد مقاصف في المدارس اليابانية، ولكن يوجد مطبخ به أستاذة تغذية وعدد من الطاهيات حيث يتناول التلاميذ وجبات مطهية طازجة تُطهى يوميًا بالمدرسة. ويقوم التلاميذ بتقسيم أنفسهم إلى مجموعات إحداها تقوم بتهيئة القاعة الدراسية لتناول الطعام، وثانية مثلاً تقوم بإحضار الطعام من المطبخ، وثالثة تقوم بتوزيع هذا الطعام على التلاميذ بعد ارتداء قبعات وأقنعة وملابس خاصة لذلك. وهذا بلا شك يؤكد الإحساس بالمسؤولية وروح الجماعة والاعتماد على النفس والانتماء إلى المدرسة والمجتمع، كما يوفر من ناحية أخرى ميزانية كان يُفترض أن تُرصد لهذه الخدمات .
وتتجلى هذه الروح أيضًا ليس فقط في مجموعات العمل الخاصة بالطعام والنظافة، بل في المجموعات الدراسية التي يقوم بتكوينها المدرس عندما يطلب من التلاميذ أو الطلاب الإجابة عن بعض الأسئلة أو حل مسألة مثلاً في الرياضيات أو إنجاز بعض الأعمال أو الأنشطة للفصل، وبعد المشاورات الجماعية بينهم يعلن واحد من هذه المجموعة باسمها الانتهاء من هذه المهمة. على أن يعاد تشكيل هذه المجموعات من فترة لأخرى أو حسب ما تحتاج الضرورة من وقت لآخر حتى لا تتكون أحزاب أو تكتلات داخل الفصل.
وهذا النظام لايعوّد التلاميذ الروح الجماعية فحسب، بل القيادة التي تتجلى أيضًا في تعيين شخصية مراقب الفصل أو رائده والذي يقوم في وقت غياب المدرس بتهيئة الفصل وتنظيمه وحل مشكلاته بما فيها مشاكل التلاميذ بين بعضهم بعضًا. ثم أخيرًا في نهاية اليوم الدراسي يقوم التلاميذ بعقد جلسة جماعية حيث يجتمعون ويسألون أنفسهم فيما إذا كانوا قد أتموا عملهم اليوم على أكمل وجه أم لا ؟ أم أن هناك قصورًا فيما قاموا به من أعمال ؟ أو هل كانت هناك مشاكل ما ؟ وبلا شك إن هذه الطريقة في التعليم تستهدف روح الجماعة وتحمُّل المسؤولية والالتزام والقيادة، كما تشكل أيضًا قوة نفسية رادعة لكبح جماح السلوكيات الاجتماعية غير اللائقة تجاه المجتمع والغير، كما أهما تكرس ثقافة توحيد الرؤى و الأفكار، و الإندماج و إعمال المقاربة التشاركية للتتحقق الإلتقائية في جميع البرامج و المخططات التعليمية، حيث أن تحقيق هذا المبدأ يرتكز بالأساس على مدى قدرة و إستطاعة و كفاءة العنصر البشري، و هذا هو مايركز عليه النظام الياباني بالدرجة الأولى، كما أنه يعتبر بؤرة التقدم الياباني في مجال التعليم.
من خلال ما سبق حاولنا إبراز و توضيح أهمية التعليم بشكل عام و إنعكاسه القوي و الفعال على التنمية بشتى مستوياتها، الثقافية و السياسية و الإقتصادية و البيئية…..
و في هذا السياق وضحنا بشكل معمق تأثير التعليم على التنمية البشرية، حيث أن العنصر البشري الكفؤ يكون قادرا على خلق فرص الشغل لنفسه، و ذلك من خلال كفائته الواسعة، و كيف أن التشغيل الذاتي يكون أسهل بشكل أكبر بالنسبة للعنصر البشري الكفؤ، بعكس العنصر البشري الغير متعلم، و الذي من شأنه مثلا مساعدة الدولة على الحد من البطالة…
و هدا ما أكده الفلاسفة و المفكرين بصيغة أو بأخرى من أمثال أدام سميث و الذي تحدث عن تاثير التعليم على التنمية الإقتصادية، و كذلك ريكاردو و توماس مالتوس و شومبيتر و كنز و شولتر، و كلها من أجل الإستئناس و التأكيد و التوضيح للمكانة المرموقة التي يحتلها قطاع التعليم بشهادة كل هؤلاء المفكرين، في تحقيق التنمية.
و حيث أن قطاع التعليم بالمغرب يعرف أزمة كبيرة تقر بها أغلب المنظمات الدولية، جاء دستور 2011، لنستنشق معه بوادر إصلاح مرتقب و مأمول، من خلال مفهوم الحكامة الجيدة و الذي جاء بالأساس بغية العمل على بلورة مبادئها و الممثلة في الشفافية و المصداقية و الجودة و الحياد و النزاهة و المراقبة و التقييم و ربط المسؤولية بالمحاسبة و سيادة القانون…..
و لأن أي أزمة بالضرورة تعتريها مجموعة من التحديات هي التي تقف سدا منيعا من أجل إيجاد الحل لها، فقد حاولنا مقاربة جميع التحديات المسسبة لهذه الأزمة العويصة منها التاريخية و السياسية و المالية و البشرية و المؤسساتية و القانونية، غير أننا من خلال مقاربة جميع هذه التحديات بدى لنا أن إصلاح التعليم في المغرب، مازال لم يبارح مكانه و أن الحل هو تفعيل المقتضيات الدستورية في مجال الحكامة و الإلتقائية، لأن التنصيص الدستوري وحده غير كافي، ومن أجل النجاح في هذا المسار، لابد من الإستئناس ببعض النماذج الأجنية الرائدة في هذا المجال كاليابان مثلا، و ذلك ليس بالإستنساخ الحرفي و إنما بأخذ مايمكن أن يتماشى و هويتنا الثقافية المغربية، و بهذا حاولنا إبراز أهم مميزات النظام الياباني التعليمي، محاولين تسليط الضوء عليه، بغية لفت النظر إليه، إعتبارا لكون الولايات المتحدة الأمريكية و الرائدة عالميا في مختلف المجالات، لم تخجل من نقل النموذج الياباني التعليمي إليها، و هذا إن دل عن شئ إنما يؤكد النجاح الباهر لهذا النموذج.