قضاء التحقيق أية أفاق

عالـم القانون2 يوليو 2022
قضاء التحقيق أية أفاق

يعتبر التحقيق الإعدادي مجموعة من التحريات تستهدف استكمال المعلومات وجمع الحجج التي قد تكون في صالح المتهم أو ضده من طرف سلطة قضائية مختصة تسمح لها في نهاية الأمر أن تقرر ما إذا كان مناسبا أو غير مناسب إحالة القضية على المحكمة
.

فقضاء التحقيقه إذن هو مرحلة تتوسط البحث الذي تشرف عليه النيابة العامة بصفتها سلطة للمتابعة ومرحلة الحكم التي يتولى فيها قضاء الحكم إصدار الأحكام في القضايا التي تعرض عليه، فهو منزلة بين المنزلتين يتوسط مرحلة المتابعة والحكم.
وطبقا لقانون المسطرة الجنائية، فإن التحقيق يكون إلزاميا على مستوى محاكم الاستئناف في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها ثلاثين سنة و كذا في الجنايات المرتكبة من طرف الأحداث فيما يكون اختياريا فيما عدا ذلك من الجنايات.
أما على مستوى المحاكم الابتدائية، فإن التحقيق يكون إلزاميا في الجنح بنص خاص، ويكون اختياريا في الجنح المرتكبة من طرف الأحداث وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات. ويعين قاضي التحقيق من طرف وزير العدل لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد باقتراح من رئيس المحكمة
ولقد أخذ المشرع المغربي بنظام التحقيق على صعيد المحاكم الابتدائية وعلى صعيد محاكم الاستئناف
وإذا كانت قد مرت على ازدواجية التحقيق هذه في بلادنا حوالي 8 سنوات، فهل يمكن القول بأنها مدة كافية لتقييم هذه التجربة، وبالتالي إصدار حكم قيمي عليها لا سيما أمام النقاش القانوني والقضائي الذي تعرفه بعض الدول التي تأخذ بنظام التحقيق حول ما إذا كان يتعين الإبقاء عليه مع تعزيز وضعيته ومراجعة الصلاحيات المخولة له، أم أن الوضعية التي آل إليها قضاء التحقيق بسبب غياب النجاعة تستدعي إعادة النظر في جدوى الإبقاء عليه؟

أولا: قضاء التحقيق محل تساؤل عالميا ؟

حظي موضوع تقييم قضاء التحقيق في مجموعة من الدول التي تأخذ بنظام التحقيق باهتمام بالغ جسده النقاش الذي عرفه هذا الموضوع الذي يظل في نظرنا مقتصرا على الدول التي تتبنى النظام اللاتيني الجرماني على عكس النظام الأنجلوسكسوني الذي لا يعرف قضاء التحقيق.
وفي هذا الإطار شهدت مجموعة من الدول نقاشا حول هذا الموضوع، انتهى ببعضها إلى إلغائه كما هو الشأن مثلا بالنسبة لألمانيا التي ألغت قضاء التحقيق من نظامها القضائي في سنة 1975. ونفس الشئ بالنسبة لإيطاليا التي ألغته في سنة 1988.
وإذا كانت هذه الدول قد اختارت التخلي عن قضاء التحقيق، فإن البعض الآخر منها اختار الحفاظ على هذا الأخير مع التضييق من مجال اختصاصه ليقتصر على المرحلة الإعدادية الإجراءات الدعوى ومراقبة إجراءات البحث التي تقوم بها الشرطة القضائية تحت إشراف النيابة العامة كما هو الشأن مثلا بالنسبة للبرتغال التي تبنت هذا الاتجاه منذ سنة 1987.
ومن بين الدول التي تشهد حاليا نقاشا حقيقيا حول قضاء التحقيق، نجد فرنسا التي عرفت هذا النقاش مع بداية سنة 2009 على أعلى مستوى، حيث جاء في كلمة ألقاها الرئيس الفرنسي السابق Nikolas Sarkozi بمناسبة افتتاح السنة القضائية لمحكمة النقض بتاريخ 17 يناير 2009 على أنه ينبغي إيجاد إجراءات جنائية مسايرة للعصر وأن تسود ثقافة الأدلة ،لا ثقافة الاعتراف وأن يتم البت في قرار الاعتقال الاحتياطي من طرف هيأة قضائية جماعية في جلسة علنية وأن يتم استبدال مؤسسة “قاضي التحقيق Juge d’instruction” بـــــ “القاضي المكلف بالتحقيق Le juge de l’instruction”

ولم يكن – في حقيقة الأمر. خطاب الرئيس الفرنسي السابق حول هذا الموضوع سوى انعكاسا للنقاش الذي مازالت تعرفه الساحة القانونية والقضائية في فرنسا حول هذا الموضوع بدرجة أولى، ثم في بعض الدول الأخرى بشكل أقل حدة، كبلجيكا مثلا حيث يجري النقاش حول إعادة النظر في اختصاصات قاضي التحقيق.
والحقيقة أن المتتبع للنقاش الدائر حاليا حول مؤسسة قاضي التحقيق يستنتج أولا أن هذا النقاش هو عالمي – على الأقل بالنسبة للدول التي تأخذ به.

وثانيا أن هناك تباينا في الآراء في هذا الشأن بين داع لحذفه من النظام القضائي بسبب عدم نجاعته وبين مؤيد للإبقاء عليه، والدعوة إلى تعزيز صلاحيته. وهو الأمر الذي أدى في فرنسا عقب تصريح الرئيس الفرنسي السابق إلى بروز عدة ردود أفعال متباينة للمجتمع المدني كان من مظاهرها انطلاق حملة وطنية في نهاية يناير 2009 تم خلالها جمع أكثر من 8000 توقيع ضد مقترح حذف قضاء التحقيق.
ومنذ سنة 2009 ما يزال هذا النقاش مخيما على الساحة القانونية والقضائية في فرنسا.

ثانيا : قضاء التحقيق من وجهة نظر المؤيدين والمعارضين

تجدر الإشارة إلى أن النقاش الذي تعرفه مجموعة من الدول حول قضاء التحقيق يرتبط في عمقه بمجموعة من الأسباب سنتعرض لها كما يلي:

1- الاتجاه المؤيد لإلغاء قضاء التحقيق :

تعتبر السلبيات التي أفرزها العمل بمؤسسة قضاء التحقيق إحدى أهم الأسباب التي تقف وراء الدعوة إلى إلغائه خاصة أمام البطء الذي بات يعرفه قضاء التحقيق والذي يؤدي إلى تراكم القضايا وتعطيل الإجراءات مما ينسف الغاية من النص و يضرب في العمق ضمانات المحاكمة العادلة، فضلا عن أنه أصبح سببا رئيسيا لارتفاع عدد المعتقلين الاحتياطيين وهي كلها مظاهر سلبية بات ينعت بها قضاء التحقيق الذي لم يعد في نظر البعض سوى مرحلة لتكرار وتدوين ما جاء في محاضر الشرطة القضائية. كما أن بعض القرارات التي يصدرها قضاة التحقيق بمقتضی الصلاحيات المخولة لهم تحمل جملة من القيود التي تمس بحريات الأشخاص، كالمنع من الاتصال ببعض الأشخاص والمنع من السفر وإغلاق الحدود.
يضاف إلى ذلك بعض الأخطاء القضائية التي ترتكب على مستوى قضاء التحقيق أو تنسب إليه كما هو الشأن في قضية “Affaire d’outreau
” التي كانت سببا لتأكيد فكرة الدعوة إلى إلغاء قضاء التحقيق. وهو ما جعل النقيب السابق للمحامين بباريس Jean-yves le borgne يصف في تصريح له بجريدة LE FIGARO بتاريخ 17 يناير 2009 قضاء التحقيق بأنه يعيش نوعا من انفصام الشخصية shizophrene بسبب تمزقه بين واجب احترام الضمانات الأساسية للمحاكمة من جهة ونجاعة التحقيق من جهة ثانية كل هذه الأسباب وغيرها دفعت بمجموعة من التشريعات إلى إعادة النظر في قضاء التحقيق.

2- الاتجاه المؤيد للإبقاء على قضاء التحقيق :

يعتمد أنصار هذا الرأي للإبقاء على قضاء التحقيق على ما يوفره من ضمانات للمحاكمة العادلة ومن إمكانيات للتعمق في البحث عن الأدلة لا سيما بالنسبة لبعض الجرائم الخطيرة، کالجرائم الإرهابية والمالية التي تتطلب وقتا أطول للتحري وصلاحيات قانونية أوسع يستطيع قاضي التحقيق من خلالها الوصول إلى الحقيقة وكشف المتورطين في ارتكاب هذه الجرائم.

كما يضمن قضاء التحقيق في نظر المؤيدين له تحقيق التوازن بين الضمانات القانونية الممنوحة للمتهم و تلك الممنوحة للمجتمع.
كما يعزز أنصار الإبقاء على قضاء التحقيق رأيهم بضرورة إجراءات التحقيق في بعض الجرائم الخطيرة جرائم الإرهاب، الجرائم المالية..) والتي تتطلب نوعا من التخصص لدى مختلف أجهزة العدالة وفي مقدمتها قضاء التحقيق.

ثالثا : قضاء التحقيق ضمن التوجهات القضائية المقارنة

تنبغي الإشارة بداية بأن التجارب القضائية المقارنة لم تتبن نهجا موحدا تجاه قضاء التحقيق و إن كانت غالبيتها في الواقع قد ألغته من نظامها القانوني والقضائي وفوضت صلاحية التحقيق للنيابة العامة. وفي هذا الإطار سنعرض لأهم التوجهات التي تناقش حاليا بشأن وضعية قضاء التحقيق :

الاتجاه الأول :

حذف قضاء التحقيق، والاقتصار فقط على مرحلة البحث التي تشرف عليها النيابة العامة باعتبارها سلطة متابعة مع تخويل كافة الصلاحيات التي خولها القانون لقاضي التحقيق لفائدة للنيابة العامة، بحكم أن تلك الصلاحيات هي في حقيقة الأمر أقرب إلى البحث منها إلى قضاء الحكم،
خاصة وأن العديد من الصلاحيات التي يمارسها قاضي التحقيق كان من الأنسب منحها للنيابة العامة، كالأمر بالتقاط المكالمات وإغلاق الحدود، فضلا عن أن هذه السلطة (النيابة العامة هي التي أناط بها القانون مهمة البحث عن الأدلة وتقديمها للعدالة.

وهذا الاتجاه هو الذي سلكته غالبية النظم القانونية التي تخلت عن قضاء التحقيق حيث فوضت الصلاحيات التي كانت مخولة لقاضي التحقيق لفائدة النيابة العامة، وهو ما قامت به ألمانيا وإيطاليا، بالإضافة إلى سويسرا مؤخرا التي وحدت إجراءات الدعوى العمومية بمقتضى قانون المسطرة الجنائية لسنة 2007 والذي خول للنيابة العامة القيام بإجراءات التحقيق الإعدادي.

الاتجاه الثاني :

تفويض الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق لفائدة قاض تكون له صلاحية مراقبة شرعية الاعتقال وهذا الاتجاه يتم التفكير فيه حاليا في فرنسا من خلال تفويض الصلاحيات الممنوحة القاضي التحقيق لفائدة قاضي الحريات والاعتقال.

وهذا المقترح هو الذي خلصت إليه أشغال اللجنة التي كلفها الرئيس الفرنسي السابق للتفكير في موضوع قضاء التحقيق حيث اقترحت ضمن توصياتها حذف مؤسسة قاضي التحقيق ودمج الصلاحيات الممنوحة لهذا الأخير إلى القاضي المكلف بالبحث والحريات “juge de l’enquete et des libertes”.

الاتجاه الثالث :

استبدال قاضي التحقيق بالقاضي المكلف بالتحقيق le juge d’instruction par juge” “de l’instruction، ولقد نادى بهذا المقترح الرئيس الفرنسي السابق Nicolas sarkouzi بمناسبة افتتاح السنة القضائية لمحكمة النقض في سنة 2009.
وتبعا لهذا الاقتراح، فإن القاضي المكلف بالتحقيق ستقتصر مهامه على مراقبة سريان إجراءات التحقيق دون أن تمتد إلى تسيير إجراءات التحقيق، وهذا ما سيؤدي بالتبعية إلى تضييق اختصاصات قاضي التحقيق وبالتالي تخويل صلاحياته خلال المرحلة الإعدادية لفائدة النيابة العامة.

رابعا : قضاء التحقيق في المغرب أية آفاق

إن الحديث عن قضاء التحقيق في بلادنا لا يمكن فصله عن النقاش الدائر حاليا في مجموعة من الدول حول وضعية قضاء التحقيق خاصة أمام عدم النجاعة التي باتت إحدى السمات المميزة لهذه المؤسسة القضائية، وبالتالي هل تدعو الحاجة إلى الإبقاء على قضاء التحقيق أم أن واقع نظام العدالة في بلادنا مازال بعيدا عن هذا النقاش على الأقل حاليا؟
إن مجموعة من المآخذ التي تؤاخذ على قضاء التحقيق في النظام القضائي المغربي ترتبط بشكل أساسي ب:

* غياب النجاعة بسبب كثرة الملفات المحالة على التحقيق، والتي تحتل فيها الملفات البسيطة النسبة الكبيرة على حساب القضايا المهمة التي كان ينبغي أن تحظى بالأولوية في التحقيق، بالنظر لما تحظى به من أهمية.
* إن قضاء التحقيق في المحاكم الابتدائية لا يأتي في الغالب بأي جديد، إذ كثيرا ما يعتمد على محاضر الشرطة القضائية في الأوامر بالإحالة التي يحيل بموجبها قضاة التحقيق المتهمين إلى المحكمة.
وهذا ما يجد له البعض مبررا للقول بأنه أمام القوة الثبوتية النسبية لمحاضر الشرطة القضائية في الجنح، فإن قضاء التحقيق على مستوى المحاكم الابتدائية يعتبر عديم الجدوى، على خلاف التحقيق في الجنايات أمام محاكم الاستئناف فهو يمكن أن يكون مجديا بالنظر لكون المحاضر التي تنجز في الجنايات لا تكتسي قوة تبوثية، بل هي مجرد بیانات يمكن الاستئناس بها وبالتالي يبقى لقاضي التحقيق مجالا أوسع للبحث عن عناصر جديدة قد تكون مفيدة في التحقيق.
* إن الكم الهائل لعدد الملفات التي تحال على قضاء التحقيق في المحاكم الابتدائية يطرح أكثر من تساؤل حول جدوى التحقيق في بعض القضايا البسيطة، وهذا ما يؤدي في بعض الأحيان إلى جعل الإحالة على التحقيق تبدو بمثابة تهرب من المسؤولية في تحمل تبعات القرار في بعض الملفات القضائية التي يمكن إحالتها مباشرة على المحكمة بدل تعويمها بين عدد من الملفات الأخرى الرائجة أمام قاضي التحقيق. وهو ما يؤدي إلى ازدياد المتخلف من القضايا الذي وصل سنة 2011 إلى حوالي سبعة آلاف ملف، حيث إن عدد القضايا المسجلة هو 19.414
بينما كان عدد القضايا الرائجة يفوق ذلك بسبعة آلاف ملف أي في حدود 26436 قضية.
* عدم تفرغ قاضي التحقيق على مستوى المحاكم الابتدائية، يعد من بين إحدى الأسباب التي تحول دون تمكينه من القيام بمهام التحقيق على الوجه المطلوب وبنوع من التخصص، ذلك أن أغلب قضاة التحقيق يمارسون إلى جانب التحقيق مهاما أخرى، مما يؤثر على مردودية التحقيق.
* اتساع نطاق الجرائم التي تقبل التحقيق إحدى الأسباب التي تؤدي إلى إغراق قضاة التحقيق بالملفات وهو ما يؤدي في الواقع العملي إلى إغراق قاضي التحقيق بكم هائل من الملفات تكون في غالب الأحيان مجرد تكرار لما سبقها من إجراءات البحث الذي قامت بها الشرطة القضائية.
* يلاحظ من خلال الإحصائيات المسجلة على مستوى عدد القضايا الرائجة أمام قضاء التحقيق، عدم التساوي في الإحالة على غرف التحقيق كما يلاحظ كذلك أن عدد القضايا الرائجة على مستوى محاكم الاستئناف بالمملكة تبقى مرتفعة مقارنة بالمحاكم الابتدائية.

وفي هذا الإطار بلغ عدد المطالبات بإجراء تحقيق المقدمة أمام محاكم الاستئناف خلال سنة 2011 حوالي 10680 مطالبة، بينما بلغ هذا العدد على صعيد كافة المحاكم الابتدائية 8509 مطالبة، أي أن 65% من
عدد المطالبات بإجراء تحقيق تسجل على مستوى محاكم الاستئناف.

وهي ملاحظة تنطبق على مستوى كافة محاكم الاستئناف بالمملكة، بل إن عدد القضايا الرائجة على مستوى محكمة استئناف واحدة في بعض الأحيان يضاعف عدة مرات عدد القضايا المسجلة على مستوى المحاكم الابتدائية التابعة لها، فعلى سبيل المثال بلغ عدد المطالبات بإجراء تحقيق التي تقدمت بها النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالرباط خلال سنة 2011 حوالي 1029 مطالبة، بالمقابل لم يتجاوز مجموع عدد المطالبات بإجراء تحقيق المسجلة على صعيد المحاكم الابتدائية الخمس التابعة لدائرة نفوذ نفس محكمة الاستئناف 571 مطالبة وهذا ما يوضح بأن عدد المطالبات بإجراء تحقيق على مستوى محكمة الاستئناف يضاعف ما هو مسجل على مستوى الدائرة القضائية ككل لهذه المحكمة.

وهذا الأمر يبدو طبيعيا في نظرنا لأن قضاء التحقيق وضع في الأصل للجرائم المعقدة والخطيرة، وهي جنايات في الغالب.
أمام هذه العوائق التي تؤثر على قضاء التحقيق نعتقد بأنه على الأقل يمكن طرح بعض المقترحات التي تبقى خاضعة للنقاش الذي يمكن أن يساهم في تحديد إحدى الخيارات :

خامسا: مقترحات تتعلق بقضاء التحقيق

المقترح الأول :الإبقاء على التحقيق الإجباري

بالنسبة للجرائم المهمة التي تستحق فعلا مزيدا من إجراءات التحقيق، وفي هذا الإطار يمكن اقتراح تعديل المادة 83 من قانون المسطرة الجنائية وذلك بجعل التحقيق إلزاميا فقط في الجنح بنص خاص ولاسيما في الجرائم المالية كغسل الأموال، وجعله اختياريا في كافة الجنايات. .
إعادة النظر في طريقة تعيين قضاة التحقيق وذلك عبر إضفاء نوع أكبر من المرونة على مسطرة التعيين وذلك بالاكتفاء بتعيينه من طرف الرئيس الأول أو من طرف الجمعية العامة. على أن يشترط ذلك بتوفر أحد الشرطين :

• توفر القاضي على تجربة في التحقيق؛
• أو توفره على تكوين متخصص في التحقيق وهذا يقتضي مراجعة نظام التكوين لتوفير التخصص.

المقترح الثاني : الإبقاء على قضاء التحقيق وتعزيز صلاحياته.

إذا كان قضاء التحقيق ضمانة للحقوق الأساسية للمتهم و المجتمع معا ، فإن الرغبة في تحسين أداء هذه المؤسسة القضائية تتطلب توسيع صلاحياتها عبر :

  • التفعيل الحقيقي لدور قضاة التحقيق من خلال إخضاعهم لتكوين خاص يستهدف الإلمام الكامل بأساليب البحث والتحري مع تمكينهم من الوسائل المادية والبشرية التي تؤهلهم للقيام بمهاهم بشكل ايجابي، وكذلك توفير وسائل التنقل والاتصال ومساعدين مؤهلين لهذه المهام؛
  • تحديد الجمعية العامة (أو بمقرر تنظيمي) عدد القضايا (الأقصى) التي تسند لكل قاض من قضاة التحقيق تفاديا لتراكم الملفات؛

  • مراجعة آجال الاعتقال الاحتياطي والمراقبة القضائية نحو التقليص وتحديد الآجال القصوى ىإنهاء التحقيق في قضايا غير المعتقلين؛

  • تضمین بطاقة تنقيط ضباط الشرطة القضائية الذين ينجزون إنابات قضائية أو ينفذون أوامر قاضي التحقيق، نظرية قاضي التحقيق وذلك انسجاما مع مقتضيات المادة 121 من الدستور التي تنص على أن الشرطة القضائية توضع تحت إشراف النيابة العامة وقضاة التحقيق.

المقترح الثالث: إلغاء قضاء التحقيق وتفويض صلاحياته القانونية للنيابة العامة

التي ستتولى إجراءات البحث والتحقيق الإعدادي على غرار النظم القضائية التي تبنت هذا الاتجاه الذي سارت فيه غالبية الدول. وهذا الأمر يقتضي بالضرورة تعديل المقتضيات المتعلقة باختصاصات النيابة العامة لتشمل بعض الصلاحيات المخولة حاليا لقاضي التحقيق وهذا الاتجاه يشجع عليه كون التحقيق من الإجراءات الأقرب لطبيعة عمل النيابة العامة التي تشرف على البحث التمهيدي الذي تجريه الشرطة القضائية. وهذا المقترح لا يمكن أن يناقش بعيدا عن وضعية النيابة العامة التي يتطلب الإصلاح تحديد وضعيتها فيما يتعلق بالاستقلال عن السلطة التنفيذية خلاصة :
إن مسألة الحسم في الإبقاء أو إلغاء قضاء التحقيق تقتضي تعميق النقاش بشأنها لأنها لا ترتبط بالمنظومة القضائية فقط بل هي مرتبطة كذلك بمنظومة المحاكمة العادلة وضمان التوازن بين حقوق الأطرف من جهة وضرورات مكافحة الجريمة من جهة أخرى.
لذا فإن الحسم في أي من الخيارات يبقى رهينا بالخيار المناسب والملائم لطبيعة نظام العدالة الجنائية ببلادنا والذي ينبغي أن يحقق الجودة والنجاعة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق