علم الإجرام المحاضرة السابعة السداسي الخامس

عالـم القانون7 ديسمبر 2021
المحاضرة السابعة

                                      الفرع الثاني: التكوين النفسي للمجرم.
ثانيا :التفسير السيكولوجي للسلوك الإجرامي لدى فرويد
عندما يذكر المرء النفس البشرية لابد وأن يتجه به الفكر إلى العالم النمساوي “فرويد” رائد هذا الاتجاه، حيث يفسر السلوك الإجرامي على أن هناك صراعا بين الذات الدنيا بما تمثله من غرائز ونزعات وميول فطرية والذات المثالية الأنا العليا أو الضمير لما تمثله من قيم مكتسبة ومبادئ سائدة في المجتمع. وهو صراع للذات الشعورية “الأنا” دور فيه يتمثل في محاولة التوفيق بين الرغبات الصادرة عن شهوات الذات الدنيا وبين أوامر الذات المثالية وقيم المجتمع.
فإذا حدث خلل في عملية التدرب على الكبت. أي أخفقت الذات الشعورية “الأنا” في كبت رغباته وميوله وغرائزه في منطقة اللاشعور فإن الشخص ربما يسلك سلوكا إجراميا أو على الأقل يصبح فردا عصابيا أو موهوسا.
هنا تكون الذات المثالية “الأنا العليا” إما منعدمة الوجود وإما ضعيفة عاجزة عن ممارسة وظيفتها في السمو بالنزعات والميول الفطرية، والحرص على إشباع تلك الأخيرة بشكل مشروع، يتفق وقيم المجتمع الدينية والخلقية وقواعده القانونية، وكلا الأمرين تعبير عن انفلات الذات الدنيا من كل رقابة أو قيد والانطلاق برغباتها ونزواتها من منطقة اللاشعور إلى العالم المحسوس في صورة السلوك الإجرامي.
1. أنماط العقد عند فرويد:
كشف فرويد أن متراكمات اللاشعور قد تتحول إلى شكل عقد نفسية قد تدفع الشخص إلى التعبير عنها في صورة الجريمة من بينها:
أ-عقدة أوديب.
مصطلح اتخذه فرويد من اسم ملكة طيبة وبطل الأسطورة الإغريقية الذي قتل أباه وتزوج أمه على غير علم منه.
اعتقد فرويد أن زنا المحارم حاجة أساسية لدى كل الناس، تنشأ هذه العقدة من تعلق الإبن الذكر لاشعوريا بأمه تعلقا جنسيا مصحوبا بالغيرة والكراهية لوالده، الذي يرى فيه شخص ينافسه في حب أمه. ولما كان الإبن يرى من جانب آخر عطفا وحنوا من أباه، فإنه يتولد داخله صراع بين نوعين متناقضين من المشاعر اتجاه الأب.
فإذا لم تقم الأنا “العقل” في أداء وظيفتها في تطويع هذا الشعور والإحساس لدى الإبن بما يتفق مع القيم الدينية والقواعد الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية قد يؤدي ذلك إلى أن يبدأ الإبن بالتمرد على أباه والخروج على ما قد يفرضه من نظام داخل الأسرة.
وقد يعبر عن كراهية لأباه في صورة سرقة ماله أو إتلاف متعلقاته أو تزوير توقيعه وربما يأخذ الأمر مسارا شاذا فيقتل الإبن أباه أو قد يغتصب أمه.
قد توجه الأنا العليا التأنيب واللوم إلى الأنا على ضعف رقابتها الذي أنتج سلوكا إجراميا مما يتولد عنه لدى الشخص شعور بالذنب قد يدفعه إلى الرغبة في العقاب تكفيرا عما بدا منه، فيندفع إلى ارتكاب الجريمة رغبة في التطهر والتحرر من هذا الشعور بالذنب عن طريق الخضوع للجزاء الجنائي.
ج-عقدة النقص.
تنشأ نتيجة صراع كامن في اللاشعور مرده إحساس الإنسان بنقص في أعضائه الجسمانية أو مظهره الشخصي أو إحساسه بتدني مكانته الاجتماعية وإخفاقه في بلوغ ما كان يصبو إليه من آمال في الحياة. وربما يسعى الشخص نحو تعويض هذا الشعور بالنقص بالتعبير عنه في صورة سلوك إجرامي.
د-عقدة إلكترا.
عقدة تماثل عقدة أديب تنشأ من تعلق البنت بأبيها جنسيا وما ينتج عن هذا من غيرة من الأم وكراهية لها إذ تنافسها في حب الأب وتقع البنت في صراع بين حب أمها التي تعطف عليها وبين كرهها لها كونها أقرب إلى الأب منها. فإذا نجحت الأنا في كبت هذا الشعور بالكراهية تحت تأثير الضغوط الاجتماعية التي لا تسمح بالتعبير عن السبب الحقيقي لهذا الكره، فقد تعبر البنت عنه في صورة التمرد على أمها، وفي الحالات المرضية يكون بالاعتداء بالضرب أو السرقة وقد يصل الأمر حد القتل.
2- تقدير هذا الاتجاه.
لا أحد ينكر فضل مذهب التحليل النفسي في إبراز أهمية الجانب اللاشعوري أو غير الواعي في بناء الشخصية الإجرامية، فهي منطقة تختزن فيها كل الدوافع الإجرامية، الأمر الذي كان له أثر في الكشف عن أسباب وبواعث الكثير من الجرائم كما كان له أثر في علاج بعض طوائف المجرمين من المرضى النفسانيين والعقليين.
بيد أن هذه النظرية تعرضت للكثير من أوجه النقد أبرزها:
عيب على تلك النظريات: سقوطها في الخطأ المنهجي، فجميع المفاهيم والمتغيرات التي قال بها يصعب دراستها علميا والتأكد من فروضها بطريق الملاحظة والتجربة، فكيف يمكن قياس مفاهيم الأنا والأنا العليا واللاشعور.
عيب عليها: عدم استعانتها بالمجموعات الضابطة وعينات كافية.
وفقا لمضمون هذه النظرية، فإن السلوك الإجرامي يعود إلى اضطراب نفسي ناشيء عن الخلل في بعض العمليات الأولية المبكرة (الخلل في عملية الفطام مثلا أو عدم الإشباع أثناء الرضاعة) يتم اختزالها منذ الطفولة الأولى وتظل كامنة في منطقة اللاشعور أو العقل الباطن. وهذا أمر صعب على الباحث تقصي تطوره ونموه خلال هذا الزمن الطويل، الأمر الذي يتعذر معه إثبات الصلة بين السلوك الإجرامي وبين الخلل الذي يعتقد وجوده في منطقة اللاشعور.
إغفالها دور العوامل الاجتماعية والظروف البيئية في الدفع نحو الإجرام. فمهما بلغت قوة الخلل النفسي فإنه من المتعذر التسليم باعتباره وحده المخلق للسلوك الإجرامي. فكثيرا ما يعاني الشخص من مرض نفسي ومع ذلك لا يرتكب سلوكا إجراميا والعكس صحيح.
القول أن الجريمة أمر حتمي في حياة الإنسان طالما أن الإنسان محكوم بنزعات ودوافع غريزية لا يستطيع التخلص والهروب منها وهو ما يسد الطريق أمام محاولة علاج من يعانون من اختلالات نفسية.
أخيرا فإن اعتبار المجرم مريضا نفسيا يستوجب العلاج لا العقاب فيه تضحية بأغراض العقوبة من ردع عام وعدالة.

المصدر الأستاذ:هشام بوحوص
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق