في السادس من أغسطس 2024، وافق مجلس الوزراء السعودي على تعديلات جوهرية في قانون العمل ولوائحه التنفيذية، وهي خطوة تؤكد التزام المملكة بتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030. تهدف هذه التعديلات إلى تعزيز بيئة العمل وجعلها أكثر جاذبية للموظفين وأرباب العمل، مع التركيز على تحقيق المساواة والإنصاف، وزيادة الفرص الوظيفية للمواطنين، خاصة النساء، ورفع المعايير لتتوافق مع الممارسات الدولية في سوق العمل.
أهداف التعديلات وتوجهاتها الاستراتيجية
تعكس التعديلات رؤية السعودية نحو تنويع الاقتصاد وتعزيز المكانة العالمية للمملكة، فهي تشمل تحليلًا مقارنًا لقوانين العمل الدولية، مع الحرص على تقديم بيئة عمل محفزة تسهم في الاستقرار الوظيفي، وتتيح فرصًا أكبر للمواطنين. ويأتي هذا في إطار السعي لتحسين ظروف العمل للموظفين وتعزيز تنافسية سوق العمل في المملكة على المستوى الدولي.
التغييرات الرئيسية في الأجور والمزايا
تضمنت التعديلات تحديثات ملحوظة في بنود الأجور والمزايا، حيث زادت إجازة الأمومة من 10 إلى 12 أسبوعًا مدفوعة الأجر، مما يوفر للأمهات مرونة أكبر في العناية بالمواليد. أما بالنسبة للآباء، فقد تم إضافة إجازة أبوية مدتها ثلاثة أيام مدفوعة الأجر. إلى جانب ذلك، تم تمديد إجازة الحداد إلى ثلاثة أيام شاملة الأشقاء، في خطوة تهدف إلى مراعاة الظروف الإنسانية للعاملين وتعزيز دعمهم الاجتماعي والنفسي.
علاوةً على ذلك، تنص التعديلات على أنه يجب على أرباب العمل توفير السكن والنقل للموظفين أو تقديم تعويض مالي يعادل قيمتهما، مما يعزز حقوق الموظفين ويضمن حصولهم على أساسيات الحياة الكريمة ضمن بيئة العمل. وفيما يتعلق بالأجر الإضافي، يسمح النظام الآن بخيار منح الموظفين إجازات تعويضية بدلًا من الأجر الإضافي، شريطة موافقتهم على هذا الترتيب.
تحسينات في فترة الاختبار ومتطلبات التدريب
تشمل التعديلات الجديدة أيضًا تمديد فترة الاختبار للموظفين من 90 يومًا إلى 180 يومًا، مع إلزامية تحديد المدة بوضوح في عقد العمل. وتأتي هذه الخطوة لمنح أصحاب العمل والموظفين مزيدًا من الوقت لتقييم ملاءمة الطرفين. كما يتعين على الشركات صياغة سياسات واضحة للتدريب والتأهيل بهدف رفع كفاءة الموظفين السعوديين وتعزيز مهاراتهم، دعمًا لأهداف رؤية 2030 في بناء قوة عاملة مؤهلة تسهم في التنمية الاقتصادية
إجراءات جديدة للاستقالة وتعريف الاستقالة رسميًا
للمرة الأولى، يعرف قانون العمل السعودي الاستقالة بأنها قرار مكتوب من الموظف بإنهاء عقد عمله محدد المدة طواعيةً. ويحل هذا التعريف الجديد بعض الغموض الذي كان موجودًا في القانون السابق، إذ كان مفهوم “الطرف المتضرر” يفسر في بعض الأحيان على أنه يمنح صاحب العمل الحق في تعويض عن الاستقالة. يعزز التعريف الجديد حقوق الموظفين في الحصول على مكافآت نهاية الخدمة دون مواجهة مطالبات تعويض من قبل صاحب العمل.
تضمنت التعديلات إجراءات واضحة لقبول الاستقالة، حيث يُمنح صاحب العمل مهلة 30 يومًا للرد، وإلا تعتبر الاستقالة مقبولة تلقائيًا. في حال عدم الرد، يجوز للموظف سحب استقالته خلال سبعة أيام، شريطة عدم قبولها بعد. تهدف هذه الإجراءات إلى حماية حقوق الأطراف وتحديد خطوات الاستقالة بشفافية.
إجراءات إنهاء العقود “المفتوحة”
تم تنظيم إجراءات إنهاء العقود غير محددة المدة بشكل أكثر وضوحًا، حيث يتعين على الموظفين تقديم إشعار مسبق مدته 30 يومًا عند رغبتهم في إنهاء العقد، بينما يلتزم أصحاب العمل بتقديم إشعار مسبق يصل إلى 60 يومًا. تتيح هذه التعديلات للطرفين مرونة أكبر في تنظيم إنهاء العقود بما يتوافق مع مصالحهم وحقوقهم، كما أنها تتضمن أحكامًا لإنهاء العقود في حالة إفلاس الشركات
التزام بالتعامل المتساوي وعقوبات جديدة على انتهاكات التوظيف
يشدد القانون الجديد على ضرورة التعامل المتساوي بين الموظفين في فرص العمل والمزايا، مع الحفاظ على أولويات التوظيف للسعوديين في إطار متطلبات السعودة. تمثل هذه الخطوة التزامًا واضحًا بتعزيز مبدأ الإنصاف وإيجاد سوق عمل شامل يوفر فرصًا متكافئة للجميع، بغض النظر عن الخلفية أو الظروف.
تمت إضافة عقوبات مالية تتراوح بين 200,000 إلى 500,000 ريال سعودي على الشركات التي لا تحصل على تراخيص توريد العمالة اللازمة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، في خطوة تهدف إلى تنظيم السوق وضمان الامتثال. يعكس هذا الإجراء توجه الحكومة نحو الحوكمة الرشيدة والالتزام بمعايير العمل العادلة
استعدادات الشركات للتكيف مع التعديلات الجديدة
يتعين على أرباب العمل الآن التحضير لتنفيذ التعديلات من خلال مراجعة سياسات الموارد البشرية وإبلاغ الموظفين بحقوقهم الجديدة. كما يجب على الشركات التأكد من أن عقود العمل الجديدة والحالية تتماشى مع هذه التعديلات، وأنها تتعامل فقط مع شركات التوظيف المعتمدة لضمان الامتثال.
خاتمة
تعد هذه التعديلات خطوة هامة نحو تحسين بيئة العمل في المملكة العربية السعودية، حيث تضمن حقوق الموظفين وتعزز من شفافية ومرونة سوق العمل. تضع هذه التغييرات المملكة على مسار جديد يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية، مما يعزز من جاذبية سوق العمل السعودي على الصعيدين المحلي والدولي، ويمثل تطورًا مهمًا نحو تحقيق أهداف رؤية 2030