في إطار تحديث التشريع المغربي، بادرت الدولة بإعداد مشروع قانون المسطرة المدنية وأحالته على المحكمة الدستورية وفقًا لمقتضيات الفصل 133 من الدستور المغربي لسنة 2011، لضمان توافقه مع الدستور قبل صدوره. إلا أن مشروع قانون المسطرة الجنائية لم يحظَ بنفس المعاملة، وهو ما يثير إشكالية قانونية هامة حول مدى احترام الدولة لمبادئ الرقابة الدستورية وحماية الحقوق الأساسية، فضلاً عن معايير تكافؤ المعاملة بين النصوص التشريعية
تتمثل الإشكالية الجوهرية في التساؤل:
هل يمثل تجاهل إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية إخلالا بالرقابة الدستورية والحقوق الأساسية، وما انعكاساته على النظام القضائي المغربي؟
– مبدأ الرقابة المسبقة وأهميته
الفصل 133 من الدستور المغربي يمنح رئيس الحكومة ورئيس البرلمان الحق في إحالة مشاريع القوانين على المحكمة الدستورية لضمان دستوريتها قبل المصادقة عليها. هذه الرقابة المسبقة تهدف إلى حماية الحقوق الأساسية وضمان سلامة النصوص القانونية قبل دخولها حيز التنفيذ. تطبيق هذا الإجراء على مشروع المسطرة المدنية، وعدم تطبيقه على مشروع المسطرة الجنائية، يخلق حالة من عدم التكافؤ بين القوانين ويثير التساؤل عن أسباب هذا التمييز، رغم أن القانون الجنائي يمس الحقوق الأساسية للأفراد بشكل مباشر، خاصة الحق في المحاكمة العادلة والحرية والأمن الشخصي كما نصت عليه الفصول 19 و24 من الدستور.
– آثار عدم الإحالة على حقوق المتقاضين
المسطرة الجنائية تحدد الإجراءات التي تحكم محاكمة الأفراد وحقوقهم أثناء التحقيق والمحاكمة. عدم إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية يحرم المواطنين من التأكد من دستورية النصوص قبل تطبيقها، ويترك إمكانية الطعن في هذه النصوص بعد صدورها، هذا الوضع يخلق حالة من انعدام اليقين القانوني، ويضع القضاة في موقف صعب بين الالتزام بتطبيق نصوص قد تكون غير دستورية وبين احترام حقوق الأفراد.
– خرق القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية
القانون التنظيمي رقم 16.13 للمحكمة الدستورية ينص على أن “لرئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب إحالة مشاريع القوانين المثيرة للجدل على المحكمة قبل المصادقة عليها”. تطبيق هذا الإجراء على المسطرة المدنية وعدم تطبيقه على المسطرة الجنائية يشير إلى إخلال بالإجراءات القانونية المنظمة للرقابة المسبقة، ويطرح سؤالا حول التمييز في تطبيق القواعد القانونية بين مشاريع القوانين المختلفة.
– دروس من قرارات المحكمة الدستورية السابقة
تؤكد المحكمة الدستورية في قرارها رقم 22/2013 بشأن مشروع قانون المسطرة المدنية على أهمية الرقابة المسبقة لضمان التوافق مع الدستور ومنع أي طعن لاحق قد يهدد استقرار القانون. تجاهل نفس الرقابة بالنسبة للمسطرة الجنائية يهدد استقرار النصوص القانونية ويزيد من احتمالية النزاعات القضائية المستقبلية، وهو ما يضع القضاة والمتقاضين في حالة عدم يقين قانوني.
– الحاجة إلى مراجعة عاجلة للسياسة التشريعية
عدم إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية يعكس خللاً في السياسة التشريعية ويخالف مبدأ تكافؤ المعاملة بين النصوص القانونية. ومن ثم، يصبح من الضروري أن تعيد الدولة والمشرع النظر في هذا الإجراء، وإحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية قبل صدوره، بما يضمن حماية الحقوق الأساسية واستقرار النظام القضائي، ويعزز ثقة المواطنين في العدالة والقانون.
وختاما
يمكن القول إن تجاهل إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية يمثل إخلالاً بالرقابة الدستورية المسبقة، ويهدد حماية الحقوق الأساسية للأفراد ويخل بمبدأ تكافؤ المعاملة بين النصوص القانونية. ومن الضروري إعادة النظر في هذه المعاملة، لتعميم الرقابة المسبقة على جميع مشاريع القوانين، بما يضمن استقرار القانون وحماية العدالة وحقوق المواطنين، ويعكس التزام الدولة بالمبادئ الدستورية