المدرسة المثالية في مجال العلاقات الدولية.

عالم القانون

مقدمــــــــــــــــــة:
تعتبر النظرية المثالية احدى نظريات الاتجاه المعياري في دراسة العلاقات الدولية، وهي نظرية تشدد على المتغيرالأخلاقي والقانوني والمؤسساتي في دراسة العلاقات الدولية.
فالنظرية المثالية إحدى الاتجاهات المعيارية في تحليل العلاقات الدولية فإن دراسة العلاقات الدولية، التي تركز على القيم الأخلاقية المثالية في تصورها للعلاقات الدولية ويعتبرون الفكر الإنساني هو الحكم الأعلى في القضايا الأخلاقية. كما تعتبر أن أساس العلاقات الدولية هي علاقات ودية وسلمية، وأن ما يوجد من حروب وصراعات في العالم هو أمر يتناقض مع الفطرة البشرية. على هذا الأساس تتمحور هذه الإشكالية للإجابة على التساؤل التالي؟ كيف كانت التصورات الفكرية للإسهامات المقدمة من طرف النظرية المثالية للعلاقات الدولية، فماهي إذن مرتكزات المدرسة المثالية؟
ومن أجل محاولتنا مقاربة هذا الموضوع من جميع و بالتالي الإجابة على إشكاليته الرئيسية سنعتمد على التصميم المنهجي الأتي:
المبحث الأول:النظرية المثالية في العلاقة الدولية بين النشأة و المفهوم.
المطلب الأول:تاريخ نشأة النظرية المثالية في مجال العلاقات الدولية.
المطلب الثاني:مفهوم النظرية المثالية في مجال العلاقات الدولية.
المبحث الثاني:مرتكزات المدرسة المثالية كمبادئ و إنتقادتها.
المطلب الأول: مرتكزات ومبادئ النظرية المثالية في العلاقات الدولية.
المطلب الثاني:الإنتقادات الموجهة للمدرسة المثالية.

المبحث الأول:النظرية المثالية في العلاقة الدولية بين النشأة و المفهوم.
المطلب الأول:تاريخ نشأة النظرية المثالية في مجال العلاقات الدولية.
لقد جاءت النظرية المثالية كرد فعل على الحرب العالمية الأولى، وما خلفته من آثار فظيعة أصبحت تهدد الإنسانية ككل، فاستمرار وقوع الحروب على شاكلة ما حدث في الحرب العالمية الأولى ينذر بإفناء البشرية في المستقبل القريب، وقد ارجع سبب ذلك إلى المعاهدات السرية وسياسات القوة وتوازناتها والتحالفات التي مارستها القوى الأوروبية العظمى بحيث جعلت من السياسة الدولية مسرحا للتعبير عن مصالح الدول الأنانية وميلها إلى الاستخدام المفرط للقوة العسكرية في حل نزاعاتها أو في تنفيذ سياساتها الخارجية بدل اللجوء إلى التعاون والتفاهم والحوار.
ومن أهم رواد النظرية المثالية هم “إيمانويل كانط و”ريتشارد كوبدن و”جون هوبسون و”نومان آنجل و”ألفر زيمرن و”ودرو ويلسون.
المطلب الثاني:مفهوم النظرية المثالية في مجال العلاقات الدولية.
النظرية المثالية هي مقاربة للعلاقات الدولية تشدد على أهمية القيم الأخلاقية والمعايير تسمى القانونية وانسجام المصالح لتكون الموجهة لرسم السياسة الخارجية بدلا من المصلحة القومية والقوة، وهي تبحث فيما يجب أن تكون عليه الحياة الدولية وليس فيما هو كائن فهي تقوم على أساس معرفة “كيف يجب” أن يتصرف السياسيون في العلاقات الدولية، لا على أساس “كيف يتصرف هؤلاء فعلا”.
كما أن هنالك من يعرف المثالية بأنها توجه فلسفي مقابل للمادية وتعد فلسفة “هيغل” أكثر نماذجه شيوعا وتأثيرا، أما في النظرية الاجتماعية فقد أخد استخدام المصطلح عن “ماركس” ليطلق عن النظريات التي تضخم من دور الأفكار في الحياة الاجتماعية، ويؤكد هذا التوجه على المثال الذي ينبغي أن يكون والذي يجب على الواقع أن يتغير ليتطابق معه، وينطلق من أولوية الروح أو الوعي ويقول بتعالي القيم والمثل في الحياة العملية، وينظر إلى المادة على أنها شيء ثانوي مشتق، وتكمن جذور التوجه المثالي في المبالغة في جوانب معينة من عملية المعرفة بالنظر إلى تناقضها، ويعود تاريخ استعمال كلمة مثالي إلى القرن السابع عشر حيث كان الفلاسفة يستعملونها في مقابل كلمة مادية أما اليوم فيغلب على التداول ترادف مثالي وطوباوي ومقابلته بواقعي.
و عليه يمكن القول أن المدرسة المثالية تعتبر، أن الدولة القومية يجب أن تجعل فلسفتها هي السياسية الداخلية هدف سلوكها وخطابها في الشؤون الدولية. حيث يعتقد المثالي، على سبيل المثال، أن إنهاء الفقر في وطنه الأم يجب أن يقترن بالتصدي للفقر في الخارج. فنجد أن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون مؤيدًا قويًا لأفكار المدرسة المثالية ومدونًا لمعناها العملي بشكل كبير.
كانت مثالية ويلسون مقدمة لنظرية العلاقات الدولية الليبرالية، وهي مجموعة محددة من وجهات النظر التي نشأت بين ما يسمى «بناة المؤسسات» بعد الحرب العالمية الثانية. شملت المنظمات التي كانت نتيجة مباشرة لنهاية الحرب صندوق النقد الدولي والأمم المتحدة وغيرهما. كان للولايات المتحدة دورًا كبيرًا في صياغة هذه المؤسسات والحفاظ عليها، وشملت المذاهب ذات الصلة مفهوم الخصوصية الأمريكية والشعور بالسلام الأمريكي، وذلك على الرغم من اختلاف السياسة الخارجية للولايات المتحدة على نطاق واسع بناءً على المسؤولين الذين يحكمون البلد.
يمكن التفكير في وجهة النظر هذه ذات الفكر الدولي، من ناحية فلسفية أوسع، على أنها امتداد للمثالية الأخلاقية التي دعا إليها مفكرون مختلفون إبّان «عصر التنوير» وبعده. تضمنت تلك الحقبة الخاصة العديد من الأفراد البارزين الذين روجوا لإحساس عام بالإحسان والحكومة على أساس شخصية أخلاقية، وذلك مع انتقاد الصراع الدولي على أنه ضد مبادئ العقل.

المبحث الثاني:مرتكزات المدرسة المثالية كمبادئ و إنتقادتها.
المطلب الأول: مرتكزات ومبادئ النظرية المثالية في العلاقات الدولية.
ومن أهم المرتكزات والمبادئ التي تقوم عليها النظرية المثالية في العلاقات الدولية هي:
– إن الطبيعة البشرية خيرة في مجملها ومن ثم فإن طابع التعاون والتنسيق وليس التنافس والصراع يعتبر دعامة أساسية في العلاقات الدولية.
– إن الاهتمام الرئيسي للبشرية في تطوير وتدعيم الحضارة الإنسانية يعكس إلى حد كبير وجود رغبة وعزم لدى الأفراد والدول في تعميم ونشر الرفاهية إلى بقية الأفراد والأمم الأخرى، إن وجود مثل هذا الوازع والتصميم في علاقات الأفراد والدول كفيل بتدعيم أواصر الأمن والسلم الدوليين.
– آمنوا بفكرة إمكانية التقدم الإنساني وأن ما يجمع البشر أكثر مما يفرقهم، وسلموا كذلك بأن الأوضاع السيئة التي يعيشها العالم ناجمة عن البيئة، وبالتالي هناك دائما إمكانية كبيرة لتغير هذا الوضع وتوجيهه نحو الأفضل.
-إن السلوك البشري الشرير للأفراد أو الدول لا يعتبر بحال من الأحوال ناتجا عن السلوك الشرير للأفراد والشعوب ولكنه ناتج في واقع الحال عن مؤسسات شريرة وتنظيمات هيكلية تدفع بالأفراد إلى ارتكاب حماقات وسياسات غير رشيدة تؤدي في الكثير من الأحيان إلى اندلاع الحروب والمنازعات التي تهدد الأمن والسلم الدوليين.
– المثالية ذو تيارين أخلاقي وقانوني.
– أطلق على التيار المثالي وصف “غائي وعقلاني وطوباوي” بحيث، غائي : لأنه يسعى إلى تحقيق هدف السلم المطلق، وانشغاله بهذا الهدف يفوق اهتمامه بفهم الوقائع، عقلاني: لأنه يطلب بنزع السلاح كوسيلة لبلوغ السلام، طوباوي : لأنه يطمح إلى تحقيق سلام شامل وإقامة حكومة عالمية تقرر للجميع.
– تعد الأديان مصدرا للعديد من مبادئ العلاقات الدولية في نظر المثاليين باعتبارها الوعاء الذي يحتوي الأخلاق والإلزامات والواجبات والحقوق وكذلك نظام متكامل للتقييم السياسي، فالأديان نظام قيمي يصنف الأفعال السياسية للفاعلين ضمن فئات معينة بشكل يؤثر مباشرة على سمعة الوحدات في النظام الدولي، فالحرب الهجومية بالنسبة للأديان جريمة إنسانية تستحق الإدانة والشجب.
– حسب المثاليين إن تهديد قضية السلم والأمن الدوليين لا تعتبر بالضرورة قضية لا مفر منها طالما وجد التصميم للقضاء أو على الأقل تصحيح مسار المؤسسات العامة مثل وزارات الدفاع والاستخبارات فمتى فرضت عليها رقابة صارمة وقيود محددة تقلل من فرض اندلاع الحروب بالتي تهدد قضية الأمن والسلم الدوليين، كما أن أبرز الشركات المتعددة الجنسيات وشركات إنتاج الأسلحة التي ترغب في رفع نسب مبيعاتها من ناحية، وإعطائها الفرصة لتجريب وتطوير نظم أسلحتها من ناحية أخرى قد زادت ودعمت من فرص اندلاع الحروب التي تهدد قضية الأمن والسلم الدوليين.
– يرى المثاليون بأنه تعتبر الحرب مشكلة دولية تتطلب جهودا جماعية بدلا من الجهود الفردية للقضاء عليها بقصد تدعيم الأمن والسلم الدوليين فالتفاعل والانسجام بين الدول إلى تعاون وتنسيق الأمر الذي يعزز من جهود الأمن والسلم ويضعف المساعي المنفردة لبعض الدول في شن الحروب.
– وبالتالي يعالج المثاليون القضايا الدولية من خلال ثلاثة معايير أساسية هي الأخلاقيات، التفاؤل، الدولية أو الاتجاه نحو العالمية، وبناءا على ذلك فإن معالجة الأزمات الدولية من وجهة نظر النظرية المثالية تتم من خلال الأطر التالية:
أ- المؤسسات الدولية مثل عصبة الأمم والأمم المتحدة التي تحل محل مفردات نظام توازن القوى والفوضوية عند النظرية الواقعية.
ب- أدوات المحافظة على الأمن والسلم الدوليين هي الأدوات القانونية والسياسية من قبل القضاء والتحكيم الدوليين والوساطة والمفاوضة….
ج- أداة استقرار الأمن والسلم الدوليين الأخرى هي نزع السلاح على اعتبار أن عملية سباق التسلح تعتبر تهديدا خطيرا لقصية الأمن والسلم في العالم.
المطلب الثاني:الإنتقادات الموجهة للمدرسة المثالية.
يرى “إدوارد هاليت كار بأن المثاليين يخلطون بين المصالح الذاتية القومية والمبادئ الأخلاقية العالمية.
كما يعتقد “كار” أيضا أن المغالطة المركزية للمذهب المثـالي هـو ميلـه إلـى الانغماس في الأماني الخيالية على حساب التحليـل التجريبـي الصارم، إلى حد “الميل إلى تجاهل ما كان وما هو كائن في تصوره لمـا يجب أن يكون”.
فالتشديد المفرط على المبادئ المجردة بدلا من الحقائق الواقعية أدى، برأي “كار”، إلى عدم القدرة، لا سيما في العالم الانجلو – أمريكي، علـى فهم الأحداث الدولية والسيطرة عليها، خلال فترة ما بين الحـربين، وقـد فشل المثاليون، في إدراك أن الأسباب الرئيسية لسلوك الدولة تدور حـول اعتبارات القوة والمصلحة القومية بدلا من الأخلاق والنزعـة العالميـة ولابد للسياسات التي تقوم على أساس مثل تلك الأفكار الخاطئة أن تفشل، لأن هذه المبادئ التي يفترض أنها مطلقة ليست مبادئ على الإطلاق بـل هي الانعكاسات اللاشعورية للسياسة القومية والتي تقوم على أساس تفسير معين للمصلحة القومية في وقت معين.
كما أن المثالية واجهت مشاكل حقيقية في الواقع الدولي، ومن أهم تلـك العوائق أن مثل هذا النظام المثالي لا يمكن أن يظهر للوجود إلا في حالة إتباع المجتمع الدولي لمبادئ أخلاقية، بدلا من استخدام القوة، وهذا الشرط لم يتم تطبيقه ويحدث العكس غالبا من الدول. ولإنزال مثل هذا النظام إلى الواقع لابد من القضاء على النظم الشمولية بأية وسيلة واسـتبدالها بـنظم ديمقراطية، وهذا أمر لم يتم لحد الآن. ولابد من قيام حكومة عالمية تتولى تطبيق هذه المبادئ ومراقبة الدول في التنفيذ.
كما أنها لم تستطع المدرسة المثالية فهم وتحديد الدوافع التي تحرك الدول نحو العدوان والحرب.
-التداعيات الدولية للحربين العالميتين وسوء ربطها بين الأنظمة الديمقراطية الغربية وتحقيق السلم والأمن الدوليين أدى إلى تراجع المنهج المثالي في السياسات الدولية.
-فشلت الفرضيات المثالية في فهم العوامل المؤثرة في تحديد سلوكيات الدول ذات المصالح الاستعمارية.
خاتمــــــــــــــــــة:
ختاما يمكن الخروج بخلاصة مفادها أن التطورات السياسية التي تعاقبت بين الحـربين العـالميتين إنصبت إلى عكس مرتكزات المدرسة المثالية، فلم تنتشر الديمقراطية، بـل أصـبحت النظم الشمولية والفاشية أكثر انتشارا، وانهار نسـق الأمـن الجمـاعي، وانتشرت السلوكيات غير الرشيدة والأفكار القومية المتعصـبة، بصـورة جعلت الاعتقاد في رشادة الإنسان وتجانس المصالح بـين النـاس أمـرا خارج حدود المعقول، ومن ثم اتجه كثير من الدارسين إلى دراسة القـوة المادية، كما أن جل الانتقادات التي وجهها “كار” للمثالية ساهمت بشكل أساسـي فـي إبراز الأزمة التي كان يعانيها النموذج المثالي، وتقوية الرؤية التي تركز على الواقع الدولي كما هو بعيدا عن الآمال الإنسانية المثاليـة، ومثلـت البداية الحقيقية لهيمنة النظرية الواقعية على مجال العلاقات الدولية طوال عقود، وبشكل خاص في الولايات المتحدة.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق