إن الحديث عن الزمن الدستوري المطروح في مناقشة أو تعديل أو إنتاج أو المصادقة أو نشر القوانين يعالج مسألة الزمن المسطري وليس له علاقة بأي شروط خارجية عن ذلك، ولنا مثال على ذلك في الفقرات التالية من الفصل 81؛ “بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه”، والفصل 82؛ ”يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين”، والفصل ؛85 ”لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه”، إلى غير ذلك من الفصول التي تهتم بالزمن المسطري. بحيث نجد أن جل الدساتير العالمية لا تستحضر قيمة الزمن الغير المسطري في صناعة القوانين والبرامج والسياسات.
وبصيغة أكثر وضوحا؛ هل يمكننا خلال هذه الفترة التي لا تفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة من الانتخابات، أن ننتج أو نعدل قوانين لها ارتباط بالانتخابات والأحزاب السياسية في شروط موضوعية نحافظ من خلالها على الصفة العلمية للقانون؟
هل كان بإمكاننا أن نمتلك فصلا دستوريا لا يجيز تعديل القوانين التي لها علاقة بالانتخابات والأحزاب السياسية إلا في فترة زمنية لا تقل عن أربع سنوات بعدا عن الانتخابات، لكي نضمن على الأقل عدم التهافت الحزبي عبر المذكرات للتأثير على عملية قراءة وتأويل النصوص الدستورية؟
خصوصا وأن لغة دستور 2011 في مجموعة من مفاهيمها يصعب تحديدها؛ كالأحكام العامة للدستور، وكذا صعوبة تأويلها؛ كالاختيار الديمقراطي الذي أصبح من ثوابت الدولة ومن المبادئ فوق الدستورية، والذي ارتبط أيضا في الفصل 1 والفصل 175 بمفهوم الأمة، مع العلم أن عملية الانتخابات دستوريا فيها حضور للأجانب كحق دستوري، بالإضافة إلى أن مجموعة من الحقوق والحريات الأساسية ارتبطت بجميع الأشخاص انتصارا للإنسانية والكونية.
نعلم أهمية القضاء الدستوري في تحصين المكتسبات الديمقراطية على مستوى الوثيقة الدستورية، والكل كان ينتظر موقفه من القاسم الانتخابي، لكن هل هذه الشروط الزمنية صحية للعدالة الدستورية في ظل اللغة الدستورية المطروحة (الأحكام العامة للدستور، الاختيار الديمقراطي…) التي كانت من مرجعيات قرار المحكمة الدستورية رقم 21/118 بشأن بثه في الفقرة الثانية من المادة 84 من القانون التنظيمي 04.21 المغير والمتمم للقانون التنظيمي 27.11؟
و هل يمكن أن يكون قرار المحكمة الدستورية في هذه المرحلة سليما من المؤثرات السياسية في ظل انتساب نصف أعضاء المحكمة الدستورية إلى الأحزاب السياسية؟
كلها أسئلة يفهم منها أن ذاتية الكاتب حاضرة ليس تأييدا للإستثناء المغربي في القاسم الانتخابي أو رفضا بقدر ما هي تسائل؛ هل الزمن الذي بدأت فيه الحملة الانتخابية (الغير الرسمية) وأصبحت معالم الخريطة السياسية لما بعد 2021 تتشكل، صحي لمناقشة أو تغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، والقانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين، والقانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، والقانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية؟
إن القاضي الدستوري كان واضحا عندما أكد في القرار رقم 21/118 بشأن بثه في الفقرة الثانية من المادة 84 من القانون التنظيمي 04.21 المغير والمتمم للقانون التنظيمي 27.11، أن الدستور لا يتضمن أي قاعدة صريحة تتعلق بطريقة احتساب القاسم الانتخابي وأعطى بذلك السلطة التقديرية للمشرع.
ألم يكن بإمكان القاضي الدستوري أن يبحث في الفلسفة الدستورية الغير الصريحة من أجل إنتاج قاعدة دستورية عوض ترك السلطة للمشرع؟ علما أن دستور 2011 كرس لانتقالات نوعية مهمة ومبادئ وآليات بارزة ديمقراطيا، وفلسفة تتأسس على الديمقراطية التشاركية والتضامن، أليس في كل هذا ما قد نأول من خلاله القاسم الانتخابي دستوريا؟
هل كان من القضاء الدستوري الانفتاح على الفضاء العام والبحث في مؤثراته لمعرفة لماذا انصب النقاش فقط على جزئية قانونية صغيرة، وهي تعد فقرة من مادة داخل قانون تنظيمي مع العلم أن هناك أربع قوانين تنظيمية طرحت للنقاش في نفس الوقت ولم يهتم الرأي العام إلا بالقاسم الانتخابي، والذي قد نستنتج منه مسألة كلاسيكية في المشهد السياسي المغربي و المتعلقة بالثقة في الأحزاب السياسية.
وبالتالي سيصبح ذلك المبرر السياسي في الدفاع عن القاسم الانتخابي المتمثل في إحياء وإشراك أحزاب سياسية صغيرة أو التي لم يعد لها مكان في المشهد السياسي المغربي من أجل المساهمة في تدبير الشأن العام. تقابله رؤية أخرى تتمثل في ؛
لماذا لا يتم ربط القاسم الانتخابي بالديمقراطية التشاركية من زاوية المجتمع المدني والأفراد؛ وذلك من خلال التكريس الفعلي لآلية تقديم العرائض أو ملتمسات في مجال التشريع من خلال تبسيط المساطر أو البحث عن منافذ دستورية لإشراك المجتمع المدني والأفراد في تدبير الشأن العام، إذا تبين لنا من خلال القاسم الانتخابي أن المصوتين أقل من المسجلين؟ فالديمقراطية والوطنية مفاهيم لا تحددها الأحزاب السياسية وفقط، ولنا في التضامن الوطني في جائحة كوفيد 19 خير دليل على ذلك، ومنه سنؤسس لمبدأ دستوري جديد يتمثل في؛ “التشارك الوطني واجب دستوري” يقابل “التصويت واجب وطني”، تكريسا بذلك للفصل 40 من الدستور المغربي لعام 2011.