أثار قرار أصدرته المحكمة الإدارية في الرباط، في 13 يوليو الجاري، يعطي الصلاحية إلى رئيس كتابة الضبط بفحص مدى قانونية العقود، التي يبرمها، المحامون، جدلا كبيرا وسط هيأت المحامين بالمغرب،
و في ظل غياب نصوص قانونية واضحة بقانون المحاماة تضفي الرسمية على العقود المبرمة من قبلهم في شأن التصرفات العقارية الناقلة للملكية، أو بمفهوم أخر تمنع على المحامي، أن يبرم عقودا تنصب على أموال يعلم أنها غير قابلة للتفويت ، أو أن تفويتها يتوقف على الإدلاء بوثائق أو على إجراءات غير مستوفاة للشروط المطلوبة قانونا، الشيء الذي يزيد الأمر تعقيدات من حيث نفاذ و إنعقاد تلكم المحررات ، مما يحتم علينا طرح إشكالية مدى مسؤولية المحامي عن مضمون الوثيقة العرفية ومطابقة محتواها لضوابط القانونية الجاري بها العمل. فالرجوع إلى المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، نلاحظ أنها قيدت المحررات التي ينجزها المحامون الثابتة التاريخ بشرطين أساسيين، الأول مصادقة السلطات المحلية بتصحيح إمضاءات الإطراف ، والتاني التعريف بإمضاء المحامي من طرف رئاسة كتابة الضبط.
و نظرا للمسؤوليات الجسيمة الملقاة على كل من السلطات المحلية المختصة ، في إطار حرصها على الإشهاد على صحة إمضاءات أطراف العقود التي يبرمها المحامون طبقا لأحكام المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية ولو قبل التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من طرف كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية المختصة. إلى جانب ثقل مسؤوليات جهاز كتابة ضبط المحاكم بالنظر إلى كثرة الأعمال المنوط بها، نتساءل حول المسؤوليات و السلطات المخولة للموظف الجماعي المفوض له في الإشهاد على صحة التوقيع ، وكذلك حدود صلاحيات مؤسسة رئاسة كتابة الضبط بالمحكمة في رفض كل وثيقة تبدو أنها مخالفة للقانون ؟ ثم ما هي مسؤولية كل من السلطات المحلية و جهاز كتابة الضبط بالمحاكم في حال مخالفة مقتضيات المادة الرابعة المذكورة أعلاه ،هل يقتصر دورهما على التحقق من صحة توقيع الأطراف أم يمتد دوره إلى التأكد من صحة التصرف موضوع الوثيقة؟
تلكم بعض من كثير من الإشكالية التي يطرحها الموضوع، سنحاول الإجابة عنها في مقالتا هذا، آملين من ذلك التوفيق في رفع اللبس الذي يحيط بالموضوع
أولا: المبادئ العملية التي تقوم عليها مؤسسة كتابة الضبط بالمحاكم
انطلاقا من الدور المركزي والحيوي لجهاز كتابة الضبط في منظومة العمل القضائي ومساهمته الفعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وأخذا بعين الاعتبار للتطور النوعي والكمي لهيئة كتابة الضبط على المستوى البشري، وكذا توسع اختصاصاتها ومهامها على المستوى العملي، وانسجاما مع ما تشهده بلادنا من مبادرات لتخليق الحياة الإدارية عموما، والمرفق القضائي على وجه الخصوص، وسعيا إلى الرفع من مستوى جهاز كتابة الضبط وخلق كافة الشروط الموضوعية والذاتية التي توفر الأمن الإداري، فقد عمل المشرع المغربي على إحاطة عمل كتابة الضبط بالمحاكم بعناية كبيرة ، وعيا منه بالمسؤوليات والأدوار الجسيمة التي تقوم بها، حيث شملها بتنظيم محكم و أحاط وظيفتها بترسانة قانونية محفزة و مجدية تستجيب لمتطلبات الحكامة القضائية و الإدارية
و في هذا السياق، تم إخراج الميثاق الأخلاقي الخاص بسلوك كتاب الضبط ليكون مرجعا أخلاقيا ودليلا قيما يرشدهم في حياتهم المهنية، ويجيب عن التساؤلات والمشاكل اليومية التي قد تواجههم، ويضبط علاقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكذا مع الوافدين على مرافق العدالة، وتنزيلا لبنود الميثاق الأخلاقي تعمل كتابة الضبط لدى المحاكم على الاحترام التام للمساطر القانونية والإدارية المنظمة ، و تلتزم بالتصدي لأي سلوك مناف للشرعية داخل مجال المحكمة، ويمارس موظفيها المهام والاختصاصات الموكولة لهم بصفتهم كتابا للضبط، دون الخضوع إلى تعليمات مخالفة للقانون، كما يحرصون عند قيامهم بعملهم على التزام الحياد التام، وصيانة الحقوق والضمانات المخولة لكافة الأطراف دون أي تحيز، وبالمقابل وفي إطار المسؤوليات المترتبة عن مباشرة أعمالهم تلك، فقد يتعرضون كلما ارتكبوا مخالفات للقواعد المقررة أو إخلالا بالواجبات المفروضة عليهم طبقا للنصوص القانونية أو التنظيمية المعمول بها، لمتابعة تأديبية، وفقا للمقتضيات القانونية المعمول بها. لذلك فهم مسؤولون أمام القانون عن جميع المستندات الإدارية التي هي في حوزته.
وفي هذا الإطار، يحرص كاتب الضبط على كتمان السر المهني وعدم إفشائه لأي جهة غير مرخص لها بذل، كما.ينجزون مهامهم ووظائفهم بكل دقة ومسؤولية لتقديم خدمات جيدة للمتقاضين والوافدين والمساهمة في تحقيق أفضل النتائج للعدالة، لذا فهم مطالبون
بالسعي إلى الرفع من كفاءته المهنية بكل الوسائل المتاحة بما يخدم مصلحة المرفق القضائي و التعامل مع كافة أطراف النزاع أو الوافدين على المحاكم على أساس المساواة وعدم التمييز، وتكريسا للشفافية و النزاهة والاستقامة يقع على عاتقهم أن يرفضوا كل إغراء مادي أو معنوي يؤثر على عمله وعلى سير القضايا، ويسيء إلى كرامته وسمعة المرفق القضائي.، حيث يمارس كتاب الضبط لدى المحاكم مهامهم وفق القواعد القانونية الجاري بها العمل والقيم المنبثقة عن المهنة، بما في ذلك الحرص عند قيامهم بعمله على التزام الحياد التام وصيانة الحقوق والضمانات المخولة لكافة الأطراف دون أي تحيز.
ثانيا: الطبيعة القانونية للتعريف بإمضاء المحامي وعلاقته بالمحرر التابت التاريخ في العقود الناقلة للملكية
في إطار تنفيذ القرارات المتخذة من لدن الجهات المكلفة بتتبع موضوع الاستيلاء على عقارات الغير، و تنفيذا للتعليمات السامية المضمنة في الرسالة الملكية الموجهة إلى وزير العدل بتاريخ 30 دجنبر 2016 بخصوص التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير، بادر المشرع إلى إصدار وتعديل مجموعة من القوانين المتعلقة بالعقار، نجد من بينها قانون رقم 69.16 القاضي بتعديل المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، وذلك بثوتيق جميع التصرفات العقارية الناقلة للملكية أو المنشئة لحقوق عيني او إسقاطه في محررات رسمية أو تابتة التاريخ، بالإضافة إلى جعل الوكالة ضمن الوثائق الواجب تحريرها كءلك بمحرر رسمي أو من طرف محام مؤهل لذلك بواسطة محرر ثابت التاريخ ، حيث بموجبه أصبحت التصفات العقارية الناقلة للملكية، تتم إما في محرر رسمي، أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض، وقد عمل المشرع المغربي على تنظيم المحررات الرسمية بمقتضى الفصول، 418-419……423 من قانون الالتزامات و العقود، حيت عرفها الفصل 418 من ق ل ع، على أنها كل ورقة يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صالحيه التوثيق في مكان تحرير العقد، و ذلك وفق الشكل الذي حدده القانون، ونظرا لأهمية المحررات الرسمية بشكل عام لما توفره من حماية قانونية في المعاملات بين الأفراد، فقد أولى لها المشرع أهمية قصوى، خصوصا فيما يتعلق بتأمين بعض العمليات و التصرفات الواقعة على العقارات، ووعيا منه بالدور الإيجابي الذي يلعبه التوثيق العقاري قي تحقيق الأمن القانوني العقاري، وكذلك تحقيق عدالة عقارية بين الأطراف المتعاقدة، ألزم المشرع المغربي الجهات المختصة و المتدخلة في تحرير وتوثيق التصرفات العقارية، بأن تحرر جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ، يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة يخولها قانونها تحرير العقود و ذلك تحت طائلة البطلان
وعليه، فإذا كانت للوثيقة الرسمية حجة قاطعة في الإثبات، دون الالتفات إلى إقرار الطرف الملتزم بنسبتها، ولا يمكن الطعن في توقيعها أو في مضمونها أو شكلها إلا عن طريق إدعاء الزور، وهو ما أكدته محكمة النقض حيث جاء في قرار لها بتارٌخ 28 ماي 1996، أن عقد البيع المحرر من طرف الموثق يحوز حجة رسمية، لا يمكن الطعن فيها طبقا لمقتضيات الفصلين 418 و 419 من ق ل ع إلا بالزور، فإن المحررات الثابتة التاريخ تثير بعض التساؤلات حول مدى استنفاذ حجيتها بين أطراف العقد من جهة، و بين الاغيار من جهة أخرى، خصوصا و أن المحرر الثابت التاريخ وثيقة عرفية لا يكتسي صفة المحرر الرسمي إلا عند تحقق أمور معينة نص عليها الفصل 425 من ق.ل. ع ، حيث جاء في حكم صادر عن ابتدائية فاس بتاريخ 14/10/2009 ملف عقاري 633-1401-09
ما يلي: بالرجوع إلى القانون المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية يستشف منه بأن جميع التصرفات المتعلقة بنقل عقار الخاضعة لنظام الملكية المشتركة، أو إنشاء حقوق عينية عليها، أو تعديلها أو إسقاطها، لا تتم إلا بواسطة عقد رسمي، أو محرر ثابت التاريخ، والكل وفقا للمادة 12 من هذا القانون، وحيث أن العقد المستدل به والمبرم بين أطراف الدعوى لا يكتسي صفة عقد رسمي وإنما هو عقد ثابت التاريخ حرره أطرافه بصفة شخصية، وبالتالي ليس محررا من طرف الجهات المحددة قانونا طبقا للفصل 12 من قانون 18.00، لذلك يعد باطلا أصلا
وعليه، وانطلاق من ما جاء بالمدة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، فإن المحرر الثابت التاريخ هو كل وثيقة عرفية يتم تحريرها وفقا الشروط التي بينها القانون من قبل محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، أو من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة ويخولها قانونها تحرير العقود ويعد اعتماده في لائحة سنوية يحددها وزير العدل ، بالإضافة إلى قيدين أساسيين نصت عليهما المادة السالفة الذكر، و اللذان يتجليان قي توقيع العقد و التأشير على جميع صفحاته من الأطراف و الجهة المحررة، إلى جانب تصحيح إمضاءات الأطراف و التعريف بإمضاء ألمحامي، فإذا كان الأمر بخصوص توقيع العقد و التأشير عليه من طرف الأطراف المتعاقدة أمر مفهوم لدى الجميع ، فالأمر يختلف بالنسبة للقيد المتعلق بالتعريف بإمضاء المحامي .
فالمقصود بالتعريف بإمضاء المحامي من طرف كتابة ضبط المحكمة، هو قيام رئيس كتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية التي يمارس في دائرة نفوذها المحامًي مهامه بالمقارنة بين التوقيع المودع لديه وبين التوقيع المضمن بالعقد الثابت التاريخ، ذلك أنه يتعين على المحامي الذي يحمل صفة مقبول للترافع أمام محكمة النقض القيام بإيداع نموذج الإمضاء و نموذج التأشير على الصفحات لدى رئيس مصلحة كتابة الضبط في سجل إداع الإمضاءات .
ثالثا: الطبيعة القانونية لتصحيح الإمضاء أمام السلطات المحلية في عقود التفويت الثابتة التاريخ
نظم المشرع المغربي مسطرة تصحيح الإمضاء أمام السلطات المحلية بموجب المقتضيات و النصوص القانونية التالية :
– الظهير الشريف رقم 297-02-1 بتاريخ 25 من رجــب 1423 ( 3 أكتوبر 2002) الصادر بتنــفيذ القانون رقم 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي ( المادة 51 و المادة 105
– المنشور عدد 127 بتاريخ 19 دجنبر 1995 حول الإشهاد على صحة الإمضاءات والإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها
– الظهير الشريف المؤرخ في 25 يوليوز 1915 المتعلق بإثبات صحة الإمضاءات
– القانون رقم 4023 بتاريخ 7 من جمادى الأولى 1410 (6 دجنبر 1989) المتعلق بنظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها
– دليل حول مسطرة تصحيح الإمضاء و مسطرة الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها ، موضوع الدورية الوزارية عدد 69/م. ش. ق. د. ت. ت بتاريخ 13 يونيو 2005 .
و بناء عليه، فالطبيعة القانونية لتصحيح الإمضاء أمام السلطات المحلية في عقود التفويت الثابتة التاريخ تتحدد بموجب عملية الإشهاد على صحة الإمضاء المتواجد على الوثيقة دون التطرق إلى مضمونها، بحيث تقوم السلطة المعنية بالتوقيع خطيا على الوثيقة المعنية بالتصحيح مع وضع خاتم خاص بذلك، وكذا التاريخ بالإضافة إلى العبارة التالية : (اطلع على صحة التوقيع). مع تبيان هوية الأشخاص الراغبين في تثبيت إمضاءاتهم، وكذا تصحيحها، وتعتبر مهمة الإشهاد على صحة الإمضاء خدمة تقدمها الإدارة للمواطنين لتثبيت التوقيع، وليس لإضفاء طابع رسمي وتوثيقي على مضمون الوثائق.
وللإشارة فمهام تصحيح الامضاءات و المصادقة غير قاصرة فقط على موظفي السلطات المحلية، بل يمتد الاختصاص في ممارستها مؤسسات آخرها يخولها القانون ذلك، من بينها على سبيل الاستئتاس وليس الحصر – آهلية رؤساء كتابة الضبط في تصحيح الامضاء – حيث يختص رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس المحامي بدائرتها بتصحيح الإمضاءات الموضوعة بالنسبة للعقود المحررة من طرف المحامي والتي تهم التصرفات بالملكية المشتركة .
وتتطلب ممارسة الإشهاد على صحة الإمضاء إتباع إجراءات مسطرية تختلف باختلاف الحالات، غير أن السلطات المختصة بالإشهاد على صحة الإمضاء لا تتحمل أية مسؤولية إذا ما كانت الوثيقة المراد الإشهاد على صحة إمضائها يعتريها أحد العيوب، كأن يقع صاحبها ضحية غش أو تدليس ، فهذه الأمور يرجع البث فيها إلى المحاكم الزجرية المختصة فدور السلطة والعون المسؤول يقتصر فقط على التحقق من هوية طالب الإشهاد، وكذا الإطلاع على مضمون الوثيقة للتأكد من كونها لا تحمل أي تهديد للنظام العام والآداب ، أو أنها تتضمن إحدى الموانع المنصوص عليها في القوانين والأنظمة والتعليمات الإدارية الجاري بها العمل .
غير أن السلطة المختصة والعون المسؤول بالإشهاد يشاركان في تحمل المسؤولية، إذا ما تبث وقوع تزوير في التوقيع أو في تقمص الهوية وتبث كذلك أن التزوير قد وقع بتواطؤ من طرفهما، فتصحيح الإمضاء ليس من شروط قيام عقد البيع وإنما هو فقط لإثبات التاريخ، حيث جاء في مضمون المادة 126 من المدونة العامة للضرائب على انه لا تشترط أن تكون العقود العرفية مصححة الإمضاء حتى يمكن تقديمها للتسجيل الذي يضفي على العقود ثبوت التاريخ، وأن الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري لا ينص هو الآخر إلا على تقديم العقود رفقة المطلب، ولا يشترط أن تكون مصححة الإمضاء وأن ذلك مطلوب، طبقا للفصل 73 من القانون المذكور، في تقييد العقود الواقعة على عقارات محفظة ليس إلا.
وهذا ما كرسه الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض قي قرار لها تحت عدد 760 مؤرخ في 21-02-2001 باعتبارها كون التصديق على التوقيع لا يضيف شيئا إلى العقد ونفاذه .
رابعا: القيود الواردة على المحررات الثابتة التاريخ الناقلة للملكية شرط نفاذ أم شرط إثبات.
من المعلوم، ان الورقة العرفية تكون صادرة ممن وقعها، ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من إمضاء أو ختم أو بصمه، ومن تم فهي تكون حجة بما دون فيها على من نسب إليه توقيعه عليها، إلا إذا أنكر ذات الإمضاء أو الختم الموقع به وكان إنكاره صريح، فإن هو اقتصر على إنكار المدون بالورقة كله أو بعضه فإنه لا يكون قد أنكر الورقة العرفية بالمعنى المقصود ، ولا بتبع في هذا الإنكار إجراءات تحقيق الخطوط المقررة في القانون، وإنما تبقى للورقة قوتها الكاملة في الإثبات مما تتخذ بشأنها إجراءات الادعاء بالتزوير.
ومن المعلوم أن الدليل الكتابي ينتج عن ورقة رسمية أو عرفية، فقد جاء في قرار المجلس الأعلى عدد : 1947 المؤرخ في : 26/09/2001ملف مــدنــي عدد : 310/3/2/00
أن الفصل 417 من قانون الإلتزامات والعقود ينص على أن الدليل الكتابي ينتج عن ورقة رسمية أو عرفية، ويمكن أن ينتج عن المراسلات والفواتير المقبولة.
وفي هذا السياق وتفاعلا مع الإشكالية المطروحة في هذه الفقرة نتساءل حول طبيعة القيود الواردة على المحررات الثابتة التاريخ الناقلة للملكية هل هي شرط صحة أم شرط إثبات، وبعبارة أخرى هل تصحيح الامضاء في المحررات الثابتة التاريخ المتعلقة بالتصرفات الناقلة للملكية والمحررة من قبل ذوي الاختصاص، من سلطات محلية و رئاسة كتابة الضبط بما فيها التعريف بإمضاء المحامي، يدخل ضمن شروط صحة نفاذ العقد أم أن الأمر يتعلق بشرط إنعقاده يستوجب إستفاؤه من أجل إثبات حجية العقد.؟
للاجابة عن هذا السؤال لابأس والعودة إلى مقتضيات المادة الرابعة من قانون 89/08 المتعلق بالحقوق العينة حيث تنص على القيدين الواردين على المحررات الثابتة التاريخ
بالتنصيص على مايلي:
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.
تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة، ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية التي يمارس بدائرتها،
فمن خلال إستقراء النص ، يتضح جليا أن المشرع ربط إستكمال المحررات الثابتة التاريخ بشروط رهينة بإستفاء إجراءات توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته، بالإضافة إلى
تصحيح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة، و التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية التي يمارس بدائرتها، مما نستنتج معه كون المادة الرابعة أسست لقاعدة جد مهمة بخصوص العقود و المحررات الناقلة للملكية أو المنشئة لحقوق عينية حيث ميز من حيث النفاذ والوقف بين المحررات الرسمية و الثابتة التاريخ واعتبرت المحررات الرسمية النافذة ، وهي المحرارت الرسمية التي يقوم بها كل من الموثقين و العدول والتي توافرت فيها أركان العقد وشروط انعقاده ونفاذه، وثانيهما المحرر التابت التاريخ الموقوف النفاذ وهو المحرر الذي توافرت فيه أركان العقد دون شروط انعقاده ، لذلك يمكن القول في شأن القيود التي جاءت بها المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية بخصوص المصادقة على تصحيح الامضاء أو التعريف بالمحامي المنصوص عليهم في المادة الرابعة السالفة الذكر ليست بشروط إثبات المحرر التابت التاريخ ، بقدر ماهي شروط لإنعقاده ، ويبقى تصحيح الامضاء فقط لإثبات التاريخ، ذلك أن المصادقة عليه لا تضيف شيئا إلى العقد ونفاذه.
خامسا: متلازمة عمل مؤسسة رئاسة كتابة الضبط بين التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد و مراقبة قانونية التصرفات العقارية الناقلة للملكية
أصدرت إدارية الرباط حكما رقم 3035 بتاريخ 13-07-2021 في الملف 121/1071/2012 أنه قضت فيه على أنه من حق رئيس كتابة الضبط الامتناع عن التأشير عن أي عقد ثبث مخالفته لنص قانوني، هذا الحكم الذي أثار نقاشا مستفيضا بين الاوساط القانونية ، بين مؤيد له ورافض لمقتضياته، و الحقيقة أن حكم إدارية الرباط والذي قضى بأحقية رئاسة كتابة الضبط في
الامتناع عن التأشير عن أي عقد ثبث مخالفته لنص قانوني، هو حكم له ودائعه وحيثياته تختلف عن الإطار العام المحدد إذا ما كان من حق رئاسة كتابة الضبط الامتناع أو القبول ، كما أن تحديد وترتيب المسؤوليات ،أمر لا يعالجه الحكم القضائي السالف الذكر ،بقدر ما يرجع في تحديد ذلك إلى نصوص قانونية خاصة تطرح الجزاءات المقررة في حالة مخالفة المقتضيات القانونية، وهو بالفعل ما استفدت إليه إدارية الرباط في حكمها الاخير، انطلاقا من المقتضى القانوني الخاص المنظم للأراضي الجماعية أو السلالية ، ذلك أن محكمة الرباط لم تضف تشريعا جديدا ، أو حسمت قي قضية أحقية كتابة ضبط المحكمة في مراقبة محررات المحامي وتصرفاته ، بل فقط طبقت مقتضيات المادة 36 من القانون رقم 17/62 المتعلق بالوصاية الادارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها ، التي تنص بشكل صريح، على عقوبات حبسية….وغرامات…،لكل من قام أوشارك بأي صفة، في إعداد وثائق تتعلق بالتفويت أو بالتنازل عن عقار أو بالانتفاع بعقار، مملوك لجماعة سلالية خلافا للمقتضيات الجاري بها العمل .
و بعيدا عن كثرة التأويلات، بين ذاك وذاك ، ومن أجل معالجة الإشكالية المطروحة ، يجب أن نفهم طبيعة عمل كل من المحامي و جهاز كتابة ضبط المحكمة والصلاحيات الموكولة لكل منهما و حدودها .
فمما لا شك فيه، أن يتحمل المحامي يتحمل مسؤولية الأضرار المترتبة عن أخطائه المهنية، والأخطاء المهنية للمتمرنين لديه، وأجرائه، وفق قواعد المسؤولية المدنية، فهو بذلك يكون مسؤولا كذلك عن أي إبرام لعقود تنصب على أموال يعلم أنها غير قابلة للتفويت، أو أن تفويتها يتوقف على إجراءات غير مستوفاة، إذ بحكم طبيعة عمله و تكوينه القانوني ، يحتم عليه أن يتحقق تحت مسؤوليته من هوية الأطراف وصفتهم وأهليتهم للتصرف ومطابقة الوثائق المدلى بها إليه للقانون، حيث يتعين على المحامين والموظفين الذين يزاولون مهام التوثيق والعدول والموثقين وكل شخص حرر أو ساهم في تحرير عقد خاضع للتسجيل أن يطلعوا الأطراف على المقتضيات القانونية المنظمة كل ذلك في إطار عملية إسداء النصح للأطراف، كما يجب عليهم أن يبينوا لهم ما يعلمونه بخصوص موضوع عقودهم، وأن يوضحوا لهم الأبعاد والآثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها.
إن متلازمة عمل مؤسسة رئاسة كتابة الضبط بين التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد و مراقبة قانونية التصرفات العقارية الناقلة للملكية، تحيل بنا البحث والإجابة عن ماهية السلطة المخولة لمؤسسة رئاسة كتابة الضبط لدى المحاكم المفوض لها التعريف بإمضاء المحامي وحدود مسؤوليتها في رقابة صحة التوقيع والعقد من أجل رفض كل وثيقة تبدو أنها مخالفة للقانون ؟
فهل يقتصر دورها في التحقق من إمضاء المحامي، أم يمتد دورها إلى التأكد من صحة التصرف موضوع الوثيقة؟
فلا شك أن مؤسسة رئاسة كتابة الضبط تتمتع بسلطة واسعة فيةشأن المراقبة المهنية والإدارية لجميع موظفي كتابة الضبط العاملين تحت إشرافهم، حيث كءلك يتحملون تبعات مهام تسيير جهاز كتابة الضبط إداريا وماليا وإجرائيا، كما يسهرون على ضمان التنسيق المحكم بين مختلف أقسام ومكاتب وشعب كتابة الضبط، فهم يتولون تمثيلية كتابة الضبط أمام جميع الجهات المختصة، و يشرفون على تنفيذ ما تأمر به المحكمة من إجراءات، المصادقة على نسخ القرارات التي يسندها إليه القانون، و استقبال الشكايات والمحامين والعموم،
كما يتحملون مسؤولية مسك سجل للتحصين خاص بالمحررات ثابتة التاريخ و حفظ نظائر من أصولها، حيث ترقم جميع صفحاته و يؤشر في صفحته الأولى و الأخيرة رئيس المحكمة الابتدائية، كما أنه على رئيس كتابة الضبط الذي قام بالتعريف بإمضاء المحامي الذي أنجز العقد أن يحفظ نظير من كل محرر للرجوع إليه عند الاقتضاء.
إن إثارة مسؤولية مؤسسة كتابة الضبط عن الاعمال المنوطة بها تناولتها بعض من النصوص القانونية المثناترة و الخاصة ، نورد في هذا الشأن ما جاءت به أحكام
المادة 137 من المدونة العامة للضرائب، والتي نصت على انه يجب على كتاب الضبط لدى المحاكم أن يوجهوا لمفتش الضرائب المكلف بالتسجيل الذي يمارس بدائرة اختصاصاتهم القضائية، وذلك قبل انقضاء أجل ثلاثة أشهر المنصوص عليه في المادة 128، نسخة مصادق على مطابقتها للأصل من الأحكام والقرارات والأوامر وأحكام المحكمين، المثبتة لإحدى التفويتات أو الاتفاقات المشار إليها في المادة 127،، داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ التعريف بإمضاء المحامي من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية المختصة، نسخة من المحررات الثابتة التاريخ التي يحررها المحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض والتي تخضع بحكم طبيعتها أو حسب مضمونها لواجبات التسجيل.
لذلك نرى يجب على العدول والموثقين وجميع الموظفين العموميين والمحافظين على الأملاك العقارية والرهون وكذا قباض التسجيل أن يرفضوا تحرير أو تلقي أو تسجيل العقود المثبتة للعمليات المشار إليها في ظهيرنا الشريف ما لم تكن مصحوبة بالرخصة الإدارية،
كما يجب أن تكون جميع العقود المحررة من طرف المحامين مستوفية لكافة الشروط الشكلية والموضوعية قانونا،
وبذلك، يمكن القول أن المرجعية في أحقية رئاسة كتابة الضبط في الامتناع عن التأشير عن أي عقد ثبتت مخالفته لنص قانوني، تجد سندها في وجود نص قانوني خاص يحتمل معه إثارة مسؤوليتها الجنائية عن المشاركة في إعداده، خصوصا اذا ما نجم عنه ما من شأنه أن يحدث أثرا قانونيا يفضي إلى مخالفة نص جنائي، وهو ما لا يصح قانونا الأمر به، ما دام يتعارض مع النصوص القانونية، المنظمة لعمليات التعاقد، التي غايتها حفظ الأمن العقاري والقانوني.
وفي هذا السياق جاء حكم إدارية الرباط بتطبيقها مقتضيات المادة 36 من القانون رقم 17/62 المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها ، وفندت بذلك أحقية رئيس كتابة الضبط في الامتناع عن التأشير عن أي عقد على أساس ثبثوت مخالفته لنص قانوني صريح، وعدم قيامها بذلك يعد هجرا منها و إخلالا بالضوابط والإجراءات القانونية المطلوبة لصحة التصرف القانوني، الذي يؤدي إلى ضياع الحقوق وإثارة المسؤولية المدنية للمحامي وكذا المسؤولية الجنائية لرئاسة كتابة الضبط طبقا للمادة 359 -1 من القانون الجنائي.
حدود المسؤولية الجنائية لرئاسة كتابة الضبط عن مراقبة المحرارت الثابتة التاريخ الناقلة للملكية والمخالفة لنص قانوني.
حدود المسؤولية الجنائية لرئاسة كتابة الضبط عن مراقبة المحرارت الثابتة التاريخ الناقلة للملكية والمخالفة لنص قانوني.
أثار قرار أصدرته المحكمة الإدارية في الرباط، في 13 يوليو الجاري، يعطي الصلاحية إلى رئيس كتابة الضبط بفحص مدى قانونية العقود، التي يبرمها، المحامون، جدلا كبيرا وسط هيأت المحامين بالمغرب،
و في ظل غياب نصوص قانونية واضحة بقانون المحاماة تضفي الرسمية على العقود المبرمة من قبلهم في شأن التصرفات العقارية الناقلة للملكية، أو بمفهوم أخر تمنع على المحامي، أن يبرم عقودا تنصب على أموال يعلم أنها غير قابلة للتفويت ، أو أن تفويتها يتوقف على الإدلاء بوثائق أو على إجراءات غير مستوفاة للشروط المطلوبة قانونا، الشيء الذي يزيد الأمر تعقيدات من حيث نفاذ و إنعقاد تلكم المحررات ، مما يحتم علينا طرح إشكالية مدى مسؤولية المحامي عن مضمون الوثيقة العرفية ومطابقة محتواها لضوابط القانونية الجاري بها العمل. فالرجوع إلى المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، نلاحظ أنها قيدت المحررات التي ينجزها المحامون الثابتة التاريخ بشرطين أساسيين، الأول مصادقة السلطات المحلية بتصحيح إمضاءات الإطراف ، والتاني التعريف بإمضاء المحامي من طرف رئاسة كتابة الضبط.
و نظرا للمسؤوليات الجسيمة الملقاة على كل من السلطات المحلية المختصة ، في إطار حرصها على الإشهاد على صحة إمضاءات أطراف العقود التي يبرمها المحامون طبقا لأحكام المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية ولو قبل التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من طرف كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية المختصة. إلى جانب ثقل مسؤوليات جهاز كتابة ضبط المحاكم بالنظر إلى كثرة الأعمال المنوط بها، نتساءل حول المسؤوليات و السلطات المخولة للموظف الجماعي المفوض له في الإشهاد على صحة التوقيع ، وكذلك حدود صلاحيات مؤسسة رئاسة كتابة الضبط بالمحكمة في رفض كل وثيقة تبدو أنها مخالفة للقانون ؟ ثم ما هي مسؤولية كل من السلطات المحلية و جهاز كتابة الضبط بالمحاكم في حال مخالفة مقتضيات المادة الرابعة المذكورة أعلاه ،هل يقتصر دورهما على التحقق من صحة توقيع الأطراف أم يمتد دوره إلى التأكد من صحة التصرف موضوع الوثيقة؟
تلكم بعض من كثير من الإشكالية التي يطرحها الموضوع، سنحاول الإجابة عنها في مقالتا هذا، آملين من ذلك التوفيق في رفع اللبس الذي يحيط بالموضوع
أولا: المبادئ العملية التي تقوم عليها مؤسسة كتابة الضبط بالمحاكم
انطلاقا من الدور المركزي والحيوي لجهاز كتابة الضبط في منظومة العمل القضائي ومساهمته الفعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وأخذا بعين الاعتبار للتطور النوعي والكمي لهيئة كتابة الضبط على المستوى البشري، وكذا توسع اختصاصاتها ومهامها على المستوى العملي، وانسجاما مع ما تشهده بلادنا من مبادرات لتخليق الحياة الإدارية عموما، والمرفق القضائي على وجه الخصوص، وسعيا إلى الرفع من مستوى جهاز كتابة الضبط وخلق كافة الشروط الموضوعية والذاتية التي توفر الأمن الإداري، فقد عمل المشرع المغربي على إحاطة عمل كتابة الضبط بالمحاكم بعناية كبيرة ، وعيا منه بالمسؤوليات والأدوار الجسيمة التي تقوم بها، حيث شملها بتنظيم محكم و أحاط وظيفتها بترسانة قانونية محفزة و مجدية تستجيب لمتطلبات الحكامة القضائية و الإدارية
و في هذا السياق، تم إخراج الميثاق الأخلاقي الخاص بسلوك كتاب الضبط ليكون مرجعا أخلاقيا ودليلا قيما يرشدهم في حياتهم المهنية، ويجيب عن التساؤلات والمشاكل اليومية التي قد تواجههم، ويضبط علاقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكذا مع الوافدين على مرافق العدالة، وتنزيلا لبنود الميثاق الأخلاقي تعمل كتابة الضبط لدى المحاكم على الاحترام التام للمساطر القانونية والإدارية المنظمة ، و تلتزم بالتصدي لأي سلوك مناف للشرعية داخل مجال المحكمة، ويمارس موظفيها المهام والاختصاصات الموكولة لهم بصفتهم كتابا للضبط، دون الخضوع إلى تعليمات مخالفة للقانون، كما يحرصون عند قيامهم بعملهم على التزام الحياد التام، وصيانة الحقوق والضمانات المخولة لكافة الأطراف دون أي تحيز، وبالمقابل وفي إطار المسؤوليات المترتبة عن مباشرة أعمالهم تلك، فقد يتعرضون كلما ارتكبوا مخالفات للقواعد المقررة أو إخلالا بالواجبات المفروضة عليهم طبقا للنصوص القانونية أو التنظيمية المعمول بها، لمتابعة تأديبية، وفقا للمقتضيات القانونية المعمول بها. لذلك فهم مسؤولون أمام القانون عن جميع المستندات الإدارية التي هي في حوزته.
وفي هذا الإطار، يحرص كاتب الضبط على كتمان السر المهني وعدم إفشائه لأي جهة غير مرخص لها بذل، كما.ينجزون مهامهم ووظائفهم بكل دقة ومسؤولية لتقديم خدمات جيدة للمتقاضين والوافدين والمساهمة في تحقيق أفضل النتائج للعدالة، لذا فهم مطالبون
بالسعي إلى الرفع من كفاءته المهنية بكل الوسائل المتاحة بما يخدم مصلحة المرفق القضائي و التعامل مع كافة أطراف النزاع أو الوافدين على المحاكم على أساس المساواة وعدم التمييز، وتكريسا للشفافية و النزاهة والاستقامة يقع على عاتقهم أن يرفضوا كل إغراء مادي أو معنوي يؤثر على عمله وعلى سير القضايا، ويسيء إلى كرامته وسمعة المرفق القضائي.، حيث يمارس كتاب الضبط لدى المحاكم مهامهم وفق القواعد القانونية الجاري بها العمل والقيم المنبثقة عن المهنة، بما في ذلك الحرص عند قيامهم بعمله على التزام الحياد التام وصيانة الحقوق والضمانات المخولة لكافة الأطراف دون أي تحيز.
ثانيا: الطبيعة القانونية للتعريف بإمضاء المحامي وعلاقته بالمحرر التابت التاريخ في العقود الناقلة للملكية
في إطار تنفيذ القرارات المتخذة من لدن الجهات المكلفة بتتبع موضوع الاستيلاء على عقارات الغير، و تنفيذا للتعليمات السامية المضمنة في الرسالة الملكية الموجهة إلى وزير العدل بتاريخ 30 دجنبر 2016 بخصوص التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير، بادر المشرع إلى إصدار وتعديل مجموعة من القوانين المتعلقة بالعقار، نجد من بينها قانون رقم 69.16 القاضي بتعديل المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، وذلك بثوتيق جميع التصرفات العقارية الناقلة للملكية أو المنشئة لحقوق عيني او إسقاطه في محررات رسمية أو تابتة التاريخ، بالإضافة إلى جعل الوكالة ضمن الوثائق الواجب تحريرها كءلك بمحرر رسمي أو من طرف محام مؤهل لذلك بواسطة محرر ثابت التاريخ ، حيث بموجبه أصبحت التصفات العقارية الناقلة للملكية، تتم إما في محرر رسمي، أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض، وقد عمل المشرع المغربي على تنظيم المحررات الرسمية بمقتضى الفصول، 418-419……423 من قانون الالتزامات و العقود، حيت عرفها الفصل 418 من ق ل ع، على أنها كل ورقة يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صالحيه التوثيق في مكان تحرير العقد، و ذلك وفق الشكل الذي حدده القانون، ونظرا لأهمية المحررات الرسمية بشكل عام لما توفره من حماية قانونية في المعاملات بين الأفراد، فقد أولى لها المشرع أهمية قصوى، خصوصا فيما يتعلق بتأمين بعض العمليات و التصرفات الواقعة على العقارات، ووعيا منه بالدور الإيجابي الذي يلعبه التوثيق العقاري قي تحقيق الأمن القانوني العقاري، وكذلك تحقيق عدالة عقارية بين الأطراف المتعاقدة، ألزم المشرع المغربي الجهات المختصة و المتدخلة في تحرير وتوثيق التصرفات العقارية، بأن تحرر جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ، يتم تحريره من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية منظمة يخولها قانونها تحرير العقود و ذلك تحت طائلة البطلان
وعليه، فإذا كانت للوثيقة الرسمية حجة قاطعة في الإثبات، دون الالتفات إلى إقرار الطرف الملتزم بنسبتها، ولا يمكن الطعن في توقيعها أو في مضمونها أو شكلها إلا عن طريق إدعاء الزور، وهو ما أكدته محكمة النقض حيث جاء في قرار لها بتارٌخ 28 ماي 1996، أن عقد البيع المحرر من طرف الموثق يحوز حجة رسمية، لا يمكن الطعن فيها طبقا لمقتضيات الفصلين 418 و 419 من ق ل ع إلا بالزور، فإن المحررات الثابتة التاريخ تثير بعض التساؤلات حول مدى استنفاذ حجيتها بين أطراف العقد من جهة، و بين الاغيار من جهة أخرى، خصوصا و أن المحرر الثابت التاريخ وثيقة عرفية لا يكتسي صفة المحرر الرسمي إلا عند تحقق أمور معينة نص عليها الفصل 425 من ق.ل. ع ، حيث جاء في حكم صادر عن ابتدائية فاس بتاريخ 14/10/2009 ملف عقاري 633-1401-09
ما يلي: بالرجوع إلى القانون المتعلق بنظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية يستشف منه بأن جميع التصرفات المتعلقة بنقل عقار الخاضعة لنظام الملكية المشتركة، أو إنشاء حقوق عينية عليها، أو تعديلها أو إسقاطها، لا تتم إلا بواسطة عقد رسمي، أو محرر ثابت التاريخ، والكل وفقا للمادة 12 من هذا القانون، وحيث أن العقد المستدل به والمبرم بين أطراف الدعوى لا يكتسي صفة عقد رسمي وإنما هو عقد ثابت التاريخ حرره أطرافه بصفة شخصية، وبالتالي ليس محررا من طرف الجهات المحددة قانونا طبقا للفصل 12 من قانون 18.00، لذلك يعد باطلا أصلا
وعليه، وانطلاق من ما جاء بالمدة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، فإن المحرر الثابت التاريخ هو كل وثيقة عرفية يتم تحريرها وفقا الشروط التي بينها القانون من قبل محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، أو من طرف مهني ينتمي إلى مهنة قانونية ومنظمة ويخولها قانونها تحرير العقود ويعد اعتماده في لائحة سنوية يحددها وزير العدل ، بالإضافة إلى قيدين أساسيين نصت عليهما المادة السالفة الذكر، و اللذان يتجليان قي توقيع العقد و التأشير على جميع صفحاته من الأطراف و الجهة المحررة، إلى جانب تصحيح إمضاءات الأطراف و التعريف بإمضاء ألمحامي، فإذا كان الأمر بخصوص توقيع العقد و التأشير عليه من طرف الأطراف المتعاقدة أمر مفهوم لدى الجميع ، فالأمر يختلف بالنسبة للقيد المتعلق بالتعريف بإمضاء المحامي .
فالمقصود بالتعريف بإمضاء المحامي من طرف كتابة ضبط المحكمة، هو قيام رئيس كتابة الضبط لدى المحكمة الابتدائية التي يمارس في دائرة نفوذها المحامًي مهامه بالمقارنة بين التوقيع المودع لديه وبين التوقيع المضمن بالعقد الثابت التاريخ، ذلك أنه يتعين على المحامي الذي يحمل صفة مقبول للترافع أمام محكمة النقض القيام بإيداع نموذج الإمضاء و نموذج التأشير على الصفحات لدى رئيس مصلحة كتابة الضبط في سجل إداع الإمضاءات .
ثالثا: الطبيعة القانونية لتصحيح الإمضاء أمام السلطات المحلية في عقود التفويت الثابتة التاريخ
نظم المشرع المغربي مسطرة تصحيح الإمضاء أمام السلطات المحلية بموجب المقتضيات و النصوص القانونية التالية :
– الظهير الشريف رقم 297-02-1 بتاريخ 25 من رجــب 1423 ( 3 أكتوبر 2002) الصادر بتنــفيذ القانون رقم 00-78 المتعلق بالميثاق الجماعي ( المادة 51 و المادة 105
– المنشور عدد 127 بتاريخ 19 دجنبر 1995 حول الإشهاد على صحة الإمضاءات والإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها
– الظهير الشريف المؤرخ في 25 يوليوز 1915 المتعلق بإثبات صحة الإمضاءات
– القانون رقم 4023 بتاريخ 7 من جمادى الأولى 1410 (6 دجنبر 1989) المتعلق بنظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها
– دليل حول مسطرة تصحيح الإمضاء و مسطرة الإشهاد على مطابقة النسخ لأصولها ، موضوع الدورية الوزارية عدد 69/م. ش. ق. د. ت. ت بتاريخ 13 يونيو 2005 .
و بناء عليه، فالطبيعة القانونية لتصحيح الإمضاء أمام السلطات المحلية في عقود التفويت الثابتة التاريخ تتحدد بموجب عملية الإشهاد على صحة الإمضاء المتواجد على الوثيقة دون التطرق إلى مضمونها، بحيث تقوم السلطة المعنية بالتوقيع خطيا على الوثيقة المعنية بالتصحيح مع وضع خاتم خاص بذلك، وكذا التاريخ بالإضافة إلى العبارة التالية : (اطلع على صحة التوقيع). مع تبيان هوية الأشخاص الراغبين في تثبيت إمضاءاتهم، وكذا تصحيحها، وتعتبر مهمة الإشهاد على صحة الإمضاء خدمة تقدمها الإدارة للمواطنين لتثبيت التوقيع، وليس لإضفاء طابع رسمي وتوثيقي على مضمون الوثائق.
وللإشارة فمهام تصحيح الامضاءات و المصادقة غير قاصرة فقط على موظفي السلطات المحلية، بل يمتد الاختصاص في ممارستها مؤسسات آخرها يخولها القانون ذلك، من بينها على سبيل الاستئتاس وليس الحصر – آهلية رؤساء كتابة الضبط في تصحيح الامضاء – حيث يختص رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية التي يمارس المحامي بدائرتها بتصحيح الإمضاءات الموضوعة بالنسبة للعقود المحررة من طرف المحامي والتي تهم التصرفات بالملكية المشتركة .
وتتطلب ممارسة الإشهاد على صحة الإمضاء إتباع إجراءات مسطرية تختلف باختلاف الحالات، غير أن السلطات المختصة بالإشهاد على صحة الإمضاء لا تتحمل أية مسؤولية إذا ما كانت الوثيقة المراد الإشهاد على صحة إمضائها يعتريها أحد العيوب، كأن يقع صاحبها ضحية غش أو تدليس ، فهذه الأمور يرجع البث فيها إلى المحاكم الزجرية المختصة فدور السلطة والعون المسؤول يقتصر فقط على التحقق من هوية طالب الإشهاد، وكذا الإطلاع على مضمون الوثيقة للتأكد من كونها لا تحمل أي تهديد للنظام العام والآداب ، أو أنها تتضمن إحدى الموانع المنصوص عليها في القوانين والأنظمة والتعليمات الإدارية الجاري بها العمل .
غير أن السلطة المختصة والعون المسؤول بالإشهاد يشاركان في تحمل المسؤولية، إذا ما تبث وقوع تزوير في التوقيع أو في تقمص الهوية وتبث كذلك أن التزوير قد وقع بتواطؤ من طرفهما، فتصحيح الإمضاء ليس من شروط قيام عقد البيع وإنما هو فقط لإثبات التاريخ، حيث جاء في مضمون المادة 126 من المدونة العامة للضرائب على انه لا تشترط أن تكون العقود العرفية مصححة الإمضاء حتى يمكن تقديمها للتسجيل الذي يضفي على العقود ثبوت التاريخ، وأن الفصل 14 من ظهير التحفيظ العقاري لا ينص هو الآخر إلا على تقديم العقود رفقة المطلب، ولا يشترط أن تكون مصححة الإمضاء وأن ذلك مطلوب، طبقا للفصل 73 من القانون المذكور، في تقييد العقود الواقعة على عقارات محفظة ليس إلا.
وهذا ما كرسه الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض قي قرار لها تحت عدد 760 مؤرخ في 21-02-2001 باعتبارها كون التصديق على التوقيع لا يضيف شيئا إلى العقد ونفاذه .
رابعا: القيود الواردة على المحررات الثابتة التاريخ الناقلة للملكية شرط نفاذ أم شرط إثبات.
من المعلوم، ان الورقة العرفية تكون صادرة ممن وقعها، ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من إمضاء أو ختم أو بصمه، ومن تم فهي تكون حجة بما دون فيها على من نسب إليه توقيعه عليها، إلا إذا أنكر ذات الإمضاء أو الختم الموقع به وكان إنكاره صريح، فإن هو اقتصر على إنكار المدون بالورقة كله أو بعضه فإنه لا يكون قد أنكر الورقة العرفية بالمعنى المقصود ، ولا بتبع في هذا الإنكار إجراءات تحقيق الخطوط المقررة في القانون، وإنما تبقى للورقة قوتها الكاملة في الإثبات مما تتخذ بشأنها إجراءات الادعاء بالتزوير.
ومن المعلوم أن الدليل الكتابي ينتج عن ورقة رسمية أو عرفية، فقد جاء في قرار المجلس الأعلى عدد : 1947 المؤرخ في : 26/09/2001ملف مــدنــي عدد : 310/3/2/00
أن الفصل 417 من قانون الإلتزامات والعقود ينص على أن الدليل الكتابي ينتج عن ورقة رسمية أو عرفية، ويمكن أن ينتج عن المراسلات والفواتير المقبولة.
وفي هذا السياق وتفاعلا مع الإشكالية المطروحة في هذه الفقرة نتساءل حول طبيعة القيود الواردة على المحررات الثابتة التاريخ الناقلة للملكية هل هي شرط صحة أم شرط إثبات، وبعبارة أخرى هل تصحيح الامضاء في المحررات الثابتة التاريخ المتعلقة بالتصرفات الناقلة للملكية والمحررة من قبل ذوي الاختصاص، من سلطات محلية و رئاسة كتابة الضبط بما فيها التعريف بإمضاء المحامي، يدخل ضمن شروط صحة نفاذ العقد أم أن الأمر يتعلق بشرط إنعقاده يستوجب إستفاؤه من أجل إثبات حجية العقد.؟
للاجابة عن هذا السؤال لابأس والعودة إلى مقتضيات المادة الرابعة من قانون 89/08 المتعلق بالحقوق العينة حيث تنص على القيدين الواردين على المحررات الثابتة التاريخ
بالتنصيص على مايلي:
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته.
تصحح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة، ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية التي يمارس بدائرتها،
فمن خلال إستقراء النص ، يتضح جليا أن المشرع ربط إستكمال المحررات الثابتة التاريخ بشروط رهينة بإستفاء إجراءات توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتأشير على جميع صفحاته من الأطراف ومن الجهة التي حررته، بالإضافة إلى
تصحيح إمضاءات الأطراف من لدن السلطات المحلية المختصة، و التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الإبتدائية التي يمارس بدائرتها، مما نستنتج معه كون المادة الرابعة أسست لقاعدة جد مهمة بخصوص العقود و المحررات الناقلة للملكية أو المنشئة لحقوق عينية حيث ميز من حيث النفاذ والوقف بين المحررات الرسمية و الثابتة التاريخ واعتبرت المحررات الرسمية النافذة ، وهي المحرارت الرسمية التي يقوم بها كل من الموثقين و العدول والتي توافرت فيها أركان العقد وشروط انعقاده ونفاذه، وثانيهما المحرر التابت التاريخ الموقوف النفاذ وهو المحرر الذي توافرت فيه أركان العقد دون شروط انعقاده ، لذلك يمكن القول في شأن القيود التي جاءت بها المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية بخصوص المصادقة على تصحيح الامضاء أو التعريف بالمحامي المنصوص عليهم في المادة الرابعة السالفة الذكر ليست بشروط إثبات المحرر التابت التاريخ ، بقدر ماهي شروط لإنعقاده ، ويبقى تصحيح الامضاء فقط لإثبات التاريخ، ذلك أن المصادقة عليه لا تضيف شيئا إلى العقد ونفاذه.
خامسا: متلازمة عمل مؤسسة رئاسة كتابة الضبط بين التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد و مراقبة قانونية التصرفات العقارية الناقلة للملكية
أصدرت إدارية الرباط حكما رقم 3035 بتاريخ 13-07-2021 في الملف 121/1071/2012 أنه قضت فيه على أنه من حق رئيس كتابة الضبط الامتناع عن التأشير عن أي عقد ثبث مخالفته لنص قانوني، هذا الحكم الذي أثار نقاشا مستفيضا بين الاوساط القانونية ، بين مؤيد له ورافض لمقتضياته، و الحقيقة أن حكم إدارية الرباط والذي قضى بأحقية رئاسة كتابة الضبط في
الامتناع عن التأشير عن أي عقد ثبث مخالفته لنص قانوني، هو حكم له ودائعه وحيثياته تختلف عن الإطار العام المحدد إذا ما كان من حق رئاسة كتابة الضبط الامتناع أو القبول ، كما أن تحديد وترتيب المسؤوليات ،أمر لا يعالجه الحكم القضائي السالف الذكر ،بقدر ما يرجع في تحديد ذلك إلى نصوص قانونية خاصة تطرح الجزاءات المقررة في حالة مخالفة المقتضيات القانونية، وهو بالفعل ما استفدت إليه إدارية الرباط في حكمها الاخير، انطلاقا من المقتضى القانوني الخاص المنظم للأراضي الجماعية أو السلالية ، ذلك أن محكمة الرباط لم تضف تشريعا جديدا ، أو حسمت قي قضية أحقية كتابة ضبط المحكمة في مراقبة محررات المحامي وتصرفاته ، بل فقط طبقت مقتضيات المادة 36 من القانون رقم 17/62 المتعلق بالوصاية الادارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها ، التي تنص بشكل صريح، على عقوبات حبسية….وغرامات…،لكل من قام أوشارك بأي صفة، في إعداد وثائق تتعلق بالتفويت أو بالتنازل عن عقار أو بالانتفاع بعقار، مملوك لجماعة سلالية خلافا للمقتضيات الجاري بها العمل .
و بعيدا عن كثرة التأويلات، بين ذاك وذاك ، ومن أجل معالجة الإشكالية المطروحة ، يجب أن نفهم طبيعة عمل كل من المحامي و جهاز كتابة ضبط المحكمة والصلاحيات الموكولة لكل منهما و حدودها .
فمما لا شك فيه، أن يتحمل المحامي يتحمل مسؤولية الأضرار المترتبة عن أخطائه المهنية، والأخطاء المهنية للمتمرنين لديه، وأجرائه، وفق قواعد المسؤولية المدنية، فهو بذلك يكون مسؤولا كذلك عن أي إبرام لعقود تنصب على أموال يعلم أنها غير قابلة للتفويت، أو أن تفويتها يتوقف على إجراءات غير مستوفاة، إذ بحكم طبيعة عمله و تكوينه القانوني ، يحتم عليه أن يتحقق تحت مسؤوليته من هوية الأطراف وصفتهم وأهليتهم للتصرف ومطابقة الوثائق المدلى بها إليه للقانون، حيث يتعين على المحامين والموظفين الذين يزاولون مهام التوثيق والعدول والموثقين وكل شخص حرر أو ساهم في تحرير عقد خاضع للتسجيل أن يطلعوا الأطراف على المقتضيات القانونية المنظمة كل ذلك في إطار عملية إسداء النصح للأطراف، كما يجب عليهم أن يبينوا لهم ما يعلمونه بخصوص موضوع عقودهم، وأن يوضحوا لهم الأبعاد والآثار التي قد تترتب عن العقود التي يتلقاها.
إن متلازمة عمل مؤسسة رئاسة كتابة الضبط بين التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد و مراقبة قانونية التصرفات العقارية الناقلة للملكية، تحيل بنا البحث والإجابة عن ماهية السلطة المخولة لمؤسسة رئاسة كتابة الضبط لدى المحاكم المفوض لها التعريف بإمضاء المحامي وحدود مسؤوليتها في رقابة صحة التوقيع والعقد من أجل رفض كل وثيقة تبدو أنها مخالفة للقانون ؟
فهل يقتصر دورها في التحقق من إمضاء المحامي، أم يمتد دورها إلى التأكد من صحة التصرف موضوع الوثيقة؟
فلا شك أن مؤسسة رئاسة كتابة الضبط تتمتع بسلطة واسعة فيةشأن المراقبة المهنية والإدارية لجميع موظفي كتابة الضبط العاملين تحت إشرافهم، حيث كءلك يتحملون تبعات مهام تسيير جهاز كتابة الضبط إداريا وماليا وإجرائيا، كما يسهرون على ضمان التنسيق المحكم بين مختلف أقسام ومكاتب وشعب كتابة الضبط، فهم يتولون تمثيلية كتابة الضبط أمام جميع الجهات المختصة، و يشرفون على تنفيذ ما تأمر به المحكمة من إجراءات، المصادقة على نسخ القرارات التي يسندها إليه القانون، و استقبال الشكايات والمحامين والعموم،
كما يتحملون مسؤولية مسك سجل للتحصين خاص بالمحررات ثابتة التاريخ و حفظ نظائر من أصولها، حيث ترقم جميع صفحاته و يؤشر في صفحته الأولى و الأخيرة رئيس المحكمة الابتدائية، كما أنه على رئيس كتابة الضبط الذي قام بالتعريف بإمضاء المحامي الذي أنجز العقد أن يحفظ نظير من كل محرر للرجوع إليه عند الاقتضاء.
إن إثارة مسؤولية مؤسسة كتابة الضبط عن الاعمال المنوطة بها تناولتها بعض من النصوص القانونية المثناترة و الخاصة ، نورد في هذا الشأن ما جاءت به أحكام
المادة 137 من المدونة العامة للضرائب، والتي نصت على انه يجب على كتاب الضبط لدى المحاكم أن يوجهوا لمفتش الضرائب المكلف بالتسجيل الذي يمارس بدائرة اختصاصاتهم القضائية، وذلك قبل انقضاء أجل ثلاثة أشهر المنصوص عليه في المادة 128، نسخة مصادق على مطابقتها للأصل من الأحكام والقرارات والأوامر وأحكام المحكمين، المثبتة لإحدى التفويتات أو الاتفاقات المشار إليها في المادة 127،، داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ التعريف بإمضاء المحامي من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية المختصة، نسخة من المحررات الثابتة التاريخ التي يحررها المحامون المقبولون للترافع أمام محكمة النقض والتي تخضع بحكم طبيعتها أو حسب مضمونها لواجبات التسجيل.
لذلك نرى يجب على العدول والموثقين وجميع الموظفين العموميين والمحافظين على الأملاك العقارية والرهون وكذا قباض التسجيل أن يرفضوا تحرير أو تلقي أو تسجيل العقود المثبتة للعمليات المشار إليها في ظهيرنا الشريف ما لم تكن مصحوبة بالرخصة الإدارية،
كما يجب أن تكون جميع العقود المحررة من طرف المحامين مستوفية لكافة الشروط الشكلية والموضوعية قانونا،
وبذلك، يمكن القول أن المرجعية في أحقية رئاسة كتابة الضبط في الامتناع عن التأشير عن أي عقد ثبتت مخالفته لنص قانوني، تجد سندها في وجود نص قانوني خاص يحتمل معه إثارة مسؤوليتها الجنائية عن المشاركة في إعداده، خصوصا اذا ما نجم عنه ما من شأنه أن يحدث أثرا قانونيا يفضي إلى مخالفة نص جنائي، وهو ما لا يصح قانونا الأمر به، ما دام يتعارض مع النصوص القانونية، المنظمة لعمليات التعاقد، التي غايتها حفظ الأمن العقاري والقانوني.
وفي هذا السياق جاء حكم إدارية الرباط بتطبيقها مقتضيات المادة 36 من القانون رقم 17/62 المتعلق بالوصاية الإدارية على الجماعات السلالية وتدبير أملاكها ، وفندت بذلك أحقية رئيس كتابة الضبط في الامتناع عن التأشير عن أي عقد على أساس ثبثوت مخالفته لنص قانوني صريح، وعدم قيامها بذلك يعد هجرا منها و إخلالا بالضوابط والإجراءات القانونية المطلوبة لصحة التصرف القانوني، الذي يؤدي إلى ضياع الحقوق وإثارة المسؤولية المدنية للمحامي وكذا المسؤولية الجنائية لرئاسة كتابة الضبط طبقا للمادة 359 -1 من القانون الجنائي.
عالم القانون World of law هو موقع (www.alamalkanoun.com) ينشر مقالات قانونية مواكبة لأخر المستجدات القانونية في شتى تخصصاتها.