تعليق على قرار المجلس الدستوري القاضي بتجريد عضوية مستشار اللائحة السوسية من مجلس المستشارين

عالـم القانون18 أغسطس 2020
صالح أزحاف
صالح أزحاف

إن البناء الديمقراطي الذي جسدته الوثيقة الدستورية من خلال مجموعة من المكتسبات الحقوقية الحديثة، قد حظيت بالقبول من طرف المواطنين المغاربة وكذا بإجماع مختلف الفرقاء السياسيين بالمغرب على أهمية هذه الوثيقة، بالإضافة إلى الإشادة الدولية لهذا التحول الذي سيشهده بلدنا، إلا أنه لابد من الإشارة إلى إشكالية مهمة تطرح لدى مختلف المتتبعين للشأن السياسي والقانوني، حول ما هي الضمانات الحقيقية لتفعيل هذه المكتسبات التي جاءت بها الوثيقة الدستورية ما بعد التصويت عليها؟ وخصوصا كما نعلم أن دستور 2011 فيه عدد مهم من الإحالات على القوانين التنظيمية التي تصدر ما بين دخول الدستور حيز التنفيد إلى متم الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور.

ولعل من أهم هذه الضمانات هو الإنتقال من دولة الحق والقانون إلى دولة المؤسسات، عبر التنصيص على مجموعة من المؤسسات التي ستسهر على حماية الدستور وبالتالي حماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، وتعتبر المحكمة الدستورية من أرقى و أهم هذه المؤسسات، نظرا للإختصاصات التي منحت لها سواء من خلال الباب الثامن من دستور 2011 أو من القانون التنظيمي 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 16 من شوال 1435، 13 غشت 2014، ويعتبر اختصاص رقابة مدى دستورية القوانين المخول لهذه المؤسسة من أهم هذه الاختصاصات، لأنها هي التي ستسهر على حماية مطابقة مختلف القوانين التي ستصدر، وخصوصا القوانين التنظيمية للدستور وبالتالي الحفاظ على تلك المكتسبات.

صحيح أن النقاش لازال قائما حول مدى تحول هذه المؤسسة الدستورية إلى هيئة قضائية، فبالرغم من تحول إسم المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية، إلا أنه من خلال قراءات متعددة لبنية هذه المؤسسة نجد أن الإمدادات السياسية لازالت حاضرة داخل المحكمة الدستورية، وبالتالي فإن إرتقاء المحكمة الدستورية من مؤسسة سياسية إلى مؤسسة قضائية لازال محورا للنقاش، أما فيما يخص قراراتها فتعد ملزمة وغير قابلة للطعن، هذا ماجعلنا نبحث في قرارها الصادر في حق المستشار السيد ياسين غنموني يوم الخميس 28 أبريل 2016 القاضي بإلغاء عضوية هذا الأخير بمجلس المستشارين. وكما هو معلوم أنه قد حاز على هذه العضوية في الاقتراع الذي أجري بتاريخ 2 أكتوبر 2015 لانتخاب أعضاء هذا المجلس في نطاق الهيئة الناخبة لممثلي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية بجهات سوس- ماسة وكلميم- واد نون والعيون- الساقية الحمراء والداخلة- وادي الذهب.

لقد جاء قرار المحكمة الدستورية بناءا على الدستور الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو2011)، خصوصا الفصلين 132 و177 منه، وكذا المادة 48 من القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 16من شوال 1435 (13غشت 2014)، والقانون التنظيمي رقم 29.93 المتعلق بالمجلس الدستوري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان1414 (25 فبراير 1994)، كما وقع تغييره وتتميمه، بالإضافة إلى القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.172 بتاريخ 24 من ذي الحجة1432 (21 نونبر 2011)، كما وقع تغييره وتتميمه، خصوصا المادة 92 منه، ثم القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائيـة، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.171 بتاريخ 30 من ذي القعدة 1432 (28 أكتوبر2011)،خصوصا المادة 118 منه.

ومنه قد خلصت المحكمة الدستورية إلى أن المطعون في عضويته الذي اختار إسم “اللائحة السوسية” للائحة التي انتخب منها، في قرارها أن هذا الإختيار يعد خرقا لأحكام تصدير الدستور والفصل الأول منه، وربما هنا القاضي الدستوري قد وقف عند الفقرة الثالثة من الفصل الأول من الدستور التي تنص على أنه ” تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.”
لكن من خلال قرائتنا لهذه الفقرة لا نجد هناك ما يمنع المترشح من اختيار هذا الإسم، بل أكثر من ذلك نجد أنها تؤكد على أن الوحدة الوطنية تقوم على روافد متعددة، وبالتالي لا يمكن أن نعتبر أن “السوسية” تمس بالوحدة الوطنية أو تتنافى مع ثوابت الدولة.

ولكن القاضي الدستوري قد أحسن الصواب عندما بنى قراره أيضا على الفصل السابع من الدستور الذي يمنع تأسيس الأحزاب السياسية وممارسة أنشطتها على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، ولقد نصت الفقرة الرابعة من هذا الفصل على مايلي ” لايجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، بصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان”، وبالتالي يتبين لنا بشكل واضح من خلال هذه الفقرة أن المعني بالأمر قد خالف مقتضيات الدستور، رغم أنه لم يؤسس الحزب على أساس عرقي إلا أنه أقام وظيفة الأحزاب ألا وهي الإنتخاب على أساس عرقي.

ثم استند أيضا القاضي الدستوري على الفصل 11 وخصوصا الفقرة الاولى منه التي تنص على أن ” الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي” وبالتالي استعمال ” السوسية” في اللائحة لاينبني على أسس موضوعية، بقدر ما كانت أسسه سيكولوجية تمييزية، تتنافى مع مبدأ الشفافية والنزاهة.

وقد وقف القاضي الدستوري أيضا على المادة 118 من القانون المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء، باعتبار أن تسمية اللائحة الانتخابية بـ “السوسية” فيه مساس بثوابت الدولة، وهذا ماجعل القاضي الدستوري اعتبرها مناورة تدليسية ترمي إلى استمالة الناخبين للتصويت لفائدة المطعون في انتخابه.

ولهذه الأسباب قضت المحكمة الدستورية بإلغاء انتخاب السيد ياسين غنموني عضوا بمجلس المستشارين في الاقتراع الذي أجري بتاريخ 2 أكتوبر 2015 لانتخاب أعضاء هذا المجلس في نطاق الهيئة الناخبة لممثلي المنظمات المهنية للمشغلين الأكثر تمثيلية بجهات سوس- ماسة وكلميم – واد نون والعيون – الساقية الحمراء والداخلة- وادي الذهب، وأمرت بإجراء انتخاب جزئي برسم الهيئة المذكورة لشغل المقعد الشاغر، طبقا لمقتضيات المادة 92 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين.

إن هذا القرار يشكل دعامة أساسية لظبط عمل المؤسسات البرلمانية، من خلال تخليق وتوضيح المشهد السياسي في المغرب، وهذا ما كان منتظرا من المحكمة الدستورية في أفق أن يمتد هذا الإجراء على مختلف الأحزاب السياسية في المغرب، بل أكثر من ذلك لايجب أن يقف عمل المحكمة الدستورية عند الإنتخابات وفقط، لأن هناك برامج سياسية تنبني على ماهو عرقي وهناك خطابات سياسية تنبني على ماهو ديني، بالإضافة إلى طغيان الهرمية التقليدية الحزبية، وبالتالي يجب على قرارات المحكمة الدستورية في الأفق أن تشمل مختلف أنساق المحيط السياسي في المغرب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق