كما هو معلوم فالاعتقال الاحتياطي هو حرمان المتهم من حريته عن طريق وضعه في السجن وذلك لمدة قد تطول أو تقصر في حدود القانون خلال الفترة الممتدة بين التحقيق الإعدادي وصدور حكم بات نهائي، وسنتطرق إلى الأحكام العامة المؤطرة للاعتقال الاحتياطي (المحور الأول) بالإضافة إلى الأزمة التي يثيرها الاعتقال الاحتياطي بالمغرب (المحور الثاني)
المحور الأول: أحكام الاعتقال الاحتياطي
الاعتقال الاحتياطي من إجراءات التحقيق سواء كان ابتدائيا ونهائيا يتم أمام المحكمة ونظرا لأن هذا الإجراء له تأثير على الحرية الشخصية وجب إحاطته بضمانات تحمي المتهم ولهذا سنتطرق في هذا (أولا) إلى شروط الاعتقال الاحتياطي ومدة الاعتقال الاحتياطي(ثانيا).
أولا: شروط الاعتقال الاحتياطي
أورد المشرع المغربي القواعد القانونية المتعلقة بالاعتقال الاحتياطي في المواد من 175 إلى 188 من قانون المسطرة الجنائية وأكد على أنه لا يجوز صدور الأمر بالاعتقال إلا إذا توافرت عدة شروط نوجزها في ما يلي:
+ استنطاق المتهم
لا يصح أمر الاعتقال الاحتياطي إلا من قبل قاضي التحقيق، بحيث لا يمكن اتخاذه من قبل النيابة العامة أو الضابطة القضائية، لأنه لا يدخل في صلاحياتها وإن كان بإمكان للنيابة العامة (المادة 73 و74) الأمر بإيداع المشبوه فيه في جريمة متلبس بها في السجن.
هذا ويتعين أن يستمع قاضي التحقيق إلى المتهم كي تتجمع لديه عناصر تقدير ملائمة هذا الأمر وهذا ما سيفسح المجال أمامه للدفاع عن نفسه ذلك من أجل دحض ما كان منسوب إليه أما إذا لم يتحقق هذا الشرط، فان الأمر بالاعتقال الاحتياطي يكون باطلا وهذا ما ذهبت إليه المادة 210 من قانون المسطرة الجنائية.
كما تطلب المشرع المصري إذا كان من أمر بالحبس الاحتياطي هو قاضي التحقيق أن يسمع أقوال النيابة العامة قبل أن يصدر أمره (المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية) وعلة هذا الشرط أن تتجمع لديه عناصر التقدير ولا محل لهذا الشرط بداهة إذا كانت النيابة العامة هي التي تتولى التحقيق ولكن لا تسمع أقوال المجني عليه والمدعي المدني قبل إصدار الأمر بالحبس الاحتياطي (المادة 152 من قانون الإجراءات الجنائية).
ويرجع المشرع المغربي ليسن كيفية الاستنطاق بحيث يرتكز على ضرورة الإجابة من طرف المتهم على كل الأسئلة الموجهة إليه، وذلك لأجل التوصل إلى الحقيقة والإطاحة بمجريات النازلة.
وأحاط المشرع الاستنطاق بالعديد من الأحكام والضمانات نوجزها في ما يلي:
قاضي التحقيق ملزم في أول مقابلة بان يتأكد من هوية المتهم، وإشعاره بحقه في اختياره من ينوب عنه أو من يؤازره، ويشعره بحقه في الامتناع عن الكلام في الاستنطاق الأولي.
للمتهم الذي يرفض اختيار المحامي أن يتراجع متى يشاء، كما أجاز له المشرع الاتصال بمحاميه بكل حرية، ويمكن لقاضي التحقيق أن يمنع المتهم من الاتصال بالغير لمدة 10 أيام قابلة للتجديد مرة واحدة.
يجب استدعاء المحامي يوما أو يومين قبل الاستنطاق ويجب أن يوضع الملف بين يدي المحامي قبل ذلك بيوم واحد (المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية)
هذا ومنع المشرع المحامي من توجيه أسئلة مباشرة، بل عن طريق قاضي التحقيق غير أنه استثناء يجوز للمحامي أن يحصل على إذن من قاضي التحقيق وذلك بأن يدلي بأسئلة للمتهم تسجل بمحضر (المادة 141 من قانون المسطرة الجنائية)
+ ارتكاب المتهم لجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس
يشترط أن تكون الجريمة مما يجوز فيها الاعتقال الاحتياطي، إذا كانت واقعة جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر، هذا في التشريع المصري، أما التشريع المغربي فانه يضع من بين الشروط أن يرتكب المتهم لجناية أو جنحة وذلك إذا لم يكن مستوطن خارج المغرب أو سبق الحكم عليه في جناية أو جنحة تزيد مدتها على 3 أشهر نافذة.
لكن يصح اتخاذ قرار الاعتقال الاحتياطي إذا كان منسوب له جنحة معاقب عليها بغرامة، ورغم أن المشرع لم بنص على هذا الشرط، إلا أنه منصوص عليه في الأمر بإلقاء القبض لكن من باب الأولى أن يشترط في الاعتقال الاحتياطي الأمر بالإيداع في السجن أثناء حالة التلبس (الفصل 76 من ظهير 30 دجنبر 1991) إلى جانب هذا لوحظ أن الاجتهاد القضائي قد أضاف إلى الشروط الأولى شرط آخر وهو أن تكون الجريمة تشكل خطورة حيث نص على ذلك المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا).
أما المشرع المصري فيضيف شرطا آخر ألا وهو وجوب توفر دلائل كافية إذ أن هذه الدلائل لها مدلول وهي دلائل على وقوع الجريمة وعلى نسبتها إلى المتهم الذي يصدر ضده الأمر بالحبس ويتعين أن نستخلص منها كذلك ملائمة الحبس ويختص بتقديم هذه الدلائل المحققة وتراقب محكمة الموضوع تقديره.
ثانيا: مدة الاعتقال الاحتياطي
نظرا للطابع الاستثنائي لتدبير الاعتقال الاحتياطي ومساسه بحرية المتهم التي هي أعز ما يملك فقد حرص المشرع المغربي على تقييد المدة التي يتم إخضاع المتهم لها، وتختلف مدة الاعتقال الاحتياطي بحسب نوع الجريمة:
• الجنايات: بموجب الفقرة الأولى والثالثة من المادة 177 من قانون المسطرة الجنائية لا يمكن أن تتعدى مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنايات شهرين قابلة للتمديد خمس مرات ولنفس المدة، وذلك بمقتضى أمر قضائي يكون معللا تعليلا خاصا يصدره قاضي التحقيق بناء على طلبات النيابة العامة التي تكون هي الأخرى معللة الأسباب.
وبذلك تكون المدة الدنيا للاعتقال الاحتياطي في الجنايات التي يمكن أن يخضع لها المتهم هي شهرين وأقصاها سنة، فإذا لم يقم قاضي التحقيق داخل هذا الأجل باستصداره أمرا بانتهاء التحقيق معه في حالة سراح، إلا واعتبر مرتكبا لجريمة الاعتقال التحكمي.
• الجنح: لا تتعدى مدة الاعتقال الاحتياطي في القضايا الجنحية شهرا واحدا قابلة للتمديد مرتين وبهذا تكون مدة الاعتقال الاحتياطي في الجنح هي شهرا واحدا بدون تمديد وثلاثة أشهر باستنفاذ كافة التمديدات التي سمح بها القانون، ويتعين على قاضي التحقيق إذا لم يتخذ قراره خلال هذه المدة أن يطلق سراح المتهم –بقوة القانون- ويستمر في التحقيق معه في حالة سراح.
وينبغي التنبيه على أنه بعد إحالة المتهم على هيئة المحكمة يمكن أن تطول مدة الاعتقال الاحتياطي حتى يفصل في الموضوع وليس من اللازم في هذه الحالة إصدار قرار قضائي بتمديدها مهما طالت المدة التي مضت على الإحالة، ولكن يمكن إصدار قرار قضائي بالإفراج المؤقت يضع حدا لهذا الاعتقال الاحتياطي.
وتجدر الإشارة إلى أنه على مستوى العمل فان بعض النيابات العامة لا تدرس ملفات المعتقلين الاحتياطيين عند نهاية فترات الاعتقال الاحتياطي دراسة شاملة وواعية، بل تطلب التمديد بصفة تلقائية وتعتمد في ذلك على مطبوع معبأ لهذه الغاية يؤشر عليه من طرف النائب دون أن يطلع على محتويات الملف.
أما في التشريع الفرنسي فان تمديد مدة الاعتقال يكون بعد أربعة أشهر بقرار معلل من قاضي التحقيق حسب سوابق المتهم وعقوبته، وفي مصر يجب أن لا تزيد مدة الاعتقال الاحتياطي على ستة أشهر، ما لم يكن المتهم قد أعلنت على إحالته على المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، فإذا كانت التهمة جناية جاز للمحقق قبل انقضاء المدة الحصول على أمر من المحكمة لتمديد الاعتقال الاحتياطي مدة لا تزيد عن 45 يوما قابلة للتجديد مرة أو مدد أخرى مماثلة ويستنتج من ذلك أن الإحالة على المحكمة في الجنح تسمح بالاعتقال الاحتياطي مدة غير محددة تتجاوز ستة أشهر.
المحور الثاني: أزمة الاعتقال الاحتياطي
شكل الاعتقال الاحتياطي ولازال أحد المشاكل الشائكة المطروحة باستمرار في النظام الجنائي، والأكيد أن السبب يكمن أساسا فيما يترتب عن هذا الأخير في آثار وخيمة سواء على مستوى تعارضه مع قرينة البراءة المفترضة في المتهم (أولا) أو في إفشاله لسياسة الإصلاح والتهذيب من خلال مساهمته في اكتظاظ السجون (ثانيا).
أولا: الاعتقال الاحتياطي وسؤال قرينة البراءة
يعتبر الاعتقال الاحتياطي إشكالا عويصا بالنسبة لشخص لم تثبت إدانته بعد فهو من أخطر التدابير الماسة بالحرية الفردية للمتهم بالرغم من تمتعه بقرينة البراءة حيث يقوم على سلب هذا الأخير حريته عن طريق إيداعه في السجن قبل صدور حكم قضائي يدينه بعقوبة سالبة للحرية خلال المدة المحددة بمقتضى القانون، وبالتالي إذا ما انطلقنا من المبدأ الذي يقضي أن الأصل في الإنسان هو البراءة فسوف نكون مجبرين على إدانة هذا الإجراء حتى ولو راعينا كل الشروط والضمانات التي أحاط بها المشرع هذا المس الخطير بالحرية وذلك لتعارضه مع قرينة البراءة.
فلا يكاد يختلف اثنان حول كون الاعتقال الاحتياطي يسبب للمتهم أضرارا جسيمة عديدة قد تتنوع ما بين أضرار مادية وأخرى نفسية إضافة إلى أضرار اجتماعية.
فبالنسبة للنوع الأول يجد تمثله في العديد من الصور أهمها أن الاعتقال الاحتياطي يضاعف آلام المعتقل لأنه قد يرغمه على قضاء عقوبة إضافية زيادة على العقوبة القانونية في حالة الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية أقل من المدة التي قضاها معتقلا احتياطيا أو في حالة الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية موقوفة التنفيذ أو بالغرامة المالية فقط، ناهيك على كون الاعتقال قد يضر بمصالح المتهم المادية والمعنوية في منطق أن كل اعتقال قد يجر القاضي ولو بصفة تلقائية إلى إدانة المتهم لتبرير إجراء زميله قاضي التحقيق، بالإضافة إلى أن مثول المعتقل أمام المحكمة في حالة نفسية متوترة ومنهارة وظروف مادية غير ملائمة لا يسمح له في أن ينظم دفاعه عن نفسه كما كان سوق يفعل لو بقي حرا طليقا.
إلى جانب هذه الأضرار المادية يتعرض المتهم إلى ضغوطات نفسية لكون الاعتقال الاحتياطي يكون أكثر وقعا واشد وطأة على الفرد من الضرر الناتج عن الحرمان من الحرية بسبب إدانة المتهم، فالألم بالنسبة للمعتقل الاحتياطي هو ألم مضاعف.
حيث يجمع الباحثون على أن حالة المعتقل احتياطيا تكون أكثر حساسية من حالة المجرم المدان، فرغم أن كل التشريعات تتجه نحو معاملة المعتقلين احتياطيا معاملة تتميز عن معاملة غيرهم من المدانين بوضع أنظمة تمنع إرغامهم على ارتداء بذلة السجن، وكذا إلزامهم بالعمل إضافة إلى منحهم امتيازات أخرى تتصل بعلاقتهم بالخارج من حيث الزيادة والاتصال بذويهم ومحاميهم وتغذيتهم ومراعاة عوائدهم وحالة معيشتهم كلما كانت فضاءات السجن تسمح بذلك، فإن وضعيتهم الموسومة بالريبة وعدم الثقة تسبب لهم آلاما كبيرا أكثر مما يسببه الاعتقال بالنسبة للمجرمين المدانين، فألمهم مضاعف بالنظر إلى كون أن الاعتقال غالبا ما يأتيهم على حين بغتة وبطريقة فجائية تقذف بهم إلى الشعور بالشك والقلق بسبب عدم معرفتهم المصير الذي ينتظرهم، فهم لا يعرفون المدة التي سوف يقضونها في الاعتقال قبل أن تبث المحكمة في مصائرهم، كل هذه الآثار تسبب لهم مزيدا من الضيق والاختناق يدفعان بهم إلى ارتكاب أعمال متهورة كالإقبال على الانتحار والإكثار من الكذب وارتكاب أشياء لا خلاف لها بواقعهم، فكل هذه الردود والمشاعر السلبية تمارس ضغطا نفسيا ومعنويا على المعتقل وتزيد من آلامه إلى الحد الذي قد يدفعه إلى الاعتراف والإدلاء بتصريحات محكمة للحقيقة.
للتخلص من هذه الآلام ولوضع حد للشك الذي أصبح يغفل مصيره ويؤدي ذلك إلى إفشال حقوق دفاعه وبالتالي حرمانه من فرصة إثبات براءته.
ولا ينتهي الألم الذي يعانيه المتهم أثناء الاعتقال الاحتياطي بانتهاء مدة هذا الإجراء الخطير خاصة وأنه يؤثر على حقه في الدفاع وعلى سير ونتائج الدعوى، وإنما يمتد ذلك إلى خارج أسوار السجن حيث يؤثر كذلك على مكانته وقيمته داخل المجتمع لما يلحقه به من وصمة اجتماعية يتعذر محوه في ذاكرة المحيط الاجتماعي للمعتقل حتى ولو تم إنهاء أمر الاعتقال الاحتياطي وإطلاق سراح المعتقل سواء نتيجة أمر بعدم المتابعة من قبل قاضي التحقيق أو حكم قضائي بالبراءة ذلك أن الاعتقال الاحتياطي يشوه سمعة المتهم قبل التأكد من نسبة الجريمة إليه وهو مخالفا لأبسط مبادئ حقوق الإنسان .
فالمجتمع لا يميز بين المتهم المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية بصفة نهائية وبين المعتقل بصفة احتياطية سواء ذلك الذي مازال في ظل الاعتقال أو ذلك الذي أطلق سراحه دون إدانته، كما أنه لا يتفهم أن المتهم كان محل شكوك لا أساس لها من الصحة وأنه كان محل إجراء ضرورة لأجل الحفاظ على الأمن العام، وبالتالي فكل شخص تواجد في السجن هو عنصر خطير يجب اجتنابه.
وتزداد خطورة الوصم الاجتماعي على المتهم الذي كان موضوعا رهن الاعتقال الاحتياطي في كونه يساهم في انهيار الوضع الاجتماعي للمتهم الذي ترفض أسرته التعامل معه واستقباله من جديد، كما يتم رفضه من طرف غالبية أفراد المجتمع الذين يمتنعون عن التعامل معه وتشغيله وعدم قبول شراكته أو مصاهرته وبالتالي التخلي عنه وتشويه سمعته وعزله واحتقاره.
والواضح أن الوصم الاجتماعي لا يقتصر على المتهم الذي كان معتقلا احتياطيا وإنما يمتد إلى أسرته حيث يصبح الاعتقال بمثابة عار يوصم به جميع أفراد أسرة المتهم في نظر المجتمع وهو ما يؤدي إلى انزواء أفراد الأسرة وجرح كرامتهم وإحساسهم بالنقص.
وبالتالي يمكن القول أن النظرة القاسية للمجتمع اتجاه المعتقل احتياطيا المفرج عنه ساهم في دفع هذا الأخير إلى التفكير في درب الجريمة وامتهان الإجرام، وبالتالي العودة إلى السجن من جديد لكن هذه المرة بصفته مجرما لا بصفته شخصا اقتضت ضرورة التحقيق وضعه رهن الاعتقال الاحتياطي.
وفي الختام يبقى أن نشير إلى أن كل هذه الأضرار التي يتعرض لها المعتقل الاحتياطي والتي سبق التطرق لها تنم عن حجم العدوان التي تتعرض له قرينة براءته وذلك باسم مبررات قد لا تستقيم حال كثير منها، وخاصة في ظل توفر وسائل بديلة قد تلعب نفس دور هذا الإجراء لكن مع سلبيات أقل.
ولئن كان المعتقل احتياطي هو المتضرر الأول في الاعتقال الاحتياطي فإن الواقع ثبت أن الآثار السلبية لهذا الأخير تمتد إلى جوانب أخرى أهمها إفشال سياسة الإصلاح والتهذيب بالسجون.
ثانيا: دور الاعتقال الاحتياطي في اكتظاظ السجون
لقد شغل الاعتقال الاحتياطي اهتمام العديد من المنظمات الحقوقية نظرا لما يعرفه هذا الاخير من ارتفاع متزايد، حيث بلغ عدد المعتقلين الاحتياطيين بالسجون المغربية بتاريخ 31 دجنبر 2011 ما يناهز 27470 معتقلا، وهو ما يمثل نسبة 42.37% من مجموع الساكنة السجنية التي كان يبلغ عددها في نفس التاريخ 64833 سجينا، ورغم ارتفاع هذه النسبة فهي تظل أقل من سنة 2010 التي شكل فيها عدد المعتقلين الاحتياطيين في 31 دجنبر 2010 نسبة 46.96 % من مجموع الساكنة السجنية.
وبناء على الارقام السابقة يتبين أن عدد المعتقلين الاحتياطيين قد عرف ارتفاعا مهولا، فبعد أن كان سنة 2007 لا يتجاوز 25922 معتقلا، ارتفعت هذه النسبة لتصل في سنة 2010 الى 30264 معتقل لتنخفض بعد ذلك الى 27470 معتقل سنة 2011، وبذلك أصبحت فئة المعتقلين الاحتياطيين لها حضور وازن في مختلف سجون المملكة إلى درجة أنها أصبحت في كثير من الأحيان تتجاوز نسبة المحكوم عليهم في بعض السجون.
والواقع أن نسبة المعتقلين الاحتياطيين في بلادنا تظل مرتفعة (حيث تتجاوز 40% من مجموع الساكنة السجنية وتقترب في أغلب الاحوال من 50%) مقارنة مع النسبة المسجلة في بعض الدول الديمقراطية بحيث لا تتجاوز في إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية والدنمارك 25% فيما تقل عن 40% في كل من هولاندا وبلجيكا.
ويرجع ارتفاع نسبة المعتقلين الاحتياطيين بالمغرب الى جملة من الأسباب التي يمكن بسطها فيما يلي:
– المبالغة في اتخاذ قرار الاعتقال الاحتياطي وسوء تقدير ضرورته، حيث يلاحظ أن لقضاة النيابة العامة والتحقيق سلطة تقدير واسعة في تقرير الاعتقال الاحتياطي من عدمه، وهي سلطة وإن كانت مؤطرة بالقانون إلا أن هامش الحرية المتوفرة للقاضي في إطارها يظل كبيرا جدا.
– عدم استعمال بدائل الاعتقال الاحتياطي المتوفرة (الكفالة والمراقبة القضائية) أو استعمالها استعمالا سيئا، أي أنها تستعمل لكن في الحالات التي لا تستحق الاعتقال وكانت المتابعة فيها ستجري في حالة سراح.
– عدم تفعيل التدابير البديلة للاعتقال الاحتياطي، إذ لا تمثل نسبة الاشخاص الذين استفادوا من تلك التدبير سنة 2011 سوى 8.02% من المجموع الاجمالي لعدد الاشخاص المقدمين أمام المحاكم.
– محدودية التدابير البديلة للاعتقال الاحتياطي التي يتم تطبيقها على أرض الواقع والتي تقتصر على بعض التدبير فقط كالكفالة والتقدم بصفة دورية أمام مصالح الشرطة القضائية وسحب جواز السفر، علما أن المادة 161من قانون المسطرة الجنائية يتضمن 16 تدبير آخر للمراقبة القضائية.
– سوء استعمال السلطة التقديرية عند اللجوء الى الاعتقال بعلة انعدام ضمانات الحضور، مع العلم ان الشخص المعني بالتدبير يتوفر على عمل قار وله تحملات عائلية ومصالح هامة في بالبلد ولم يسبق أن تأخر عن الاستجابة لاستدعاءات الحضور التي توجه إليه.
وبناء على كل هذه الأسباب يتبن أن للممارسة القضائية الدور الكبير في الرفع من نسبة الاعتقال الاحتياطي، نظرا للإقبال المتزايد على هذا الاجراء من طرف كل من قضاة النيابة العامة والتحقيق بشكل لم يعد معه هذا الأخير تدبيرا استثنائيا بل أصبح هو المبدأ والأصل، ويجد هذا الإدمان القضائي تفسيره في هيمنة النظرة التقليدية للاعتقال الاحتياطي على أغلب القضاة، باعتباره الإجراء الأكثر فعالية في ضمان حضور المتهم وكفالة السير العادي للإجراءات في ظل تغييب تام لباقي الوسائل الاخرى التي يمكنها أن تلعب نفس الدور الذي يلعبه الاعتقال الاحتياطي لكن مع أضرار أقل.
وبالرغم من تعدد الاسباب الكامنة وراء توسيع شريح المعتقلين الاحتياطيين داخل المؤسسات السجنية تبقى النتيجة واحدة، وهي مساهمة الاعتقال الاحتياطي في اكتظاظ السجون، حيث أصبحت ظاهرة الاكتظاظ إحدى السمات المميزة للسجون المغربية.
ولئن كانت المؤسسات السجنية تعتبر المكان المخصص لاستقبال الأشخاص المعتقلين احتياطيا وإيواءهم إلى حين انتهاء التحقيق معهم، إلا أن الواقع يثبت بأن هذه الأخيرة وبالرغم من كل العناية ومحاولات الإصلاح التي تحظى بها فإنها تظل مؤسسة عقابية مكتظة بالمعتقلين الامر الذي يشكك في مدى إمكانية قيامها بوظيفتها باعتبارها مكانا مخصصا لإيواء فئة المعتقلين الاحتياطيين الذين يشكلون الضحية الأكبر لظاهرة اكتظاظ السجون، التي أصبحت تشكل معضلة حقيقية تطرح أكثر من إشكال قانوني وحقوقي، حيث تزايدت التقارير والدراسات التي تحذر من تداعياتها الخطيرة على المعتقلين وعلى وظائف المؤسسات السجنية بشكل عام، فهي تؤدي إلى خلق ظروف اعتقال من شأنها إضعاف قدرة المنظومة السجنية على الاستجابة لحاجيات النزلاء سواء فيما يتعلق بالعناية الطبية والتغذية والايواء فارتفاع عدد المعتقلين الاحتياطيين داخل المؤسسة السجنية يجعل سير الأعمال الإدارية والبرامج الإصلاحية أمرا عسيرا خاصة في ظل ضعف التجهيزات والبنيات التحتية وقلة الموارد البشرية، بالإضافة إلى إرهاق كاهل الدولة ماديا من خلال ما يتطلبه المعتقلون من إيواء وإطعام وتجنيد أطر النيابة العامة وإدارة السجون وما يتطلبه الأمر من تنسيق بينهما لنقل وإحضار المتهمين كلما اقتضت ضرورة ذلك.
وإلى جانب كون ظاهرة الاكتظاظ بالسجون المغربية تشكل عائقا حقيقيا لتأهيل السجناء وتطبيق القواعد المقررة بالقانون 23.98، فإنها تساهم بشكل كبير في وقوع مجموعة من الانتهاكات التي قد تطال حقوق السجناء وتؤثر سلبا على ظروف إيوائهم، كما أنها تساهم في انتشار ظواهر سلبية داخل السجن من قبيل العنف، حيازة وتناول وترويج المخدرات، الاستحواذ على أشياء مملوكة للغير وغيرها من الممارسات التي تساهم بشكل أو بآخر في تحول هذه المؤسسة الى معمل لصنع المنحرفين، فالمعتقل الاحتياطي الذي لم تثبت إدانته بعد قد يخرج من المؤسسة السجنية وهو من محترفي الإجرام، لكون السجن تتعايش بين جدرانه مجموعة من العوامل الدافعة الى الإجرام التي يصعب إنكارها أو تجاهلها.
فطول مدة الاعتقال الاحتياطي يهيئ الوضعية المثالية أمام المتهمين لتعلم تقنيات الجريمة في ظل الفراغ والتفاعل اليومي المباشر مع مختلف المجرمين وهو ما يؤدي إلى انتقال عدوى الإجرام إلى المحكوم عليهم الأقل خطورة وكذا المعتقلين الاحتياطيين، وبالتالي يصير هناك خلط واضح في وظيفة السجن ودوره تجاه النزلاء، بل يصبح الاعتقال الاحتياطي عاملا من عوامل انتشار الجريمة ومرحلة حساسة يتعلم خلالها أشخاص أبرياء عدة سلوكات إجرامية، تؤدي بهم في الغالب إلى منزلقات الإجرام بعد الإفراج عنهم.