يرى بعضهم بأنهما تعبيران مترادفان لمسمى واحد، ومن ثمّ لا مجال للتمييز بينهما، وإن كانت القوة القاهرة تدل على استحالة دفع الحادث، في حين أن الحادث المفاجئ يدل على عدم إمكانية التوقع.
ويذهب آخرون إلى التفرقة بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ، وتقوم هذه التفرقة على صفة الحادث. فإذا كان الحادث خارجياً، ولا يمكن توقعه ولا دفعه؛ فهو قوة قاهرة، ومثال ذلك زلزال أدّى إلى انهيار مصنع من المصانع. أما إذا كان داخلياً بالنسبة للشيء، ويستحيل دفعه، كانفجار آلة في المصنع؛ فهو حادث مفاجئ. وتبدو أهمية التمييز بين القوة القاهرة والحادث المفاجئ في حالة المسؤولية القائمة على أساس الضرر، ففي مثل هذه الحالة تعفي القوة القاهرة وحدها من المسؤولية. أما الحادث المفاجئ فلا ينفي علاقة السببية بين الفعل والضرر، ومن ثم لا يعفي من المسؤولية.
شروط القوة القاهرة وآثارها يشترط في القوة القاهرة توافر العناصر الآتية:
1ـ عدم إمكانية توقع الحادث:
فإذا كان الحادث متوقعاً، فلا يعدّ قوة قاهرة. ومعيار عدم التوقع هنا هو معيار موضوعي يتطلب أن يكون عدم التوقع مطلقاً. فلا يكفي فيه أن يكون غير ممكن التوقع من جانب المدين، وإنما أيضاً يجب أن يكون غير ممكن التوقع من جانب أكثر الناس حيطة وحذراً. ويترتب على ذلك أنه إذا كان الحادث متوقعاً، فإنه لا يعفي من المسؤولية، ومثال ذلك سقوط الثلوج في فصل الشتاء في مدينة افران هو أمر متوقع ومن ثمّ لا يعد قوة قاهرة.
ويختلف الوقت الذي يجب أن يتوافر فيه عدم
إمكانية التوقع تبعاً لنوع المسؤولية، ففي المسؤولية العقدية يجب أن يكون الحادث
غير ممكن التوقع لحظة انعقاد العقد. أما في المسؤولية التقصيرية فيجب توافر عدم إمكان
التوقع لحظة وقوع الحادث.
2ـ استحالة دفع الحادث:
لايكفي لقيام القوة القاهرة عدم إمكانية توقع الحادث، بل يجب إضافة لذلك أن يستحيل دفعه. ومعنى ذلك أن الحادث يجب أن يؤدي إلى استحالة تنفيذ الالتزام استحالة مطلقة، لا بالنسبة للمدين
وحده وإنما بالنسبة لأي شخص يكون في موقف المدين ووضعه. فإذا استطاع المدين دفع
الحادث ولم يفعل، فلا يعفي هذا الحادث المدين من المسؤولية حتى لو كان غير ممكن التوقع. ولا فرق هنا بين أن تكون استحالة تنفيذ الالتزام مادية، كالزلزال، أو أن تكون الاستحالة معنوية، كما لو التزم شخص بالقيام بعمل معين في يوم محدد، وأخل بذلك نتيجة وفاة والده، فواقعة الوفاة هنا تعدّ استحالة معنوية؛ ومن ثمّ تعفي من المسؤولية إذا كانت غير ممكنة التوقع أيضاً. ويعود أمر تقدير الاستحالة إلى المحكمة المختصة. وهذا الشرط هو تطبيق للقاعدة القائلة: »لا التزام بمُحال«. أما إذا ترتب على وقوع الحادث أن تنفيذ الالتزام التعاقدي أصبح مرهقاً للمدين وليس محالاً، فلا يعدّ الحادث من قبيل القوة القاهرة، وإنما تطبق عليه أحكام نظرية الظروف الطارئة شريطة توافر بقية شروطها.
3ـ أن يكون الحادث خارجياً:
فإذا تسبب المدين بوقوع الحادث أو ساعد على وقوعه، فلا يعدّ الحادث قوة قاهرة حتى لو توافر فيه
الشرطان السابقان؛ ومن ثمّ لا يعفي من المسؤولية. وكذلك إذا كان الحادث داخلياً
بالنسبة للشيء، فلا يعدّ من قبيل القوة القاهرة ومن ثم لا يعفي من المسؤولية،
ومثال ذلك انفجار العجلة في السيارة.
آثار القوة القاهرة
إذا كانت القوة القاهرة السبب الوحيد في وقوع
الضرر؛ فإنها تؤدي إلى نفي المسؤولية عن المدين، وذلك لأنها أدت إلى انقطاع علاقة
السببية بين فعل المدين وبين الضرر.
أما إذا اشتركت القوة القاهرة مع خطأ المدين في إحداث الضرر، فإن المدين يسأل مسؤولية تامة عن ذلك الضرر، وذلك لأنه لا يمكن في
مثل هذه الحال تقسيم المسؤولية بين المدين وشخص آخر.
وتجدر الإشارة إلى أن القوة القاهرة يمكن أن تؤدي إما إلى الإعفاء من تنفيذ الالتزام نهائياً، أو إلى وقف تنفيذ الالتزام حتى زوال الحادث.
تطبيق القوة القاهرة في نطاق القانون العام
لا تطبّق القوة القاهرة ـ في الدول التي تميز بين القضاء العادي وبين القضاء الإداري ـ أمام القضاء العادي فقط؛ وإنما تطبق أيضاً أمام القضاء الإداري. فإذا استحال على المدين ـ في عقد إداري ـ تنفيذ التزامه بسبب قوة قاهرة؛ يجوز له أن يتمسك بها أمام المحكمة الإدارية المختصة، وإذا تبين لهذه المحكمة توافر شروط القوة القاهرة، يجب عليها أن تحكم بانقضاء
التزام المدين بسبب القوة القاهرة، ولا يجوز في مثل هذه الحال أن تحكم عليه بدفع تعويض للدائن نتيجة الضرر الذي لحق به بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه.
وتجدر الإشارة إلى أن القوة القاهرة التي تثار أمام القضاء الإداري تحمل طابع فعل الأمير الذي سبقت الإشارة إليه. ومن جهة أخرى تطغى نظرية الظروف الطارئة في مجال القضاء الإداري على نظرية القوة القاهرة.