يكون الحكم حضوريا أو غيابيا، بحسب حضور أو غياب الخصوم، و يتعين أن نميز بين حالتين، الأولى وهي التي تكون فيها المسطرة شفوية، و الثانية التي تكون فيها كتابية.(1)
ففي الحالة الأولى(المسطرة الشفوية) يعني حضور الخصوم الحضور المادي و الشخصي أو بواسطة وكلائهم أثناء الجلسة، ومتى حضر هؤلاء عند المناداة عليهم في الجلسة و أثناء مناقشة القضية صدر الحكم حضوريا في مواجهتهم، و يترتب على ذلك أنه بإمكان المتضرر أن يطعن بالإستئناف في الحكم الذي صدر ضده اللهم إذا تعلق الأمر بالأحكام غير قابلة للإستئناف، و التي لم يعد المشرع بعد صدور قانون قضاء القرب يحدد أي نصاب لها.
أما في الحالة الثانية(المسطرة الكتابية) فالحضور لايستوجب أن يحضر الأطراف شخصيا إلى الجلسة، و إنما يكفي أن يتقدم المدعى عليه أو نائبه بالجواب الكتابي عما جاء في المقال الذي رفعه المدعي إلى المحكمة، أو أن يبعث إلى كتابة الضبط في الجلسة المحددة للنظر في الدعوى أو قبل الأجل الذي يعينه القاضي المقرر إذا أجرى بحثا في القضية سواء حضر المدعى عليه شخصيا أو نائبه في الجلسة أم لا(2).
و يترتب على ماسبق أن الحكم الصادر و الحالة هذه يكتسي الصبغة الحضورية أما إذا لم يحضر المدعى عليه أو وكيله، أو لم يقدم ردوده على إدعاءات ويترتب على ما سبق ان الحكم الصادر والحاله هذه يكتسي الصبغه الحضوريه، اما اذا لم يحضر المدعى عليه او وكيله، او لم يقدم ردوده على الدعاءات المدعي، فان الحكم يصدر في حقه غيابيا ويجوز له ان يطعن فيه بالتعرض بشرط ان لا يكون قابلا للاستئناف
وقد تناول المشرع في الفصل 47 من قانون المسطرة المدنية.
الحالات التي يكون فيها الحكم حضوريا او غيابيا، وسنحاول الإشارة إلى أهمها في ما يلي:
أ- حاله غياب المدعي.
نص المشرع على هذه الحالة في الفقرة الأولى من الفصل 47 المذكور والمعدل بظهير 6/5/1982 اذ جاء فيها “اذا استدعي المدعي أو نائبه بصفة قانونية ولم يحضر في الوقت المحدد أمكن للمحكمة إذا لم تتوفر على أي عنصر يسمح لها بالبت في الطلب أن تقرر التشطيب على القضية من جدول الجلسة”
ففي هذه الحالة يسوغ للمحكمة أن تشطب على الدعوى التي تقدم بها المدعي لكن بشرط ألا تتوفر على أي عنصر كاف للبت في الطلب، ولا يعني التشطيب إلغاء الدعوى ورفع كل اثارها القانونية، وإنما يقصد به استبعاد الدعوى من جدول الجلسات وايقاف البه فيها مع احتفاظها بكافه أثارها.
والحقيقة أن التشطيب مرحلة تمهيدية لإلغاء الدعوى، إذ تحكم المحكمة بالإلغاء اذا لم يطالب المدعي الفصل في دعواه داخل أجل شهرين من قرار التشطيب من الجدول.(3)
وإذا كان تخلف المدعي يرتب الأثار السابق بيانها، فإن غياب الخصمين المدعي والمدعى عليه يؤدي بلا مراء الى نفس النتائج اذ لا يمكن الفصل في نزاع أهمله أطرافه ولم يعيروه أي اهتمام.
ومع ذلك، فبإمكان المحكمة أن تبت في مطالب المدعي ولو تغيب متى كانت متوفره على العناصر التي تراها كافيه للفصل فيها، ويكون الحكم الصادر في هذه الحالة بمثابة حضوري أي كما لو صدر بحضور المدعي أو نائبه.(4)
وعلى خلاف المشرع المغربي، تناولت بعض التشريعات المقارنة كالتشريع المصري(5) والقانون السوري(6) الحالة التي يتخلف فيها الخصمان معا عن الجلسة المحددة في قضيتهما وأيا كان الأمر، فالتشريعات المذكوره كلها ترتب نتيجة واحدة عن غياب المدعي وحده(المشرع المغرب) وعن غياب المدعي والمدعي عليه(المشرعان المصري و السوري) وهي التشطيب على الدعوى من جدول القضايا.
وقد أثار التشطيب الذي تقوم به المحكمة اذا تخلف المدعي رغم استدعائه بصفه قانونيه عدة نقاشات خاصه فيما يتعلق بطبيعته هل يتخذ التشطيب بحكم او بقرار اداري أو بقرار ذي طبيعه ولائية.
نعتقد أن التشطيب الذي نص عليه المشرع في الفقرة الأولى من الفصل 47 من القانون المسطرة المدنية لا يتم بواسطة حكم، ولو كان الامر كذلكلاستعمل نفس العباره التي نظم بها التشطيب الذي تحكم به محكمة الإستئناف اذا لم يتم تقديم أي نسخه من المقال أو إذا كان عدد النسخ غير مساوي لعدد الأطراف (الفصل 142 من قانون المسطره المدنية) كما أنه لا يتخذ طابعا ولائيا، بل هو قرار إداري يدخل في تسيير وتنظيم الجلسات فحسب.
ب- حاله غياب المدعى عليه.
تنص على هذه الحالة الفقرة الرابعة من الفصل 47 حيث قررت أنه:
“يحكم غيابيا إذا لم يحضر المدعى عليه أو وكيله رغم إستدعائه طبقا للقانون مالم يكن قد توصل بالإستدعاء بنفسه و كان الحكم قابلا للإستئناف،ففي هذه الحالة يعتبر الحكم بمثابة حضوري تجاه الأطراف المختلفة”
يتبين إذن أن الحكم على المدعى عليه مشروط باستدعائه هو أو وكيله بصورة قانونية، والاستدعاء القانوني هو الذي يتم وفقا للفصول 37 و38 و39) من قانون المسطرة المدنية، إذ لابد من توجيهها بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط، أو بواسطة أحد المفوضين القضائيين،(7) أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل او بالطريقة الإدارية)(8) أو بالطريقة الدبلوماسية إن كان يقيم خارج المملكة ويلزم إلى جانب ذلك أن يسلم في الموطن لا إليه شخصيا(9) . وليصبح الاستدعاء كذلك يتعين إرفاقه بشهادة يبين فيها من تسلم الاستدعاء وتاريخ التسلم، وتوقيع من سلمت له من الاشخاص الاخرين في مواطن المعني بالأمر، أو إشارة العون وتوقيعه في حالة عجز أو رفض من سلم له الاستدعاء التوقيع.
وتكمن أهميته وفائدة الحكم الغيابي عن أنه يفتح باب التعرض أمام المحكوم عليه أمام نفس المحكمة المصدرة للحكم داخل أجل عشرة أيام من تاريخ التبليغ.
غير أن المشرع اوقف ممارسة الطعن بالتعرض على شرطين أساسيين: أولهما يكمن في عدم توصل المعني بالأمر بنفسه بالاستدعاء والثاني ألا يكون الحكم قابلا للاستئناف. فمتى انعدم الشرطان المذكوران كما لو توصل المحكوم عليه شخصيا بالاستدعاء أو كان الحكم ابتدائيا قابلا للاستئناف، فإن الحكم لا يكون غيابيا وإنما بمثابة حضوري.
وبديهي أن الحكم الحضوري لا يمنح لصاحبه الطعن بالتعرض، وإنما له أن يطعن فيه بالاستئناف كطريق عادي من طرق الطعن.
على أن المشرع أعطى للمحكمة أن تؤجل القضية إلى جلسة أخرى -مقبلة بتعبير المشرع – إذا أشعرت «برسالة من الأطراف أو في الجلسة من أحد أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه بأن الاستدعاء الموجه إليه موطنه لم يصله أو أنه تعذر عليه الحضور لغيبته أو بسبب مرض خطير أو لقيامه بخدمة عمومية»(10).
وإذا كان الفصل 47 يتناول حالة انفراد المدعى عليه، فإن الفصل 48 نظم الحالة التي يتعدد فيها المدعى عليهم إذ جاء فيه أنه : «إذا تعدد المدعى عليهم و لم يحضر أحدهم بنفسه أو بواسطة وكيله أخرت المحكمة القضية إلى جلسة مقبلة و أمرت من جديد باستدعاء الأطراف طبقا للقواعد المقررة في الفصول 37 و 38 و 39 للحضور في اليوم المحدد مع تنبيههم في نفس الوقت إلى أنها ستبت حينئند في القضية بحكم واحد يعتبر بمثابة حضوري تجاه الأطراف المتخلفة».
وكما هو جلي، فإن المشرع لم يرتب على تخلف أحد المدعى عليهم إصدار حكم غيابي في مواجهته، بل منح الفرصة للمتخلفين للحضور تحت طائلة صدور حكم بمثابة حضوري في حقهم.
يضاف إلى ذلك أن المشرع وكما سيظهر من خلال صياغة الفصل 48 أن الأمر يتعلق بالمسطرة الشفوية لا بالمسطرة الكتابية، إذ تطرق الفصل لعدم حضور أحد المدعى عليهم بنفسه، ولو كان الأمر يتعلق بالمسطرة الكتابية لتحدث النص عن عدم تقديم المذكرات أو المستنتجات كما فعل بالنسبة للفصل 329 من قانون المسطرة المدنية الذي نص في فقرتيه الرابعة والخامسة على أنه عند تعدد المستأنف عليهم ولم يقدم بعضهم مستنتجاته في الأجل المحدد، نبهه المستشار المقرر عند حلوله إلى أنه لم يقم بتقديمها داخل أجل جدید، اعتبرت المسطرة حضورية بالنسبة لجميع الأطراف، ويبلغ هذا التنبيه إلى الأطراف غير المختلفة.
يبت في القضية بعد انتهاء هذا الأجل بقرار بمثابة حضوري بالنسبة لجميع الأطراف.
فالفصل 48 إذن يتعلق بالمسطرة الشفوية والفصل 329 يتعلق بالمسطرة الكتابية. لكن أليس من الواجب على المشرع أن يعيد النظر في الفصل 48 وذلك بإضافة فقرة أو عبارة على الأقل تشير إلى عدم تقديم المدعى عليه لمذكراته ومستنتجاته، لأن الفصل على حاله الآن لا يستجيب للمبدأ الجديد الذي تبناه المشرع منذ سنة 1993 إذ أصبحت القاعدة أن تطبق المسطرة الكتابية أمام المحاكم الابتدائية وفقا لمقتضيات الفصل 329 المطبق أمام محاكم الاستئناف ونقترح تبعا لذلك الصياغة التالية للفصل 48 :
إذا تعدد المدعى عليهم ولم يقدم أحدهم مذكراته للأحكام أو مستنتجاته أو لم يحضر بنفسه… (الباقي لا تغيير فيه )).
و تأكيدا للفرق الذي أبرزناه بين المسطرة الشفوية والمسطرة الكتابية ورد في الفصل 344 من قانون المسطرة المدنية ما يلی:
“تعتبر حضورية القرارات التي تصدر بناء على مقالات الأطراف أو مذكراتهم ولو كان هؤلاء الأطراف او وكلاؤهم لم يقدموا ملاحظات شفوية في الجلسة“
تعتبر حضورية كذلك القرارات التي ترفض دفعا وتبت في نفس الوقت في الجوهر و لو كان الطرف الذي أثار الدفع قد امتنع احتياطيا من الإدلاء بمستنتجاته في الموضوع.
تصدر كل القرارات الأخرى غيابيا دون إخلال بمقتضى الفقرتين الرابعة و الخامسة من الفصل 329“
ويتعين قبل الانتقال إلى التصنيف الموالي للأحكام أن نميز بين الحكم الحضوري والحكم الغيابي والحكم بمثابة حضوري.
فالحكم الحضوري هو الذي تكون فيه المسطرة حضورية إذ يحضر الأطراف إما شخصيا أو بواسطة وكلائهم أو بتقديم مذكراتهم، أما الحكم الغيابي فهو الذي يتخلف فيه المدعى عليه رغم استدعائه طبقا للقانون، في حين أن الحكم بمثابة حضوري هو الذي يصدر عن المحكمة عند تخلف المدعي رغم استدعائه بصفة قانونية بشرط أن تتوافر المحكمة على العناصر الكافية للنظر في النزاع والبت فيه. ويكون الحكم بمثابة حضوري كذلك إذا تخلف المدعى عليه رغم توصله بالاستدعاء بنفسه بشرط أن يكون الحكم قابلا للاستئناف.
ويلتقي الحكم الغيابي مع الحكم بمثابة حضوري، في وقت سريان أجل الطعن، فلا يمكن أن يطعن في الحكم الغيابي بالتعرض داخل أجل عشرة أيام من تاريخ التوصل بالتبليغ، كما لايمكن الطعن في الحكم بمثابة حضوري بالاستئناف إلا داخل أجل ثلاثين يوما من التوصل بالتبليغ.
بينما يختلف الحكم الغيابي عن الحكم بمثابة حضوري، في أن الأول لا يقبل الطعن بالاستئناف بل يخضع للتعرض فقط، أما الثاني فلا يقبل التعرض وإن كان يقبل الاستئناف.
أما بالنسبة للعلاقة بين الحكم الحضوري والحكم بمثابة حضوري فرغم أنهما يخضعان للاستئناف، إلا أن الاختلاف يقوم بينهما من زاوية سريان الاستئناف، فأما بدء سريانه بالنسبة للحكم الحضوري فقد يكون من تاريخ التبليغ أو في الجلسة ذلتعا بعد معاينة حضور الأطراف أثناء صدور الحكم و إشعارهم بأنهم قد بلغوا بالحكم و أن لهم الحق في مباشرة الكعن فيه داخل الأجل الذي يحدده القانون(الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية)بينما لا يتصور أن يسري الإستئناف بالنسبة للحكم بمثابة الحضوري من تاريخ النطق بالحكم بل لا بد من إنتظار توصل المعني بالأمر بالتبليغ.
المراجع المعتمدة:
1-تكون المسطرة الكتابية أمام المحاكم الإبتدائية في عير الحالات التي أشار إليها الفصل 45 أعلاه،أما بخصوص محاكم الإستئناف محكمة النقض فالمسطرة كتابية دائما.
2-عبد العزيز توفيق:شرح قانون المسطرة المدنية.م.س.ص 164 و 162.
3-الفقرة الثانية من الفصل 47 المذكور.
4-الفقرة الثالثة من نفس الفصل.
5-تنص الفقرة 91 من قانون المرافعات المصري على أنه:إذا لم يحضر المدعي و لا المدعى عليه…..قررت المحكمة شطب الدعوى و ألزمت المدعي بالمصاريف…..
6-تنص المادة 118 من قانون أصول المحاكمات السوري على نفس القاعدة التي قررتها المادة 91 المذكورة. لمزيد من التفصيل راجع،أبو الوفا،نظرية الأحكام،م.س.ف 177،ص,327 و ما بعدها.
7- المادة 15 من القانون المنظم لمهنة المفوضين القضائيين الصادر في 14 فبراير 2006.
8- الفصل 37 من قانون المسطرة المدنية
9- الفصل 38 من نفس القانون.
10- الفصل 47 من القانون المذكور في الفقرة الأخيرة. والواقع إن إثبات عدم التوصل بالاستدعاء في الموطن مسالة صعبة من الناحية العملية لأنه نادرا مات الجيران والأصدقاء في مسائل الغير إذا كانت لها علاقة بالمحكمة.