مقدمــــــــــــــــــــــــة :
يعتبر موضوع التبليغ من بين أهم المشاكل الأساسية التي يعاني منها نظام العدالة ببلادنا سواء تعلق الأمر بالعدالة الجنائية أو المدنية أو غيرها، حيث تعرف عملية التبليغ تعثرا مما يساهم في التأثير سلبا على وثيرة البت في القضايا، ولا يقتصر هذا الأمر على سير القضايا، بل يشمل حتى عملية التنفيذ بسبب تعذر التبليغ للمنفذ عليهم. وترجع الوضعية التي تعاني منها عملية التبليغ ببلادنا إلى عدة عوامل، منها ماهو مرتبط بثقافة المجتمع ، ومنها ما هو مرتبط بالإجراءات القانونية، ومنها ما هو مرتبط بتدبير عملية التبليغ من طرف أجهزة العدالة ولمعالجة هذا الموضوع فإننا سنتطرق أولا لإشكالية التبليغ وأسبابها وثانيا لبعض الحلول المقترحة.
أولا: إشكــــــــــــالات التبـــــــــــــليغ
يشكل التبليغ أحد الأسباب الأساسية التي تساهم في تعطيل الإجراءات القضائية سواء تعلق الأمر بسير القضايا، أو استدعاء الشهود…، فكثير هي القضايا التي تأخرت لعدة جلسات بسبب عدم توصل الأطراف بالاستدعاء وهي مسألة تزداد صعوبة كلما تعلق الأمر بالمناطق النائية أو القروية، علما أن عملية التبليغ هي عملية مكلفة تتطلب عدة مصاريف وتتطلب تدخل أكثر من طرف (القاضي، كتابة الضبط ، مفوضين قضائيين ، السلطة المحلية …).
وترجع المشاكل التي يعاني منها التبليغ إلى عدة أسباب، يرجع بعضها إلى الأطراف المتدخلة في التبليغ بدء من الأشخاص المطلوبين في التبليغ، الذين قد يستعمل بعضهم طرقا احتيالية لتفادي تبليغه و تعطيل إجراءات سير الدعوى.
كما قد يكون الخلل في تعذر عملية التبليغ راجعا إلى عدم قيام موظفي كتابة الضبط بإجراءات التبليغ في وقتها، كإهمال تحرير الاستدعاء أو عدم تضمينها المعلومات الكافية أو إهمال تضمين المرجوع بالملفات الخاصة بها، أو إهمال المحكمة استدعاء الأطراف.
وبالإضافة إلى ذلك، ترجع بعض الأسباب إلى عدم بذل الجهات المكلفة بالتبليغ، الجهد الكافي في تبليغ الاستدعاءات وأحيانا تضمين المرجوع عبارات غير قانونية أو غير واضحة تضطر معها المحكمة إلى إعادة الاستدعاء عدة مرات، و هي كلها أسباب تساهم في تعميق أزمة نظام العدالة ببلادنا سواء تعلق الأمر بالعدالة الجنائية أو المدنية أو غيرها.
ولا شك في أن محاولة فهم الأسباب والعوامل التي تساهم في تعثر عملية التبليغ التي لا تؤثر سلبا فقط على سير القضايا، بل تؤثر سلبا حتى على عملية التنفيذ، خاصة وأن العديد من الملفات التنفيذية يتعذر تنفيذها في الكثير من الأحيان بسبب الصعوبات المرتبطة بعدم تبليغ المنفذ عليهم.
والأكيد أن هذه الصعوبات التي تعرفها عملية التبليغ لا يقف تأثيرها السلبي عند هذا المستوى فحسب، بل لها تكلفتها حيث تستنزف موارد مالية وبشرية جد هامة، وهذا ما يجعل التفكير في إيجاد حلول للمشاكل التي تعرفها عملية التبليغ ضرورة ملحة وآنية من أجل توفير الآليات الكفيلة بتصحيح الأوضاع المختلة التي يعرفها نظام العدالة
ثانيا : مقترحات لمعالجة إشكالات التبليغ
إذا كانت بعض الدول قد استطاعت أن تطور أساليب التبليغ إلى درجة أصبح معها يتم توجيه الاستدعاء بواسطة الهاتف النقال عبر تقنية الرسائل القصيرة، فإننا نعتقد بأنه إذا كان تحقيق هذا الأمر ببلادنا ما زال بعيد المنال، فإنه على الأقل يتعين التفكير في تحسين آليات التبليغ التي نعتقد بأنها هدف يتقاطع مع إصلاح باقي أنظمة العدالة، فلا شك في أن سرعة التبليغ ستؤدي إلى تسريع سير القضايا. و في هذا الإطار يمكن اقتراح بعض الأفكار لمعالجة إشكالية التبليغ التي تشكل قاسما مشتركا بين مختلف مكونات العدالة بمختلف مكوناتها :
– الحرص على إنجاز الاستدعاءات الخاصة بكل ملف وإخراجها في نفس اليوم الذي يفتح فيهملف القضية؛
– وضع آجال تقريبية لتبليغ الاستدعاءات داخل المدينة والبادية تكون مرجعا يستطيع من خلالها القاضي معرفة الأجال التي يمكن أن يستغرقها تبليغ الاستدعاء، ولإنجاح هذا المقترح يتعين التنسيق مع هيئة المفوضين القضائيين والسلطة المحلية على صعيد كل محكمة؛
– تحسيس القضاة بضرورة مراقبة الملفات والاطلاع عليها بأسبوع على الأقل قبل انعقاد الجلسة وذلك بغية مراقبة مرجوع التسليم وتكليف المفوض القضائي المكلف بالتبليغ بالتعجيل بالمطلوب في حال ما إذا كان هناك تأخير في التبليغ؛
– تكليف كاتب الضبط بإعداد جدول بالملفات التي لم ترجع فيها شهادة التسليم بأسبوع على أقصى تقدير من تاريخ انعقاد الجلسة؛
– مراعاة آجال التبليغ بالنسبة للاستدعاءات الموجهة إلى الخارج، فعدم احترام الأجل الكافي يؤدي إلى إعادة الاستدعاء أكثر من مرة مما يؤدي إلى تأخير ملف القضية عدة مرات بسبب ذلك؛
– التنسيق مع ممثلي السلطات المحلية لتسهيل تبليغ الاستدعاءات خاصة في المجال القروي؛
– تسليم استدعاءات الجلسة للمتهمين أثناء تقديمهم أمام النيابة العامة في غير حالات التلبس؛
– إمكانية تسليم استدعاءات الحضور للمتهمين والشهود أثناء الجلسة في حالة ما إذا كانت ترغب المحكمة مجددا في استدعاءهم؛
– إمكانية تسليم شواهد التسليم في القضايا الزجرية من طرف الشرطة في القضايا التي لا تقرر فيها النيابة العامة التقديم؛
– تشجيع سهر الأطراف على التبليغ؛
– حرص قضاة النيابة العامة على تتبع تبليغ الاستدعاءات التي تعهد بها إلى الشرطة وذلك حتى تضمن رجوع شهادة التسليم قبل انعقاد الجلسة؛
– التنسيق بين رئاسة المحكمة والنيابة العامة فيما يتعلق بالملاحظات التي يمكن توجهيها المفوضين القضائيين بخصوص التبليغ على هامش المراقبة السنوية لأعضاء هذه الهيئة؛
– تعميم هيئات المفوضين القضائيين على كافة الدوائر الترابية التي تتواجد بها المحاكم، لاسيما في المناطق القروية؛
– اعتماد التبليغ الإلكتروني بين المحاكم بالنسبة للإنابات القضائية وهو ما من شأنه أن يساهم في التقليص من عدد التأخيرات وربح الوقت؛
– تمكين أعوان التبليغ في المحاكم من الإمكانيات الكافية لتسهيل تنقلاتهم بغية تمكينهم من القيام بعملية التبليغ داخل آجال جد معقولة؛
– توفير منح تحفيزية دورية تخصص لأعوان التبليغ، يتم منحها على أساس عدد التبليغات المنجزة وهو ما يمكن أن يخلق نوعا من التنافس ويساهم في تحفيز هذه الفئة على القيام بعملية التبليغ داخل الأجال القانونية.
يمكنكم الحصول على الموضوع بصيغة pdf من خلال الضغط على الرابط أسفله:
إصغط هنا :التبليغ بين إشكاليته و أسبابه و الحلول المقترحة لتجاوز صعوباته