حق المتهم في حضور المحامي إلى جانبه أثناء استجوابه من طرف الشرطة.

حق المتهم في حضور المحامي إلى جانبه أثناء الإستماع إليه من طرف الشرطة

حق المتهم في حضور المحامي إلى جانبه أثناء الإستماع إليه من طرف الشرطة

إذا كان حق المتهم في الاستفادة من مؤازرة المحامي أثناء استجوابه من طرف الشرطة قد أصبح قاعدة راسخة في بعض النظم القانونية، فإن البعض الآخر منها لم يعرف بعد هذا النوع من الحقوق في إطار الضمانات المخولة للمتهم حيث يقتصر هذا الحق على الاتصال بالمحامي لفترة محددة أثناء وضع المشتبه فيه رهن الحراسة النظرية، دون أن يمتد ذلك إلى حضور عملية استجوابه من طرف ضابط الشرطة القضائية، وفي مقابل ذلك فإن بعض التشريعات لم تصل حتى إلى هذا المستوى من الضمانات الممنوحة للمتهم (الاتصال بمحامي).

ومن أجل التعرف أكثر على هذه الضمانات المخولة في الأنظمة القانونية المقارنة، فإننا سنحاول أن نتعرض لمختلف التوجهات التشريعية في هذا الباب، ثم لموقف القضاء المقارن على أن نخلص في النهاية إلى طرح استنتاجات عامة.

أولا : الأنظمة القانونية التي تسمح بحضور المحامي عملية استجواب المتهم أمام الشرطة/ القانون السويسري:

       تعتبر سويسرا من الدول التي كانت سباقة إلى تنظيم حق المشتبه فيه في مؤازرة المحامي لدى استجوابه من طرف الشرطة أثناء فترة الحراسة النظرية. وفي هذا الإطار نصت المادة 159 من قانون المسطرة الجنائية على أنه “يمكن خلال الاستماع للمشتبه فيه من طرف الشرطة أن يكون مؤازرا بمحام والذي يمكنه أن يطرح أسئلة خلال هذا الاستجواب”.

     ولتنظيم حدود نطاق تدخل المحامي في عملية الاستجواب التي تجرى أمام الشرطة، أناط القانون السويسري بالنيابة العامة توجيه عمل الشرطة من خلال الدوريات التي تصدرها، وقد أصدر الوكيل العام بسويسرا دورية توجيهية بتاريخ 22 دجنبر 2010 تتعلق بتحديد ضوابط اتصال المحامي بموكله وحضوره. وبموجب هذه الدورية يتعين على المحامي أن يجلس وراء موكله وأن لا يطرح أي تساؤل إلا عبر عنصر الشرطة الذي يجري الاستجواب. كما يتعين على المحامي في طرحه للأسئلة الالتزام بمجريات البحث، حيث يمنع علیه طرح أسئلة تتعلق بالإجراءات أو بمنهجية الاستماع.

ولتمكين الدفاع من الاتصال بموكله يمكن لضابط الشرطة توقيف عملية الاستماع لمدة معينة.

و إذا كانت هذه الضمانات تمكن المحامي من الاتصال بموكله بكل حرية، فإنه يتعين عليه احترام محتوى الدورية التوجيهية المذكورة و في حالة عدم احترامه لمقتضياتها يمكن تنبيهه من طرف الضابط المشرف على عملية الاستجواب الذي يمكنه إنهاء عملية الاستماع في حالة عدم انضباط المحامي للتنبيه الموجه إليه.

*القانون الفرنسي :

       لقد أصبح بموجب التعديل الذي عرفه قانون المسطرة الجنائية الفرنسي بمقتضى القانون رقم 392-2011 بتاريخ 14 أبريل 2011 ، بإمكان المحامي حضور عملية استجواب الشخص المشتبه فيه أثناء وضعه رهن الحراسة النظرية، حيث نصت المادة 2-4-62 من القانون المذكور على أن من حق المتهم أن يكون مؤازرا بالمحامي أثناء استجوابه من طرف الشرطة بالإضافة إلى حضور المواجهات التي تتم بين الأطراف و حقه في طرح الأسئلة على المعني بالأمر و تقديم ملاحظات كتابية بهذا الشأن ترفق بالمسطرة. غير أنه و بصفة استثنائية يمكن لوكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق أو قاضي الحريات تأخیر حضور المحامي لعملية الاستجواب أو المواجهات بمقتضى قرار كتابي معلل إذا كانت هناك أسباب جدية تتعلق بالحفاظ على مجريات البحث أو الحفاظ على أدلة الإثبات أو سلامة الأشخاص.

*القانون الاسباني:

   قانون المسطرة الجنائية الإسباني في المادة 520 على مجموعة من الضمانات التي خولها القانون للمتهم الذي يتم وضعه رهن تدبير الحراسة النظرية، ومن جملة هذه الحقوق، ما نص عليه البند (ج) من الفقرة الثانية من المادة المذكورة التي حولت للمشتبه فيه الموقوف في إطار الحراسة النظرية الحق في تعيين محامي لمؤازرته في جميع الإجراءات أو أثناء استجوابه من طرف الشرطة.

*المملكة المتحدة :

يضمن القانون البريطاني عدة ضمانات لفائدة المتهم الموضوع رهن تدبير الحراسة النظرية “قانون الممارسات الجيدة للاعتقال واستجواب الأشخاص من طرف ضباط الشرطة”.

  وقد نص هذا القانون على حق المتهم في مؤازرة المحامي، إلى جانب حقه في حضور استجواب المشتبه فيه كما خول هذا القانون للمتهم الحق في الحصول على وثيقة مكتوبة تتضمن الحقوق التي يكفلها له القانون لا سيما فيما يتعلق بمؤازرة المحامي ولا يعتبر حق المحامي في حضور استجواب المشتبه فيه حقا مطلقا ، بل يمكن منعه من ذلك إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية كما يمكن توقيف المحامي عن الاستمرار في حضور جلسة الاستجواب إذا أعطى للمشتبه فيه أجوبة مكتوبة معدة سلفا أو تدخل للإجابة بدلا عنه.

*القانون البلجيكي :

بالرغم من أن قانون المسطرة الجنائية البلجيكي المعدل في 5 غشت 1992 نص على مجموعة من الحقوق التي ينبغي كفالتها للشخص الموضوع تحت تدبير الحراسة النظرية كالتغذية وأوقات الراحة، فإنه مع ذلك لم يتضمن أية مقتضيات تتعلق بحق المحامي في حضور عملية استجواب الشخص الموقوف أمام الشرطة. ولقد ظل الوضع على هذا الحال في بلجيكا إلى غاية 13 غشت 2011، حيث تم تعديل قانون التحقيق الجنائي تحت اسم “La loi Salduz” والذي دخل حيز التنفيذ في فاتح يناير 2012، حيث أعطى هذا القانون الحق للمتهم في الاتصال بالمحامي منذ اللحظة الأولى لإيقافه بالإضافة إلى حضوره بجانبه أثناء استجوابه من طرف الشرطة.

*القانون الإيطالي :

يخول القانون الإيطالي في إطار الضمانات التي يخولها قانون المسطرة الجنائية للمتهم أثناء وضعه تحت تدبير الحراسة النظرية مجموعة من الحقوق، من بينها حقه في مؤازرة المحامي من اللحظة الأولى لإيقافه والتخابر مع موكله وحضور الاستجواب أمام الشرطة القضائية

ثانيا : الأنظمة القانونية التي لا تسمح بحضور المحامي عملية استجواب المتهم من طرف الشرطة.

أغلب التشريعات لا تسمح بحضور المحامي لاستجواب المتهم من طرف الشرطة القضائية ولكن بعضها قصر حق الاتصال بالمحامي لمدة محددة خلال فترة الوضع تحت الحراسة النظرية.

*القانون الألماني :

تضمن القانون الألماني عدة ضمانات للمشتبه فيهم الذين يتم وضعهم تحت تدبير الحراسة النظرية وفي هذا الإطار نص الفصل 104 من قانون المسطرة الجنائية الألمانية على حق المتهم في التزام الصمت والحق في الاتصال بالمحامي من اختياره غير أن هذا الاتصال لا يمتد إلى حضور المحامي لمجريات الاستجواب الذي تجريه الشرطة مع المعني بالأمر.

* القانون المغربي :

يعتبر القانون المغربي نموذجا للتشريعات العربية المتقدمة التي خولت للمشتبه فيه الموضوع رهن تدبير الحراسة النظرية الحق في الاتصال بالمحامي  لمدة 30 دقيقة قبل انتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية، غير أن إمكانية اتصال المحامي بالمشتبه فيه أثناء وضعه تحت تدبير الحراسة النظرية تقتصر فقط على إمكانية الاتصال دون أن تمتد إلى حضور عملية الاستجواب من طرف الشرطة.

*القوانين العربية :

لا تعترف غالبية القوانين العربية بحق المحامي في حضور عملية استجواب المشتبه فيه أمام الشرطة ولا حتى على الحق في الاتصال بين المحامي وموكله خلال الحراسة النظرية، بل تقتصر فقط بعض هذه التشريعات خاصة تلك التي عرفت تعديلات على قوانينها على بعض الضمانات العامة فقط، كحق المتهم في الاتصال بأحد أفراد عائلته و إجراء فحص طبي عليه دون أن يمتد ذلك إلى حق المتهم في الاتصال بالمحامي منذ اللحظة الأولى لإيقافه وهو ما ينطبق على قانون الإجراءات الجزائية الجزائري الذي وقع تعديله في 22 دجنبر 2006 أو قانون الإجراءات الجنائية المصري المعدل في سنة 2003 أو غيرها من القوانين العربية.

ثالثا : موقف القضاء المقارن من حضور المحامر لعملية استجواب المتهم أمام الشرطــــــــــــــة.

لقد كان للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان دور أساسي في تكريس حقوق المتهم لاسيما فيما يخص الحق في الاتصال بالمحامي أثناء وضع المعني بالأمر تحت تدبير الحراسة النظرية ولقد ساهم حرص هذه المحكمة في ضمان احترام الدول الأوروبية على الأقل للاتفاقية الأوروبية الحقوق الإنسان في إعادة مجموعة من الدول النظر في تشريعاتها الداخلية بسبب الدعاوى التي كانت تقدم في مواجهتها أمام المحكمة من أجل تكريس مزيد من الضمانات لفائدة المتهم خاصة فيما يتعلق بمؤازرة المحامي المتهم منذ اللحظة الأولى لوضع المشتبه فيه رهن تدبير الحراسة النظرية.

لذلك، فهذه المحكمة يرجع لها الفضل في تكريس مجموعة من الحقوق التي حولتها التشريعات المقارنة للمتهم أثناء وضعه رهن الحراسة النظرية كما يظهر بأن تلك المحكمة أصبحت حارسة للحقوق والحريات على الأقل بمناسبة الادعاءات المرتبطة بخرق الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تعرض عليها.

   وفي هذا الإطار تنبغي الإشارة إلى أن المحكمة الأوروبية حرصت على احترام تمكين المتهم من حقه في مؤازرة المحامي أثناء مجريات الاستجواب أمام الشرطة وهو ما أكدت عليه المحكمة مند سنوات. ففي قرار لها صادر بتاريخ 08 فبراير 1996 في إطار ما يعرف بقضية( Jhon Marray Contre Rayaume -Uni) خلص فيه قضاة المحكمة إلى أن ” للمتهم بالإضافة إلى الاستفادة من حق مؤازرة المحامي منذ اللحظة الأولى لمجريات الاستجواب أمام الشرطة وأن هذا الحق لا يمكن الحد منه إلا إذا كانت هناك أسباب مقبولة”.

      ولقد ظلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وفية لهذا الاتجاه في قراراتها، وكان قرارها الصادر بتاريخ 27 نونبر 2008 مناسبة لإعادة تأكيد اجتهادها الذي استقرت عليه في هذا الباب، ففي هذا القرار الذي يعرف بقضية “Salduz شالدوز ضد تركيا” أكدت المحكمة على أن تفسير حق اتصال المتهم بمحاميه طبقا للفصل 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان يقتضي ” بأن يتم ضمان هذا الحق بالنسبة له منذ اللحظة الأولى لاستجوابه من طرف الشرطة وأن حق الاتصال بالمحامي ينبغي ضمانه بكل حرية وذلك إلى جانب حقه في حضور الاستجواب”.

     ولقد ألقى الاجتهاد القضائي الذي كرسته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بحق المتهم في حضور المحامي إلى جانبه أثناء جلسات الاستماع من طرف الشرطة بظلاله على القضاء الوطني للدول المنتمية للاتحاد الأوروبي والتي أكدت على ممارسة هذا الحق في اجتهاداتها.

      وفي هذا الإطار وبمجرد دخول قانون Salduz في بلجيكا حيز التنفيذ في فاتح يناير 2012، أكد القضاء البلجيكي حرصه على تعزيز تمتع المتهم بهذا الحق. حيث انتهت محكمة النقض البلجيكية في قرارها الصادر بتاريخ 07 مارس 2012 خلصت فيه إلى بطلان إجراءات الاستجواب المجري من طرف الشرطة لعدم تمكين المشتبه فيه من حقه بأن يكون مؤازرا بدفاعه.

إستنتاجات عامة :

إن استعراض تجارب الدول المقارنة فيما يتعلق بضمان حق المتهم في أن يكون مؤازرا بالمحامي أثناء استجوابه من طرف الشرطة مكننا من الوقوف على الملاحظات التالية :

*تربط غالبية التشريعات القانونية التي أقرت حق المتهم في أن يكون مؤازرا بمحاميه أثناء استجوابه من طرف الشرطة القضائية بالوضعية التي يكون فيها المعني بالأمر موضوعا تحت تدبير الحراسة النظرية، وذلك لتفادي إكراه المعتقل على الإدلاء بتصريحات قد تضربحقوقه أثناء فترة اعتقاله خلال الحراسة النظرية.

*تتفاوت التشريعات المقارنة التي أقرت بحق المحامي في حضور عملية استجواب المشتبه فيه، فإذا كانت بعض الدول حصرت ذلك في حضور المحامي للاستجواب فقط دون حق التدخل، فإن البعض الآخر من التشريعات قد وسع من نطاق وصلاحيات المحامي في هذه العملية عبر تخويله إمكانية طرح الأسئلة على موكله وتضمينها في المحضر أو الاعتراض على الأسئلة الموجهة إليه من طرف الشرطة.

* إن مجموعة من النظم القانونية التي أقرت بحق المحامي في حضور عملية استجواب المتهم من طرف الشرطة عقب وضعه رهن الحراسة النظرية لم تقم بإقرار هذا الحق إلا بعد أن مرت بفترات أقرت فيها أولا حق الاتصال بالمحامي، ثم فيما بعد حق حضور الاستجواب، ثم لاحقا حق المشاركة في هذا الاستجواب، وهو أمر يمكن استنتاجه من خلال مجموعة من التجارب القانونية المقارنة، في مقدمتها فرنسا التي لم تصل إلى الإقرار بهذا الحق إلا مؤخرا مع تعديل قانون المسطرة الجنائية سنة 2011، ونفس الشيء بالنسبة لبلجيكا التي لم تعترف بحق المحامي في حضور عملية استجواب المشتبه فيه إلا في فاتح يناير 2012 بالرغم من التعديلات التي عرفها من قبل قانون المسطرة الجنائية.

*رغم تقدم نظام العدالة الجنائية في بعض الدول وإقرارها لمجموعة من الضمانات لفائدة المتهم الحق في التغذية المتكاملة وتحديد نوع الوجبات والسرير الخاص بالنوم والاتصال بالمحامي، إلا أنها مع ذلك لا تعترف بحق المتهم في أن يكون مؤازرا بالمحامي أثناء استجوابه من طرف الشرطة كما هو الأمر بالنسبة للتشريع الألماني.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق