عرف المغرب خلال بداية هذا القرن الإرهاصات الأولى لظاهرة الإرهاب، وذلك بعدما تم اكتشاف بعض العناصر الأجنبية المنتمية إلى تنظيم القاعدة التي كانت تخطط لاستهداف بعض المصالح الحيوية ببلادنا، حيث تم تفكيك هذا التنظيم الذي أطلق عليه اسم “الخلية النائمة” وتمت متابعة العناصر المتورطة فيه طبقا لأحكام مجموعة القانون الجنائي التي كانت تخلو أنذاك من مقتضيات خاصة بمكافحة الإرهاب.
وبعد الأحداث الإرهابية التي ضربت الولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 11 شتنبر 2001، انصبت الجهود الدولية حول إيقاف المد الإرهابي المتنامي في العالم، والمغرب استجابة منه لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمكافحة الإرهاب و عمل على وضع قانون خاص بذلك وهو القانون رقم 03.03
المصادق عليه بتاريخ 28 ماي 2003.
وتجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة مناقشة مشروع القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب اهتزت مدينة الدار البيضاء يوم 16 ماي 2003 على وقع خمس انفجارات استهدفت أماكن يرتادها العموم من بينها فندقا ومطعما وناديا للجالية اليهودية، و خلفت 45 قتيلا من بينهم منفذي العمليات وعددا من الجرحى.
ولعل أهم ما اتسم به القانون رقم 03.03 الذي أصبح نافذا ابتداء من يوم 29 ماي 2003 هو تضمنه لعدد من المقتضيات المهمة من قبيل :
– تحديد عدد من الأفعال الإجرامية المشكلة للجريمة الإرهابية.
- تشديد العقوبات المطبقة على الجرائم الإرهابية بشكل يضمن تحقيق الردع الكافي حيث تصل العقوبة إلى الإعدام.
- رفع نظام السرية المعمول به في الأبناك بغرض إنجاح عمليات البحث والتحري.
-
رفع مدة الحراسة النظرية إلى 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين.
-
إمكانية تفتيش المنازل أو معاينتها بصفة استثنائية خارج الأوقات العادية وذلك بإذن من النيابة العامة أو قاضي التحقيق.
-
تجميد أو حجز الحسابات البنكية المشبوهة ومتابعة مرتكبي الجرائم المتعلقة بتمويل الإرهاب.
-
إسناد الاختصاص القضائي لمحكمة عادية واحدة هي محكمة الاستئناف بالرباط.
الباب الأول : أهم خصائص الظاهرة الإرهابية بالمغرب.
من خلال الأبحاث والتحريات والمحاكمات التي جرت مع المتابعين في إطار قضايا الإرهاب يمكن استخلاص الملاحظات التالية :
أولا : التركيبة الذاتية للمتابعين في إطار قضايا الإرهاب.
1-عدد الأشخاص المتابعين :
بلغ عدد المقدمين في إطار القانون رقم 03.03 منذ دخوله حيز التنفيذ وإلى غاية 25 أكتوبر 2011 حوالي 2300 متهما تمت متابعة 2195 منهم وتقرر الحفظ أو عدم المتابعة في حق 105 متهما الباقين، وقد تم البت في ملفات 2031 متهما فيما لازالت ملفات 164 متهما رائجة سواء أمام قضاء التحقيق أو غرفتي الجنايات الابتدائية أو الاستئنافية.
1- الوسط الاجتماعي :
ينحدر أغلب المتابعين من أوساط شعبية و ينتمون في الغالب إلى أسر فقيرة ويسكنون بأحياء هامشية عبارة عن تجمعات عشوائية تضم مساكن غير لائقة، و أغلبهم يزاولون مهنا بسيطة (باعة متجولون، عمال وحرفيون صغار في بعض المهن كالحدادة و البناء…) كما أن بعضهم كانوا من ذوي السوابق الإجرامية العادية (المخدرات، السرقة، السكر العلني…).
2- المستوى الثقافي للمتابعين :
يفتقر أغلب المتابعين للتكوين المعرفي و العلمي، حيث أن مسارهم الدراسي يقف في غالب الأحيان عند المستوى الأساسي، الشيء الذي يجعلهم غير مؤهلين فكريا لتأويل الخطاب الديني بشكل صحيح، كما يفتقرون لأدوات التحليل السياسي والاقتصادي.
ويتزعم هؤلاء بعض الفقهاء والشيوخ المتفقهين في الدين، مما يعطيهم صفة منظرين للفكر المتطرف سواء كان سلفيا جهاديا أو تكفيريا.
3- التوجه الإيديولوجی :
تنبني المبادئ التي يؤمن بها المتابعون في إطار قضايا الإرهاب على أفكار وإيديولوجيات أهمها :
– الفكر السلفي الجهادي :
يدعو إلى ضرورة تطبيق قواعد السلف في تسيير شؤون الدين والدولة عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باستعمال العنف التغيير أسلوب عيش المجتمع والقضاء على الأنظمة الحاكمة التي لا تحكم حسب رأيهم بشرع الله وإقامة الإمارة الإسلامية بدلا عنها.
– الفكر التكفيري :
يتبناه تيار الهجرة والتكفير، وهو يدعو إلى تكفير المجتمع والنظام الحاكم والخروج عنه بالهجرة إلى المناطق النائية، معتبرين أنه لا يجوز استعمال الوثائق الإدارية، ولا يجوز الصلاة في المساجد، ويرتدون اللباس الأفغاني…
ثانيا : أساليب نشر الفكر المتطرف واستقطاب الأتباع
تتعدد الأساليب المعتمدة لنشر الفكر المتطرف واستقطاب أتباع لهذا الفكر وتبرز أهمها في :
- الدعوة إلى حضور دروس دينية تتناول مواضيع التكفير والجهاد يلقيها بعض الشيوخ.
- استغلال الأحداث التي تقع في بعض بؤر التوتر کفلسطين، العراق وأفغانستان بغرض تحميس المتعاطفين مع الأوضاع في هذه الدول.
-
الإطلاع على بعض الكتب الدينية الخاصة بالجهاد.
-
الاستماع إلى بعض الأشرطة السمعية مثل تلك المتعلقة بالإيمان والجهاد لعبد الله عزام.
-
مشاهدة أشرطة فيديو وأقراصا مدمجة تتضمن مواضيع الجهاد أو مشاهد لعمليات انتحارية بالعراق أو الشيشان مثل شريطي “جحيم الروس” و “عشاق الشهادة”.
-
ولوج بعض المواقع الإلكترونية الخاصة بالجهاد مثل موقع “جهاد أون لاين” قصد الإطلاع على أوضاع المجاهدين في بعض الدول التي تعيش نزاعات، واستخراج مطبوعات تتعلق بتقنيات صنع المتفجرات، إضافة إلى تسهيل التواصل بين عناصر نفس الخلية أو مع أعضاء تنظيمات إرهابية دولية.
ثالثا : مصادر التمويل
تتجلى أهم مصادر تمويل التنظيمات الإرهابية في ما يلي:
- المساهمات المالية لعناصر التنظيم.
-
تلقي مساعدات مالية من أشخاص يتعاطفون مع الفكر المتطرف سواء داخل المغرب أو من الخارج.
-
عائدات عمليات الفيء والاستحلال المتمثلة في سلب أموال الناس والسطو على المحلات التجارية (السرقة والنهب) لجمع أموال تستغل في تمويل مخططاتهم الإرهابية.
رابعا : العلاقة بالإرهاب الدولي
أظهرت الأبحاث والتحريات التي أجريت مع أغلب المتابعين في قضايا الإرهاب وجود ارتباطات مع تنظيمات إرهابية دولية سواء بشكل مباشر أو عن طريق تقاسم نفس الإيديولوجية الإرهابية.
علاوة على نشاط بعض المغاربة ضمن جماعات إرهابية خارج أرض الوطن.
– الارتباط المباشر :
يتجلى من خلال وجود عدد من المتابعين كانت لهم صلات وثيقة مع قياديي بعض التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة والجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية والجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية.
– الارتباط غير المباشر :
يظهر من خلال تبني نفس الخطاب الإيديولوجي واستلهام نفس المخططات الإرهابية للتنظيمات الدولية
– نشاط بعض المتطرفين المغاربة خارج المغرب : تبين هذا من خلال البحث مع عدد من المتابعين الذين أكدوا الدور الذي يقوم به بعض المتطرفين المغاربة خارج أرض الوطن ضمن تنظيمات إرهابية دولية كالجماعة الإسلامية المقاتلة المغربية
خامسا : أساليب العمل الإرهابي
تختلف الأشكال والأساليب المعتمدة في تنفيذ العمل الإرهابي، غير أن أهم هذه الأساليب تتمثل في :
- تكوين خلايا تضم عددا من الأشخاص المتشبعين بالفكر الجهادي أو التكفيري يبايعون شخصا بينهم أميرا عليهم، و يعقدون جلسات و اجتماعات تخصص لمناقشة مواضيع الجهاد و التخطيط لتنفيذ عمليات إجرامية.
-
الترويج للفكر الإرهابي والتحريض على تطبيقه على أرض الواقع عن طريق استغلال ما يقع من نزاعات في بعض الدول الإسلامية مثل فلسطين والعراق.
-
استقطاب الأشخاص المتشبعين بالفكر المتطرف ومساعدتهم على الالتحاق ببعض مناطق الصراع للجهاد ودعم التنظيمات الإرهابية هناك ولاسيما في العراق.
- الاستقطاب والمساعدة على الالتحاق بأحـد المعسكرات التدريبيـة لبعض التنظيمـات الإرهابيـة لتلقـي تـداريب شبه عسكرية حـول تفكيك واستعمال الأسلحة مـن قبـيـل معسكرات الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية المتواجدة بصحراء مالي.
وهنا لوحظ مؤخرا أن التنظيمات الإرهابية تستغل بعض المناطق الحدودية وخاصة بجنوب المملكة لتسهيل وصول المرشحين للجهاد إلى معسكرات صحراء مالي عبر موريتانيا، وإدخال الأسلحة والمتفجرات لتزويد الخلايا المتطرفة بها.
- صناعة الأحزمة الناسفة والمتفجرات وتنفيذ تفجيرات ببعض المصالح الحيوية من قبيل الأحداث الإرهابية المرتكبة في 16 ماي 2003 و11 مارس 2007 و10 و14 أبريل 2007 بالدار البيضاء، إضافة إلى التفجيرات التي استهدفت مؤخرا مقهى أركانة بمدينة مراکش.
-
القيام بخرجات تعزيرية (عقابية) عن طريق الاعتداء بالضرب والجرح والقتل على الأشخاص المعتبرين في وضعية مخلة بالحياء، تطبيقا لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الباب الثاني : جهود المغرب لمكافحة الإرهاب
أولا : على المستوى التشريعي :
اتخذ المغرب عـدة خطوات مهمة تستجيب لالتزاماتـه الدوليـة فـي مجـال مكافحـة الإرهاب من قبيل :
– سن قانون لمكافحة الإرهاب وهو القانـون رقم 03.03 المؤرخ في 28 ماي 2003.
- وضـع قـانون يتعلـق بغسـل الأمـوال مـن شـأن تفعيل مقتضياته ضبط كل التحركات المشبوهة للأموال بغرض تجفيف منابع تمويل الإرهاب.
-
إرساء القانون رقم 03-02 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة.
-
المصادقة على عدة اتفاقيات دولية تخص الجريمة المنظمة والإرهاب من قبيل اتفاقية الأمم المتحدة حول الجريمة المنظمة عبر الوطنية والبروتوكولات الملحقة بها.
ثانيا : على المستوى المؤسساتي :
نذكر ما يلي :
- تخصص الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بمهام البحث في قضايا الإرهاب.
-
منح الاختصاص القضائي للنظر في قضايا الإرهاب لمحكمة الاستئناف بالرباط بوصفها محكمة عادية، تتضمن نيابة عامة وقضاء تحقيق وغرفة جنايات ابتدائية وأخرى استئنافية مختصة في الإرهاب.
-
تخصيص أحياء مستقلة داخل المؤسسات السجنية لإيواء المعتقلين في قضايا الإرهاب.
-
التنسيق في إطار القانون بين مختلف الأجهزة المكلفة بالبحث والتحقيق.
ثالثا : على المستوى العملي :
يمكن التأكيد على ما يلي :
- تفكيك عدة تنظيمات وخلايا إرهابية كانت تتخذ من الدين الإسلامي مطية لارتكاب أعمال إرهابية.
-
توقيف عدد من المنظرين للفكر المتطرف والمحرضين عليه ومتابعتهم والحكم عليهم.
-
توقيف عدد من الأشخاص الذين تورطوا في محاولة تنفيذ أعمال إرهابية ضد بعض المصالح الحيوية مثل قضية المسمى هشام الدكالي، و يتعلق الأمر بالمهندس بإدارة الضرائب بمدينة مكناس الذي حاول تنفيذ عملية انتحارية ضد حافلة للسياح بساحة الهديم.
وتجدر الإشارة أن إجراءات البحث مع كل المتابعين تمت في إطار الضوابط القانونية تحت إشراف ومراقبة النيابة العامة، كما تمتعوا بكافة الضمانات القانونية سواء في مرحلتي البحث والتحقيق أو المحاكمة، إضافة تمكينهم من كافة الضمانات المقررة لتحقيق محاكمة عادلة حسب المعايير المنصوص عليها في المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
رابعا : على مستوى التعاون الدولي:
أولى المغرب أهمية قصوى للتعاون الدولي فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وذلك من خلال:
- التصديق على جل الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالموضوع بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
-
اتخاذ عدة إجراءات وتدابير على حدوده وفي مطاراته وموانئه للحيلولة دون تسلل الإرهابيين داخل المغرب وخارجه، وذلك تطبيقا لتوصيات قرار مجلس الأمن عدد 2001/1373.
-
التعاون مع العديد من الدول في هذا المجال عن طريق تبادل المعلومات أو عن طريق تنفيذ إنابات قضائية وكذلك الموافقة على طلبات تسليم المجرمين المبحوث من أجل ارتكابهم أفعالا إرهابية
-
التزام المغرب بتقديم تقاريره الدولية إلى لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن والمنشأة استنادا للفقرة 6 من القرار 1373.
-
الاستجابة لطلبات لجنة العقوبات المحدثة بموجب قرار مجلس الأمن
1999/1267 بشأن تجميد الممتلكات المالية والاقتصادية للأشخاص الذاتيين والاعتباريين الواردة أسماؤهم ضمن القوائم الصادرة عنها.
خلاصة:
وفي الأخير لابد من الإشارة إلى أن تطويق الظاهرة الإرهابية والوقوف أمام التهديد الإرهابي ببقى أمرا نسبيا، و ذلك في ظل وضع جیو سیاسي تعرفه المنطقة المغاربية يتسم بالتوتر وعدم الاستقرار جراء تداعيات التغييرات التي حدثت بالمنطقة، وما نتج عن أحداث ليبيا من انتشار فوضوي للأسلحة، الأمر الذي ينذر باحتمال استغلال بعض التنظيمات الإرهابية لهذا الوضع من خلال حيازة كميات من الأسلحة والمتفجرات.