يعتبر علم الإجرام من العلوم الحديثة النشأة، و قد عاش هذا العلم في مراحل تطويره بروز مجموعة من المدارس التي تحاول إيجاد أسباب الظاهرة الإجرامية، و معنى هذا البحث في الأسباب التي تجعل المجرم يقترف الجريمة، و بالرجوع إلى المدارس التي بحثت في علم الإجرام فنجد أن هناك من إهتمت بالجانب النفسي فقط للمجرم، و إعتبرت أن مجموعة من العوامل النفسية تجعل المجرم يقترف الجريمة، و يعد سيجموند فرويد من أبرز من تحدث في هذا الجانب، و من جهة أخرى فهناك من إهتم بالجانب الفيزيولوجي، في إشارة إلى الخصائص البيولوجية و الجسدية، حيث أن أبرز من مثل هذا التيار هو لامبروزو، كذلك هناك من إهتم بالجانب الإجتماعي لوحده، مثل نظرية تروستن سيلين المتعلقة بالتفكك الإجتماعي، و قد عاب على هذه النظريات أنها تهتم بجانب واحد و تعتبره لوحده من أسباب الجريمة، و ردا على هذا جاءت المدرسة التكوينية الحديثة و التي تحدثت عن نظرية العوامل المتعددة في عــــــلم الإجــــــرام، و من أبرز من مثلها نجد أنريكو فيري، الذي يعتبر عالم إيطالي من علماء الإجتماع، و إشتغل أستاذ لقانون العقوبات(القانون الجنائي) بجامعة روما ثم جامعة تورينو، وقد كتب أطروحة بعنوان: حتمية الظاهرة الإجرامية.
من أجل الجواب على السؤال الإشكالي المتعلق بالموضوع و منه على الموضوع قيد الدراسة سنعمل على ذلك من خلال التصميم المنهجي الأتي:
الفقرة الأولى:العوامل الداخلية و الإجتماعية في نظرية العوامل المتعددة
الفقرة الثانية:تصنيف أنريكي فيري للمجرمين.
المطلب الثاني:تقييم نظرية أنريكو فيري للعوامل المتعددة في علم الإجرام.
الفقرة الأولى:التقييم الإيجابي لنظرية أنريكو فيري
الفقرة الثانية: التقييم السلبي لنظرية أنريكو فيري.
المطلب الأول: مضمون نظرية أنريكو فيري(نظرية العوامل المتعددة).
لمعالجة هذا المطلب سنتطرق له من خلال العوامل الداخلية و الإجتماعية التي تحدث عنها أنريكو فيري (الفقرة الأولــى) ثم التصنيف الذي أعطاه أنريكو فيري للمجرمين بناء على العوامل الداخلية و الإجتماعية التي تحدث عنها(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى:العوامل الداخلية و الإجتماعية في نظرية العوامل المتعددة
تتمثل العوامل الداخلية التي تحدث عنها أنريكو فيري في نظرية العوامل المتعددة في:
العوامل البيولوجية: فيري أشار إلى أن العوامل البيولوجية مثل الوراثة والهيكل الجسدي يمكن أن تلعب دورًا في تحديد سلوك الإنسان وتصرفاته الجنائية.
العوامل النفسية: فيري قدم وجهة نظر تربط بين العوامل النفسية مثل الشخصية والعقلية والسلوك الإجرامي، واعتقد أن اضطرابات الشخصية والعقلية يمكن أن تسهم في ارتكاب الجرائم.
فيما تتمثل العوامل الاجتماعية في:
البيئة الاجتماعية: فيري أكد على أهمية البيئة الاجتماعية في تشكيل سلوك الفرد. واعتقد أن الفقر وسوء التعليم وظروف العيش السيئة يمكن أن تجعل الأفراد أكثر عرضة لارتكاب الجرائم.
العوامل الاقتصادية: يشدد فيري على أن الفقر وعدم الوصول إلى الفرص الاقتصادية يمكن أن تدفع بعض الأفراد إلى ارتكاب الجريمة لتحقيق مكاسب مالية.
العوامل الاجتماعية الثقافية: يعتقد فيري أن القيم والعادات والتقاليد في المجتمع تلعب أيضًا دورًا في تحديد السلوك الجريم، على سبيل المثال، يمكن أن تشجع القيم التي تبرز العنف أو التمييز على ارتكاب الجرائم.
الفقرة الثانية:تصنيف أنريكي فيري للمجرمين.
قسم أنريكي فيري وفق نظرية العوامل المتعددة للسلوك الإجرامي المجرمين إلى خمس طوائف و هم المجرموم بالميلاد و المجرمون ذوي العاهات العقلية و المجرمون المعتادون و المجرمون بالمصادفة و المجرمون العاطفيون و سنشرح كل صنف على حدى وفق الشكل الأتي:
المجرمون بالميلاد:
حيث أن فيري لاحظ أن هناك فئة من الأفراد تكون ميولهم للجريمة موجودة منذ الولادة بسبب عوامل جسدية ككثافة الشعر و عدم إنتظام الأسنان…، و هذا النظرية هي نفس نظرية لامبروزو، إلا أن فيري يختلف عنه في كونه لايعتمدها منفردة.
المجرمون ذوي العاهات العقلية:
هؤلاء المجرمين يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية تقودهم إلى ارتكاب الجرائم دون فهم كامل للعواقب.
و لتوضيح ذلك نورد مثال بشخص يعاني من انفصام الشخصية ويقترف جريمة أثناء حالة نفسية مختلة، أو شخص مجنون لايستطيع تقييم خطورة أفعاله.
المجرمون المعتادون:
وهو طائفة من الأفراد ألفو الإجرام و تعودوا عليه حتى صاروا ضالعين فيه بسبب الظروف الإجتماعية غير الملائمة التي أحاطت بحياتهم، لاسيما في مرحلة الطفولة و في فترة المراهقة، و ليس معنى هذا أن العوامل البيولوجية لا أثر لها مطلقا في إجرام أفراد هذه الطائفة، بل أن فيري يرى أن الظروف الإجتماعية مهما كانت قسوتها وحدها لاتقود إلى إجـــرام العادة إلا إذا إقترن بها ضعف تكويني أو مكتسب لدى الفرد، و يمكن أن نورد كمثال على هذا، ذلك السارق المحترف الذي يسرق بانتظام دون الاعتقاد في تغيير سلوكه.
المجرمون بالمصادفة:
هذه الفئة من المجرمين يقترفون الجرائم بناءً على لحظة تعرضه لإختبار وقتي إنهارت أثنائه مناعته، و تعتبر هذه الطائفة بأنها تمصل السواد الأعظم من المجرمين.
المجرمون العاطفيون:
هؤلاء المجرمين يقترفون الجرائم بناءً على اضطرابات عاطفية قوية أو ردود فعل عاطفية مفاجئة، و بفعل عوامل عارضة كان لها تأثير مؤكد على كائن مفرط الحساسية.
المطلب الثاني:تقييم نظرية أنريكو فيري للعوامل المتعددة في علم الإجرام.
الفقرة الأولى:التقييم الإيجابي لنظرية أنريكو فيري
الجانب الإيجابي المرتبط بتقييم نظرية إنريكو فيري في علم الإجرام، والتي تتناول العوامل المتعددة الأسباب، يتمثل بشكل رئيسي في توسيع فهمنا للجريمة والسلوك الإجرامي، ففيري، وهو أحد رواد مدرسة الإجرام ، اقترح أن السلوك الإجرامي لا ينبع فقط من خصائص الفرد، بل يتأثر أيضًا بعوامل بيولوجية، نفسية، واجتماعية.
هذا النهج متعدد الأسباب يقدم فوائد عدة، منها:
فهم أشمل للجريمة: بدلاً من التركيز فقط على العوامل الشخصية أو الاجتماعية، نظرية فيري تؤكد على الحاجة إلى النظر في تفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض.
تطوير سياسات وبرامج وقائية فعالة: بفهم أفضل للأسباب المتعددة وراء السلوك الإجرامي، يمكن لصانعي السياسات والمتخصصين في مجال العدالة الجنائية تصميم برامج تدخل أكثر فعالية.
تعزيز العدالة الجنائية: فهم أن السلوك الإجرامي قد يكون نتيجة لعوامل خارجة عن إرادة الفرد يمكن أن يساعد في تطوير نظم عقابية أكثر إنسانية وتركيزها على الإصلاح والتأهيل بدلاً من العقاب فقط.
تشجيع البحث المتعدد التخصصات: نظرية فيري تحفز الباحثين من مختلف التخصصات مثل الطب، علم النفس، الاجتماع، والقانون للتعاون في دراسة الجريمة والسلوك الإجرامي.
زيادة الوعي الاجتماعي: تساعد هذه النظرية في توعية الجمهور حول التعقيدات المرتبطة بالجريمة والعوامل المؤثرة فيها، مما يساهم في تقليل الوصمة المرتبطة بالمجرمين.
الفقرة الثانية: التقييم السلبي لنظرية أنريكو فيري.
و أخيرا أخذ على نظرية فري أنها ليست سوى خطوة في طريق البحث عن تفسير أكثر إقناعا للسلوك الإجرامي، و ذلك لأنها تصور الإجرام بطريقة أقرب إلى حقيقة الواقع الذي ينشر فيه، فهي تنظر إلى الإجرام بإعتباره ثمرة لمجموعة من العوامل المتجاورة التي تتضافر في إنتاج السلوك الإجرامي على طريقة التفاعلات الكيميائية، بيد أنه في علم الحقيقة و الواقع لاتتخذ الأمور هذه الصورة المبسطة، بل إنها أكثر تعقيدا و اكثر تنوعا من هذا الفرض النظري البحث.
و رغم ما يمكن أن يوجه إلى هذه النظرية من ملاحظات، فإنه لا سبيل إلى إنكار حقيقة هامة مؤاداها أن فري كان أول من أشار إلى أن السلوك الإجرامي ليس ظاهرة وحيدة السبب، و إنما هو ظاهرة معقدة تتشابك فيها عوامل متعددة و متشعبة و هو يعد لذلك صاحب أول نظرية تكاملية في تفسير الظاهرة الإجرامية، فكانت تفسيؤاتهم أكثر قربا من الواقع و الحقيقة، وفوق هذا و ذاك لاننسى أن فيري و إن لم يبتدع تعبير السياسة الجنائية، إلا أنه كان رائدا في وضع المحاور الأساسية التي تقوم عليها، فنظرته الشمولية على العوامل المتعددة للظاهرة الإجرامية أدت إلى إدراك ضرورة تفريد رد الفعل الإجتماعي وفقا لتنوع المجرمين، و هكذا نرى أن تفريد الجزاء الجنائي، هو عصب السياسة الجنائية الحديثة، لم يكن سوى إحدى الثمار اليانعة التي أنبتها ذلك التصوير التعددي للعوامل الإجرامية و دورها في إفراز السلوك الإجرامي.
خـــــــــــــــاتمــــــــــــــــــــــــــــــــة:
ختاما يمكن القول أن نظرية المتعلقة بنظرية العوامل المتعددة تعتبر من أهم و أق النظريات التي عالجت أسباب الظاهرة الإجرامية لكونها ربطتها بما هو نفسي و إجتماعي وز بيولوجي و بالتالي عددت في العوامل التي من شأنها أن تكون سببا في إرتكاب المجرم لجرائمه، كما أن قيري تحدث عن المجرم بالتعود و المجرم العاطفي و المجرم المريض أو المجنون و المجرم بالصدفة، و بالتالي يتبين أن فيري لامس الواقع أكثر من المدارس الأخرى التي جعلت الجريمة مرتبطة بعامل واحد فقط، لأن الواقع التطبيقي الميداني أثبت أن الجريمة يمكن أن ترتبط بمختلف العوامل المتعددة و ليس بعامل واحد، لأنه في الكثير من الحالات فالعامل الواحد لايصلح أن يكون نموذجا لجميع الأشخاص، فإذا صلح مع مجرم فإنه لايصلح مع حالات أخرى.