إذا كان المشرع المغربي قد اطلع بدون شك أثناء إعداده لقانون المحاكم الإدارية على بعض الأنظمة المقارنة وتأثر بهاته أو تلك فإنه تميز عن النظام الفرنسي النموذج التقليدي المحتدى به في المغرب وبعض دول شمال إفريقيا بمميزات خاصة، ذلك أنه اعتمد في البداية نظام ازدواجية القضاء بالمغرب البدء من الأسس الأولى: أي إنشاء محاكم إدارية إبتدائية في أفق إنشاء محاكم استئناف ومجلس للدولة كما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح المجلس الأعلى للقضاء في دورته الأخيرة خلافا للنظام الفرنسي الذي بدأ بمجلس الدولة ثم المحاكم الإدارية ثم محاكم الإستئناف الإدارية وقد سار في نفس الركب المشرع المصري الذي أنشأ بدوره مجلسا للدولة بداية ثم محاكم إدارية في بعض المدن المصرية ذات الاختصاص الضيق، أما المشرع التونسي فهو بدوره أحدث محكمة واحدة للقضاء الإداري وسماها محكمة الإستئناف الإدارية ومقرها العاصمة تونس تنظر ابتدائيا وانتهائيا في دعاوى الإلغاء واستئنافيا في دعاوى القضاء الشامل بينما تبنى المشرع الجزائري النظام الفرنسي بمناسبة إصداره لدستور 1996 إذ أنشأ مجلسا للدولة بالعاصمة ومحاكم إدارية ابتدائية في الأقاليم.
ويتميز نظامنا القضائي الإداري بمحافظته على وحدة النظام الأساسي لرجال القضاء سواء أكانوا في المحاكم العادية أو الإدارية أو التجارية مما يعني أن رؤساء المحاكم الإدارية بالمغرب يعينون بنفس الطريقة التي يعين بها زملاؤهم في باقي المحاكم الأخرى، ويتمتعون بنفس الضمانات الممنوحة لرجال القضاء كما يمكن أن يتعرضوا لنفس العقوبات التأديبية التي يتعرض لها هؤلاء.
وإذا كان الأمر كذلك فإن رؤساء المحاكم الإدارية يعينون بمقتضى ظهير شريف باقتراح من المجلس الأعلى للقضاء ويرتبون في الدرجة الأولى ويخضعون لإشراف ومراقبة الرئيس الأول للمجلس الأعلى، والغريب في الأمر أن رؤساء المحاكم الإدارية السبعة عينوا في بداية عمل هاته المحاكم من طرف السيد وزير العدل السابق ذ الإدريسي العلمي مشيشي بمقتضى قرار في إطار الانتداب المنصوص عليه في الفصل 57 من القانون المتعلق بالنظام الأساسي لرجال القضاء رغم أن المجلس الأعلى للقضاء كان منعقدا في دورته العادية، واستمر عملهم في إطار الإنتداب لما يقارب السنتين حيث تم تعيينهم بعد ذلك بصفة رسمية، ولقد عمل هؤلاء الرؤساء كل ما في وسعهم لإنجاح هذه التجربة التي كان يتخوف من فشلها بعض المهتمين، وقد ساعدهم في ذلك سابق تحمل جلهم لمسؤولية تسيير بعض المحاكم الإبتدائية أو الاستئنافية وما اكتسبوه من تجربة إدارية في هذا الإطار، وكذا مساعدة السادة المسؤولين بالإدارة المركزية وعلى رأسهم السيد مدير الشؤون المدنية الذي كان الإتصال بمقر مديريته مكثفا، إضافة إلى الإتصالات بواسطة الهاتف أو في لقاءات خاصة أو عامة وفي إطار الندوات والأيام الدراسية المنظمة لهذا الغرض أو أثناء بعض التداريب التي أقيمت سواء داخل الوطن أو خارجه كل ذلك استغل في تبادل الأفكار والتجارب وطرق تسيير هاته المحاكم وتزويدها بالأدوات والمعدات اللازمة فضلا عن تبادل الأحكام والأوامر مما أدى إلى خلق نوع من الإلتحام والتآزر بين مسؤولي هاته المحاكم وقضاتها أدى بها إلى إعطائها تميزا خاصاً داخل المجتمع المدني مما جعل هذا الأخير يهتم بها ويعطي لأحكامها عناية خاصة سواء من حيث التنويه بها أو التعليق عليها أو الإستدلال بها، وقد لعبت بعض الجرائد والمجلات الوطنية دورا فعالا في إبراز مجهودات هاته المحاكم حيث قامت بنشر بعض أحكامها وأبحاث وتعاليق السادة الرؤساء والقضاة بها، فضلا عن أبحاث أخرى تهتم بالموضوع .
وبالنظر إلى كون قانون المحاكم الإدارية المشتمل على 51 مادة فقط رغم اتساع مجال المنازعات المعروضة على هاته المحاكم واتصالها بمجالات متعددة أشار إلى مجموعة من المهام التي يختص بها رؤساء المحاكم الإدارية فإننا نعرض بإيجاز لهاته المهام من الناحية النظرية كما هي واردة في القانون ثم نتعرض بعد ذلك للمجال التطبيقي ونحاول إبراز تعامل رؤساء المحاكم الإدارية مع بعض هاته المهام.
المحور الأول : مهام رؤساء المحاكم الإدارية كما هي واردة في القانون
إن رؤساء المحاكم الإدارية بالمغرب يقومون وعلى غرار باقي المسؤولين القضائيين بالمحاكم الأخرى بمهمتين أساسيتين أولهما إدارية والثانية قضائية.
فالمهمة الإدارية تتجلى في الإشراف اليومي على تسيير المحكمة وعلى قضاتها وموظفيها بحكم ما لهم من سلطة المراقبة المستمدة من مقتضيات المادة 19 من ظهير 15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي وكذا التعديل المدخل عليه بمناسبة إحداث المحاكم الإدارية، فهم يقيمون أعمال القضاة وكذا التعديل المدخل عليه بمناسبة إحداث المحاكم الإدارية، فهم يقيمون أعمال القضاة وسلوكهم في شكل تنقيط سنوي يوضع بملفهم الإداري طبقا 1975/12/23 ويشرفون على جميع المراسلات الإدارية الواردة على محاكمهم محدثين لهذا الغرض كتابة إدارية تتولى تسجيل جميع المراسلات وكذا أجوبتهم عنها وأجوبة المعنيين بها، كما يرأسون الجمعية العمومية للمحكمة ويدعون إلى عقدها كلما دعت الضرورة إلى ذلك كما يتولون تعيين مفوض ملكي أو أكثر .
أما المهمة القضائية فتتجلى في تعيين القاضي أو المستشار المقرر في كل قضية على حدة كما يرأسون جلسات المحكمة الإدارية ويتولون ممارسة مهمة مقرر في بعض القضايا إضافة إلى إصدارهم للأوامر المبنية على الطلب والبت في القضايا الإستعجالية والإشراف على شعبة التنفيذ وفك صعوباتها فضلا عن منحهم المساعدة القضائية لمن يطلبها، وتتوفر فيه شروط هاته المساعدة.
هذه باختصار أهم الأشغال التي يتولاها رئيس المحكمة الإدارية فضلا عما يجب أن يتصف به رئيس المحكمة من استقامة ونزاهة فكرية وأخلاقية إذ يعتبر قاضي القضاة في محكمته والنموذج المحتدى وما يترتب عن ذلك من قيامه بالعدل والجدية اللازمة تقويم سلوك القضاة وأعمالهم خاصة وأن هذا التقويم يترتب عنه آثار مهمة في ترقية هؤلاء وأن التسوية بين قاضي كسول وقاضي مجد في النقطة العددية السنوية والنظرية التقديرية يعتبر ظلما في حق القاضي المجد وتشبيطا لعزائم ذوي الكفاءات والمجدين من القضاة.
وقبل أن نتطرق إلى القسم الثاني من المداخلة أود أن أشير أيضا بإيجاز إلى بعض مهام رئيس المحكمة الإدارية الفرنسية توسيعا للمدارك وتعميما للفائدة
إن رئيس المحكمة الإدارية بفرنسا وفضلا عن تسييره إداريا لمحكمته و حرصه على تطبيق قواعد تسيير المؤسسة وإشرافه على كتابة الضبط بها، فهو يقيم طريقة عمل المستشارين وكتاب المحكمة ويضع سنويا تقريرا عن الأنشطة القضائية لمحكمته يسلمه لوزير الداخلية كما يوقع على جدول الجلسات ثم يسلمه لمفوض الحكومة ويبت في الطلبات الإستعجالية كما يشهد بالتنازل على أحد الأطراف ويمكنه أن يصرح بعدم القبول متى كانت أسباب ذلك واضحة بشكل ظاهر انظر كتاب الأستاذين Jean Claude Ricci Charles Debbash بعنوان :
المحور الثاني : كيف تم التعامل مع بعض المهام المسندة إلى رؤساء المحاكم الإدارية
إنه رغم كون جل رؤساء المحاكم الإدارية السبعة كانوا يمارسون مهام المسؤولية قبل تعيينهم على رئاسة هاته المحاكم فإنه بالنظر إلى كونهم تكفلوا بإنشاء محاكم جديدة في الواقع بعد أن أحدثها المشرع نظريا صادفتهم عدة مشاكل قانونية وواقعية كان لابد من ايجاد حل لها في إطار تفسير النص أو على ضوء التجارب المماثلة أو في إطار الإجتهاد.
وسأتناول بعض الإشكاليات التي اعترضت عمل هؤلاء الرؤساء في النقط التالية:
حول تعيين المفوض القضائي:
تنص الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من قانون المحاكم الإدارية على أن الرئيس يعين من بين القضاة مفوضا ملكيا أو مفوضين ملكيين للدفاع عن القانون والحق باقتراح من الجمعية العمومية لمدة سنتين، وأثناء تطبيق هذا المقتضى أثيرت إشكالية تتعلق بمن يعين مفوضا ملكيا هل هو أقدم القضاة وأكفؤهم، أم أي قاض تعينه الجمعية العمومية وهل الرئيس يكتفي بالمصادقة على الاقتراح؟ أم أن له دورا آخر غير المصادقة وهل يمكن الجمع بين مهمة المفوض الملكي ومهمة المقرر ؟ . إنه بالنظر إلى الجو الحميمي الذي كان يسود بين قضاة المحاكم الإدارية وقع شبه اجماع على أشخاص معنيين لتعيينهم كمفوضين ملكيين بحكم ما لديهم من كفاءة مهنية وبحكم أقدميتهم في القضاء خاصة وأن الوزارة عينت بداية بعض الإخوة القضاة متوفرين على هاته الشروط وجهزت مكاتبهم بتجهيزات تماثل تجهيز مكاتب الرؤساء ، على أنه حتى في الحالة التي لم يقع فيها الإجماع وقع الإستناد إلى الأغلبية في الجمعية العمومية.
ونظرا لقلة القضاة بهاته المحاكم فقد لجأ بعض رؤسائها إلى تكليف بعض القضاة بمهمة مفوض ملكي باقتراح من الجمعية العمومية طبعا وفي نفس الوقت يعملون مقررين في بعض القضايا على غرار ما يجرى به العمل في القضاء الإداري الفرنسي شريطة أن لا يجمع الصفتين في ملف واحد، وفيما يتعلق بحضور المفوض الملكي جلسات الأحكام فقد اعتبر بعض هؤلاء المفوضين أن الحضور ضروري فقط حين يبدي مستنتجاته أما عند النطق بالحكم فلا داعي لذلك إلا أن الواقع العملي والقانوني فرض حضور هؤلاء الجلستين معاً، وقد خلق رؤساء المحاكم الإدارية وبتشاور مع باقي قضاتها عرفا يتمثل في كون المفوض الملكي آخر من يتحدث في الجلسة حينما تعتبر القضية جاهزة باعتبار أن رأيه إنما هو رأي قاض سمح له المشرع بإبدائه علانية في حين يلزم باقي القضاة بكتمان سر المداولات.
وفي إطار آخر أثيرت إشكالية تتعلق بمدى ضرورة وضع المستنتجات كتابة أم يكتفي بها شفويا ويكاد يجمع الجميع على وضع مستنتجات كتابية مع إمكانية المرافعة شفويا.
* حول صلاحية رئيس المحكمة الإدارية لمنح المساعدة القضائية
تنص الفقرة الأخيرة من المادة 3 من قانون المحاكم الإدارية على أنه يجوز لرئيس المحكمة الإدارية أن يمنح المساعدة القضائية طبقا للمسطرة المعمول بها في هذا المجال..
فكيف تعاملنا كرؤساء للمحاكم الإدارية مع هاته الفقرة ؟
لقد وقع نقاش جماعي حول تطبيق هاته المقتضيات إذ تساءلنا جميعا عن المقصود بالمسطرة المعمول بها والتي لاشك أن المشرع يقصد بها مقتضيات مرسوم فاتح نونبر 1966 المتعلق بالمساعدة القضائية.
ومعلوم أن المرسوم المذكور يسند الاختصاص قصد منح المساعدة القضائية لجهة معينة سواء كانت المساعدة مطلوبة أمام المحكمة الإبتدائية أو أمام محكمة الإستئناف أو المجلس الأعلى وهاته الجهة يغلب عليها الطابع الجماعي إذ تتكون من أكثر من فرد في حين تتكون الجهة المانحة للمساعدة القضائية أمام المحاكم الإدارية من شخص واحد هو رئيس المحكمة الإدارية حسب ما تشير إليه الفقرة المذكورة والتي وقع الإجماع على التمسك بها في حين طبقنا مسطرة المرسوم المذكور على الإجراءات المتعلقة باثبات العسر من إدلاء بشهادة إدارية تثبت الفقر أو ما يقوم مقامه وشهادة بعدم أداء الضريبة وإجراء بحث على يد الشرطة أو السلطة المحلية، إن اقتضى الحال ذلك، وفق نموذج يكاد يكون معمما بين جميع المحاكم، وبقي التساؤل مطروحا حول إمكانية الطعن في هذا المقرر ومن هي الجهة المؤهلة للنظر في هذا الطعن وهل يحق لجهة الإدارة أن تطعن بالإستئناف في مقرر المساعدة القضائية أم لا ؟
علما بأن هاته المساعدة يمنحها في النظام المصري مفوض الدولة وفي النظام الفرنسي مكتب المساعدة القضائية الذي يوجد بالمحاكم الإبتدائية الكبرى.
كيف تعامل رئيس المحكمة الإدارية مع الأوامر المبنية على الطلب:
منح رئيس المحكمة الإدارية بالمغرب سلطة إصدار الأوامر المبنية على الطلب يبقى صفة متميزة لهذا القضاء إذ لا وجود لمثل هذه السلطة لرئيس المحكمة الإدارية الفرنسية بصفته النموذج المحتدى به إلا في حالات استثنائية ضيقة جدا، كالحالة المنصوص عليها في قانون 29 جانفي 1993 والمتعلقة بإصدار الأمر للمقاول بتوقيف أشغال الصفقة متى لاحظ أن قانون المنافسة لم يحترم، وذلك بناء على طلب يقدمه عامل الإقليم «انظر دراسة الأستاذ Bernard Pacteau المنشورة بالمجلة المغربية للاقتصاد والقانون المقارن التي تصدر عن جامعة القاضي عياض بمراكش عدد خاص بندوة المحاكم الإدارية ودولة القانون ص 193 بعنوان: LES PROCEDURES D’URGENCE DEVANT LES TRIBUNAUX ADMINISTRATIVE
أما في إطار القضاء المصري فإنه لا دليل لما يفيد وجود مثــل هـــاته الصلاحيات عند رئيس المحكمة الإدارية أو حتى عند رئيس مجلس الدولة المصري، مما جعل القاضي الإداري المغربي ممثلا في رؤساء المحاكم الإدارية أو من ينوب عنهم من قضاتها يشق طريقه في هذا الإطار معتمدا على نفسه وعلى تجربته في إطار القضاء العادي علما بأن الأمر لا يتعلق بمتقاض عادي وإنما يتعلق بإدارة عمومية تسهر على تسيير ا الشأن العام في ظل القوانين الجاري بها العمل والمفترض فيها تطبيق هذا القانون تطبيقا سليما إضافة إلى ما تملكه من سجلات رسمية ووثائق إدارية تحفظ بمكاتبها وأرشيفاتها مما لا يخشى اندثارها بمرور الزمن فضلا عن كون القاضي الإداري يكتفي في دعاوى الإلغاء بالرقابة القضائية على تطبيق القوانين دون توجيه أوامر للإدارة كل هذا أدى برؤساء المحاكم الإدارية إلى ممارسة هذا الجانب من القضاء بنوع الحيطة والتبصر وعدم التسرع في إصدار هذه الأوامر وتقدير كل حالة منها على حدة مع تعليل الأوامر سواء كانت بالرفض أو القبول، وبعد التأكد من الإختصاص النوعي والمكاني للمحكمة الإدارية، علما بأن مجموعة من الأوامر القضائية التي تصدر عن المحاكم الإبتدائية لا تراعي هذا الجانب مادام أن بعضها يصدر في منازعات لا يشك اثنان في اختصاص المحاكم الإدارية بها كما هو الحال في إثبات واقعة الإعتداء المادي مما نرى معه أن رؤساء المحاكم الإدارية جميعا مطالبون بالتأكد من اختصاصهم أولا قبل إصدار الأوامر المبنية على الطلب ما دام أن المغرب أصبح يتوفر على جهات قضائية متعددة محاكم عادية وإدارية وتجارية.
* كيف تم التعامل مع تذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية
إنه وبغض النظر عن الإشكالية المثارة في مختلف المحاكم حول مدى إمكانية تبليغ الأحكام تلقائيا أو بناء على طلب وما ترتب عن ذلك من اعتماد بعض المحاكم الإدارية تذييل أحكامها بالتبليغ التلقائي في منطوق أحكامها فإن تذييل الأحكام بالصيغة التنفيذية أثار نوعا من الجدل والنقاش خاصة وأن الصيغة المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية قد لا تسعف لتذييل الأحكام الصادرة في المادة الإدارية بصيغة التنفيذ علما بأن الصيغة المتعلقة بالأحكام الإدارية في كل من فرنسا ومصر تختلف عن الصيغة التنفيذية المتعلقة بالأحكام المدنية إلا أنه نظرا لخلو قانون المحاكم الإدارية من صيغة تنفيذية خاصة بالأحكام الإدارية ونظرا لكون المادة 7 من قانون هاته المحاكم تحيل على قانون المسطرة المدنية، فإنه وقع الإتفاق على تذييل أحكام المحاكم الإدارية بالصيغة التنفيذية المعمول بها في قانون المسطرة المدنية إلا أن كتابة الضبط بالغرفة الإدارية امتنعت في بداية الأمر عن تذييل الأحكام التي تصدر عنها كمرجع استئنافي بهاته الصيغة متذرعة بكونها محكمة نقض أساسا مما جعل الرؤساء يناقشون هاته الإشكالية بشكل جماعي وقد قام جلهم بتذييل أحكام محاكمهم بالصيغة التنفيذية ولو تم الطعن فيها بالإستناف متى قضت الغرفة الإدراية بتأييد الحكم المستأنف أو عدم قبول الإستئناف شكلا، في حين بقيت اشكالية تذييل الحكم الصادر عن هاته الغرفة والقاضي بالإلغاء والتصدي قائمة إلى أن تم تدارس هذا المشكل مع رئيس الغرفة الإدرية بالمجلس الأعلى وبحضور السيد الرئيس الأول للمجلس وتم حل هذا الإشكال بقيام كتابة الضبط بالغرفة الإدارية بتذييل الأحكام الصادرة عنها بالصيغة التنفيذية، مع استمرار الإشكال قائما حين تقضي الغرفة الإدارية بعدم قبول الإستئناف شكلا إذ أبلغني أحد المسؤولين بالمجلس أخيرا أن مثل هاته الأحكام تذيلها المحاكم المصدرة للأحكام الإبتدائية وكان ذلك بمناسبة دراسة إحدى الحالات المتعلقة بإدارية فاس والتي تم التشكي فيها لدى الوزارة حين امتنعت كل من كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية وبالغرفة الإدارية عن تذييلها بالصيغة التنفيذية، وفي هذا الإطار صادفتنا مشكلة عملية تتعلق بمدى صدور الأوامر بإيقاف تنفيذ القرار الإداري المطعون فيه بالإلغاء مشمولة بالنفاذ المعجل ليتسنى تسليم النسخ التنفيذية ذلك أن الفصل 24 من قانون المحاكم الإدارية وإن كان أجاز لهاته المحاكم إمكانية إصدار أوامر بإيقاف تنفيذ القرارت الإدارية مما يعني ضمنيا أن هاته الأوامر تصدر بصفة مستعجلة ومؤقتة فإنه لم ينص على شمولها بالنفاذ المعجل ، وإذا لم يكن كذلك فما الفائدة في إصدارها بهاته الطريقة.
إن هاته الإشكالية لازالت قائمة ونعتقد أنها تحتاج إلى تدخل تشريعي علما بأنه في إطار القضاء المقارن نجد أن كل الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري المصري أو الفرنسي في مادة الإلغاء، خصوصا تصدر مشمولة بالنفاذ المعجل ولو كانت تقبل الإستئناف سواء تلك المتعلقة بالإلغاء أو بالإيقاف في حين لا وجود لهاته الخاصية في القضاء الإداري المغربي، وقد اهتدى جل المحامين إلى طلب النفاذ المعجل مقرونا بطلب الإيقاف وأنه متى تم اغفال هذا الطلب أمكن في نظرنا تسليم النسخة التنفيذية ولو في غياب النص التشريعي لأن القاضي الإداري غالبا ما يخلق القواعد القانونية قبل المشرع.
كيف تعامل رئيس المحكمة الإدارية مع صعوبات التنفيذ المثارة في أحكام محكمته ومع الإنابات القضائية في هذا الإطار
إن المادة 49 من قانون المحاكم الإدارية تنص على أن التنفيذ يتم بواسطة كتابة ضبط المحكمة الإدارية التي أصدرت الحكم ويمكن للمجلس الأعلى أن يعهد بتنفيذ قراراته إلى محكمة إدارية مما يعني أن المحاكم الإدارية هي التي تقوم بتنفيذ أحكامها وأن المادة 7 وإن كانت تحيل على قانون المسطرة المدنية فإن ذلك مشروط بعدم وجود نص مخالف فهل تعتبر المادة 49 نصا مخالفا أو مكملا، بمعنى هل يجوز لمحكمة إدارية أن تنيب عنها محكمة إبتدائية لتنفيذ حكم إداري أم أنه لا يجوز ذلك باعتبار أن المشرع المغربي بدأ في نهج ازدواجية القضاء التي تؤدى إلى تفرقة تامة بين الجهازين كما هو الحال في النظام الفرنسي، إضافة إلى تنفيذ أحكام المحاكم الإدارية من طرف المحاكم الإبتدائية قد يفقد صبغة التخصص المقصودة من إحداث هذا القضاء فضلا عما قد يثور من إشكاليات تتعلق بالتنفيذ والتي قد تشكل بدورها منازعات إدارية يجب ان تعرض على القضاء الإداري وفي المقابل فإن الإقتصار على تنفيذ الأحكام الإدارية من طرف المحاكم الإدارية وحدها من شأنه أن يجابه بالمشاكل الواقعية المتمثلة في بعد المحاكم الإدارية عن أماكن التنفيذ نظرا لمحدودية عدد هذه المحاكم، كل ذلك أثار نقاشا بين رؤساء المحاكم الإدارية وقد اهتدى جلهم إلى توجيه إنابة قضائية إلى المحاكم الإبتدائية قصد تسليم الملف التنفيذي إلى العون القضائي المعين من طرف طالب التنفيذ الذي يقوم بعملية التنفيذ تحت إشراف ومراقبة المحكمة الإدارية.
وفي إطار آخر أثيرت إشكالية اختصاص رئيس الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى في الجانب الإستعجالي بما فيه البت في الصعوبات المتعلقة بالتنفيذ عندما يكون النزاع في الجوهر معروضا على أنظار محكمة الاستيناف إلا أن هاته الإشكالية ما لبت رؤساء المحاكم الإدارية وكذا رئيس الغرفة بالمجلس أن اهتدوا إلى حلها حسب علمنا عندما اعتبروا أن رئيس الغرفة الإدارية لا يشارك رئيس المحكمة الإدارية في القضايا الإستعجالية ولو كان النزاع في الجوهر معروضا على الغرفة المذكورة استنتاجا من أن المادة 19 من قانون المحاكم الإدارية لم تشر إلى ذلك وأن الإحالة الواقعة بمقتضى المادة 46 من قانون المحاكم الإدارية لم تتناول مقتضيات الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية.
*كيف تم التعامل مع إشكالية الإختصاص فيما يخص النزاعات الناشئة عن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في الديون العامة