القرار عدد 289
الصادر بتاريخ 13 ماي 2014
في الملف المدني عدو 2013/4/1/4072
تكييف العقود – عقد تنازل عن حق مقابل مبلغ مالي – عقد صلح لا عقد بيع
من المقرر قضاء أن المعتبر في تكييف العقود هو معناها وليس مبناها. وما دام العقد المبرم بين موروث الطاعنين والدولة تم في إطار تسوية النزاع الناشئ عن تطبيق ظهير 2 مارس 1973 وتنازلت بمقتضى ذلك عن حقها في العقار المدعى فيه مقابل مبلغ مالي من أجل حسم التراع القائم بينهما، فإنه يستجمع أركان عقد الصلح. والمحكمة لما اعتبرت العقد المذكور بيعا ورتبت عن ذلك استحقاق المطلوب شفعة الحقوق المفوتة تكون قد كيفت العقد المذكور تكييفا خاطنا وخرقت الفصل 1089 من قانون الالتزامات والعقود.
نقض وإحالة
باسم جلالة الملك وطبقا للقانون
حيث يستفاد من مستندات الملف، ومن القرار المطعون فيه رقم 2480 الصادر عن محكمة الاستئناف بمكناس بتاريخ 2012/07/12 في الملف عدد 1401/11/2174 أن المطلوب تقدم بتاريخ 2010/05/12 بمقال أمام المحكمة الابتدائية بنفس المدينة، يعرض فيه أنه يملك على الشياع في الملك المسمى “بلاد تيزكيت” ذي الرسم العقاري عدد 1542/ك الكائن بدوار آيت عقا الحاجب، وأن الدولة (الملك الخاص باعت نصف نصيبها المشاع في العقار إلى شريكه موروث الطاعنين الهالك سعيد (ر) بموجب عقد بيع مسجل بالمحافظة بتاريخ 2009/05/12 بثمن قدره 458472,50 درهم، وأنه قام بتاريخ 2010/05/06 بعرض وإبداع ثمن البيع ورسوم التسجيل والمحافظة بما مجموعه 311.569 درهم، ملتمسا استحقاقه شفعة ما فوتته الدولة الملك (الخاص للطاعنين في شخص مورثهم في الرسم العقاري المذكور والحكم بنقل الأجزاء المشفوعة وضمها لما يملكه. وأمر السيد المحافظ بتدوين هذا الحكم بالصك العقاري بمجرد صيرورته نهائيا وبإفراغ المشفوع منه ومن يقوم مقامه من الأجزاء المشفوعة وتحميله الصائر، وأدلى بشهادة عقارية وبنسخة طبق الأصل من عقد البيع ونسخة من طلب العرض العيني وأمر بالموافقة ومحضر عرض الشفعة ووصل الإيداع وأجاب الطرف الطاعن بأن الدعوى غير مقبولة لعدم إدخال المحافظ، وفي الموضوع أنه سبق له أن اشترى الأجزاء المشاعة . من السيدة لوسيان جوديت (م) بموجب عقد توثيقي محرر بتاريخ 1972/04/10، وقام باستصلاح الأرض وغرسها وأحدث بها منشآت وبنى بما متزلا وإسطبلات وطور منشآتها واستحال عليه تسجيل مشتراه بالصك العقاري إلى أن تملكت الدولة المغربية ما اشتراه، وأنه نازع الدولة في تملكها. وأرفق جوايه بعقد البيع التوثيقي ونسخة من مرسوم 1994/10/24. فأصدرت المحكمة الابتدائية بتاريخ 2011/05/12 حكما في الملف رقم 10/4/279 قضت فيه: ” باستحقاق المدعي شفعة الحصة المبيعة للمدعى عليه في العقار المسمى “بلاد تيزكيت” ذي الرسم العقاري عدد 1542/ك بموجب عقد البيع المقيد بالمحافظة العقارية بتاريخ 2009/05/12، وذلك في حدود 236248064/18752863 جزء وبرفض باقي الطلبات”. واستألفه موروث الطاعنين مؤكدا دفوعاته، فأصدرت محكمة الاستئناف قرارا قضت فيه “بتأييد الحكم المستأنف”، وهذا هو القرار المطعون فيه بالنقض بمقال تضمن وسيلتين أجاب عنه المطلوب والتمس رفض الطلب.
في شأن وسيلة النقض الأولى:
حيث يعيب الطاعنون القرار بنقصان التعليل الموازي لانعدامه، ذلك أنه ارتكن ضمنيا لمقتضيات ظهير 1913 المتعلق بالقانون العقاري، والحال أن مقتضياته يظل تطبيقها حكرا على الحالات العادية للبيع، والقرار لم يراع ظروف القضية وملابساتها ولم يراع النزاعات المترتبة عن تطبيق مقتضيات ظهير 2 مارس 1973 لكون موروث الطاعنين لم يتأت له لأسباب إدارية تسجيل مشتراه بالمحافظة العقارية، الشيء الذي جعله يدخل في مفاوضات مع الدولة من أجل تمكينه من تملك العقار ومن قمة الصلح وأن ارتكاز القرار المطعون فيه على عبارة “البيع” في المراسلات بين موروث الطاعنين والدولة للقول بأن العقد عقد بيع لا يعتبر موقفا سليما، لأن العبرة ليست بالعبارات الواردة بالعقد ما دامت تقبل تكييفه وإعطاءه الوصف الصحيح الذي يعني الصلح، والمحكمة مصدرة القرار لم تجب عن ذلك وكان قرارها مشوبا بنقصان التعليل. ثم إن الطاعنين دفعوا أمام محكمة الاستئناف بأن ثمن البيع لم يناسب القيمة الحقيقية للعقار المبيع وأن قيمته تفوق بكثير ثمن البيع، إلا أن تعليل المحكمة بخصوص هذه النقطة لم يكن كافيا. كما أن الطاعنين دفعوا بأن الثمن سمي في دورية صادرة عن مديرية الأملاك المخزنية بوزارة المالية لمنا تصالحيا” وأدلوا بصورة شمسية الدورية، والمحكمة لم تلتفت إلى ذلك مع أنه يفيد اعتبار العقد نتج عن تسوية وصلح، ثم أن الطاعنين أثاروا كذلك كون الحصة المحكوم باستشفاعها تجاوزت بكثير النسبة المأوية التي يمتلكها المطلوب في الطعن في الرسم العقاري عدد 1542/ك إلا أن المحكمة لم تجب عن ذلك.
حيث صح ما عابه الطاعنون في الوسيلة، ذلك أنه من المقرر نصا بمقتضى الفصل 1089 من قانون الالتزامات والعقود أن: “الصلح عقد بمقتضاه يحسم الطرفان نزاعا قائما أو يتوقعان قيامه وذلك بتنازل كل منهما للآخر عن جزء مما يدعيه لنفسه، أو بإعطائه مالا معينا أو حقا”، وأن المقرر في قضاء النقض أن المعتبر في العقود معناها لا مبناها، وأن تكييف العقود وتحديد طبيعتها القانونية ليس بتسمية الأطراف لها وإنما بالطبيعة المستخلصة من بنودها، ولما كان ذلك وكان العقد المبرم بين موروث الطاعنين والدولة تم في إطار تسوية التراع الناشئ عن تطبيق ظهير 02 مارس 1973، ذلك أنه كان يدعي شراء حقوق بالرسم العقاري المدعى فيه من المالك الأجنبي بمقتضى عقد توثيقي مؤرخ في
1972/04/10 ونازع الدولة المغربية في استرجاعها لتلك الحقوق في إطار ظهير 1973/03/02، وأن هذه الأخيرة وحسما للتزاع تنازلت عن حقها في استرجاع العقار المدعى فيه وفق الظهير المذكور مقابل مبلغ من المال أداه لها موروث الطاعنين قطعا للتزاع الحاصل بينهما، وأن العقد لذلك لا يصح اعتباره بيعا لمجرد أنه تضمن نقل ملكية أحد المتعاقدين للآخر مقابل ممن، ما دامت هذه الملكية لم تكن مستقرة للدولة بل كانت محل نزاع من طرف موروث الطاعنين والمبلغ المسمى بالعقد لم يكن مقابلا لنقل الملكية المتنازع عليها بل كان مقابل حسم التراع مما تنعدم معه أركان البيع وتظهر أركان عقد الصلح، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما اعتبرت العقد المذكور بيعا ورتبت عن ذلك استحقاق المطلوب شفعة الحقوق المفوتة تكون قد كيفت العقد المذكور تكييفا خاطئا و خرقت الفصل المذكور أعلاه مما يوجب نقض القرار.
لهذه الأسباب
قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه.
الرئيس السيد حسن منصف – المقرر: السيد صالح الكركاطي المحامي العام السيد جمال النور.