الطبيعة القانونية للقرارات الملكية في المجال التنفيذي

"القرارات الملكية بين المشروعية القضائية والخصوصية الدستورية: قراءة في المسار الإداري والتنظيمي"

عالـم القانون15 أبريل 2025
"صورة رقمية تعرض مطرقة قاضٍ خشبية موضوعة على طاولة بجانب وثائق قانونية، في خلفية داكنة تعكس طابع السلطة القضائية."

تُعدّ مسألة تحديد الطبيعة القانونية للقرارات الملكية الصادرة في المجالين الإداري والتنظيمي من القضايا البالغة الأهمية، لما لها من أثر مباشر على مدى خضوع هذه القرارات لرقابة القضاء، وبخاصة رقابة الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة أو دعوى التعويض. والسؤال الجوهري المطروح هنا هو: هل تُعتبر القرارات الملكية قرارات إدارية عادية قابلة للطعن، أم أنها ذات طبيعة خاصة تجعلها بمنأى عن الرقابة القضائية؟
لقد شكّلت هذه الإشكالية محوراً مركزياً أمام القضاء المغربي منذ فترة مبكرة، حيث طُرحت على الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى (محكمة النقض حالياً) قضية تتعلّق بإخضاع الأعمال الإدارية للملك لمبدأ المشروعية، وهو ما يعني، ضمنياً، خضوعها لرقابة القضاء الإداري.

1. التمييز بين الظهائر والقوانين

تجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي في المغرب، خلال فترة الحماية، حاول إرساء تمييز بين نوعين من الظهائر:
• الظهائر بمثابة قوانين (Dahirs lois): وهي التي تتضمن قواعد عامة ومجردة وتُعدّ ذات طابع تشريعي.
• الظهائر بمثابة مراسيم (Dahirs décrets): وهي التي تتناول تدابير فردية خاصة وتُعتبر ذات طبيعة إدارية.
وقد أيد هذا التمييز حكم صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط في قضية جماعة تامسكلفت ضد ماريوس كازيس، وأكدت محكمة النقض الفرنسية أن الظهير الملكي المتعلق بعقد أبرم بين الدولة وأحد الخواص لا يمكن اعتباره تشريعاً.
غير أن مجلس الدولة الفرنسي تبنى مقاربة مغايرة، إذ اعتبر أن جميع الظهائر الملكية لها صبغة تشريعية حتى وإن كانت ذات مضمون إداري، كما جاء في قضية سيردا سنة 1936.

2. التطور التاريخي للقرارات الملكية

من الناحية التاريخية، ظل الملك يمارس اختصاصاته من خلال الظهائر قبل وأثناء الحماية الفرنسية، واستمر هذا الأسلوب بعد الاستقلال. ففي ظل دستور 1962، أصدر الملك قراراته بصيغة المراسيم، ليعود مجدداً إلى الظهائر في دساتير 1970، 1972، 1992، و1996.
ورغم أن السلطات الإدارية العادية كانت موكولة إلى الوزير الأول، فإن فترة حالة الاستثناء بين 1965 و1970 شهدت تزايداً ملحوظاً في عدد القرارات الملكية ذات الطبيعة الإدارية.

3. موقف القضاء المغربي

اعتمدت الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى موقفاً ثابتاً ومستمراً منذ سنة 1960، بعدم اختصاصها في النظر في الطعون المقدمة ضد الظهائر الملكية، على أساس أن الملك لا يُعدّ سلطة إدارية وفق الفصل الأول من ظهير تأسيس المجلس الأعلى.
في قضية عبد الحميد الروندا (1960) وبنسودة عبد الله (1963)، رفضت المحكمة الطعون ضد القرارات الملكية، معتبرة أنها لا تصدر عن سلطة إدارية. وتكرس هذا التوجه في قضية الشركة الفلاحية لمزرعة عبد العزيز سنة 1970، حيث رفضت المحكمة إلغاء المرسوم الملكي المتعلق بضم الأراضي الزراعية.
وقد عللت المحكمة موقفها بأن الملك يُمارس سلطاته باعتباره أمير المؤمنين، وبالتالي لا يمكن اعتباره سلطة إدارية. كما أن الدستور لم يُخول لأي جهة صلاحية مراقبة هذه القرارات.

4. وجهات النظر الفقهية

• يرى الأستاذ ميشيل روسي أن القرارات الملكية ذات الطبيعة الإدارية يجب أن تُخضع لمبدأ المشروعية، مشيراً إلى إمكانية اعتماد مبدأ ازدواجية الوظيفة الذي يسمح باعتبار الملك سلطة إدارية متى كانت قراراته ذات طبيعة إدارية فعلية.
• في المقابل، يرى الأستاذ محمد مرغيني أن الغرفة الإدارية بالغت في تبرير موقفها، وكان الأجدر بها اعتماد نظرية أعمال السيادة بدلاً من التأويل الفقهي الإسلامي الذي يُدخلها في جدل سياسي-ديني.

5. نظرية أعمال السيادة

تعتمد هذه النظرية، في التجربة الفرنسية، على إخراج بعض الأعمال الصادرة عن الجهاز التنفيذي من نطاق الرقابة القضائية، متى كانت متصلة مباشرة بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، أو بعلاقاتها الخارجية، أو بتسيير المؤسسات السياسية الكبرى.
إلا أن القرارات الملكية ذات الطبيعة الإدارية، كقرار ضم الأراضي في قضية مزرعة عبد العزيز، لا تندرج ضمن هذا النوع من الأعمال، مما يُضعف إمكانية إخراجها من الرقابة القضائية استناداً إلى هذه النظرية.

خاتمة

يُبرز الجدل الفقهي والقضائي حول الطبيعة القانونية للقرارات الملكية في المجال الإداري والتظيمي تعقيد العلاقة بين المؤسسة الملكية ومبدأ المشروعية. وبينما يجنح القضاء المغربي نحو تحصين هذه القرارات من رقابة القضاء الإداري، يرى جزء من الفقه ضرورة إخضاعها لهذه الرقابة حماية لحقوق الأفراد وضماناً لدولة القانون.
إن معالجة هذه الإشكالية في المستقبل قد تقتضي توضيحاً دستورياً أو تشريعياً صريحاً يحدد نطاق القرارات الملكية القابلة للطعن، بما يُحقق توازناً بين سمو المؤسسة الملكية وحماية الحقوق والحريات.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق