تمظهرات الإلتقائية على ضوء الخطب الملكية.

عالـم القانون
القانون العاممقالات قانونية
عالـم القانون24 فبراير 2022
تمظهرات الإلتقائية على ضوء الخطب الملكية.

 ” مخطئ من يعتقد أن دولة لوحدها قادرة على معالجة القضايا التنموية، و الإستجابة للتطلعات المشروعة لشعبها، و خاصة مطالب الشباب المغاربي الذي يعد ثروتنا الحقيقية.

و مخطئ أيضا من يتوهم أن دولة بمفردها قادرة على حل مشاكل الأمن و الإستقرار،فقد أكدت التجارب فشل المقاربات الإقصائية في مواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد المنطقة،خاصة في ظل مايشهده فضاء الساحل و الصحراء من تحديات أمنية و تنموية.

ومخطئ كذلك من يعتقد أن الإبقاء على الوضع القائم،و على حالة الجمود التي يعيشها مغربنا الكبير،يمكن أن يصبح إسترتيجية ناجحة، و خاصة التمادي في إغلاق الحدود الذي لايتماشى مع الميثاق المؤسس للإتحاد، ولا مع منطق التاريخ و مستلزمات الترابط و التكامل الجغرافي، بل إنه يسير ضد مصالح الشعوب المغاربية، التي تتطلع إلى الترابط و الإنسجام.

لكل هذه الإعتبارات ما فتئنا ندعو منذ سنوات، إلى انبثاق نظام مغاربي جديد،على أساس روح ومنطوق معاهدة مراكش التأسيسية، التي أكملت عامها الخامس و العشرين.

ومن هنا، فإن دول المغرب الكبيرة مدعوة، أكثر من ذي قبل، إلى التحلي بالإرادة الصادقة لتجاوز العقبات و العراقيل المصطنعة التي تقف أمام الإنطلاقة الحقيقية لاتحادنا،في إطار الثقة و الحوار و حسن الجوار و الإحترم المتبادل للخصوصيات الوطنية.

ولن يتأتى تحقيق تنمية شاملة لشعوبنا إلا بتوفير المناخ المناسب لإنجاز المشاريع الإندماجية الكبرى، خاصة إستكمال منطقة التبادل الحر المغاربية، و بناء شبكات للربط تهم مختلف البنيات التحتية، وذلك لتسهيل حرية تنقل الأشخاص و الخدمات و البضائع و رؤوس الأموال بين دول المغرب الكبير، مما سيمكن من فتح أفاق أوسع للتنمية،بما تعنيه من إفراز للثروات و لفرص الشغل،و خاصة بالنسبة للشباب”.[1]

  و يتضح بجلاء من خلال هذا الخطاب الملكي في الديار التونسية الرغبة الملكية في تحقيق الإلتقائية، على مستوى مشاريع و برامج الإتحاد المغاربي،حين يؤكد على أنه مخطئ من يعتقد أن دولة لوحدها قادرة على تحقيق التنمية،و دعوته الخالصة إلى تجاوز المقاربات الإقصائية،من هنا تتجلى الإرادة الملكية في تحقيق الإندماج و التنسيق و التعاون و التضامن بين الدول المغاربية إذا ما أرادت النهوض بأوضاع مواطنيها و تحقيق الأهداف التنموية.

و إذا كانت الرغبة الملكية جامحة في تحقيق الإلتقائية في البرامج و المشاريع على المستوى المغاربي ككل، فلايمكن إلا أن تكون أكبر على المستوى الوطني وهذا مايبرز كذلك من خلال مجموعة من الخطب و المبادرات الملكية،وعليه وانطلاقا من تقرير الخمسينية , وفي إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تشكل أرضية عمل مرسخة لثقافة جديدة منبثقة عن الميادين المؤسسة للشراكة , الكرامة , الثقة , التضامن , القرب والمشاركة سعيا وراء تحقيق منجزات ملموسة ذات رمزية عالية تختزل الإرادة الحقيقية للمغاربة في محاربة الفقر والإقصاء والتهميش بهدف تحقيق التنمية البشرية المستدامة , فقد شكل خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس المؤرخ في 18 ماي 2005 الأساس والمبدأ لظهور مفهوم الالتقائية ببلادنا , والذي يقول فيه نصره الله : ” فإننا نعتبر أن التنمية الفعالة والمستدامة لن تتحقق إلا بسياسات عمومية مندمجة ضمن عملية متماسكة ومشروع شامل , وتعبئة قوية متعددة الجبهات تتكامل فيها الأبعاد السياسية والاجتماعية , والاقتصادية والتربوية والثقافية والبيئية“.

ومن خلال الخطاب السامي يمكن القول , إن المرحلة التي نعيشها اليوم تتطلب أسلوبا جديدا في تدبير الشأن الاجتماعي , يتمثل في العمل على تحقيق الالتقائية والتنسيق بين البرامج والتدخلات العمومية , خاصة في المناطق الفقيرة الأقل حظوة والمستهدفة.

ولا يخفى علينا الفائدة التي يكتسيها هذا التوجه والأهمية الكبيرة التي يحظى بها هذا المفهوم  في تطوير العمل الاجتماعي بالبلاد , إذ يمكن من إضفاء الانسجام والتكامل على تدخلات الفاعلين المحليين والمركزيين ومن الرفع من تأثير وفعالية هذه التدخلات , كما يساهم في الحفاظ على استمرارية المشاريع عبر توفير الوسائل اللازمة لتسييرها وصيانتها .

من خلال ما سبق يتبين دورالمؤسسة الملكية في بلورة الحكامة و الإلتقائية،  حيث تظهر جديتها من خلال التأكيد عليها في أغلب الخرجات الملكية،ولعل أهمها يبرز من خلال المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و الإصلاح الدستوري الأخير لسنة 2011 الذي يعتبر دستور الحكامة بامتياز وكذلك الخطاب الملكي بمناسبة الدورة الخريفية للبرلمان و خاصة حينما تحدث عن الشق المتعلق بغياب الحكامة في مدينة الدار البيضاء، حيث ناشد جميع المسؤولين بالتعبئة و من بين ما جاء في الخطاب “وبكلمة واحدة فالمشكل الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية يتعلق بالأساس بضعف الحكامة
فرغم أن ميزانية المجلس الجماعي للدار البيضاء تفوق بثلاثة إلى أربعة أضعاف تلك التي تتوفر عليها فاس أو مراكش مثلا، فإن المنجزات المحققة بهاتين المدينتين في مجال توفير وجودة الخدمات الأساسية تتجاوز بكثير ما تم إنجازه بالدار البيضاء”[2]

و من الواضح أن الإرادة الملكية في هذا السياق تظهر بشكل ملموس أكثر من أي وقت مضى، فإذا كانت الرغبة الملكية واضحة في هذا المضمار فما هي حدود مواكبة الأجهزة الحكومية لهذه الأنشطة الملكية الداعمة لترسيخ الحكامة الجيدة و الإلتقائية خاصة في مجال تدبير القطاعات العمومية على المستوى الترابي اعتبارا لكونها السلطة التنفيذية وصاحبة الإختصاص الأول في بلورة مفهوم الحكامة الجيدة كما جاء به الدستور و كذا العمل على تفعيل المبادرات الملكية القطاعية سواء من خلال مضامين خطبه الملكية أو برامجه الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية

المراجع المعتمدة:

[1]– مقتطف من نص خطاب الملك محمد السادس في تونس أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي التونسي،مأخوذ من المجلة الإلكترونية طنجة نيوز المنشور يوم 31-15-2014 على الساعة التاسعة و خمس دقائق.

[2]-من نص الخطاب الملكي بمناسبة الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة في البرلمان، الأربعاء 27 مارس 2013 منقول من الموقع الإلكتروني www.maroc.ma

عالـم القانون

عالم القانون World of law هو موقع (www.alamalkanoun.com) ينشر مقالات قانونية مواكبة لأخر المستجدات القانونية في شتى تخصصاتها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق