دستورية حق التعليم في زمن كرونا -كوفيد 19-

عالـم القانون
2020-09-09T11:12:29+01:00
أراء قانونية
عالـم القانون30 أغسطس 2020
دستورية حق التعليم في زمن كرونا -كوفيد 19-
المنصوري محمد (باحث في العلوم القانونية)

    تعيش الترسانة القانونية الحقوقية على وقع مجموعة من المتغيرات المفاجئة التي يرى البعض أنها مست الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الدستور المغربي لسنة 2011، و المستمدة من اتفاقيات دولية صادق عليها المغرب، أهمها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان و الذي تبنته الأمم المتحدة في 10 دجنبر 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية،و المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966، و دخلت حيز النفاذ في 3 يناير 1976،والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 دجنبر 1966، و دخلت حيز النفاذ في 23 مارس 1976، و ذلك جراء الأحوال الراهنة التي تعيشها أغلب مناطق كوكب الأرض، بسبب تفشي فيروس كوفيد 19، مما أدى إلى إضطراب الحياة بشكل عام و ذلك عن طريق الإجراءات المفعلة من قبل السلطات الرسمية  قصد الحد من إمتداد الفيروس، وهذا ما دفع إلى إقفال المدارس في كثير من الدول،  مما أدى إلى  وقف تعليم  كم هائل من التلاميذ والطلبة عبر العالم. ولأجل تلبية المؤسسات التعليمية لمتطلبات المعنيين بالأمر، قامت العديد من المؤسسات الدولية من قبيل “الأمم المتحدة“بتوصية الدول بالإعتماد على التعليم عن بعد عن طريق التقنيات التكنولوجية.
     ولهذا سارعت العديد من الدول، إلى إستعمال منابر للتعلم من خلال التقنيات التكنولوجية،لأجل تكملة الساعات المتبقية من الدراسة الحضورية.
     بالإضافة إلى ذلك عملت هذه الدول على توفير مجموعة من المعدات المعلوماتية لأجل تسهيل عملية التعليم عبر الأنترنت.
غير أنه، ليست كل الأسر تتوفر على نفس المستوى الإجتماعي، و بالتالي فأغلب هذه الفئات لا تمتلك الإمكانيات الكافية لتوفير الوسائل التكنولوجية بما فيها الأنترنت، و بالتالي الإستفادة من هذه الخدمة.
      والمغرب وعلى غرار باقي الدول كان سباقا في إتخاذ العديد من الإجراءات في هذا الشأن، أهمها توقيف الدراسة الحضورية واعتماد التعليم عن البعد، و ذالك حفاظا على حياة وصحة التلاميذ والطلبة المتمدرسين بالدرجة الأولى، على اعتبار أن مناعة التلاميذ الصغار تعرف بضعفها ، إلا أن حماية هذه الحقوق وهي الحق في الحياة و الحق في الصحة تعارضت مع حق لا يقل اهمية وهو الحق في التعليم، لأن هناك من يعتبر أن التعليم عن البعد، لا يؤدي الغرض المأمول منه ويجعل جودة التعليم على المحك، فالعديد من التلاميذ و الطلبة و أوليائهم أبدو تذمرهم من هذه الطريقة التي لا تمكنهم من استيعاب الدروس، ناهيك علي مجموعة من المعيقات الأخرى أهمها ضعف صبيب الانترنت في بعض المناطق وانعدامه في مناطق أخرى، و الضغط الكبير عليه، ثم صعوبة التفاعل في العالم الإفتراضي و الهشاشة الرقمية، بالإضافة لإرتفاع التكلفة المادية للإنضمام إليه، وفي هذا الصدد نجد أن الدستور المغربي ينص علي مجموعة من الحقوق الأساسية ومن أهمها حق التعليم حيث بالرجوع إلى الفصل 31 من الدستور نجده ينص على ” تعمل الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب إستفادة المواطنات و المواطنين على قدم المساواة من الحق في:*العلاج و العناية الصحية * الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج و ذي جودة” كذلك نجد الفصل 20 من دستور 2011 و الذي ينص على:“الحق في الحياة وهو أول الحقوق لكل إنسان و يحمي القانون هذا الحق.”

     وعليه و بالاستناد إلى الترتيب المعتمد في الدستور و الصيغة التي جاء بها الفصل 20 من الدستور و الذي أعطى للحق في الحياة الأولوية على باقي الحقوق و الذي تتضح أهميته و أولويته في كون غيابه سيؤدي إلى فقدان باقي الحقوق، فلا يمكن تصور الاستفادة من الحق في التعليم دون وجود الحق في الحياة، وعليه فهذا الأخير مرتبط بجميع الحقوق الأخرى.
      وعلى أساس هذا التحديد الدستوري، يمكن الإقرار بأن لبنية هذا الحق دلالة إجتماعية بما تعني من تعايش التنوعات المجتمعية المختلفة تحت سقف الحقوق و الواجبات و التضامن و التكافل و التعاون في الوطن الواحد، كما أن الدلالة الاجتماعية تعني حق كل مواطن في الحصول على فرص متساوية لتطوير جودة الحياة التي يعيشها، و يتطلب ذلك توفير الخدمات العامة للمواطنين، و بخاصة الفقراء و المهمشين، و إيجاد شبكة أمان اجتماعي لحماية الفئات المستضعفة في المجتمع.
     و الواضح أن القرار الأخير لوزارة التربية الوطنية و التكوين المهني والتعليم العالي و البحث العلمي و الذي أحدث ضجة كبرى بفعل منح الاختيار لأولياء أمور التلاميذ بين التعليم الحضوري و التعليم عن بعد يحمل بين ثناياه تأويلا دستوريا يجد جوابه في الفصل 40 من الدستور المغربي و الذي ينص”على أن الجميع يتحمل بصفة تضامنية، وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها التكاليف التي تتطلبها تنمية البلاد، وكذا تلك الناتجة عن الأعباء الناجمة عن الأفات و الكوارث الطبيعية التي تصيب البلاد” و كذلك وبالرجوع إلى الفصل 269 من ظهير الالتزامات والعقود،نجده ينص على أن: “القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية(الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة،, ومن خلال هذا الفصل الأخير يمكن القول بأن وباء كرونا “كوفيد 19” قوة قاهرة غير متوقعه و هذا معناه ان الكل، عليه تحمل مسؤولية نتائج هذا الوباء، بالإستناد إلى الفصل 40 من الدستور السالف الذكر، كونه مازال مرضا محيرا ولايوجد أي لقاح له في الوقت الحالي وحتى الدولة بجميع أجهزتها وسلطها مازالت محتارة أمامه، ومادامت توقعات إيجاد لقاح أونهاية هذا المرض غير مطروحة حاليا، فتحمل وزارة التربية والتكوين لهذه المسؤولية سيضعها في موقف محرج في حالة ما إذا ارتفعت عدد الاصابات بين صفوف التلاميذ، وسيقع على عاتقها مسؤولية أرواح أطفال أبرياء أمام فيروس قاتل ومتلون ومحير، إلا ان هذا لا يعني تخلي الوزارة عن التلاميذ في حالة اختيار التعليم الحضوري كونها ستعمل على تطبيق جميع الاحتياطات اللازمة أو مايسمى بالرتوكول الصحي ابتداء من ارتداء الكمامات الصحية وتقليص عدد التلاميذ في التنقل المدرسي بالإضافة إلى احترام التباعد الجسدي خصوصا داخل القسم بمتر في الامام ومتر في الخلف و متر في اليمين ومتر في اليسار.
       وختاما يمكن القول أن الدستور المغربي لسنة 2011، خاصة الفصل 40 منه، و الفصل 31 و 20 السالف ذكرهم، ثم المرسوم بمثابة قانون رقم 292. 20. 2 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها. و مرسوم رقم 293. 20. 2 المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19، يجعل من التدابير المتخدة من طرف الوزارة الوصية على قطاع التعليم خاصة في الشق الذي أثار الجدل و المتعلق بمنح أولياء أمور التلاميذ إمكانية الإختيار بين التعليم الحضوري أو التعليم عن بعد،ليس قرارا تعسفيا بل نحن أمام وضعية تقتضي التضامن و التعاون و التآزر و التضحية و المشاركة، ناهيك على أنه قرار يستمد شرعيته من الدستور نفسه و الذي يعتبر أسمى قانون في البلاد إلا أنه يتحتم على أصحاب القرار إعادة النظر في العديد من السلبيات التي تواجه المواطنين للاستفادة من التعليم عن بعد، وذلك من خلال العمل على جردها بكل مصداقية ومسؤولية لتأمين فرص التعليم والتكوين للجميع خلال زمن وباء كرونا.

عالـم القانون

عالم القانون World of law هو موقع (www.alamalkanoun.com) ينشر مقالات قانونية مواكبة لأخر المستجدات القانونية في شتى تخصصاتها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق