تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة كطرف أصلي ومنضم.

عالـم القانون12 نوفمبر 2021
تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة كطرف أصلي و طرف منضم

إن المجال الرئيسي لعمل النيابة العامة يتحدد أساسا في المجال الزجري، و ذلك بتحريكها للدعوى العمومية كلما كان الحق العام مهددا، إلا أن ذلك لا يعني اقتصارها على هذا المجال دون غيره، في وقت أصبح إدخالها في المجال المدني ضرورة ملحة، حتى يحاط بنوع من الحماية الكفيلة بضمان حقوق الأفراد.

و أمر كهذا هو ما جعل التشريعات المدنية، خاصة منها المتعلقة بالإجراءات، تتناول هذه المؤسسة و تنظم عملها في المجال المدني، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المسطرة المدنية المغربي الذي تناول دور النيابة العامة أمام المحاكم المدنية في باب خاص ، موطئا بذلك للتشريعات المتعلقة بالموضوع للتأكيد على هذا الدور الحمائي بمقتضى نصوص خاصة، الغاية منها تفعيل هذه الحماية و تحديد مواضع تدخل النيابة العامة من أجل تحقيقها. و في هذا الإطار تدخل مشرع مدونة الأسرة لينص صراحة على هذا الدور فاعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق بنود المدونة، كما عزز هذا التدخل بنصوص أخرى مفرقة بين مواد المدونة لتشمل حتى السهر على سلامة إجراءات التبليغ.

و بما أن دور جهاز النيابة العامة حيوي و ضروري في سير الدعوى أمام القضاء الأسري، فإنه من الضروري التوقف عند طبيعة تدخلها في هذا النوع من القضايا، الذي سنحاول النظر فيه من خلال نموذج مسطرة الشقاق، على اعتبار كثرة المواضع التي تتدخل فيها النيابة العامة و التي يصعب الإحاطة بها جميعها في مقالة واحد.
لأجل ذلك فإننا سنتوقف ابتداء عند طبيعة تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة، هل هو أصلي أم انضمامي؟ و ذلك لما بين الحالتين من فروق. زد على ذلك ضرورة تتبع دور هذه المؤسسة في الحرص على سلامة إجراءات التبليغ، و ذلك لتوقف إجراءات الصلح على سلامة هذه الأخيرة.

المطلب الأول: طبيعة تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة.

إن تدخل النيابة العامة في القضايا المدنية يتوزع بين أن يكون تدخلا أصليا رئيسيا أو تدخلا انضماميا، وذلك حسب ما ينص عليه الفصل 6 من ق.م.م[1]. و بين التدخل الأصلي و التدخل الانضمامي فوارق جوهرية تؤثر على سير و نتائج الخصومة القضائية[2]. مما يُحَتِّم علينا البحث في طبيعة تدخلها لاسيما و أن المسألة يتجاذبها نصان أساسيان: الأول و هو المادة 3 من مدونة الأسرة، و الثاني هو الفصل 9 من ق.م.م.

فالمادة 3 من مدونة الأسرة تنص على أنه : ” تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة “، فطبقا لهذه المادة فتدخل النيابة العامة في مسطرة الشقاق تدخل أصلي باعتبار أنها من القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة سواء بصفة أصلية أو تبعية.

أما الفصل 9 من ق.م.م فينص على أنه ” يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتيـة:

2 – القضايا المتعلقة بالأسرة”

و ينص قبله الفصل 8 على أن: ” تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها”، و معلوم أن مسطرة الشقاق كغيرها من الدعاوى داخلة ضمن عبارة قضايا الأسرة التي يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة، و بالتالي اعتبارها طرفا منضما حسب الفصل 8 ق.م.م.

و السؤال الذي يطرح الآن: كيف السبيل إلى التوفيق بين هذه المقتضيات في وقت تبدو فيه و كأنها طرف رئيسي و طرف منضم في آن واحد، و هو أمر غير مستساغ لوجود فوارق بين التدخلين.

لقد حاول البعض الجمع و التوفيق و ذهب إلى أن المشرع أعطى للنيابة العامة دور الطرف الرئيسي و الأصلي في القضايا الرامية إلى تطبيق بنود و أحكام مدونة الأسرة، و دور الطرف المنضم في باقي قضايا الأسرة و القضايا الرامية إلى حماية و رعاية الأسرة ما لم تكن مدعية أو مدعى عليها بنصوص خاصة[3].

إلا أننا لا نوافق على هذا التوفيق، و ذلك أنه قسم القضايا المعروضة أمام أقسام قضاء الأسرة إلى قسمين: قضايا رامية إلى تطبيق بنود و أحكام المدونة، و قضايا رامية إلى حماية و رعاية الأسرة، و الحال أن الأولى تشمل الثانية. أفليست حماية و رعاية الأسرة مضمونة و مضمنة في بنود و أحكام مدونة الأسرة، بحيث تكون القضايا الرامية إلى تطبيق بنود و أحكام مدونة الأسرة حتما رامية إلى حماية و رعاية الأسرة؛ ثم إن هدف و مسعى المشرع من وضع أحكام مدونة الأسرة هو حماية و رعاية الأسرة بحيث أن أي قضية لا يمكن أن يكون هدفها حماية و رعاية الأسرة إلا إذا تم تطبيق أحكام و بنود مدونة الأسرة.

و أمام هذه المعطيات فإننا نرى أنه لا يمكننا الحديث إلا عن نوع واحد من القضايا يجمعه عنوان واحد عريض هو “قضايا الأسرة” التي من بينها قضايا الشقاق حتى لا نحاول أن نبحث لها في إطار التفريق السابق عن مكان سواء بين القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام المدونة، فنقول إن تدخل النيابة العامة فيها رئيسي، أو بين القضايا الرامية إلى حماية و رعاية الأسرة فنقول إن تدخل النيابة العامة في إطارها انضمامي.

فالأمر لا يتعلق لا بهذه و لا بتلك، مما يتحتم معه البحث بجدية في طبيعة تدخل النيابة العامة في مسطرة الشقاق من دون اتكاء على معطيات جاهزة، و لا مقتضيات دون أخرى.

و بخصوص هذه المسألة يذهب البعض إلى أن النيابة العامة تعتبر طرفا منضما في قضايا الطلاق و التطليق، و لا يمكن أن تكون طرفا رئيسيا في هذه القضايا، و إلا أصبحت النيابة العامة تتوفر على الصفة في أن تتقدم بطلب الإذن بالإشهاد على الطلاق، و بطلبات التطليق، ومنها طلب التطليق للشقاق، و هذا يتنافى مع الطابع الشخصي لعقد الزواج، و مع الفلسفة التي يتبناها قانون الأسرة المغربي، و التي تهدف إلى استقرار رابطة الزواج و دوامها. و يضيف بأن مما يؤكد الطابع الانضمامي لدور النيابة العامة في قضايا الطلاق و التطليق، ما ذهبت إليه المادة 88 من مدونة الأسرة، التي تنص على أنه: “بعد توصل المحكمة بالنسخة المشار إليها في المادة السابقة، تصدر قرارا معللا يتضمن:
1 – ملخص ادعاء الطرفين وطلباتهما، وما قدماه من حجج و دفوع، والإجراءات المنجزة في الملف، ومستنتجات النيابة العامة”[4].

غير أن هذه الحجج التي تم الاحتجاج بها لا تقوم دليلا على أن النيابة العامة تتدخل في مسطرة الشقاق، بل وحتى الطلاق، بصفتها طرفا منضما، حيث تم استبعاد كونها طرفا رئيسيا بحجة أنها بذلك ستتوفر على الصفة في أن تتقدم بطلب الإذن بالإشهاد بالطلاق و التطليق.

أما الطلاق فنقول لا يمكنها ذلك ولو كانت طرفا أصليا لوجود نص قانوني حسم الأمر و حصر حق طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق على الزوج و الزوجة فقط، و هو المادة 78 التي تنص على أن ” الطلاق حل ميثاق الزوجية، يمارسه الزوج والزوجة، كل بحسب شروطه تحت مراقبة القضاء وطبقا لأحكام هذه المدونة”.

أما المطالبة بالتطليق، فنقول ما المانع في أن تطالب النيابة العامة بذلك، خاصة إذا كان تطليقا للشقاق، لا سيما و أن المشرع ما منح الزوجة في بعض الحالات اللجوء إلى مسطرة الشقاق إلا لتعذر حصولها على التطليق بسلوك دعاوى أخرى كدعوى التطليق للضرر و عدم تمكنها من إثبات هذا الأخير، فأراد بذلك أن يسعى إلى الإصلاح بأي وسيلة إما بالتوفيق بين الزوجين أو برفع الضرر بالتطليق. فالزوجة التي يضر بها زوجها في جسدها و دينها و لا تستطيع إثبات الضرر فلا حرج على النيابة العامة من أن تطالب بتطليقها منه للشقاق خاصة إذا كان الضرر بالغا و لا تستطيع إثباته.

و بخصوص إشارة المحكمة إلى مستنتجات النيابة العامة عندما تشهد على إيقاع الطلاق بموجب قرار وفقا للمادة 88، فليس فيه ما يفيد أن تدخلها انضمامي. بل العكس حيث يتعرض القرار الذي لم يشر إلى هذه المستنتجات للبطلان لأن دور النيابة العامة هنا دور رئيسي، بل إن النيابة العامة تتدخل في طلبات الطلاق و تحضر جلسة الصلح التي تقيمها المحكمة لإصلاح ذات البين و هي من تخطر الزوجة للحضور إذا توصلت شخصيا و لم تحضر الجلسة الأولى و تبحث عن موطنها إذا تعذر توصلها بالاستدعاء للحضور وفقا لما نصت عليه المادة 81 من المدونة[5].

و بالإضافة إلى ما ذكر فإن هناك العديد من الأدلة على أن تدخل النيابة العامة في قضايا الأسرة و في مسطرة الشقاق على وجه الخصوص هو تدخل أصلي و أقواها:

المادة 3 من مدونة الأسرة التي تنص على أنه: ” تعتبر النيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة”، فكانت سدا لأي جدال فقهي حول حقوق و التزامات النيابة العامة داخل قضايا الأسرة من الناحية الإجرائية و يرفع عن طبيعتها أي لبس و غموض[6]. فالنص هو أعلى درجات البيان بحيث لا يحتمل أي تأويل من هذا الوجه الذي سيق من أجله.

و من الأدلة على أنها طرف أصلي أن لها الحق، بناء على مقتضى المادة 3 من مدونة الأسرة، في الطعن في الأحكام القضائية عموما و في الجزء المتعلق بالمستحقات في الأحكام القاضية بالتطليق للشقاق و هو الأمر الذي لا يمكنها مباشرته عند تدخلها بصفة انضمامية طبقا لمقتضى الفصل 8 من ق.م.م الذي ينص على أنه: ” تتدخل النيابة العامة كطرف منضم في جميع القضايا التي يأمر القانون بتبليغها إليها، و كذا في الحالات التي تطلب النيابـة العامة التدخل فيها بعد إطلاعها على الملف، أو عندما تحال عليها القضية تلقائيا من طرف القاضي، و لا يحق لها في هذه الأحوال استعمال أي طريق للطعن”.

كما أن طبيعة مسطرة الشقاق التصالحية يقتضي إدخالها بصفة رئيسية للسهر على تطبيق إجراءات الصلح التي تشكل جوهر المسطرة في كليتها.

و يؤكد تدخلها الأصلي في مسطرة الشقاق، دورها في إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية حسب ما تنص عليه الماد 53 حيث أنه: ” إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر، تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته”[7]، بحيث تقوم أولا بإرجاع المطرود و ضمان سلامته، ثم لها بعد ذلك أن تثير مسطرة الشقاق لوجود أمارات هذا الأخير و هو النزاع الذي وصل إلى حد الطرد من بيت الزوجية، فتثير مسطرة الشقاق ابتداء و تطلب من المحكمة حل هذا النزاع بسلوك إجراءات المسطرة التصالحية، و لا يمكنها أن تقوم بهذا كله إلا إذا كانت طرفا رئيسيا في هذه المسطرة.

و نعزز هذه الأدلة بما قرره المفسرون من أن أول المخاطبين بقوله تعالى: )وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا (هم الحكام، حيث قال أبو بكر بن العربي “إذا علم الإمام من حال الزوجين الشقاق لزمه أن يبعث إليهما حكمين ولا ينتظر ارتفاعهما ؛ لأن ما يضيع من حقوق الله أثناء ما ينتظر رفعهما إليه لا جبر له”[8]، و بما أن القضاء لا يمكنه إثارة أي دعوى أو أي مسطرة إلا بناء على طلب فإنه لا يبقى مجال لتنزيل مقتضى هذه الآية إلا على النيابة العامة باعتبارها راعية الحق العام ــ على اعتبار أن الحاكم هو راعي الرعية و الساهر على أمورها ــ و بالتالي إعطائها حق إثارة مسطرة الشقاق كلما خشيت حصوله.

و نحن إذ نؤكد على الدور الرئيسي للنيابة العامة في مسطرة الشقاق و في سائر قضايا الأسرة، نعي تمام الوعي غياب تفعيله على أرض الواقع و لو في أقسام كبرى من أقسام قضاء الأسرة، كأقسام قضاء الأسرة بالرباط و ضواحيها حيث يلاحظ غياب تفعيل دور النيابة العامة، و أن دورها ينحصر في ملء المطبوعات المعدة من أجل الإدلاء بالمستنتجات المتعلقة بالقضايا المحالة عليها[9].

و السبب في هذا الوضع هو ما يعيبه البعض على المشرع حينما أبقى على ترتيب الفصل 9 من ق.م.م، و أقحم فيه القضايا المتعلقة بالأسرة، و كأنه قد نسي أن القضايا المذكورة في الفصل 9 من ق.م.م إنما تكون فيها النيابة العامة طرفا منضما لا طرفا رئيسيا أو أصليا، و لا يحق لها أن تمارس حق الطعن في الأحكام بموجب صفة الانضمام و كأننا بالمشرع يسلب باليد اليسرى ما سبق أن أعطاه للنيابة العامة باليد اليمنى، فما كان يجب أن يقحم قضايا الأسرة في الفصل 9 من ق.م.م و كان عليه أن يكتفي بما ورد في المادة 3 من مدونة الأسرة باعتبارها المقتضى الخاص الواجب التطبيق تماما كما نص في قضايا أخرى تعتبر فيها النيابة العامة طرفا أصليا دون الإشارة إلى ذلك في الفصل 9 من ق.م.م كقضايا الحالة المدنية و إحالة بعض أحكام قضايا الجماعات و المقاطعات و النزاعات الحاصلة بسبب صحة إجراءات الإكراه البدني و قضايا المحامين بصفتهم المهنية أو القرارات التي تصدرها مجالس الهيأة[10].
و لعل المشرع المغربي تنبه إلى هذا الارتباك الحاصل في المقتضيات القانونية الواردة في ق م م، فقرر تداركه في مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد حيث جاء بمقتضى جديد في المادة 9 منه التي اقترح فيها ما يلي: ” تكون النيابة العامة طرفا أصليا في الحالات الآتية:
1-…
2- القضايا المتعلقة بالأسرة”.

 المطلب الثاني: تدخل النيابة العامة في إجراءات التبليغ

إن من أهم حقوق الدفاع، الحق الذي يهدف إلى إخبار الخصم بما سيتخذ في الخصومة من إجراءات، و ما يطرح فيها من طلبات و دفوع و أوجه دفاع حتى يتمكن من الرد عليها أو يتخذ في شأنها الموقف المناسب لمصلحته، و لن يتأتى له ذلك إلا عن طريق التبليغ إليه، و معلوم أن المرء لا يحوز مركز الخصم في الدعوى بمجرد تسجيلها ضده بل لابد من الإنهاء إلى علمه بوجودها و يتطلب ذلك تبليغ المقال إليه، و يعد توجيه الاستدعاء و عملية التبليغ شرطا أساسيا لإصدار الحكم على الخصم و إلا كان الحكم باطلا[11].

و يقصد بالتبليغ الشكل الذي يتم بواسطته إعلام الشخص بالإجراء المتخذ ضده أو لفائدته، فهو بذلك وسيلة قانونية تهدف إلى الإشعار بالموضوع الذي تعلق به التبليغ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال محاجة شخص بقرار ما أو بإجراء ما إلا بعد إشعاره و منحه الفرصة في إبداء ما لديه من رد أو دفاع[12].

و يخضع التبليغ في قضايا الأسرة من حيث المبدأ للقواعد المقررة في ق.م.م في الفصول 37، 38، 39 إلا إذا خص المشرع بعضها بنصوص خاصة كما هو الشأن في المادة 81 من مدونة الأسرة الخاصة بالطلاق حيث اشترط العلم اليقيني للزوجين و ذلك بالتوصل الشخصي.

و خلافا لما خص به المشرع التبليغ في الطلاق، فإنه لم ينص على أي مقتضيات خاصة بشأن التبليغ في مسطرة الشقاق، مما يعني خضوعها للنصوص العامة الواردة في ق.م.م فيكون التوصل صحيحا إذا سلم الاستدعاء لأحد الأشخاص الذين لهم الصفة لذلك طبقا للفقرة الأولى من الفصل 38 و هم الشخص نفسه، أو أقاربه أو خدمه أو لكل شخص آخر يسكن معه.

غير أن ما تجب الإشارة إليه بصدد صحة التبليغ ــ في مسطرة الشقاق ــ أنه يجب ألا يعتد به إذا تم لأصهار المدعى عليه من أقارب الزوج المدعي، لأنه في هذه الحالة يعد رفع الدعوى في حد ذاته قرينة قوية على النزاع بين العائلتين، مما يتعين معه عدم الاعتداد بهذا التبليغ حفاظا على حقوق الدفاع و صونا لكيان الأسرة[13].

و إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للأصهار، فإنه من باب أولى ألا يكون صحيحا إذا سلم للزوج الذي هو في نزاع مع الزوج الآخر[14].

و التبليغ يتم طبقا للفصل 37 من ق.م.م بواسطة أحد أعوان كتابة الضبط أو أحد الأعوان القضائيين أو عن طريق البريد برسالة مضمونة مع الإشعار بالتوصل أو بالطريقة الإدارية[15]. و ليس هناك ما يلزم محامي الزوج المدعي في مسطرة الشقاق من الالتزام بالسهر على تبليغ الاستدعاء للزوج المدعى عليه[16].

و حرصا من المشرع على ضرورة القيام بإجراءات الصلح التي تعتبر إجراءات وجوبية في مسطرة الشقاق، و التي لا يمكن أن تتم إلا بحضور الطرفين و خاصة الزوجة، فإنه أعطى للنيابة العامة دورا مهما في إجراءات التبليغ.

و يتجلى دور النيابة العامة عند استدعاء الزوجة لجلسة الصلح بصفة صحيحة ثم تتغيب و لا تقدم أي ملاحظات مكتوبة عن التغيب و أسبابه، ففي هذه الحالة تخطرها المحكمة عن طريق النيابة العامة بأنها إذا لم تحضر فسيتم البت في الملف، و كل هذا إذا كان عنوانها معلوما، أما إذا تبين أن عنوانها مجهول فإن المحكمة تستعين بالنيابة العامة للبحث عنها و الوصول إلى الحقيقة.

أما عن كيفية إخطار النيابة العامة للزوجة المتغيبة فيتم بمختلف الوسائل الكفيلة بوصول الإشعار إليها بما في ذلك الاستعانة بالضابطة القضائية أو بأحد أعوان النيابة العامة، و إذا ثبت تحايل الزوج بأن أعطى عنوانا وهميا أو غير صحيح لا علاقة للزوجة به، أو أعطى اسما هو غير اسم الزوجة الحقيقي، حق للنيابة العامة أن تتابع الزوج المتحايل طبقا للفصل 361 من القانون الجنائي الذي ينص على أن ” من توصل بغير حق، إلى تسلم إحدى الوثائق المشار إليها في الفصل السابق، أو حاول ذلك، إما عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة، وإما عن طريق انتحال إسم كاذب أو صفة كاذبة، وإما بتقديم معلومات أو شهادات أو إقرارات غيرصحيحة، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة من مائة وعشرين إلى ثلاثمائة درهم”. و تتم متابعة الزوج المتحايل بناء على طلب الزوجة المتضررة و سحب هذا الطلب يضع حدا للمتابعة قياسا على جنحة الخيانة الزوجية و السرقة بين الأقارب و ذلك حفاظا على تماسك الأسرة[17].

و بذلك يتبين أن المشرع أدخل النيابة العامة و أناط بها هذا الدور ضمانا لمواصلة السير العادي للدعوى، و حفاظا على حق الأطراف و خاصة الزوجة في التوصل بالتبليغ و بالتالي العلم بالإجراءات المتخذة ضدها أو لفائدتها. و ذلك انسجاما مع ما قرره المشرع في مدونة الأسرة، و ما ذهبنا إليه من اعتبار تدخل النيابة العامة في هذا النوع من القضايا تدخلا أصليا، يتعين التعامل معه بمزيد من الجدية و العناية اللازمتين.

[1]- ينص الفصل 6 من ق.م.م على أنه: ” يمكن للنيابة العامة أن تكون طرفا رئيسيا أو أن تتدخل كطرف منضم و تمثل الأغيار في الحالة التي ينص عليها القانون ”
[2]- تتجلى هذه الفوارق في كون أن:
تدخل النيابة العامة كطرف أصلي ينطوي على دور إيجابي لها في القضايا المدنية، فهي تعتبر واحدا من الخصوم، لها أن تبسط حججها و للخصوم التعقيب على آرائها و لها نفس الحق، و عندما تتدخل النيابة العامة كطرف منضم فإنها تكتفي بإبداء رأيها لفائدة القانون دون أن يجسد رأيها انتصارا لرأي طرف من الأطراف و يجب أن يكون ذلك في حدود النزاع المعروض على المحكمة.
يحق للنيابة العامة استعمال كافة طرق الطعن ما عدا التعرض عندما تكون طرفا رئيسيا في القضايا المدنية، و لا يحق لها ذلك عندما تكون طرفا منضما(الفصل 8 ق.م.م)، و تمارس النيابة العامة كطرف رئيسي حقها في الطعن في حدود القواعد العامة المرتبطة بذلك، كما أنه يجب تبليغ الأحكام لها و لا يغني حضورها عن ذلك.
حضور النيابة العامة إلزامي في الجلسات المدنية عندما تكون طرفا رئيسيا، و هو اختياري عندما يكون تدخلها انضمامي(الفصل 10 ق.م.م).
لا يجوز تجريح قضاة النيابة العامة عندما تكون طرفا رئيسيا لأنها تعتبر خصما حقيقيا في مواجهة الأطراف، و إذا كانت طرفا منضما فإنه يجوز للخصوم تجريحها لأي سبب من الأسباب المنصوص عليها في الفصل 295 من ق.م.م و ذلك طبقا للفصل 299 من القانون المذكور.
– سفيان أدريوش. دور النيابة العامة في مدونة الأسرة. مقالة بمجلة القضاء و القانون. العدد 150. ص: 139.
[3]- سفيان أدريوش. دور النيابة العامة في مدونة الأسرة. م.س. ص: 141.
[4]- حفيظة توتة. التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة. مقالة منشورة بمجلة المحامي. عدد: 49. ص: 141.
[5]- حسن بيوض. صلاحيات النيابة العامة في تفعيل مدونة الأسرة. مقالة بمجلة القصر. العدد 11 ماي 2005. ص: 125.
[6]- – سفيان أدريوش. دور النيابة العامة في مدونة الأسرة. م.س. ص: 144.
[7]- و المقصود بالإرجاع في هذا الفصل لا يكون بمقال أو دعوى تقدم للنيابة العامة، بل بأي وسيلة يصل العلم فيها للنيابة العامة بوجود هذه الحالة، و على النيابة العامة التحري قبل اتخاذ أمر الإرجاع للتأكد من صفة المطرود هل هو فعلا زوج أم لا، و هل له قرابة يقبلون إيواءه إذا كان في إرجاعه حالا خطرا عليه إلى غير ذلك من التدابير التي يمكن اتخاذها في هذا الباب.
– الحسين العلمي. مسطرة الشقاق في مدونة الأسرة. مقالة بمجلة المعيار. العدد 32. 2004. ص: 177.
[8]- أبو بكر بن العربي. أحكام القرآن. تحقيق عماد زكي البارودي. المكتبة التوفيقية. ج:1، ص: 532.
[9]- Ensemble d’auteurs. Le code de la famille ( perceptions et pratique judiciaire ). ImprimElite. 2007. p: 212.
[10]- حسن بيوض. صلاحيات النيابة العامة في تفعيل مدونة الأسرة. مقالة بمجلة القصر. العدد 11 ماي 2005. ص: 131.
[11]- الحسن بويقين. إجراءات التبليغ فقها و قضاء. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. ط 1. 2002. ص: 2.
[12]- حسن البكري. إشكالات قانونية في التبليغ من خلال العمل القضائي. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. ط 1. 2003. ص: 1.
[13]- محمد الكشبور، يونس الزهري، حسن فتوخ. التطليق بسبب الشقاق في مدونة الأسرة. مطبعة النجاح الجديدة. ط:1. 1427هـ – 2006، ص: 101.
[14]- جاء في حيثيات قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء: “و حيث إن تصريح الزوجة بكونها في نزاع مع زوجها المبلغ له، لا تبقى لها معه الصفة لتسلم الطي.”
– قرار رقم 2358. بتاريخ 9 نونبر 1989. ملف مدني عدد 398/89. بمجلة المحاكم المغربية. العددان 64، 65. 1992. ص: 136 و مابعدها. أورده عبد اللطيف خالفي. الاجتهاد القضائي في قانون المسطرة المدنية. المطبعة الوراقة الوطنية. ط 1. 2004. ج:1، ص: 136.
[15]- و يظهر أن هذه الإمكانيات تتكيف مع جميع الأوضاع و الظروف إلا أنها تسفر عن نتائج خطيرة فيما يخص تحديد المسؤولية في حالة عدم القيام بهذه الخدمة، تضاعف من أسباب عدم كفاءة مختلف الموظفين المكلفين بالتوزيع من أعوان كتابة الضبط و أعوان البريد و رجال الشرطة.
– أدولف رييولط. قانون المسطرة المدنية في شروح. تعريب و تحيين إدريس ملين. منشورات جمعية تنمية البحوث و الدراسات القضائية. دار نشر المعرفة. 1996. ص: 43.
[16]- يقرر المجلس الأعلى: “أنه لا يوجد قانون ما يلزم الدفاع بتسلم الاستدعاءات و تبليغها… مما يكون معه القرار بما ذهب إليه خارقا لحقوق الدفاع و عرضة للنقض.” ( قرار عدد 287. بتاريخ 15/03/2006. ملف تجاري عدد 626/3/1/2002. بمجلة القصر. العدد 16 يناير 2007. ص: 153 و ما بعدها).
[17]- الحسين العلمي. مسطرة الشقاق في ظل مدونة الأسرة. مقالة بمجلة المعيار. العدد 32. 2004. ص: 32.
و يرى البعض أن المحكمة المختصة بالبث في جنحة التزوير هي نفس المحكمة التي تنظر في طلب الإذن بالطلاق (أو التطليق بسبب الشقاق) لأسباب ثلاثة:
لأن النيابة العامة هي التي وصلت بفضل تحرياتها إلى الحقيقة.
لأن النيابة العامة أصبحت بمقتضى المادة 3 من المدونة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق نصوص المدونة.
و لأن التعديل المدخل بمقتضى قانون رقم 73- 03 على الفصل الثاني من الظهير المعتبر بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة أجاز للغرفة المكلفة بقضاء الأسرة، أن تبحث و تحكم في كل القضايا المعروضة على المحكمة كيفما كان نوعها بينما منع باقي الغرف من النظر في قضايا الأسرة.
– الحاتمي عبد اللطيف. المستجدات المسطرية في مدونة الأسرة. أشغال اليوم الدراسي الذي نظمته الجمعية الوطنية الحضن: “من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة أي جديد”. مطبعة النجاح الجديدة. ط 1. 2005. ص: 84، 85.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق