القاضي المكلف بإجراءات التنفيذ على ضوء القانون المغربي

القاضي المكلف بإجراءات التنفيذ على ضوء القانون المغربي

القاضي المكلف بإجراءات التنفيذ

سنتطرق لهذا الموضوع و المتعلق بالقاضي المكلف بإجراءات التنفيذ في القانون المغربي، و ذلك من خلال فقرتين أساسيتين: أولاها إشكالات الممارسة العملية لقضايا التنفيذ، ثانيها ضرورة تفعيل مؤسسة القاضي المكلف بإجراءات التنفيذ.

الفقرة الأولى : إشكالات قضاء التنفيذ في التشريع المغربي.

تماشيا مع الدور الذي بات يلعبه القضاء في استتباب الأمن و السلم الاجتماعيين و أيضا النهوض بالنمو الاقتصاد (1)ثم إحداث محاكم تجارية التي نص قانونها على إحداث مؤسسة قاضي التنفيذ قصد متابعة إجراءات التنفيذ(2).

وإذا كان الفصل الثاني من قانون إحداث المحاكم التجارية قد نص على إحداث هذه المؤسسة باعتباره الفصل الوحيد الوارد في هذا المجال فإن قانون 95-53 من خلال مادته 23 يحيل على مقتضيات قانون المسطرة المدنية ما لم يوجد نص مخالف، مما يفسر أن اختصاصات قاضي متابعة إجراءات التنفيذ غير واضحة المعالم و غير مؤسسة على قواعد قانونية جديرة بالاهتمام، مما يجعلها مؤسسة غير ذات مضمون حقيقي.

أما بخصوص مؤسسة قاضي التنفيذ على مستوى المحاكم العادية، فإنه تم التكريس لها من خلال مجموعة من الرسائل الدورية الصادرة عن وزارة العدل التي تهدف إلى تعبئة المحاكم سنويا لتدبير و القضاء على مخلف ملفات التنفيذ، بلغ عددها ست رسائل كان أخرها الرسالة عدد 8912 بتاريخ 15/04/2008 (3)ويتم التنصيص في كل رسالة دورية على تعيين قاضيا للتنفيذ، توكل إليه مهمة تتبع إجراءات التنفيذ دون تحديد اختصاصه بشكل واضح، مما أدى إلى خلق تذبذب واضح انعكس سلبا على وظيفة هذا الجهاز و بالتالي عدم التوصل إلى إشراف فعال له على إجراءات التنفيذ.

ولعل السبب في عدم نجاح هذه التجربة كون المشرع لم يفرد فصولا خاصة بمؤسسة قاضي التنفيذ تحدد اختصاصاته بشكل واضح وجلي على غرار قاضي تطبيق العقوبات وقاضي التوثيق سيما و أنه يتم تعيينهما بمرسوم من وزير العدل لمدة ثلاث سنوات.

وأيضا الدور المكرس لرئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضيا للتنفيذ في دائرة محكمته لمنحه البث في الصعوبات الوقتية للتنفيذ طبقا للفصلين 149 و 486 من ق م م إضافة إلى إشرافه على عمليات التنفيذ وإصداره مختلف الأوامر و القرارات الولائية المتعلقة بها (4).

إضافة إلى الأدوار المنوطة برئيس مصلحة كتابة الضبط الذي يعتبر المشرف الفعلي على التنفيذ من الناحية العلمية.

كل ذلك، وفي غياب تحديد واضح لاختصاصات مؤسسة قاضي التنفيذ، جعل من هذه الأخيرة تجربة تفتقد إلى الرؤية و التصور الواضحين، و بالتالي عدم نجاحها في مهمتها ولعل الواقع العملي خير دليل على ذلك، بل إن عدد من المحاكم تعين قضاة لتتبع إجراءات التنفيذ في جمعياتها العمومية(5)،

ويشار إلى ذلك بمحضر الجمعية في حين يظل رئيس المحكمة هو المحدد و المشرط بل الممارس على مستوى تتبع الإجراءات التنفيذية، فضلا عن اختصاصه في كل القضايا و النزاعات التي تهم التنفيذ دون غيره.

إن الاقتضاب الذي تعامل به المشرع مع هذه المؤسسة من خلال إغفاله تحديد اختصاصات القاضي المكلف بتتبع إجراءات التنفيذ من جهة، وعدم التأصيل لها و شرعنتها من خلال نصوص قانونية واضحة المعالم، لا من خلال دوريات سنوية تتم فيها إشارات عابرة لهذه المؤسسة، كل ذلك أدى إلى إحداث نوع التقاطع في اختصاصات رئيس المحكمة، وكذا تدخل اختصاصاته مع رئيس مصلحة كتابة الضبط باعتباره جهاز إداري(6).

و في غياب أي نص ينظم اختصاصات هذه المؤسسة باستثناء النص اليتيم المشار إليه آنفا بخصوص إحداث المحاكم التجارية، وبعد توالي الرسائل الدورية لوزارة العدل مند تاريخ 07 دجنبر 1998 حولها، جعل بعض الفقهاء و المتتبعين يرون أن تلك بدايات و إرهاصات أولى لمؤسسة قاضي التنفيذ كما هو ألشأن لعدد من التشريعات المقارنة، إلا أن هذه المؤسسة لا زالت في حاجة إلى رؤية و واضحة و فاحصة، حتى تتبوأ مكانتها المرجوة و تساهم لا محالة في تدليل العديد من إجراءات التنفيذ، وبذلك يتم تخفيف العبء على رؤساء المحاكم و تحقيق التخصص الذي أصبح حتمية لا بد من منها.

الفقرة الثانية : ضرورة تفعيل مؤسسة القاضي المكلف بالتنفيذ في القانون المغربي.

إن إنشاء مؤسسة القاضي المكلف بالتنفيذ تتبوأ مكانة مركزية في عدد من الأنظمة القضائية المقارنة كما سبق أن تقدم معنا، لأن نجاعة السلطة القضائية تكمن أولا في تهيئة السند التنفيذي أولا، ثم تمكين الدائن من اقتضاء حقه عن طريق التنفيذ،وهاتين الوظيفتين تتكامل فيما بينها، مما يستدعي توفير إشراف متواصل على إجراءات التنفيذ وعلى الأجهزة المشرفة عليه، وذلك لا يتأتى إلا بخلق جهاز قضائي نوعي ومستقل.

وإذا كانت وزارة العدل قد وعت هذه الأهمية وتنبهت إلى خلق هذا النوع من القضاء بموجبه الرسالة الدورة عدد 16 بتاريخ 07 دجنبر 1998، وجهت إلى السادة رؤساء المحاكم الابتدائية بإحداث قاضي مكلف بتتبع إجراءات التنفيذ على غرار ما ورد بالقانون المحدث للمحاكم التجارية كما سبق أن تقدم ،فإنها بقيت مبادرة غير جريئة لعدم تنصيصها و تحديدها لاختصاصاته و حدود ممارسته، سيما و أن الممارسة العملية تفرض بحدة وجود هذا النوع من القضاة.

وبغض النظر عما أثارته الولادة القيصرية لهذه المؤسسة ممن إشكالات ثم بسط بعضها بالفقرة السابقة، وفي إطار طرح بدائل عملية و علمية استنادا على تجارب أكدت و رسخت تقاليد لمؤسسة قاضي التنفيذ و جعلت منه جهة أساسية في نظامها القضائي، نورد الملاحظات التالية بخصوص التأسيس لهذه المؤسسة للخروج بها من حيز الوجود إلى حيز الفعل و الممارسة و ذلك باستناد اختصاصات و مهام لها تمارسها باستقلالية تامة كما هو الشأن بالنسبة لباقي التخصصات القضائية الأخرى.

فبالنظر للمشاكل التي ما فتئت تتزايد بخصوص عمليات التنفيذ سواء كانت ناتجة عن النزاعات و الصعوبات الجدية المثارة أثناء التنفيذ أو التي تهدف إلى المماطلة و التسويف قصد تأخير و إبطاء عملية التنفيذ مع ما يترتب عن ذلك من أثار قانونيةّ، فلابد أن يمنح المشرع لقاضي التنفيذ سلطات و واسعة بخصوص مراقبته و إشرافه على إجراءات التنفيذ، مع توضيح الحدود القانونية في تعامله مع باقي مأموري التنفيذ و المفوضين القضائيين، وهذا يستدعي تحديد هذه السلطات و رسم ملامحها.

فبخصوص الإشراف على عمليات التنفيذ، فإنه يتعين التفريق بين السلطات الإدارية المخولة لرئيس مصلحة كتابة الضبط و السلطات القضائية لممنوحة لقاضي التنفيذ في حدود إشرافه على سلامة و صحة قانون الإجراءات التنفيذية و توجيه القائمين عليها و بأمر بما يراه لازما لتدبيرها و الحرص على وصول الحقوق لذويها، وذلك لا يتأتى إلا بوجود قضاء متخصص و نوعي يتابع هدا النوع من الإجراءات بشكل يومي مما يعني حضوره بشكل مستمر في كل خطوة من خطوات التنفيذ و ممارسة رقابته على ما ينجز من محاضر وتقارير من طرف مأموري إجراءات التنفيذ، مما يستدعي تفرغه لهذه المهمة، و إذا عهد إليه بمهام قضائية أخرى حسب خصاص المحاكم و طبيعة تركيبتها فيجب أن تكون على حساب مهمته الجوهرية.

وعلاقة بما سلف و لأهمية تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية التي يجب أن تتسمم بالفعالية و السرعة، فيجب أن يجعل من قاضي التنفيذ محكمة قائمة بذاتها لها اختصاصها النوعي المتمثل في الفصل في منازعات التنفيذ الوقتية و الموضوعية و إصدار الأوامر و القرارات الولائية المتعلقة بها،و هذا يعني التأسيس لجهة مستقلة ذات اختصاصات واضحة.

وحتى يتأتى تكريس هذا الوضع، فيجب منح النضر و الحسم في جميع المنازعات التي تثار أثناء التنفيذ لقاضي التنفيذ و توضيح النطاق الممارساتي له أي اختصاصه الوظيفي و العناصر التي تساهم و تحدد هذا الاختصاص فيما إذا كان نوعيا أو محليا.

ولعل كل ذلك سيساهم لا محالة في توحيد الاختصاص في مسائل التنفيذ تفاديا لعدد من الإشكاليات التي تثار أثناء هذه المرحلة من الخصوصية القضائية، وذلك لا يتأتى إلا بخلق جهة واضحة المعالم تنظر في منازعات التنفيذ.

وكل ذلك لا يمكن تحقيقه بدون تدخل المشرع عن طريق نصوص قانونية تؤسس لهذه المؤسسة و توضح معالمها و تحدد اختصاصاتها حتى يمكن مباشرتها بشكل جلي وواضح و تمكينها من الآليات القانونية و البشرية دونما الاقتصار على نص يتيم منشئ لها لم يعقبه أي نص أخر ينظم اختصاصات هذا القاضي أو يحدد دوره، و نفس الشيء يسري على الرسائل الدورية الصادرة من وزارة العدل في هذا الشأن.

و الواقع العلمي يؤكد بجلاء أن رؤساء المحاكم يتولون فعليا ممارسة مهام قضاة التنفيذ، وحتى أن تعيين هؤلاء عن طريق الجمعيات العمومية السنوية وتثبيت ذلك في محاضر هذه الجمعيات، فلا يعدو أن يكون ذلك سوى إجراء شكلي في غياب نصوص تنظيمية تحدد الاختصاصات المتداخلة بين المؤسستين.

ولعل تكبيد رؤساء المحاكم أعباء إجراءات و منازعات التنفيذ له دور سلبي أكثر منه إيجابي في تتبع إجراءات التنفيذ التي ما فتئت تتكاثر، ولعل الحملات السنوية التي تتعبا لها المحاكم سنويا على هذا المستوى لخير دليل على ذلك، فضلا على أن هناك مجموعة من ملفات التنفيذ لا زالت مطمورة في الرفوف مما يفقد مصداقية الأحكام وفقدان ثقة المتقاضين في استرجاع حقوقهم، ذلك أن رؤساء المحاكم لهم اختصاصات أخرى قضائية و إدارية يمارسونها بحكم عملهم تجعلهم غير مواكبين لإجراءات التنفيذ بشكل يومي ومستمر، مما يجعل تفعيل مؤسسة قاضي التنفيذ تحت إشرافهم ضرورة عملية ملحة، فضلا عن ذلك أن الجهات القضائية المختصة للبت في منازعات التنفيذ متعددة، حيث يختص رئيس المحكمة الابتدائية في صعوبات التنفيذ طبقا للفصل 149 من ق.م.م بصفته قاضيا للأمور المستعجلة و كذا الفصلين 436 و 468 من نفس القانون في إطار عمله ألولائي، وتراجع صلاحية البت فيها للسيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف مع ما يثير هذا التداخل من إشكالات يثيرها تنازع الاختصاص للبت في صعوبات التنفيذ بين كلا الجهتين(7).

في حين يختص قضاء الموضوع في الصعوبات الموضوعية استنادا إلى الفصلين 26 و 482 من ق م م المتعلقين بتفسير الحكم ودعوى الاستحقاق الفرعي.مما يتبين معه أن نظام التنفيذ، الشيء الذي يستدعي جمع شتات هذا الاختصاص في إطار مؤسسة قاضي التنفيذ و أن يتدخل المشرع للتنصيص على ذلك كما هو الشأن بالنسبة للمشرع الفرنسي و المصري.

فتنفيذ الأحكام و القرارات هو الدليل و العربون الوحيد لدعم مصداقية القضاء ودولة الحق و القانون، وهذا ما استشعره جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في خطابه التوجيهي يوم 31 مارس 1982 بخصوص موضوع التنفيذ و أهميته حيث قال” مسؤولية التنفيذ هي على ما اعتقد أكبر المسؤوليات، ذلك أن التنفيذ يصل به الإنسان إلى استنتاجين: الاستنتاج الأول أن القضية لم تأخذ بعين الاعتبار في الموضوع وحتى لو حكم فيها، واعتقد المحكوم له و المحكوم عليه أن هذا على صواب و هذا على خطأ، فعدم التنفيذ أو التماطل في التنفيذ يجر المرء إلى تفكير آخر هو انحلال الدولة( …) ويعني هذا أنه لا يبقى أحد مطمئنا على سلامة القضاء و لا على نزاهته، ولا على السرعة في التنفيذ”.

المراجع المعتمدة في البحث:

1- جاء في كلمة لصاحب الجلالة المرحوم الحسن الثاني بمناسبة استقباله أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 24/04/1995:” فالقضاء اليوم لم يصبح فقط أساسا لطمأنينة الرعية و المجتمع بل أصبح ضرورة للنماء”

2- تم إحداث المحاكم التجارية بمقتضى الظهير الشريف رقم 65-97-1 بتاريخ 12 فبراير 1997 الصادر بتنفيذ القانون رقم 95-53 المنشور بالجريد الرسمية عدد 4482 بتاريخ 15 ماي 1997.

وقد نصت المادة الثانية في فقرتها الأخيرة من القانون المذكور على أنه :”يعين رئيس المحكمة التجارية باقتراح من الجمعية العمومية للمحكمة قاضيا مكلف لمتابعة إجراءات التنفيذ

3- على غرار المحاكم التجارية و من أجل ترسيخ نظام قاضي التنفيذ على مستوى المحاكم الابتدائية فقد تم التدشين لذلك بمقتضى الرسالة الدورية عدد 16 بتاريخ دجنبر 1998 التي حثت هذه المحاكم من خلال جمعياتها العمومية السنوية إلى خلق مؤسسة قاضي مكلف بتتبع إجراءات التنفيذ.

4- الفصول 440-448-450-478 من قانون المسطرة المدنية.

5- انظر ذ. محمد المجدوبي الإدريسي ” المحاكم التجارية بالمغرب دارسة تحليلية تقديم مقارنة” مطبعة بابل للطباعة و النشر و التوزيع،/الطبعة الأولى 1998 ص 212 و ما يليها.

6- غالبا ما يعجز القاضي المكلف بمتابعة إجراءات التنفيذ و هو يباشر مهامه إلى إصدار بعض الأوامر القضائية و التي تبقى من صميم اختصاص رئيس المحكمة كالحجز التحفظي أثناء عملية التنفيذ(ف 440 ق م م) وتحديد الغرامة التهديدية (ف 448 ق م م)، بل إنه غير قادر على اتخاذ بعض التدابير المصاحبة للتنفيذ، تعيين تاريخ السمسرة و البيع بالمزاد العلني و فتح الأبواب و العرف، ولعل ذلك عدم وجود نصوص قانونية تضع حدا للتقاطع في الاختصاصات بين رئيس المحكمة و القاضي المكلف بتتبع إجراءات التنفيذ.

للمزيد من الإيضاح يمكن الاطلاع على ذ/محمد الكشبور ” الكراء المدني و الكراء التجاري” م س ص 202 و ما يليها.

7- تميز الفقه عادة بين القرارات الولائية و القضائية بالنظر لطبيعة القرار الذي يصدره القاضي ونوع الإجراءات المتبعة في إصداره، فالأولى تصدر في غياب الخصوم دون استدعاءهم وسماع أقوالهم بخلاف القرارت القضائية التي تستوجب استدعاء الخصوم و سماع دفوعاتهم،فالقرارات الولائية لا تفصل في المنازعات على عكس نظيرتها القضائية بل تهدف إعطاء فعالية قانونية لإدارة الأطراف في الأحوال التي لا يعترف فيها المشرع بهذه الفعالية الذاتية كما هو الشأن بالنسبة لإجراء حجز تحفضي أو تعين خبير لتحديد قيمة المجوز…

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق