نظرية العقد في الشريعة و القانون

عالـم القانون4 يونيو 2022
نظرية العقد بين الشريعة و القانون

الشريعة الاسلامية،شريعة جامعة شاملة ما من كبيرة أو صغيرة إلا وأحاطت بها فهی دین ودنیا ناموس صالح لكل زمان ومكان، لان تعاليمها مستمدة من القرآن والسنة.
ومن أهم الموضوعات التي اهتم بها فقهاء الشريعة الاسلامية ومشرعوا القوانين الوضعية مسألة العقود والالتزامات، واذا كانت معظم القوانين الغربية جعلت للعقود والالتزامات احكاما مقننة في مدونات ومجاميع، فان الفقه الاسلامي لم يركب العقود والموجبات في نظرية واحدة وانما ترکها موزعة بين أحكام فقهية كثيرة كما هو الشأن في القرآن والسنة فهو لم يتأثر بالفقه الروماني كما تأثرت به بعض الشرائع الآخري.

تعريف العقد :

العقد في اللغة يعني الربط والسد وهو ضد الحل، ويطلق على العقد والميثاق وكل ما يفيد الالتزام بشی، عملا كان او ترکا.

وهو اما بكون مشروعا أو غير مشروع. فان كان مشروعا وجب الوفاء به لذلك بقول الله تعالی «یا أيها الذين آمنوا أوفرا بالعقود ».

وقال جل جلاله « وأرفرا بالعهد أن العهد كان مسؤولا، وقال في آية أخرى: «وأوفوا بعهد الله اذا عاهدتم ولا تنقضوا الامان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا».
وفي قصة آدم وحواء نهى الله آدم وزوجه عن الأكل من الشجرة فقال لها: «يا آدام اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربانو هذه الشجرة فتكرنا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه»..
إنه عقد بين اثنين اصيب الخارق له بما توعدهم به الباری تعالی كما جاء في قصة يوسف « وشروه بثمن بخس دراهم معدودة». وهناك آيات كثيرة تتعلق بالمواثيق والعقود كقوله تعالی :
ألست بربکم قالوا بلى . وفي آية أخرى : «انا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا.
وفي السنة الشريفة نجد عدة احادیث تتعلق بالعقود منها قوله صلى الله عليه وسلم : «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له.
وأما العقد شرعا فمعناه ارتباط القبول بالايجاب ارتباطا يظهر أثره في المعقود عليه، فالايجاب هو الكلام الذي يصدر أولا من طرف احد المتعاقدين والقبول هو الكلام الذي صدر عن الشخص الثاني ومجموع القبول والايجاب هو ما يعرف بصيغة العقد أو الرضا.
هذا وانه ليس هناك تعريف دقيق للعقد سواء في الشريعة الاسلامية أو القوانين الوضعية، فكل قانون وكل فقيه يعطى للعقد تعريفا خاصا:
فالجصاص يعرف العقد بقوله : « العقد التزم على الاحكام فيشمل ما بإدارتين وما بإرادة واحدة فهو ينظر الى العقد بالمعنى الأعم. ».
أما الطوسي فيفرق بين العقد والعهد، فالعقد فيه معنى الاستئناف والشد ولا يكون الا بين اثنين والعهد ينفرد به شخص واحد.
وقد استدل السنهوري بتعريف العقد على الموضوعية التي تسود الفقه الاسلامي حينما قال :
«العقد تعلق کلام أحد المتعاقدين بالآخر شرعا على وجه يظهر أثره في المحل» فالتصرف في نظر السنهوری ارادت محض والعقد جزء من التصرف القانونی.
وتوسع الفقهاء في اطلاق العقود على ما كان بالارادة المنفردة مما جعلهم يدخلون الاخراجات والايقاعات والايجابات في باب العقود بعدما كانت خارجة عنها.
ولذلك عرف أحمد ابراهيم العقد بأنه ایجاب الانسان أمرا على نفسه اما باختباره او ارادته واما بالزام الشرع له، وهذا آخر ما وصل اليه الفقه الاسلامي في حقيقة العقد والالتزام.

أما القوانين الوضعية فانها هي الاخرى اختلفت کما اختلف الفقهاء العرب في تعريف العقد، ولكن يمكن ادراج هذا التعريف الذي قد يكون معظم الفقهاء الأجانب يتفقون عليه وهو : «العقد توافق ارادتين أو أكثر على أحداث أثر قانوني برتبه القانون اعمالا له.
اما قانون الالتزامات والعقود المغربي فقد عرف العقد في المادة الأولى بقوله :
و «تنشأ الالتزامات عن الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الارادة وعن اشباه العقود وعن الجرائم وعن أشباه الجرائم ».

أركان العقد :

ركن العقد بالمعنى الغالب لدى الفقهاء، هو ارتباط الارادتين اي الايجاب والقبول، فأركان كل عقد هو ما لا يتحقق الا بها فان لم يوجد ركن منها فلا عقد وكل عقد لا يتحقق الا بتوافر ثلاثة أشياء هي :

1- العاقدان،

2 – محل يرد عليه العقد ويعرف بالمعقود عليه کالدار والسيارة.

3 – الصبغة الدالة على العقد، لأنه لا يوجد المدلول الا اذا وجد ما يدل عليه.

أما الحنفية فيكتفون بجعل أركان العقد اثنان فقط هما الايجاب والقبول الان وجودهما يستلزم وجود غيرهما في نظرهم.

ولكن هل تنشئ الارادة المنفردة التصرفات ؟
الأصل أن العقود لا تنشأ الا بارادتين، ولكن الشارع أجاز بعض العقود التي تنشأ بارادة منفردة دون حاجة الى قبول، لأن الشريعة الاسلامية تعتبر الارادة المنفردة منشئة للالتزام في كل تصرف ينشأ عنه التزام ويتم من غير ایجاب و قبول متوافقين، ومن أهم هذه التصرفات :

– الوقف: كان يقول الواقف أوقفت الملك الذي املكه لفلان وفلان.

– الابراء: يتم من الدائن دون حاجة الى قبول المدين فيكفي فيه عدم الرد.

– الكفالة: تنعقد الكفالة في المذهب المالكي بارادة منفردة وذلك حين يعبر عن ذلك الكفيل بنفسه.

– تصرف الفضولي: وهو كل تصرف يصدر من شخص بلا صفة شرعية كالذي برقم دار جاره في غيبته من دون موافقته.

– النذور والايمان: وهي أمور نجد أحكامها في قسم العبادات.

– الطلاق: يتم بارادة منفردة فلا يحتاج إلى ایجاب وقبول لانه من الاسقاطات.

– الهبة: تتم عند بعض الفقهاء بمجرد صدور عبارة الهبة.

– الوصية: تتم وتصح بمجرد وفاة الوصي وهي تجوز في حدود الثلث. ومازاد عنه فيحتاج إلى موافقة الورثة

– الجعالة: وتثبت حتى للجنين في بطن أمه ولكن لا تلزمه الا بعد ولادته حبا، وقد أشرنا بتفصيل الى هذه النقطة في بحثنا المتعلقة بالذمة والأهلية المنشور في العدد التاسع والعشرين من هذه المجلة.

شروط العقد :

شروط العقد على العموم اربعة :

نظرية العقد في الشريعة والقانون

أولا : اهلية العاقدین :

والاهلية كما نعلم نوعان : أهلية وجوب او تمتع وأهلية أداء او تصرف :

أ- فأهلية الوجوب

هي صلاحية الانسان للتمتع بالحقوق دون التحمل بالالتزام وهي تثبت لكل شخص حتى ولو كان جنبنا في بطن أمه لكن لا تكتمل الا بميلاده حبا.

ب – أما أهلية الأداء

فهي صلاحية الشخص للتمتع بالحقوق والتحمل بالالتزامات، فهذه لا يتصف بها الا من بلغ سن الرشد أي (21 سنة) حسب مدونة الأحوال الشخصية، وتختلف أهلية الاداء باختلاف العقود والتعرفات التي يباشرها الانسان، فالذي يكون أهلا لمباشرة عقود المعارضة قد لا يكون أهلا لمباشرة عقود التبرعات، ومن يكون أهلا للأخذ والتملك فلا يكون أهلا اللاعطاء والتمليك.

وعليه فالشخص اما یكون تام الاهلية أو فاقد الأهلية أو ناقص الاهلية وكل من هؤلاء أما أن يباشر العقود والتصرفات بنفسه لنفسه واما ان يباشرها الغيره وذلك حسب أطوار حياة الإنسان وأهليته :

1- طور الانسان وهو جنين :

وتثبت له أهلية وجوب ناقصة نبحق له أن يرث اذا ولد حيا كما يجوز أن يوصی له.

2 – طور الطفولة نبل التمييز :

وللطفل فيها أهلية وجوب كاملة ويستمر هذا الدور منذ الولادة إلى سن السابعة ويكون ضامنا لما قام بتلفه

3 – طور التبيز الى البلوغ :

وللشخص في هذا الدور اهلية اداء ناقصة وتبدأ من سن السابعة الى سن البلوغ (18 سنة ) فبصح منه الأفعال الثانية نفعا محضا ولا تصح منه الأفعال الضارة ضررا محضا وما يدور بين النفع والضرر فيجوز له التصرف فيه باذن وليه.

4 – طور البلوغ الى سن الرشد المالي:

تثبت فيه للانسان أهلية أداء

ثانيا: تعبين محل العقد :

يشترط بعض الفقهاء أن يكون محل العقد معلوما للعاقدين لمنع الغرر حتى لا يؤدي ذلك إلى المنازعات سبما اذا كان من عقود المعارضات فلا يجوز بيع كتاب من مكتبة دون تعيين اسمه واسم مؤلفه وتحديده بالذات، أما عقود التبرعات فيمكن عدم تحديد محلها كأن يوصي شخص بجزء من ماله دون أن يحدد نيته فيترك ذلك للورثة

1 – ان يكون المحل مشروعا :

أي قابلا لحكمه شرعا فاذا لم يقبل حكمه فلا يصلح محلا وعدم قبول المحل لحكم العقد يرجع لعدة أسباب منها :

أ- بالنسبة للمتعاقدين :

كأن يبيع شخص لآخر طيرا في السماء فهذا عقد غير صحيح

ب – محل العقد يتنافى مع ما يفرضه القانون،

كبيع ملك من الأملاك العامة

ج – يكون محل العقد شيئا محرما شرعا:

كالخمر والخنزير والمبتة فهذا عقد غير صحيح

ثالثا : أن يكون للعقد فائدة معتمدة شرعا:

السبب شرعا هو رغبة كلا الطرفين في امتلاك العرض فما التزم به البائع يكون سببا لما التزم به المشتري فلكل عقد من العقود غرض او سبب مقصود، ولذلك اختلفت العقود باختلاف أسبابها، فسبب عقد الزواج يختلف عن سبب عقد الهبة، فالفقهاء اعتبروا سبب عقود التبرعات بصورة عامة ارادة الخير وسبب عقود المعارضات هو الانتفاع او نقل الملكية.
وعليه يمكن تعريف السبب بأنه الغرض المباشر المقصود في العقد ولكن هل يمكن الاستغناء في العقد عن السبب ؟
نبادر الى القول بأن الأمان لا يعملون بنظرية السبب فهم يستغنون في عقودهم عن السبب، لكن اذا كانت القوانين اللاتينية النزعة تشترط للعقد
تجلبه هذه النظرية من مشاكل قانونية ولعلهم تأثروا ببعض فقهاء الشريعة الاسلامية الذين كانوا يعتدون بالارادة المنفردة ويجعلون من الرضى وحده رکنا أساسيا للعقد. أما فقهاء المالكية والحنابلة فانهم متشبثون أكثر من غيرهم بنظرية السبب ولذلك جاءت عقودهم مطبوعة به.

1 – أن يكون سبب العقد مشروعا:

أي مباحا فقد يكون محل العقد مشروعا وسببه غير مشروع فلا يصح العقد، كالذي برید کرا ء دارا ليجعل منها مكانا لبيع الخمور او الذي يبيع الأسلحة في وقت تشتد فيه الفتن.
والهدية للقاضي لا تجوز لان سببها غير مشروع رغم شرعية محلها لانها من قبيل الرشوة. فالذي يبيع العنب الأخر عليه أن يتأكد من كونه سوف لا يجعلها خمرا والا اعتبر السبب غير مشروع، فمحل العقد وهو يبع العنب مشروع اما اذا كان الباعث على الشراء هو تحويلها إلى خمر فان السبب يصبح غير مشروع

2 – أن يكون سبب العقد صحيحا:

فلا يكفي وجود السبب ومشروعيته بل يجب أن يكون الى جانب ذلك صحيحا، فالسبب الضروري يجعل العقد غير صحيح كأن يتزوج بمائة ألف درهم ويظهر أمام الشاهدين العدلين انه تزوج بسبعين ألف فالعبرة هنا بالمهر الحقيقي لا الصوري.
تلك هي أحكام العقد وأركانه في الشريعة والقانون، واذا كانت الغاية من خلق العالم واستخلاف الانسان فيه هو قيامه بالواجب لعمارته، فأوجب عليه العمل وترك البطالة لانتاج ما يحتاج اليه الناس من طعام ولباس، فان كل واحد ملتزم شرعا نحو الهيأة الانسانية بأداء واجبه والمساهمة بما يحتاج اليه المجموع فهو مدين لغيره كما انه دائن لجمبعهم وكل ذلك بتحقق عن طريق اللزوم والالزام الذي محوره العقد
وفي العد العقادم سنتناول بحول الله عيوب الرضى في القانون المغربي، باعتبار الرضى اهم ركن من أركان العقد.

المصدر الأستاذ:عبد الرحيم بن سلامة
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق