مقدمة
يشكّل إذن السفر الإلكتروني (Electronic Travel Authorisation – ETA) إحدى أهم حلقات التحوّل الرقمي في سياسات الهجرة البريطانية خلال 2025.
الفكرة بسيطة: قبل أن تصعد الطائرة أو العبّارة إلى المملكة المتحدة، تُنجز تفويض سفرٍ رقميّ –غير ورقي– مرتبطًا بجوازك، يتيح لك القدوم كزائر لفترات قصيرة ويُسهّل على شركات النقل والسلطات إجراء الفحص الأمني المسبق. ليس “تأشيرةً” بالمعنى التقليدي، بل إذنٌ مسبق للسفر لا يضمن الدخول نهائيًا، إذ تبقى سلطة القرار النهائية لموظف الحدود عند الوصول.
في هذا السياق، يهدف النظام إلى تأمين الحدود وتسريع العبور مع تقليل المفاجآت عند بوابات الصعود، ودمج المملكة المتحدة في موجة عالمية أوسع من “التصاريح الإلكترونية” كالـESTA الأمريكي وETIAS الأوروبي.
المحور الأول: ما هو الـETA؟ الطبيعة القانونية وهدف السياسة
الـETA تصريح رقمي للسفر يُطلب من معظم القادمين الذين لا يحتاجون إلى تأشيرة زيارة قصيرة (حتى 6 أشهر)، أو الذين لا يملكون أصلًا صفة هجرة سارية بالمملكة المتحدة. تكلفته 16 جنيهًا استرلينيًا ويُقدَّم عبر تطبيق رسمي أو عبر موقع حكومي. وهو ليس تأشيرة ولا “ضريبة دخول”، بل تفويض للسفر سيتم التحقق منه آليًا قبل الصعود، مع بقاء قرار الدخول النهائي عند الوصول. هذه الهندسة جزء من برنامج أوسع يسمى “الإذن الشامل للسفر” (Universal Permission to Travel) والذي يربط شركات النقل بقاعدة حكومية للتحقق من امتلاك كل مسافر إذنًا صالحًا قبل نقله. وإذا حملت شركةٌ “قادمين غير موثّقين” فقد تتعرض لغرامات. وعليه، فالـETA أداةُ فرزٍ مسبق لا تُنشئ حقّ الدخول بحدّ ذاته.
المحور الثاني: من يحتاج الـETA الآن؟ ومتى أصبح إلزاميًا؟
اعتمدت الحكومة طرحًا مرحليًّا: فبعد ضمّ شريحة واسعة من غير الأوروبيين ابتداءً من 8 يناير/كانون الثاني 2025، فُتح التقديم للأوروبيين في 5 مارس/آذار 2025 مع بدء الإلزام فعليًا في 2 أبريل/نيسان 2025. وبحلول خريف 2025، باتت غالبيّة رعايا الدول المعفاة من التأشيرة (مثل الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، نيوزيلندا وغيرها) مطالَبين بالـETA قبل السفر إلى المملكة المتحدة، مع تحديث قائمة الجنسيات المؤهّلة دوريًا على GOV.UK. في هذا الإطار، يجدر بمن يخطط للسفر أن يتحقق من أهلية جنسيته على الصفحة الرسمية المحدثة، لأن بعض الدول أُضيفت أو أُزيلت خلال 2024–2025 وفق المستجدات.
ثمة استثناءات مهمة لا تحتاج الـETA أصلًا، من بينها:
• حاملو الجنسية البريطانية أو الإيرلندية.
• من لديهم تأشيرة بريطانية أو إذن إقامة/دراسة/عمل (بما في ذلك وضعا الإقامة المستقرة/ما قبل المستقرة).
• المقيمون في إيرلندا الداخلون من داخل منطقة السفر المشتركة (إيرلندا، جيرسي، غيرنزي، آيل أوف مان) مع إحضار ما يثبت الإقامة بالنسبة لمن هم 16 عامًا فأكثر.
• العبور “جويًّا بدون اجتياز مراقبة الجوازات” (airside) لا يتطلب ETA حاليًا؛ أمّا إذا كنت ستمر عبر الحدود (landside) فستحتاجه.
ملاحظة للقراء في المغرب: يحمل المواطن المغربي صفة دولة تحتاج تأشيرة زيارة إلى المملكة المتحدة، وليس ETA. وعليه، إن لم تكن تحمل جنسية ثانية معفاة من التأشيرة، يلزمك طلب تأشيرة وفق الغرض من السفر. (تحقق دائمًا من أداة “هل أحتاج تأشيرة أو ETA؟
المحور الثالث: ماذا يتيح الـETA… وما حدوده؟
بحصولك على الـETA يمكنك القدوم حتى 6 أشهر للسياحة أو زيارة الأقارب أو رحلات الأعمال القصيرة أو دراسة قصيرة الأمد، كما يتيح العمل الإبداعي المؤقت حتى 3 أشهر وفق “تخفيضات العامل الإبداعي”، والانخراط في مشاركة مدفوعة تُسمى Permitted Paid Engagement. لكنه لا يتيح الإقامة الطويلة أو العمل بأجر أو دون أجر لصالح جهة بريطانية خارج الأطر المحددة، ولا الزواج أو تسجيل الشراكة المدنية (له تأشيرة مخصّصة)، ولا الاستفادة من الأموال العامة، ولا “العيش عبر تكرار الزيارات” بما يتحايل على قوانين الإقامة. هذه الضوابط تعكس المنطق الأصلي: زيارة قصيرة محدودة الغرض.
المحور الرابع: إجراءات طلب الـETA خطوة بخطوة (عمليًّا)
1. القناة والرسوم: تتقدم عبر تطبيق UK ETA (iOS/Android) أو عبر النموذج الإلكتروني على الموقع الحكومي. الرسوم 16£، ولا تُسترد بعد التقديم، ولا توجد “خدمة سريعة” عبر مواقع وسيطة – تجنّب المواقع غير الرسمية.
2. المتطلبات الأساسية: جواز السفر الذي ستسافر به، بريد إلكتروني صالح، وسيلة دفع (بطاقة أو Apple Pay/Google Pay). ستحتاج إلى صورة وجه (سيلفي) وصورة لصفحة بيانات الجواز، مع مسح الشريحة الإلكترونية والوجه عبر التطبيق حينما يتاح ذلك. يمكن التقديم للغير مع صورهم.
3. النتيجة والربط الرقمي: تصلك النتيجة عادة خلال يوم عبر البريد، وإن تأخرت راجع UKVI بعد 3 أيام عمل. عند الموافقة، يرتبط الـETA رقميًا بجوازك؛ لا حاجة لطباعة أو إظهار QR – يكفي الجواز ذاته عند الصعود والوصول.
4. المدة وتعدّد الدخول: صلاحية الـETA عامان أو حتى تاريخ انتهاء الجواز (أيهما أقرب)، ومعه يمكنك الدخول عدة مرات طالما الغرض “زيارة”. عند إصدار جواز جديد، ستحتاج ETA جديدًا.
5. نصيحة تخطيطية: قد تتطلب نسبة قليلة من الطلبات مراجعة إضافية، لذا احسب هامشًا زمنيًا قبل السفر، مع أنّ الغالبية تحسم سريعًا.
كيف تتقاطع الإجراءات مع شركات النقل؟
تنتمي منظومة الـETA إلى نهج “الإذن الشامل للسفر”، ما يعني أن الناقلين (شركات الطيران والعبّارات) يتحققون رقميًا من امتلاك المسافر إذنًا صالحًا قبل السماح بالصعود. وإذا نقلت شركةٌ مسافرًا دون إذنٍ صالح قد تتعرض لعقوبات “قادمين غير موثّقين” تصل إلى غرامة مالية. لذلك، من المهم التأكد من الموافقة قبل الحضور للمطار.
المحور الخامس: أين يقع الـETA ضمن المشهد العالمي؟ (ETIAS/EES والعبور الأوروبي)
يأتي الـETA البريطاني متزامنًا مع إطلاق الاتحاد الأوروبي نظام الدخول/الخروج EES في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2025، يعقبه ETIAS المتوقع في أواخر 2026. عمليًّا، يعني ذلك أن المسافر البريطاني إلى أوروبا –والمسافر إلى المملكة المتحدة– سيدخلان عصرًا جديدًا من الترخيص المسبق والربط الرقمي بالجواز، مع اختلافات في الرسوم والأهداف التقنية. بالنسبة للزائر إلى بريطانيا، يظل المرجع هو الـETA، بينما يظل الـETIAS مرتبطًا بدخول منطقة شنغن وليس المملكة المتحدة. هذه التقاطعات تفيد صانعي السياسات، وتلزم المسافرين بالتخطيط المسبق وتفقد المتطلبات قبل كل رحلة.
خاتمة
إذن السفر الإلكتروني البريطاني تحوّل هيكلي في كيفية إدارة الحدود وتنظيم الزيارات القصيرة. فلسفته تقوم على التحقق المبكر، وتقليل حالات المنع عند البوابة، وتقديم تجربة أكثر انسيابية للمسافر الملتزم بالقواعد. لكنه –بحكم طبيعته– لا يمنح حقّ الدخول ولا يبدّل الحاجة إلى التأشيرة متى تطلّب الغرض أو الجنسية ذلك. عمليًا، أفضل استراتيجية للمسافر:
1. التحقق من الأهلية وفق جنسيتك على GOV.UK،
2. التقديم المبكر عبر القنوات الرسمية فقط،
3. الالتزام بالغرض الزائر وعدم توظيف الـETA كبديلٍ عن تأشيرات العمل/الدراسة الطويلة،
4. مزامنة خطتك مع تطورات EES/ETIAS الأوروبية إذا كانت رحلتك متعددة الوجهات داخل القارة. في المحصّلة، يُملي المشهد الراهن وعيًا قانونيًا وعمليًا يسبق تذكرة السفر، لتفادي التعطيل وتحقيق رحلةٍ سلسة.













