إذا كان المغرب قد بادر باتخاد إصلاحات لتعزيز الحكامة الجيدة، خاصة على مستوى تحسين محيط الأعمال و الإستثمار، و تحديث التدبير العمومي، و استكمال الأليات القانونية للوقاية من الفساد و مكافحته، فإن فعالية المجهودات المبذولة لازالت مع ذلك لم تتأكد، حيث يلاحظ عموما وجود فجوات بين التشريعات و الإجراءات المتخذه و بين الممارسات و النتائج الفعلية على مختلف الأصعدة.
فعلى مستوى تحسين محيط الأعمال، رغم أن الجهود المبذولة ساهمت في توفير فرص ناجعة لاجتذاب رؤوس الأموال و الإستثمارات الخارجية، فإنها لم تمكن المغرب بشكل ملحوظ من تحسين قدرته التنافسية لربح حصص مهمة في الأسواق الجهوية أو الدولية، و بالتالي من رفع وتيرته التنموية بشكل ملموس.
و فيما يتعلق بالتدبير العمومي، و رغم توفر المغرب على بنية تشريعية وإدارية حديثة، فقد لوحظ ان هناك قصور على مستوى:
– تدبير الموارد البشرية التي تشوبها بعض الإختلالات المتعلقة خصوصا بالمسار و السلوك الوظيفي.
– تدبير الصفقات العمومية التي أبان نظامها القانوني رغم إيجابياته عن مجموعة من الإختلالات على مستوى التطبيق، و لم يستطع مشروع المرسوم الحالي الموجود قيد التحضير تجاوزها، حيث لم يحد من السلطة التقديرية لصاحب المشروع، و لم يقم بتدقيق أساليب و شروط و اجال الطعن.
– التدبير المفوض للمرافق العمومية الذي يفتقر لضوابط موضوعية لتوضيح القطاعات الإنتاجية القابلة للتفويت، في هذا الإطار يبقى قاصرا كونه لم يشمل الدولة، و لاتمتد مراقبته لتشمل تسعيرات الخدمات.
– منع الجمع بين الوظائف و تضارب المصالح التي لازال التشريع المعتمد بشأنها يحتاج إلى تدقيق و تدعيم في إطار مدونات أخلاقية.
– و على مستوى إدارة المعلومات ، لوحظ أيضا أن بنيتها القانونية و الإدارية لازالت في طور البداية، حيث يسجل غياب قانون عام يتعلق بالولوج إلى المعلومات، بالإضافة إلى محدودية استخدام التقنيات الحديثة في نشر و التماس المعلومات.
من خلال كل ماسبق يتبين ان هناك عدة إكراهات للحكامة على مستوى التطبيق، تحول دون استفادة المغرب من فرص الإنفتاح و العولمة، و تحقيقه لأهداف التنمية الإقتصادية و البشرية المستدامة.
وفي هذا الصدد يتعين على المغرب أن يمنح الصدارة ضمن أولوياته لتحسين مستوى الحكامة و ترسيخ مقومات النزاهة و الشفافية و المسؤولية. من خلال العمل وفق توجهات أساسية تتجلى على الخصوص في:
أولا: تجديد مقاربات التخطيط كأداة فعالة للحكامة الجيدة من خلال النهوض بثقافة المسؤولية و تقييم البرامج و المشاريع و الإعتماد على آليات اليقظة الإسترتجية و المعرفة المعمقة بالمجتمع.
ثانيا: عقلنة و تفاعلية نظام اتخاذ القرارات، من خلال توجيه الجهود نحو شروط أوسع للشفافية بالنسبة للفاعلين السياسيين و الإجتماعيين و الإقتصاديين.
ثالثا: تشييد إدارة مواطنة و حديثة تتميز باستقرار الهياكل الإدارية و تثمين الموارد البشرية و تنسيق و إدماج السياسات العمومية و ترشيد التدبير العمومي.
رابعا: تعزيز نزاهة و فعالية و استقلالية الجهاز القضائي.
خامسا: إعطاء نفس جديد لسياسة اللامركزية كمجال أساسي لتوسيع نطاق الممارسة الديمقراطية و تنظيم سياسة القرب و مشاركة الساكنة و تجاوز بطء و تعقيد مساطر اتخاذ القرارات.
سادسا: التخليق الشامل لمجال الأعمال من خلال تعزيز الأليات اللازمة لضمان التنافسية و ضمان حرية الأسواق و الوقاية من كل الممارسات اللامشروعة.
سابعا: مكافحة الفساد وفق مقاربة شمولية و تشاركية تتكامل فيها الإجراءات الوقائية و الزجرية و التواصلية و التربوية، و تنخرط فيها جميع الفعاليات من القطاع العام و الخاص و المجتمع المدني، و تركز على توطيد دعائم منظومة وطنية للنزاهة تتوخى ترسيخ قيم الشفافية و المساءلة و إعطاء الحساب سواء في التدبير العام أو الخاص.
إجمالا فإن إقرار هذه التوجهات الهادفة إلى تحسين مستوى الحكامة، من شأنه الإرتقاء بمستوى تدبير القطاعات العمومية، و بالتالي إذكاء دينامية جديدة في سياسة مكافحة الفساد مع مشروع النهوض بالحكامة الجيدة الذي يوجد حاليا في صلب انشغالات السلطات العمومية، و ذلك من خلال التعبئة و العمل على التنزيل السليم لمقتضيات الدستور، الذي بوأ الحكامة الجيدة مكانة متميزة