تقييم الحكامة في تدبير القطاعات الترابية بالمغرب.

عالـم القانون16 أغسطس 2020
تقييم الحكامة في تدبير القطاعات الترابية بالمغرب.

إذا كان المغرب قد بادر باتخاد إصلاحات لتعزيز الحكامة الجيدة، خاصة على مستوى تحسين محيط الأعمال و الإستثمار، و تحديث التدبير العمومي، و استكمال الأليات القانونية للوقاية من الفساد و مكافحته، فإن فعالية المجهودات المبذولة لازالت مع ذلك لم تتأكد، حيث يلاحظ عموما وجود فجوات بين التشريعات و الإجراءات المتخذه و بين الممارسات و النتائج الفعلية على مختلف الأصعدة.
فعلى مستوى تحسين محيط الأعمال، رغم أن الجهود المبذولة ساهمت في توفير فرص ناجعة لاجتذاب رؤوس الأموال و الإستثمارات الخارجية، فإنها لم تمكن المغرب بشكل ملحوظ من تحسين قدرته التنافسية لربح حصص مهمة في الأسواق الجهوية أو الدولية، و بالتالي من رفع وتيرته التنموية بشكل ملموس.
و فيما يتعلق بالتدبير العمومي، و رغم توفر المغرب على بنية تشريعية وإدارية حديثة، فقد لوحظ ان هناك قصور على مستوى:
– تدبير الموارد البشرية التي تشوبها بعض الإختلالات المتعلقة خصوصا بالمسار و السلوك الوظيفي.
– تدبير الصفقات العمومية التي أبان نظامها القانوني رغم إيجابياته عن مجموعة من الإختلالات على مستوى التطبيق، و لم يستطع مشروع المرسوم الحالي الموجود قيد التحضير تجاوزها، حيث لم يحد من السلطة التقديرية لصاحب المشروع، و لم يقم بتدقيق أساليب و شروط و اجال الطعن.
– التدبير المفوض للمرافق العمومية الذي يفتقر لضوابط موضوعية لتوضيح القطاعات الإنتاجية القابلة للتفويت، في هذا الإطار يبقى قاصرا كونه لم يشمل الدولة، و لاتمتد مراقبته لتشمل تسعيرات الخدمات.
– منع الجمع بين الوظائف و تضارب المصالح التي لازال التشريع المعتمد بشأنها يحتاج إلى تدقيق و تدعيم في إطار مدونات أخلاقية.
– و على مستوى إدارة المعلومات ، لوحظ أيضا أن بنيتها القانونية و الإدارية لازالت في طور البداية، حيث يسجل غياب قانون عام يتعلق بالولوج إلى المعلومات، بالإضافة إلى محدودية استخدام التقنيات الحديثة في نشر و التماس المعلومات.
من خلال كل ماسبق يتبين ان هناك عدة إكراهات للحكامة على مستوى التطبيق، تحول دون استفادة المغرب من فرص الإنفتاح و العولمة، و تحقيقه لأهداف التنمية الإقتصادية و البشرية المستدامة.
وفي هذا الصدد يتعين على المغرب أن يمنح الصدارة ضمن أولوياته لتحسين مستوى الحكامة و ترسيخ مقومات النزاهة و الشفافية و المسؤولية. من خلال العمل وفق توجهات أساسية تتجلى على الخصوص في:
أولا: تجديد مقاربات التخطيط كأداة فعالة للحكامة الجيدة من خلال النهوض بثقافة المسؤولية و تقييم البرامج و المشاريع و الإعتماد على آليات اليقظة الإسترتجية و المعرفة المعمقة بالمجتمع.
ثانيا: عقلنة و تفاعلية نظام اتخاذ القرارات، من خلال توجيه الجهود نحو شروط أوسع للشفافية بالنسبة للفاعلين السياسيين و الإجتماعيين و الإقتصاديين.
ثالثا: تشييد إدارة مواطنة و حديثة تتميز باستقرار الهياكل الإدارية و تثمين الموارد البشرية و تنسيق و إدماج السياسات العمومية و ترشيد التدبير العمومي.
رابعا: تعزيز نزاهة و فعالية و استقلالية الجهاز القضائي.
خامسا: إعطاء نفس جديد لسياسة اللامركزية كمجال أساسي لتوسيع نطاق الممارسة الديمقراطية و تنظيم سياسة القرب و مشاركة الساكنة و تجاوز بطء و تعقيد مساطر اتخاذ القرارات.
سادسا: التخليق الشامل لمجال الأعمال من خلال تعزيز الأليات اللازمة لضمان التنافسية و ضمان حرية الأسواق و الوقاية من كل الممارسات اللامشروعة.
سابعا: مكافحة الفساد وفق مقاربة شمولية و تشاركية تتكامل فيها الإجراءات الوقائية و الزجرية و التواصلية و التربوية، و تنخرط فيها جميع الفعاليات من القطاع العام و الخاص و المجتمع المدني، و تركز على توطيد دعائم منظومة وطنية للنزاهة تتوخى ترسيخ قيم الشفافية و المساءلة و إعطاء الحساب سواء في التدبير العام أو الخاص.
إجمالا فإن إقرار هذه التوجهات الهادفة إلى تحسين مستوى الحكامة، من شأنه الإرتقاء بمستوى تدبير القطاعات العمومية، و بالتالي إذكاء دينامية جديدة في سياسة مكافحة الفساد مع مشروع النهوض بالحكامة الجيدة الذي يوجد حاليا في صلب انشغالات السلطات العمومية، و ذلك من خلال التعبئة و العمل على التنزيل السليم لمقتضيات الدستور، الذي بوأ الحكامة الجيدة مكانة متميزة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق