إن الحديث عما يجري في سوريا هو أمر بالغ التعقيد كون هذه البقعة المعروفة بتنوعها المجتمعي وموقعها الاستراتيجي المتميز الذي خلق مركزيتها إقليمياً ودولياً، دخلت في نفق مظلم لا طرف من أطراف الصراع يعلم نهايته لأنهم أصبحوا أمام لعبة جيوستراتيجية متداخلة الأبعاد، تلعب فيها إرادة القوى الإقليمية والدولية الدور
الأهم. وبهذا باتت الأزمة السورية محورا للتفاعل بين القوى الإقليمية، فكل قوة من جهتها ترى في سقوط نظام الأسد فرصة لفرض نفوذها أو خسارة لحليف إستراتيجي لها(1)
الفقرة الأولى : التدخل الأمريكي
ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تتجنب التدخل العسكري وتسليح المعارضة بأسلحة ثقيلة تمكنها منم واجهة الآلة العسكرية الضخمة لقوات النظام، مكتفية بإعلان تأييدها للثورة والمناداة برحيل رأس النظام السوري، ومفضلة بعد عرقلة الفيتو الروسي الصيني للمبادرات الأممية أن تعمل مع روسيا على إيجاد تسوية سلمية للملف السوري، رغم تأكدها أن نسبة نجاح سوريا في حل أزمتها بطريقة سلمية ضئيلة جدا إلا أنها لا تزال تأمل في الوصول إلى تسوية سياسية متفاوض عليها بين النظام والمعارضة.(2)
يدخل هذا الرفض الأمريكي للتدخل العسكري في سوريا، ضمن ما أسماه الرئيس ب “مبدأ أوباما” والذي أعلنه مبدءا أساسيا في سياسته الخارجية، يقوم هذا المبدأ على مجموعة من المرتكزات أهمها:
تقليص استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية: ترفض الإدارة الأمريكية بموجب هذا المبدأ استخدام القوة العسكرية إلا إذا تعلق الأمر بالمصالح الأساسية الأمريكية، أي عندما يكون هناك خطر يهدد الأمن والشعب والاقتصاد الأمريكيين، أو عندما يكون أمن حلفاء واشنطن في خطر. يبدو أن إدارة أوباما تحاول تجنب الدخول في مغامرات عسكرية مكلفة وغير محسوبة على غرار الحرب على العراق.
مكافحة الإرهاب: وضع هذا المبدأ الإرهاب على رأس التهديدات المباشرة التي تحدق بالولايات المتحدة داخليا وخارجيا، إلا أن مواجهته لا يجب أن تتم بغزو كل دولة تؤوي شبكات إرهابية، لذلك ركزت إدارة أوباما في تصديها للإرهاب فضلا عن قيامها بالعمليات الخاصة، والهجمات بطائرات بدون طيار مثل ما يجري في اليمن وباكستان، على تقديم المشورة وتدريب قوات الجيش والأمن في الدول التي تعاني من توغل الإرهابيين بها.
العمل في إطار تحالفات دولية: عند بروز الحاجة لاستخدام القوة العسكرية تفضل إدارة أوباما بموجب هذا المبدأ اللجوء إلى أدوات بديلة مثل التحرك عبر الأمم المتحدة، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، أو عبر حلف الشمال الأطلسي “الناتو”، أو عبر التفاوض، ومن خلال هذا البند يؤكد أوباما على فاعلية هذه الأدوات البديلة للقوة العسكرية في تعريف الزعامة الأمريكية عالميا.(3)
يرتبط هذا الموقف الأمريكي المتحفظ بالخشية من أن انخراط الولايات المتحدة في الصراع السوري قد يقود إلى النتيجة ذاتها التي أفرزها التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان والمتمثلة في إنهاك الاقتصاد الأمريكي وتوريط الجيش، لذلك ظل أوباما ينأ ببلاده عن أي تورط عميق في سوريا لأنه يرى أنه حتى لو نجح تدخله في إسقاط الأسد فإن الأوضاع في سوريا لن تكون مستقرة مما قد يؤدي إلى نشوب حرب أهلية وبالتالي سيصبح وجود الجيش الأمريكي في سوريا خطراً.(4)
شكل الصراع الدائر في سوريا تحديا صعبا لإدارة أوباما، الذي اتخذ قرار ينطوي على تجنيب بلاده, التدخل العسكري في سوريا، التي باتت على رأس الدول التي تتعرض لانتهاكات علنية لحقوق الإنسان بانتظار استجابة دولية تخلصها من هذا الوضع المأساوي، وأمام صمت الولايات المتحدة على هذه الانتهاكات تلقت الإدارة الأمريكية من خصومها السياسيين مجموعة من الانتقادات بسبب عدم استجابتها لاستغاثة سوريا. ومن أجل التعامل مع هذا النقد وضع أوباما في خطابه ب 20 غشت 2012 استخدام الأسلحة الكيماوية كخط أحمر، إذا ما تجاوزه النظام السوري فسيكون معرضا للتدخل عسكري. وفي 21 غشت 2013 شنت قوات النظام هجوما بالغاز السام على الشعب السوري، وهو ما استنكرته إدارة أوباما واعتبرته تجاوزا للخط الأحمر الذي حذرت النظام منه، ولذلك حاول الرئيس الأمريكي كسب تأييد لتدخله العسكري المزمع في سوريا، إلا أن تباين الموقف بين الرئيس والكونجرس حال دون خلق استجابة أمريكية موحدة في هذا الشأن، مما جعل أوباما يقبل بالتعاون مع روسيا لإزالة وتدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها النظام السوري .
ينبع الموقف الأمريكي الرافض لتزويد المعارضة السورية بالأسلحة الأمريكية من خشية الولايات المتحدة وقوع السلاح في أيدي من تسميهم “الجماعات المتطرفة” مما يزيد من احتمال مهاجمة المصالح الأمريكية بعد انتهاء الصراع، وقد انقسمت الإدارة الأمريكية في هذا الشأن إذ مارس الكونجرس ضغطا كبيرا على البيت الأبيض لدفعه لقبول تسليح الثوار، لكن أوباما ظل رافضا لهذه الفكرة وركز في دعمه للمعارضة على تقديم المعونات الإنسانية والمعدات.
وقد قامت وزارة الدفاع الأمريكية في ربيع 2013 بتحديث خطتها الطارئة بشأن الأزمة السورية، إلا أن الضغوط المستمرة للكونجرس والتي تفضي إلى عدم إيجاد إستراتيجية واضحة وقابلة للتنفيذ للتدخل الفعال أمام قوات النظام، إضافة إلى غياب صدور أي قرار عن مجلس الأمن يسمح باستخدام القوة ضد النظام السوري بسبب الفيتو الروسي الصيني الذي يشكل غطاءا واقيا للنظام، وعدم وجود ما يلزم حلف الناتو باستخدام القوة، شكلت عوائق دبلوماسية أمام إستراتيجية أوباما المتعلقة بالملف السوري.(5) جاء الرئيس الأمريكي أوباما إلى السلطة حاملا شعار القطع مع التدخل العسكري المباشر وانتهجت إدارته سياسة الانكفاء نحو الداخل وهو ما يفسر إحجامه عن التدخل عسكريا في سوريا، وفي واقع الأمر فإن لإدارة الأمريكية لم ترى لحد الآن أن تحقيق أهدافها في سوريا يتطلب منها اتخاذ موقف واضح، بل إن ضبابية موقفها ورفضها تسليح المعارضة السورية بأسلحة نوعية بعد عسكرة الثورة يشكلان ركنان أساسيان في سياستها تجاه سوريا.(6)
لا تنكر الولايات المتحدة أنها ستحقق مكاسب جمة بسقوط النظام السوري، سواء تلك المتعلقة بالعلاقات السورية الإيرانية أو بالموقف السوري من الصراع العربي الإسرائيلي وباقي الملفات الإقليمية، إلا أنها تتخوف من النظام الذي سيخلف الأسد في حال سقوطه، وقد عبر عن هذه المخاوف مسؤولين أمريكيين مثل وزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا، ومدير الاستخبارات القومية جيمس كلابر وذلك بتشكيكهم في ماهية المعارضةالسورية والترويج لمقولة اختراق القاعدة لبنية هذه الأخيرة ودع وتهم إلى التريث في دعمها بالسلاح .
ومن متابعة الموقف الأمريكي يتضح أنه يحقق مصلحتين في ذات الوقت، تصب الأولى منهما في خدمة النظام وذلك بإبقاء الصراع قائما وعدم اتخاذ موقف حاسم يؤدي إلى سقوطه، أما الثانية فتخدم المصالح الاسرائيلية-الأمريكية بالدرجة الأولى، فالولايات المتحدة ترغب بدورها في إطالة أمد الصراع على نحو تصير فيه سوريا ضعيفة ومفككة ومنهمكة في ترتيب أوضاعها الداخلية وإصلاح ما دمره هذا الصراع، وبعيدة عن التدخل في مختلف القضايا الإقليمية .
يحكم الموقف الأمريكي من الثورة السورية مجموعة من المحددات نجملها فيما يلي:
الطابع العقائدي للمجموعات المقاتلة: تحمل الجماعات التي تواجه النظام السوري في أغلبيتها توجهات إسلامية لا تتقاطع مع الولايات المتحدة، ولذلك لم تبدي الإدارة الأمريكية رغبتها في تسليح هذه الجماعات بكيفية قد تؤدي إلى انتصارها، لأن من شأن هذا الأمر أن يؤدي إلى قيام نظام معادي للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، وبناءا عليه فضلت انخراطها مع روسيا لبحث تسوية سلمية، رغم اختلاف موقفهما من النظام.
إلا أن هذا لا ينفي اتخاذهما نفس الموقف من الحركات الإسلامية الراديكالية.(7)
الحاجة الأميركية إلى تهدئة الأوضاع السياسية والأمنية: تسعى الولايات المتحدة من خلال موقفها هذا إلى تهدئة الأوضاع السياسية والأمنية في المشرق العربي، لتحقيق مجموعة من الأهداف في مقدمتها تأمين إمدادات النفط، ا ولتخفيف من أعبائها للتفرغ لمعالجة الملفات الإقليمية والدولية الحساسة، إضافة إلى مواجهة التهديدات التي تمس مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة العربية والمناطق الأخرى.
أمن الكيان الصهيوني: تضع الولايات المتحدة على رأس أولياتها مهمة الذود عن أمن الكيان الصهيوني، وهذا الوضع لم يتغير في ظل الأزمة السورية، إذ ظلت الولايات المتحدة حريصة أن تكون تحركاتها لصالح اسرائيل، لذلك اتخذت موقفا المعارض للنظام لأنها ترى أن انهيار “بشار الأسد” يعادل اختلال توازن محور المقاومة .
منع انتشار الأسلحة الكيماوية: تحاول الولايات المتحدة ما أمكن منع تداول الأسلحة الكيماوية، وذلك خشية سقوطها في أيدي الجماعات المسلحة المعادية للولايات المتحدة وحلفائها .
خصوصية الحالة السورية: تكتسب الأزمة السورية أهمية بالغة لكونها قضية معقدة ومتشابكة الأطراف تتقاطع عندها مصالح القوى الإقليمية والدولية، ويزيد من أهميتها التحالفات الاستراتيجية لنظامها مع القوىالمناهضة للسياسة الأمريكية، وهو ما يفسر تجنب الولايات المتحدة الخوض في صراع قد يطول أمده.
استخلاص العبرة من غزو العراق وأفغانستان: أدت الخسائر الجسيمة التي ألحقتها الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان إلى تولد قناعة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة، تقوم على تفادي التورط في حروب مباشرة وفي مغامرات عسكرية غير مسحوبة .
يصف الرئيس الأمريكي سياسته تجاه الأزمة السورية بقوله أن تركيز الولايات المتحدة في سوريا سيكون أساسا على دعم السوريين لمقاتلة تنظيم “داعش” مع تطلعها إلى إيجاد تسوية سلمية للملف السوري في نفس الوقت، ومنذ أن قررت الإدارة الأمريكية توسيع نطاق ضرباتها ضد “داعش” لتشمل سوريا أصبحت ملزمة بإشراك شركاء محليين، وقد اعتمدت في ذلك على المقاتلين الأكراد ممثلين بوحدات حماية الشعب، والمعارضة السورية المعتدلة . أدى غياب البديل السياسي عن نظام الأسد الأقرب للتوجهات الأمريكية، فضلا عن تطور الصراع المسلح بين المعارضة والنظام إلى حدوث تقارب في الموقفين الروسي والأمريكي، إذ أخذت الولايات المتحدة تقترب من وجهة النظر الروسية الرامية إلى إيجاد حل سياسي يبقي على بنية النظام ومؤسساته ولاسيما الأجهزة الحيوية فيه والمتمثلة في قوات الجيش والأمن، في محاولة منها استبعاد الحل العسكري للصراع، لذلك لم تهتم الإدارة الأمريكية بتوصيات وزاراتي الخارجية والدفاع وكذلك الاستخبارات التي تدعو إلى تسليح المعارضة السوريّة وتدريبها، وفضلت مقابل ذلك التعاون مع روسيا .
الفقرة الثانية : التدخل الروسي
أ- تدخل سياسي
تتبوأ سوريا مكانة محورية ضمن الإس تراتيجية الروسية تجاه المنطقة العربية، إذ تعتبر روسيا أن سوريا بوابة المنطقة منذ أيام الإسكندر المقدوني قبل عام 2342 ، وتربط حدوث أي تغيير جيوسياسي في المشرق العربي بهذه المنطقة بالذات، وتنفي بذلك توقعات وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول القائمة على أن التغيير في المنطقة العربية مصدره العراق. فبالنسبة لروسيا كانت سوريا وستبقى الفضاء الذي يتنافس فيه الدول الكبرى، بدءاً من الحرب الباردة وانتهاءاً بما يجري اليوم من صراع بين القوى الإقليمية والدولية على الساحة السورية . جاء الحراك الشعبي السوري في وقت كانت فيه روسيا تحاول استعادة دورها الإقليمي في المشرق العربي، بعد أن حاصرها الغرب بتوسع حلف الشمال الأطلسي نحو أوروبا الشرقية وضم دولها، مما دفعها إلى استثمار تحول هذا الحراك إلى صراع دولي لتتدخل بدعمها للنظام ماليا وعسكريا ودفاعها عنه دبلوماسيا، بما يجعلها من أهم الدول المؤثرة في مسار ومستقبل الأزمة السورية. ولتثبت للعالم أنها استطاعت أن تستعيد توازنها وحضورها كقوة عظمى وتنهي بذلك عصر الانفراد الأمريكي بتقرير مصير العالم.
لم تتوقف المحاولات الروسية لعرقلة أي حل للأزمة السورية ينادي بتنحي بشار الأسد، فقد اعترضت روسيا إلى جانب حليفتها الصين -التي تتبنى نفس الموقف من الثورة السورية وإن اختلفت الاعتبارات يبقى الموقف وهو القرار الذي أعدته السعودية وطالبت بموجبه 2012 غشت 3 واحدا- على قرار الجمعية العامة الصادر في إدانة استخدام العنف، وتسريع عملية الانتقال للسلطة في سوريا بذريعة أنه يمثل التفافا على قرارات مجلس الأمن، والذي دعت فيه الجامعة 2012 يوليوز 22كما انتقدت روسيا أيضا القرار الصادر عن الجامعة العربية بتاريخ النظام السوري إلى التنحي، وتأليف حكومة انتقالية بحجة أنه لا يساعد على حل الأزمة بل يحد من احتمالات الحديث عن الإصلاح السياسي.
واصل الاتحاد الروسي رفضه للقرارات الدولية، باعتراضه على العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية معتبرا أن فرض مثل هذه العقوبات هو حق محصور في مجلس الأمن الدولي. وبتصويته ضد قرارات مجلس حقوق ، وقد بررت معارضتها لهذا القرار أيضا 2012 ويونيو 2011الإنسان التابع للأمم المتحدة الصادرة في غشت بوصفه يستخدم الآليات الحقوقية للتدخل في الشؤون الداخلية وتحقيق الأهداف السياسية وهو ما عدته خرقا لمبدأ . اح ترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وارتباطا بالمساعي الروسية لإخراج فكرة التدخل عسكريا في سوريا من المعادلة الجيوسياسية، حرص الروس على تخليص سوريا من ضربة عسكرية كانت على وشك تلقيها بعد تجاوزها للخط الأحمر الذي وضعته الإدارة الأمريكية باستخدام النظام للأسلحة الكيماوية ضد الثوار، فطرحت روسيا فكرة سحب وإتلاف المخزون الكيماوي من قبضة النظام السوري، وانضمام سوريا إلى اتفاق حظر الأسلحة الكيميائية كبديل عن الضربات . العسكرية ظلت روسيا حريصة على صد أي محاولة للإطاحة بالنظام السوري، ومنح المعارضة ميزة تكتيكية تكون بمثابة ذريعة للتدخل، غير أن هذا لا ينفي أن روسيا دعت النظام والمعارضة معا إلى الحوار والعمل من أجل مصالحة وطنية وإنهاء العنف، كما ساندت بعثة المراقبين التابعة للجامعة العربيةـ وبعثة السلام التي قام بها كوفي عنان، ولم تعترض أيضا على خطة عنان بل دعمتها، وعملت على الضغط على النظام السوري لقبول بعض هذه . المبادرات، والموافقة على التفاوض مع المعارضة نجحت روسيا بعد فشل مؤتمرات جنيف في نقل النقاش حول بقاء نظام الأسد أو رحيله إلى مناقشة دور بشار الأسد في المرحلة الانتقالية. وساعد ظهور جماعات متطرفة أهمها تنظيم داعش على الساحة السورية، ودخولها على خط الصراع على تغيير خطاب القوى الغربية الداعمة للثورة من المطالبة بالقطع مع النظام السوري بمؤسساته وأذرعه، إلى الاعتراف بأهمية الحفاظ على مؤسسات النظام وعدم سقوطها لمواجهة التطرف، لأن من شأن هذا السقوط أن يفتح المجال أمام هيمنة الجماعات المتطرفة على السلطة. وهكذا يمكن القول أن روسيا تمكنت بسياستها البراغماتية من فرض تصورها للحل السوري على المجتمع الدولي، ونقل الصراع من مرحلة رحيل . الأسد إلى إشراكه في التسوية.(8)
ب . التدخل العسكري
الموازاة مع حمايتها الدبلوماسية والسياسية للنظام السوري، حرصت روسيا على توفير الدعم العسكري اللازم لصمود النظام أطول مدة ممكنة أمام المعارضة، ومع تصاعد وتيرة الصدامات العسكرية على الساحة السورية وبداية تآكل القوة العسكرية للنظام لجأ بشار الأسد إلى أصدقائه الروس لطلب المساعدة العسكرية لمواجهة من يسميهم بالإرهابيين. ومن جهته الرئيسي الروسي تلقى هذا الطلب بصدر رحب، وتبعا لذلك طرح بوتين على الكرملين طلب السماح له بالتدخل عسكريا في سوريا، فوافق البرلمان بالإجماع ومنح الرئيس حق استخدام القوات الجوية الروسية بالأراضي الروسية لدعم نظام الأسد، وبدأت روسيا في شن ضرباتها الجوية ضد مواقع تنظيم داعش يوم 30 شتنبر 2015.(9)
وجدت روسيا في تدخلها العسكري في سوريا فرصة ذهبية لفرض وجودها كقوة عظمى لها وزنها بين القوى الدولية، خاصة أمام الموقف الأمريكي الرافض للتدخل العسكري المباشر في الأزمات الدولية، ويساهم سعي القيادة الروسية الحالية وحنينها المتواصل إلى عهود الإمبراطوريات من بطرس الأكبر إلى ستالين، في الدفع بروسيا تجاه خوض حروب تهدف إلى إعادة التوازنات الدولية إلى أجواء الحرب الباردة، بدءا من القرم ومرورا بأوكرانيا
ووصولا إلى تدخلها الأخير بسوريا آخر معاقلها بالمشرق العربي. وقد أكد الروس أن تدخلهم هذا بمثابة إجراء استباقي لحماية أمن روسيا من الإرهاب الذي بات يهددها، إذ قال بوتين في حديث له مع كبار القادة محمود حمدي أبو القاسم، ” تداعيات خطرة: أبعاد التدخل العسكري الروسي في سوريا” )المركز العربي للبحوث والدراسات، مرصد شؤون سياسية، العسكريين إن التنظيمات الإرهابية تطمح إلى إنشاء قاعدة مركزية لهم في سوريا وغيرها من بلدان المشرق العربي . تدخلت روسيا عسكريا في سوريا لمحاربة الإرهاب وقررت أن يكون هذا التدخل بعيدا عن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم “داعش” الذي يعتبره الروس غير شرعي، ولا يمكن أن يؤدي إلى القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية لأنه لا ينسق مع “الحكومة السورية الشرعية”. كما تؤكد روسيا أن تدخلها بسوريا يرمي إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، والحيلولة دون تفككها كي لا تصل الأوضاع في سوريا إلى ما وصلت إليه في العراق وأفغانستان، فتتحول بذلك سوريا إلى دولة فاشلة وبؤرة إرهاب تشكل نقطة جذب للتنظيمات الإرهابية أينما وجدت .
ترغب روسيا من خلال تدخلها العسكري بسوريا، أن تثبت للولايات المتحدة الأمريكية أن حل الأزمات الدولية لا يقتصر على الدور الأمريكي لأن هذه المسؤولية تقع على عاتق اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية ومن بينهم روسيا، وبالتدخل العسكري للروس في الأزمة السورية استطاع بوتين أن يجعل الولايات تأخذ أهمية
الدور الروسي في تسوية الصراعات الدولية بعين الاعتبار. ووفقا للاتحاد الروسي لا يمكن تصور مستقبل سوريا بشار الأسد دون روسيا، التي ترى في نظام بشار الأسد مجرد وسيلة تؤمن عودة روسية سلسة للمش رق العربي، بشكل يؤدي إلى تغيير موازين القوى الإقليمية والدولية(10)
إلى جانب سعي روسيا إلى إثبات دورها كفاعل دولي قادر على التدخل في أكثر مناطق العالم أهمية، تهدف أيضا إلى إشعار الولايات المتحدة أن روسيا تمتلك قدرات عسكرية ضخمة لا يجب الاستهانة بها وأنه آن الأوان للابتعاد عن سياسة الاستفزاز لروسيا، وذلك بانتهاك ميزان القوة الصاروخية والنووية القائم بين البلدين من جهة ودعم أنظمة في دول مجاورة لروسيا لتطويقها من جهة أخرى. وفي سبيل مواجهة هذه التهديدات وغيرها أضاف الاتحاد الروسي إلى عقيدته 14 خطر عسكري خارجي يهدد أمنه، على رأسه التهديدات السالف ذكرها.
(1) سعود كابلي، ” سوريا واللعبة الجيوسياسية التي تتغير” )العربية، 08 يوليوز 2012 ، الشابكة، 3 غشت 2016 ) www.alarabiya.net
(2)عبد القادر زاوي: الربيع العربي ثورات ملغومة، م. س، ص 246 – 248
(3)أسامة أبو الرشيد، ” سياسات إدارة أوباما الخارجية: محاولة تحقيق التوازن بين الميول الانعزالية وضغوط التدخل الخارجي”، م. س، ص 7 – 8 – 9 –
10-11-12.
(4)مراجعة الخيارات الأمريكية في سورية ووجهتها: مزيد من الارتباك” )المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تحليل سياسات، مارس 2014 )
ص 3 و 5
(5)جوان كول، “السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط في الفترة الرئاسية الثانية لباراك أوباما” )مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإس تراتيجية،
سلسلة محاضرات الإمارات، العدد 167 ، 2014 ، ط 1( ص 18 – 19
(6)محمد المصري، “سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط مناقشة تصورات “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” )المركز
العربي للأبحاث ودراسة السياسات، سياسات عربية، العدد 7، مارس 2014 ( ص 59 .
(7)عزمي بشارة: سورية: درب الآلام نحو الحرية محاولة في التاريخ الراهن، م. س، ص 478 – 479 .
(8)محمود حمدي أبو القاسم، 282 تداعيات خطرة: أبعاد التدخل العسكري الروسي في سوريا “(المركز العربي للبحوث والدراسات، مرصد شؤون سياسية،
www.acrseg.org )2016 شتنبر 12، الشابكة، 2015 نونبر 18
(9)عمار ياسر حمو: روسيا والثورة السورية من دعم القاتل إلى شريك في القتل )الأردن، دار عمار للنشر والتوزيع، 2016 ، ط 1 ( ص 29 – 30 -31)
(10)سامر إلياس، ” التدخل الروسي في سوريا الأهداف المعلنة والنتائج الممكنة” )الجزيرة، مرصد المعرفة: تغطيات إخبارية، 5 يناير 2016 ، الشابكة.