تعتمد الخصومة الزجرية بشكل كبير على الدعوى العمومية و التي إن عرفت تنصيبا لمطالب بالحق المدني، فإنها تفتح المجال بشكل تبعي لتقديم طلبات مدنية للتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه الجريمة في إطار ما يصطلح عليه فقها ب” الدعوى المدنية التابعة”
و إن كان المطالب بالحق المدني كطرف أصلي في الدعوى المدنية التابعة مهتم بشكل كبير بمأل الدعوى العمومية لكونها ذات تأثير كبير -كقاعدة عامة- على طلباته سواء حركت من طرفه أو من طرف النيابة العامة، فإن هذه الأخيرة تبدو بالمقابل من ذلك، غير معنية بالمطلق بالدعوى المدنية التابعة، مادام أنها تخرج عن زمرة الحق العام، و حسبها في ذلك أنها شأن خاص و حصري للطرف المدني، و لو أن مبدأ الإدانة الذي تتبناه في غالب الأحيان يؤسس لمبدأ التعويض، لكن مايهمنا في النقاش هو التبني المسطري المباشر للدعوى المدنية و تمثل ذلك في الجلسة العلنية على شكل ملتمسات و مستنتجات، فإلى أي حد يمكن إعتبار هذا الطرح منسجما مع النصوص القانونية ذات الصلة بالموضوع؟
من البديهي على أن الدعوى المدنية التابعة منظمة من قانون المسطرة الجنائية، لكن هذه الأخيرة لا تمنع من الرجوع إلى أحكام قانون المسطرة المدنية التي يمتد تطبيقها بدورها إلى القضايا التي تنظمها مقتضيات خاصة:
-فالبنسبة لقانون المسطرة الجنائية نجد أن المادة 752 تنص بأنه”تطبق أحكام قانون المسطرة المدنية(…) على الدعاوى المدنية المقامة أمام القضاء الزجري، كلما كانت غير متناقضة مع المقتضيات الخاصة لهذا القانون و المتعلقة بنفس الموضوع.
-و بالنسبة لقانون المسطرة المدنية نجد المادة 3 من ظهير المصادقة عليها ينص”…. غير أنه تطبق مقتضيات هذا القانون حتى في القضايا التي تنظمها نصوص تشريعية و تنظيمية خاصة إذا لم يرد في هذه القوانين نص صريح خاص بها”
و بإسقاط هذين المقتضيين على موضوع النقاش، قد نفهم بأن القانون الأصل الواجب التطبيق على الدعوى المدنية التابعة هو قانون المسطرة الجنائية، وهو أمر يبدو منطقيا لعدم إمكانية تطبيق مقتضيين على نفس الموضوع، كما أن القواعد العامة تقتضي حتما ترجيح النص الخاص على النص العام.
ومن الملاحظ على أن قانون المسطرة الجنائية كنص خاص لا ينظم و لا ينص على دور النيابة العامة في الدعوى المدنية التابعة عدا نزر من بعض المقتضيات التي تم التنصيص عليها بشكل عام، مثل صلاحيتها المجردة من تقديم الملاحظات الشفهية التي ترى أنها ضرورية لفائدة العدالة(المادة 38)، و صلاحيتها في تقديم جميع المطالب التي تراها صالحة بإسم القانون(المادة 40 ف 6، و المادة 49 الفصل 9)، و المنازعة في قبول طلبات الطرف المدني(الماجة 94 ف 2)، أو صلاحيتها في الإدلاء بمستنتجات خاصة في الحالة التي يكون فيها الكعن بالإستئناف متعلقا بالحقوق المجنية فقط(الماجة 407 ف 6).
لكن يبقى توظيف كل هذه المقتضيات ذي طابع جوازي و خاضع لتقدير و ملاءمة النيابة العامة المستقى من واقع الملف، دون أدنى جزاء في حالة تخلفها عن ذلك.
بعكس بعض أحكام قانون المسطرة المدنية التي تحيلنها عليها المادة 752 من قانون المسطرة الجنائية، و هنا نستحضر المادة 9 من قانون المسطرة الجنائية التي تجعل من النيابة العامة طرفا منضما في بعض القضايا الواردة على سبيل الحصر، و تلزمها بتقديم مستنتجات أو تلاوتها بالجلسة تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في القضية، و هنا يجدر بنا التساؤل عن مدى إلزامية تدخل النيابة العامة كطرف منضم في الدعوى المدنية التابعة في الحالات الوجوبية المنصوص عليها في الفصل 9 من قانون المسكرة المدنية، و ما يستتبع ذلك من ضرورة تقديم مستنتجات كتابية أو تلاوتها بالجلسة تحت طائلة إعتبار الحكم الصادر باطلا في شقه المدني، و ذلك طبعا إلى جانب دورها الكلاسيكي كطرف رئيسي في الدعوى العمومية؟
إذا إنطلقنا من مسلم عدم تنظيم قانون المسطرة الجنائية تنظيما خاصا و مفصلا لدور النيابة العامة كطرف إزاء الدعوى المدنية التالبعة، فإن الفصل 9 من قانون المسطرة الجنائية يبقى في نظرنا بحكم توفر شروط الإحالة في المادة 752 من قانون المسطرة الجنائية واجب التطبيق على الخصومة الزجرية في شقها المتعلق بالدعوى المدنية التابعة، و سيما إذا كان موضوعها يتعلق بأحد الحالات المنصوص عليها في المادة المذكورة.
فالمطالب المدنية مثلا من طرف الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسات العمومية،أو من طرف القاصرين في شخص ممثليهم القانونيين تكون في تماس مباشر مع الفقرة 1 و 3 من الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية، ومن تم يحتم على النيابة العامة أن تقدم مستنتجات في شأنها، و حضورها في الجلسة يغني بمنطق الأمور إحالة الملف عليها، لكن بالمقابل من ذلك على رئيس الهيئة أن يسلمها أية مذكرة أو حجج تتعلق بالمطالب المدنية إعتبارا لكونها معنية بها كطرف منضم.
و إستنتاجا مما ذكر، قد نرى على أن النيابة العامة معنية بشكل مباشر بالدعوى المدنية التابعة إذا كان موضوعها يتعلق بالحالات المنصوص عليها في في المادة 9 من قانون المسطرة المدنية، و يكون في هذه الحالة حضورها في الخصومة الزجرية”قبعتين”طرف رئيسي منضم في الدعوى المدنية.