تقديــــــــــــــــــــم:
إن دراسة المدخل إلى علم القانون نهدف من ورائه إيضاح وبيان مفهوم القانون وما يتصل به من مسائل تتعلق بتعريفه وبيان أنواعه ومصادره ونطاق تطبيقه، وحيث إن القانون عبارة عن مجموعة من القواعد التي تنظم أنماط السلوك المختلفة في المجتمع، فهو ينظم على هذا النحو جميع أنواع العلاقات التي تنشأ بين الناس في داخله، والتي يكون مؤداها نشوء حقوق معينة لطرف من أطراف العلاقة، ونشوء التزامات أو واجبات مقابلة على عاتق الطرف الآخر أو نشوء حقوق والتزامات متبادلة بين الأطراف.
الغرض من دراسة المدخل للعلوم القانونية تزويد الطالب بهذه المعلومات الأولية والمبادئ الأساسية التي لا غنى عنها في دراسة فروع القانون المختلفة، وإعطاؤه فكرة واضحة مبسطة على المذاهب والاتجاهات الرئيسية في علم القانون، تمكنه من رد القواعد القانونية إلى هذه المذاهب وتعينه على تفهم علل الأحكام التي تتضمنها.
تتمثل وظيفة القانون في تحقيق التوازن بين هذه المصالح، وذلك بتقرير الحقوق والواجبات بحيث يمكن اعتبار أحدهما وجها للآخر، فالواجب المفروض على شخص يقصد به تأكيد حق من الحقوق، والواجب الذي يقابل الحق على نوعين:
الأول:واجب عام نقابله في جميع الحقوق أيا كان نوعها، مقتضاه فرض تكليف عام باحترام حق الغير مع ما يتطلبه ذلك من ضرورة الامتناع على أي اعتداء على حق الغير.
الثاني :واجب خاص نقابله في حق الدائنية بحيث يقع على المدين التزام يقابل الحق الثابت له تجاه دائنه.
تتألف هذه المحاضرات من ثلاثة أبواب رئيسية:
الأول الباب : مفهوم القاعدة القانونية
الباب الثاني : تقسيم القواعد القانونية
الباب الثالث : مصادر القاعدة القانونية
الباب الأول : مفهوم القاعدة القانونية
سنحصر دراسة هذا الباب في فصلين :
الفصل الأول : التعريف بالقاعدة القانونية.
الفصل الثاني : علاقة القاعدة القانونية بالقواعد السلوكية الأخرى وصلتها بمختلف العلوم.
الفصل الأول : التعريف بالقاعدة القانونية
سنحاول من خلال هذا الفصل إبراز دلالات القاعدة القانونية ، وبيان أهدافها ، وأسسها ، وتاريخها ،واستنتاج خصائصها .لذا فإن دراستنا ستنصرف إلى مبحثين:
المبحث الأول : تعريـــــف القانون
المبحث الثاني : خصائص القاعدة القانونية
المبحث الأول : تعريف القانون
يدل لفظ القانون في اللغة على المسطرة أو المقياس ، أو القاعدة التي يستخرج بها أحكام جزئيات المحكوم عليه فيها وتسمى أصلا وقاعدة.
كما أن كلمة ” قانـون” تستعمل كمعيار لقياس انحراف الأشخاص عن الطريق المستقيم أي عن الطريق الذي سطره لهم القانون لكي يتبعوه في معاملاتهم.
وفي الاصطلاح عرفه الفقهاء والباحثون القانونيون بأنه لفظ يحمل أكثر من مدلول ، فقد يقصد به العلاقة التي تحكم بعض الظواهر الطبيعية ،وقد يقصد به مجموعة قواعد السلوك …
المطلب الأول : دلالات القانون
القانون بمعناه العام في كل العلوم هو تعبير عن النظام والاستقرار والعلاقة الثابتة والدائمة بين الظواهر كلما توافرت مسبباتها.
أي أن القاعدة القانونية قاعدة وصفية أو تقريرية لأنها تكون مقررة لواقع يتحقق كلما تحققت أسبابه دون أي استثناء
وقد يطلق لفظ القانون للدلالة على الضوابط القانونية ذاتها ،أي مجموع القواعد التي تقيم نظام المجتمع فتحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم فيه ،والتي تناط كفالة احترامها بما تملك السلطة العامة في المجتمع من قوة الجبر والإلزام بهدف توفير الأمن والاستقرار بين أفراد المجتمع
والقانون بمعناه الضيق يقال له عادة التقنين إذا ما اتخذ صورة التجميع العلمي المنطقي لغالبية الضوابط المتعلقة بفرع أو آخر من فروع القانون ،كأن يقال القانون المدني أو القانون الجنائي أو قانون الأسرة ،وذلك للتعبير عن التشريع الذي يضم القواعد المتعلقة بهذا الفرع أو ذاك والذي يأخذ شكل التجميع العلمي الأميل للشمول .
والقاعدة القانونية تعتبر قاعدة تنظيمية أو تقويمية للسلوك ، لأنها تخاطب الأفراد وتطالبهم باتباع سلوك معين تحت طائلة الجزاء لمن يخالف أحكامها .
المطلب الثاني : أهداف القانون
القانون هو مجموعة من القواعد المنظمة لسلوك الأفراد وعلاقاتهم في المجتمع وهو بذلك يسعى لتحقيق أهداف منها :
أولا : تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي
يحتل الأمن الاجتماعي مكانا بارزا بين اهتمامات الدولة والمواطنين في المجتمع المعاصر وذلك لاتصاله المباشر بالحياة اليومية بما يوفره من طمأنينة في النفوس والسلامة في التصرف والتعامل ،كما أنه العامل الأساسي للتنمية الاجتماعية والتي تتطلب توفر الأمن للمواطن حتى يشعر بالطمأنينة اللازمة لاستقرار حياته.
كما أن استقرار المجتمع واستتباب الأمن فيه من الأهداف الرئيسية التي تسعى إليها الدولة حتى يطمئن الفرد والمجتمع إلى حياتهم وأموالهم وأعراضهم وحرياتهم ، وبدون هذه الطمأنينة وهذا الاستقرار فإن الإنسان يكون مضطرا إلى التفكير في الوسائل التي تكفل حماية أسرته ضد مختلف الشرور والتهديدات وبالتالي لن يتوفر أية جهود متفرغة لبنائه وتطوره .
ثانيا : تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة
إن وجود قانون يقوم بتحقيق التوازن بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة يعني أن القانون يحمي المصالح التي تخص الفرد وتحمي حقوقه وحرياته دون التمييز بين أفراد المجتمع. فمهما تفاوتت مراتبهم فهم سواء أمام القانون، كما أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة عند تعارضهما لما للأولى من فوائد تعود على العموم ،كما أن المصلحة الخاصة يمكن تعويضها.
ولقد أرست الشريعة الإسلامية مجموعة من الأسس لتحقيق التوازن بين المصالح الخاصة ومنها مبدأ لا ضرر ولا ضرار ،ومبدأ الضرر يزال وغير ذلك من المبادئ…. ، وكذلك بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة ومنها مبدأ تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
المطلب الثالث : أساس القانون
إن تدخل القانون في تنظيم حياة الفرد داخل المجتمع بهدف تحقيق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة أدى إلى بروز تيارين تيار يدعوا رواده إلى النزعة الفردية ، أما التيار الثاني فيدعوا رواده إلى النزعة الجماعية ولكل دوافعه .
أولا : آراء أصحاب النزعة الفردية
ظهرت هذه النزعة بين الفلاسفة في أوربا خلال ق 18 ،وقد توج بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ،ويقوم المذهب الفردي على مبدأ أن الفرد أساس القانون وشخصه مقدس وهو يمثل محور الحياة الاجتماعية ومصدر القوة فيها وهدف كل ما يقوم بها من أنظمة ومؤسسات .
نتائج النزعة الفردية:
في الميدان القانوني : أسند أصحاب هذه النزعة للإرادة الفردية دورا مهما خاصة في مجال العقود فالأفراد أحرار في إبرام أي عقد يرونه مفيدا لهم وبمجرد إبرامه ينزل منزلة القانون فيما بينهم وعلى القاضي أن يحترم إرادة المتعاقدين ، لأن العقد شريعة المتعاقدين .
في الميدان السياسي : اعتبرت الحرية أسمى شيء في المجتمع لذلك يجب تقوية الحقوق الفردية للمواطنين ،وضمان حرياتهم ورفع الاستبداد عنهم ،وقد اعتبروا أن القانون ما هو إلا شر.
في الميدان الاقتصادي : تم تشجيع المبادرة الفردية فأصبح الإنتاج والتوزيع والتداول يخضع لقانون المنافسة الحرة
ثانيا : آراء أصحاب النزعة الاشتراكية
انتشرت هذه النزعة في صفوف فلاسفة ق 20 وعلى رأسهم كارل ماركس وإنجلز ،وقد أدت الثورة الصناعية إلى بروز طبقة أرباب العمل وطبقة العمال الذين يعملون في ظروف مزرية ،فظهرت الاشتراكية حيث ساد مبدأ كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته ،ويرى الفكر الاشتراكي أن الإنسان كائن اجتماعي ، أي عضو في المجتمع ، وأن المجتمع هو الغاية من وجود القانون ،فهو مستقل عن كيان الأفراد وهو الجدير بالعناية والحماية
المطلب الرابع : تاريخ القانون
لقد مر القانون في نشأته بعدة مراحل تأثر من خلالها بالتطورات التي عرفتها المجتمعات القديمة سواء على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي … ، إلى أن وصل إلينا بالشكل الحالي ، وقد ساهمت الشرائع القديمة إلى حد كبير في تكوين الشرائع الحديثة
أولا: في القانون الروماني
تعتبر دراسة الفقه الروماني مجالا خصبا لمعرفة تطور قواعد القانون عبر مختلف الحقب التاريخية ،فهي وإن كانت بدائية تحكم مجتمعا زراعيا فإنها الآن تعد مصدرا للعديد من القوانين المعاصرة التي تبنت نظريات فقهاء القانون الروماني ،وذلك راجع لامتياز فقهاء القانون الروماني بالسمو في التفكير ودقة أبحاثهم ووضوح عباراتهم ومتانة تحليلاتهم ،ومرونة حلولهم وأحكامهم ،وهكذا أصبح القانون الروماني الأساس لمعظم التقنينات العالمية و من ضمنها نجد المغرب
ثانيا:الشريعة الإسلامية
هي شريعة سماوية أصلها إلهي ، وهي خطاب من الله سبحانه وتعالى موجه للمكلفين من المسلمين أمرا واقتضاءا أو تخييرا لتنظيم الأفعال والأقوال على أساس أن الأصل في الأشياء الإباحة ، وأمره بالقيام ببعض الأفعال ونهيه وتحريمه عن اقتراف البعض الآخر ، ثم بيان العقاب والجزاء عند مخالفة هذا الأمر أو النهي ، ولقد مرت الشريعة الإسلامية بمراحل قسمها العلماء إلى سبع مراحل بدءا بعهد الرسالة ومرورا بعهد الخلفاء الراشدين ثم مرحلة الاجتهاد والتدوين ووضع أصول علم الفقه ،إلى غاية ظهور مجلة الأحكام العدلية…الخ
المبحث الثاني : خصائص القاعدة القانونية
القانون في مجمله هو مجموعة من القواعد التي تحكم وتنظم سلوك الأفراد في الجماعة وتوفق بين مصالحهم داخل المجتمع، وتفرض على مخالفها جزاء توقعه السلطة العامة ، وبما أنها لا تخاطب شخصا محددا بذاته فهي عامة ومجردة.
من هنا يمكننا استخلاص خصائص القاعدة القانونية والتي حددها الفقه في أربع خصائص وسنخصص لكل منها مطلبا خاصا بها.
المطلب الأول : القاعدة القانونية قاعدة اجتماعية
نعني بالقاعدة القانونية قاعدة اجتماعية أي: أنها ذات طابع اجتماعي ، ذلك أن الحاجة إلى قواعد القانون لا تبدوا إلا مع قيام الجماعة حيث تظهر الحاجة إلى تنظيم علاقات أفراد هذه الجماعة بعضهم البعض ، فالحياة الاجتماعية تقتضي ضبط علاقات الأفراد وإخضاعها للقيود التي ترمي إلى تحقيق التوازن بين الجانب الفردي والجانب الاجتماعي لتحقيق الاستقرار والسلام في الجماعة وهذا دور القاعدة القانونية.
وهكذا تنظم قواعد القانون سلوك الأفراد داخل المجتمع فتحكم العلاقات فيما بينهم ، لذا لا يتصور وجود القاعدة القانونية دون مجتمع تبين لأفراده النظام الواجب الإتباع فيما بينهم من علاقات وروابط وتوفق بين مصالحهم المتعارضة ، من هنا فالقاعدة القانونية لا يمكن أن تكون إلا قاعدة اجتماعية
إذن القاعدة القانونية يجب أن تتواءم مع ظروف المجتمع وعاداته وتقاليده ومعتقداته ، فإذا انحرفت القاعدة عن هذه الأسس ولم تراع المثل العليا لذلك المجتمع فإنها ستفشل في حكم وتوجيه سلوك أفراد هذا المجتمع .
المطلب الثاني : القاعدة القانونية قاعدة سلوك
القانون باعتباره مقيما لنظام اجتماعي يتغلغل في الحياة الاجتماعية حتى يكاد ينبسط نطاقه على أكثر مظاهر النشاط اليومي، لذلك وجدت القاعدة القانونية لتنظيم سلوك الأفراد داخل المجتمع ،فهي قاعدة تقويمية يراد بها توجيه السلوك الخارجي وجهة معينة وفق قيم ومثل عليا يستهدفها ، وهذا التوجيه قد يكون بطريقة مباشرة عندما تتضمن القاعدة أمرا أو نهيا ،وذلك كأن يأمر الشخص بفعل معين كوجوب وفاء المدين بالدين عند حلول الأجل ، وقد ينهاه عن عمل معين كوجوب امتناع البائع عن التعرض للمشتري بالنسبة للشيء المبيع ، كما قد يخيره بين القيام بالفعل أو تركه كحرية المالك في تحويط ملكه من عدمه
كما قد يكون توجيه السلوك بطريقة غير مباشرة حيث تضمن القاعدة تعريفا أو تنظيما فيكون الالتزام بها بمطابقة السلوك لأحكام هذا التنظيم ،ومن ذلك القاعدة التي تحدد سن الرشد أو القواعد التي تنظم اختصاص المحاكم ، والقاعدة التي تحدد سن الرشد ، يستفاد منها أن من لم يبلغ هذه السن يعتبر قاصرا وعلى كافة الناس أن يراعوا في سلوكهم معه هذا الوضع
وهذا يعني أن القانون لا ينفذ إلى ما استقر في النوايا والصدور طالما أنها لم تترجم إلى سلوك في العالم الخارجي، غير أنه في مواضع أخرى قد يعتد القانون بالنوايا ويرتب عليها أثرا في بعض الأحيان ، وهو ما تضمنته أحكام قانون العقوبات من تشديد عقوبة القتل العمد إذا اقترن بسبق الإصرار والترصد ، ويعني ذلك اقتران النية بسلوك خارجي ظاهر .
غير أن هناك قواعد أخرى تحكم سلوك الفرد وتوجهه إلى ما يجب أن يكون عليه داخل الجماعة مثل قواعد الأخلاق ، والعادات والمجاملات ، وقواعد الدين.
المطلب الثالث : القاعدة القانونية قاعدة عامة ومجردة
يقصد بعموم القاعدة القانونية أن تكون القاعدة غير مخصصة فيما تضعه من أحكام تتعلق بشخص أو أشخاص معينين بذواتهم، بمعنى أنها تسري على جميع الأشخاص المخاطبين بحكمها وعلى جميع الوقائع التي تدخل في مضمونها
ويقصد بالتجريد أن خطاب القاعدة القانونية لا يوجه إلى شخص بعينه أو واقعة بذاتها وإنما العبرة فيه تكون بعموم الصفة بحيث تنطبق على كل واقعة تتحقق بشأنها الشروط المتطلبة وعلى كل شخص اجتمعت فيه الصفات المستلزمة .
كما قد تسري القاعدة القانونية على شخص واحد ،ومع ذلك تعتبر عامة كالقواعد التي تنظم مركز رئيس الدولة أو رئيس الوزراء ذلك أنها لم تحدد هذا الشخص باسمه ،وإنما حددته بصفته، فهذه القواعد توجه إلى هؤلاء الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم
وتطبيقا لذلك يعد قاعدة قانونية عامة ومجردة النص الذي يقرر أن كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون فأحدث ضررا للغير التزم مرتكبه بالتعويض
فالتجريد يصاحب القاعدة عند صياغتها ،والعموم هي الطريقة التي تتم بها صياغة القاعدة ،وكون القاعدة عامة مجردة يجعلها قابلة لتطبيقات غير متناهية وغير محصورة .
وترجع أهمية كون القاعدة القانونية عامة ومجردة هو تحقيق المساواة بين الناس أمام القانون ومنع التحيز لمصلحة شخص معين أو ضد شخص معين .
المطلب الرابع : القاعدة القانونية قاعدة ملزمة
يقصد بإلزامية القاعدة القانونية ترتيب الجزاء المادي على مخالفها تتولى توقيعه السلطة العامة ومرد ذلك هو الغاية مـن القاعدة ذاتها ، فالقانون يهدف إلى إقامة النظام في المجتمع وحكم سلوك أفراده وهو ما لا يتأتى إن ترك أمر الانصياع إلى حكمه لتقدير المخاطب بأحكامه بل إن قواعد القانون هي قواعد إجبارية ومن شأن مخالفتها ترتيب الجزاء،من أجل ذلك تحتم بالضرورة وجود سلطة عامة مختصة في الجماعة يعهد إليها بكفالة احترام القانون ،عن طريق احتكار حق توقيع الجزاء بما يخضع لها من قوى مادية قاهرة يستعصي على الأفراد مقاومتها.
يمكن تمييز الجزاء الذي تقترن به القاعدة القانونية بما يلي:
1-أنه جزاء حال يطبق بمجرد وقوع المخالفة وغير مؤجل للحياة الآخرة كما هو حال الجزاء الديني .
2-أنه جزاء مادي يتخذ المظهر الخارجي وليس معنوي كتأنيب الضمير كما هو الحال بالنسبة للأخلاق والعادات ،وهو في ذلك قد يصيب الفرد في ماله كالتزامه بالتعويض أو حريته كالحبس .
3-أنه يوقع جبرا بواسطة السلطة العامة وفق نظام معروف تتولى الدولة تحديده وتنظيم الجزاء وبيان الهيئات التي تختص بتوقيعه عند مخالفة كل قاعدة .
يتخذ الجزاء صورا متعددة تختلف باختلاف الفرع الذي تنتمي إليه القاعدة القانونية التي تمت مخالفتها وباختلاف الحق الذي اعتدي عليه وهي :
أولا:الجزاء الجنائي :
وهو ذلك الألم الذي ينبغي أن يتحمله الجاني عندما يخالف أمر القانون أو نهيه ،وذلك لتقويم ما في سلوكه من اعوجاج ولردع غيره من الاقتداء به ،وهو أشد صور الجزاء يوقع عند الاعتداء على المجتمع ،كما يعد تعبيرا عن موقف السلطة من الجاني وهو بذلك يشكل رد الفعل الاجتماعي المنظم في مواجهة الجريمة والمجرم.
ثانيا:الجزاء المدني
يعتبر هذا الجزاء أكثر تنوعا وتداولا مقارنة بالجزاء الجنائي ، يتقرر عند الاعتداء على حق خاص أو المنازعة فيه، وهو جزاء إصلاحي يستهدف إصلاح أو رفع الضرر المترتب على الاعتداء على الحق بالتنفيذ العيني والإجبار على تنفيذ حكم القاعدة التي خالفها أو امتنع عن تطبيقها كلما كان ممكنا من غير إرهاق للمدين أو قهر لحريته الشخصية ،كطرد من يشغل مسكنا بغير وجه حق ،وكشأن الحجز على أموال المدين استيفاء لالتزامه الممتنع عن تنفيذه.
ثالثا: الجزاء الإداري
وهو ذلك الجزاء الذي يوقع على الموظف من طرف الإدارة العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية وممارسي المهن القانونية المنظمة كالمحامون والعدول والأطباء وغيرهم … الخ .
وللجزاء الإداري صور متعددة بحسب القاعدة التي تحصل مخالفتها ،فقد يكون الجزاء في لفت نظر الموظف المخالف ،وقد يكون الإنذار،أو التوبيخ أو النقل من مكان لآخر أو من مدينة لأخرى أو الوقف لمدة محددة .
رابعا:الجزاء التأديبي
وهو جزاء توقعه الجماعات الداخلية، كالجمعيات والنقابات على أعضائها بسبب مخالفتهم للقواعد التي تنظم هذه الجماعات كالمحامي أو الطبيب الذي يفشي أسرار مهنته ،فتطبق عليه نقابة المحامين أو الأطباء جزاءات معينة كشطبه من الجدول النقابة أو حرمانه من بعض المزايا التي تقررها لأعضائها .