منهجية الموضوع:
المبحث الأول مفهوم القرار الإداري
المطلب الأول تعريف القرار الإداري
المطلب الثاني عناصر القرار الإداري
المطلب الثالث : خصائص القرار الإداري
المبحث الثاني : أنواع القرارات الإدارية
المطلب الأول : تصنيف القرارات الإدارية على أساس المعيار العضوي
المطلب الثاني : التصنيف على أساس المعيار المادي
المطلب الثالث : تصنيف علي أساس تركيبها ومداها و خضوعها للرقابة
المبحث الثالث: قواعد إعداد القرار الإداري
المطلب الأول : تسلسل الأعمال الإدارية
المطلب الثاني : إحترام قاعدة الإختصاص
المطلب الثالث : إحترام قاعدة الشكل والإجراءات
المبحث الرابع : تنفيذ القرارات الإدارية
المطلب الأول : نفاذ القرار الإداري
المطلب الثاني : طرق تنفيذ القرار الإداري
المطلب الثالث : وقف تنفيذ القرار الإداري
المبحث الخامس : زوال القرارات الإدارية
المطلب الأول : زوال القرار الإداري بفعل الإدارة
المطلب الثاني : زوال القرار الإداري لأسباب خارجية
خاتمة
مقــــدمة
إن العمل الإداري أو النشاط الإداري كما يقول الفقيه جيلينيك :هو أقدم مظهر لنشاط الدولة، فهو أقدم من التشريع ومن القضاء، وإذ كان من الممكن تصور دولة بلا تشريع وبلا قضاء، فلا يمكن تصورها بلا إدارة لأن الإدارة هي المظهر الحي المكمل لحياة الدولة.
وتقوم السلطة الإدارية في الدولة المعاصرة بنشاط واسع وهام بقصد تحقيق الصالح العام الذي يتمثل أساسا في إدارة المرافق العامة التي تهدف إلى إشباع الحاجات العامة و تحقيق النظام الاجتماعي عن طريق تنظيم الحياة العامة والحفاظ على النظام العام بعناصره الثلاثة الأمن العام، الصحة العامة، السكينة العامة…
تباشر السلطة الإدارية هذا النشاط عن طريق ما تملكه من وسائل التي تتجسد في الأعمال الإدارية والتي قد تكون أعمالا مادية صادرة عمدا عن الإدارة أو غير إرادية ناتجة عن خطأ من جانب الإدارة وقد تكون الأعمال الإدارية أعمالا قانونية.
وتتفرع الأعمال القانونية الصادرة عن الإدارة بدورها إلى :
أعمال قانونية تتخذها الإدارة بصفتها شخصا معنويا على قدم المساواة مع الأفراد والأشخاص المعنوية العادية وتخضع هذه الأعمال لقواعد القانون الخاص مثل الأفراد العاديين.
والصنف الثاني من الأعمال القانونية للإدارة هي تلك الأعمال التي تصدرها بصفتها سلطة إدارية عامة تتمتع بامتيازات السلطة العامة، وهذه الأعمال تخضع لقواعد القانون العام وتدخل المنازعات الناشئة بشأنها لاختصاص القضاء الإداري: وهذه الأخيرة تتشعب إلى أعمال تباشرها بإرادتها المنفردة وتصدرها من جانبها فقط كما هو الحال بالنسبة للقرارات الإدارية وقد تشترك إرادة أخرى في إصدار هذا العمل القانوني فيصبح عملا قانونيا صادرا من جانبين ويتجلى مثال ذلك في العقود الإدارية.
فالقرار الإداري من خلال هذه التقسيمات يصنف ضمن الأعمال القانونية للإدارة التي تصدرها بصفتها سلطة إدارية عامة بإرادتها المنفردة، والذي يمثل موضوع بحثنا من خلال هذه المذكرة، بذلك تخرج أعمال الإدارة الأخرى سواء أكانت مادية أو قانونية عن نطاق هذه الدراسة وعلى ضوء ما سبق، فإن إصدار القرارات الإدارية هو إمتياز هام للإدارة بجانب ما تتمتع به من امتيازات أخرى، كالسلطة التقديرية، والتنفيذ المباشر، ونزع الملكية للمنفعة العامة.
المبحث الأول :ماهية القرار الإداري
المطلب الأول: تعريف القرار الإداري
عرف الأستاذ: عوابدي القرار الإداري بأنه: قرار نهائي له مواصفات القرار الإداري بإعتباره عملا قانونيا انفراديا صادر بإرادة السلطة الإدارية المختصة وبإرادتها المنفردة وذلك يقصد إحداث أو توليد أثار قانونية عن طريق إنشاء أو تعديل أو إلغاء حقوق وواجبات قانونية إي إنشاء أو تعديل أو إلغاء مراكز قانونية وذلك في نطاق مبدأ الشرعية السائدة في الدولة.
وحسب ما جاء به أغلب الفقهاء فإن القرار الإداري هو عمل قانوني صادر عن السلطة الإدارية أو شخص يمارس السلطة الإدارية بإرادتها المنفردة يؤثر على حقوق وواجبات الغير دون موافقتهم.
ويعرف الاجتهاد القضائي القرار الإداري بأنه ” عمل قانوني من جانب واحد يصدر بإرادة إحدى السلطات الإدارية ويحدث أثار قانونية بإنشاء وضع قانوني جديد أو تعديل أو إلغاء وضع قانوني قائم وبالرغم مما حازه هذا التعريف من قبول لدى كثير من فقهاء القانون العام فإنه قد وجهت إليه ملاحظات وإنتقادات.
الفرع الأول: التعريف الفقهي
اختلف الفقه الإداري في إعطاء تعريف للقرار الإداري، ولكن هذا الاختلاف لا يعدو كونه في إطار الجزئيات، أما ما يتعلق بجوهر ماهية القرار الإداري فإنه لا يبدو أن هناك اختلاف بين الفقهاء.
فيفعرف العميد هوريو القرار الإداري بأنه” تصريحٌ وحيد الطرف عن الإرادة صادرٌ عن سلطة إدارية مختصة بصيغة النفاذ بقصد إحداث أثر قانوني” بينما يفعرفه الأستاذ فالين بأنه كل عمل حقوقي وحيد الطرف صادر عن رجل الإدارة المختص، وقابلٌ بحد ذاته أن يفحدث آثاراً قانونية .
أما في الفقه العربي فيفعرفه الدكتور سليمان الطماوي بأنه كل عملف صادر من فرد أو هيئة تابعة للإدارة أثناء أداء وظيفتها، وعرَّف الفقيه عبد الغني بسيوني عبد الله، القرار الإداري بأنه عملٌ قانوني نهائي يصدر من سلطة إدارية وطنية بإرادتها المنفردة وتترتب عليه آثار قانونية معينة .
الفرع الثاني: التعريف القضائي
استقر القضاء الإداري لفترةف طويلة على اعتماد تعريف القرار الإداري.
بأنه إفصاح الإدارة في الشكل الذي يتطلبه القانون، عن إرادتها عن إرادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين واللوائح وذلك بقصد إحداث مركز قانوني متى كان ممكناً وجائزاً قانوناً، وكان الباعث عليه ابتغاء مصلحة عامة في المجتمع معينين بصفاتهم لا بدواتهم.
المطلب الثاني: عناصر القرار الإداري.
إنّ التداخل بين مجموع فئات الأعمال التي تتولاها الإدارة العامة يقتضي لتشخيص القرار الإداري التأكد من العناصر المميزة له وهذا لتفرقته عن باقي الأعمال الشبيهة به، وعموما ومن كل ما تقدم يمكن القول بأن يوجد القرار الإداري عندما يجتمع فيه الشروط والعناصر التالية:
العنصر الأول:
صدوره عن سلطة إدارية: إن عبارة القرار الإداري تثبت في حد ذاتها وبصفة آلية بأنه من طبيعة إدارية أي أنه صادر عن نشاط الإدارة، يخضع في تنظيمه وممارسته إلى أحكام القانون العام ويدخل في اختصاص القضاء الإداري، كما أن مجمل الدراسات المتعلقة بهذا المجال تميل إلى تعريف القرار الإداري بالإستناد إلى السلطة الإدارية، ومن ثم فإن أهم السيمات المميزة للقرار الإداري هو صدوره عن سلطة إدارية.
العنصر الثاني :
أن يكون عمل قانوني إنفرادي: إن العمل القانوني مرادف لمفهومه للعمل الإداري الذي يهدف إلى إحداث آثار قانونية، وينتج من هذا القول القرار الإداري بوصفه عملا قانونيا يختلف إختلافا جدريا عن الأعمال المادية إدارية كانت أم غير إدارية، ويقصد بالقرار الإنفرادي القرار الصادر عن إرادة واحدة وهي إرادة الإدارة، إلا أن هذا لا يعني حتما ودائما صدوره عن هيئة أو عون إداري واحد فالطبيعة الإنفرادية للقرار قد تشمل في بعض الحالات تدخل عدة هيئات أو عدة إدارات في تحضير القرار
العنصر الثالث :
أن يكون للقرار الإداري قيمة القرار التنفيذي: بموجب إمتياز إتخاد قرارات قابلة للتنفيذ الذي تتمتع به الإدارة، فإن هذه الأخيرة لا تحتاج إلى سند قضائي من أجل تأمين تطبيق الأعمال الإدارية، وما على الأشخاص المعنيين بهذه القرارات سوى الطعن بالإلغاء فيها إذا اعتبروها غير مشروعة، بإعتبار أن هذه الأخيرة تنشأ حقوقا وترتب إلتزامات دون أن يصدر قبول لهذا التصرف من جانب الأفراد.
المطلب الثالث : خصائص القرار الإداري
هناك عدة شروط يجب توافرها لنكون أمام قرار إداري وهي :
أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية .
أن يصدر بالإرادة المنفردة للإدارة .
ترتيب القرار لأثار قانونية .
أولاً : أن يصدر القرار من سلطة إدارية وطنية :
يشترط في القرار الإداري أن يصدر من سلطة إدارية وطنية سواء أكانت داخل حدود الدولة أو خارجها من دون النظر إلى مركزية السلطة أو عدم مركزيتها ، ولنكون أمام قرار إداري ينبغي أن يصدر هذا القرار من شخص عام له الصفة الإدارية وقت إصداره ولا عبرة بتغير صفته بعد ذلك وهو ما يميز القرار الإداري عن الأعمال التشريعية والقضائية
ثانياً : صدور القرار بالإدارة المنفردة للإدارة:
يجب أن يصدر القرار من جانب الإدارة وحدها , وهو ما يميز القرار الإداري عن العقد الإداري الذي يصدر باتفاق أرادتين سواء أكانت هاتين الإرادتين لشخصين من أشخاص القانون العام أو كان أحدها لشخص من أشخاص القانون الخاص .
والقول بضرورة أن يكون العمل الإداري صادراً من جانب الإدارة وحدها ليكتسب صفة القرار الإداري لا يعني أنه يجب أن يصدر من فرد واحد , فقد يشترك في تكوينه أكثر من فرد كل منهم يعمل في مرحلة من مراحل تكوينه لأن الجميع يعملون لحساب جهة إدارية واحدة
ثالثاً : ترتيب القرار لآثار قانونية :
لكي يكون القرار إدارياً يجب أن يرتب آثاراً قانونية وذلك بإنشاء أو تعديل أو إلغاء مركز قانوني معين , فإذا لم يترتب على العمل الإداري ذلك فإنه لا يعد قراراً إدارياً .
وبناءً على ذلك فإن الأعمال التمهيدية والتقارير والمذكرات التحضيرية التي تسبق اتخاذ القرار لا تعد قرارات إدارية ونجد أنه من المناسب أن نبين مضمون بعض هذه الأعمال :
أ- الأعمال التمهيدية والتحضيرية : وهي مجموعة من القرارات التي تتخذها الإدارة وتتضمن رغبات واستشارات وتحقيقات تمهيدا لإصدار قرار إداري وهذه الأعمال لا تولد آثاراً قانونية ولا يجوز الطعن فيها بالإلغاء
ب- المنشورات والأوامر المصلحية : وهي الأعمال التي تتضمن تعليمات وتوجيهات صادرة من رئيس الدائرة إلى مرؤوسيه لتفسير القوانين أو اللوائح وكيفية تطبيقها وتنفيذها , ما دامت هذه المنشورات لم تتعد هذا المضمون أما إذا تضمنت أحداث آثار في مراكز الأفراد فأنها تصبح قرارات إدارية يقبل الطعن فيها بالإلغاء .
ج- الأعمال اللاحقة لصدور القرار : الأصل أن هذه الأعمال لا ترتب آثراً قانونياً لأنها أما أن تكون بمثابة إجراءات تنفيذية لقرارات سابقة فلا يقبل الطعن فيها بالإلغاء لأنها تنصب على تسهيل تنفيذ القرار الإداري السابق , ولا تشير إلى قرارات مستقبلة فلا يكون الأثر المترتب عليها حالاً.
د – الإجراءات الداخلية : وتشمل إجراءات التنظيم للمرافق العامة التي تضمن حسن سيرها بانتظام واطراد , والإجراءات التي يتخذها الرؤساء الإداريون في مواجهة موظفيهم المتعلقة بتقسيم العمل في المرفق وتبصير الموظفين بالطريق الأمثل لممارسة وظائفهم.
المبحث الثاني :أنواع القرارات الإدارية
تصنف القرارات الإدارية إلى عدة أنواع وهذا بتنوع الزوايا التي ينظر إليها وعموما يمكن تصنيف القرارات الإدارية إما بالنظر إلى المعيار العضوي أي المصدر الذي يصدر منه هذا القرار وإما بالنظر إلى محتواها أي تصنيفها على أساس المعيار المادي أو الموضوعي : وتتجلى أهمية هذا التصنيف في إعطاء مختلف الأشكال التي يمكن أن تظهر بها القرارات الإدارية سيما في تحديد الجهات القضائية المختصة بالنظر في الطعون المقدمة ضد مختلف أنواع القرارات وكذا تحديد خصوصيات كل نوع من هذه الأنواع والآثار المترتبة عنه.
المطلب الأول : تصنيف القرارات الإدارية على أساس المعيار العضوي
إن اعتماد المعيار العضوي في تصنيف القرارات الإدارية يسمح بتعريف العمل بالإستناد إلىالسلطة التي صدر عنها العمل، فنظرا لتنظيم السلطات الإدارية تسلسليا فإن كل سلطة إدارية تتولى إصدار قرار معين وفقا لتنوع وتعدد السلطات الإدارية المختصة على كافة مستويات هرم هيكل النظام الإداري السائد في الدولة وبناءا على ذلك يمكن تحديد الأنواع الرئيسية للقرارات الإدارية من حيث مصدرها إلى :
المراسيم.
القرارات الوزارية.
قرارات السلطات المركزية الإدارية.
قرارات الهيئات المحلية اللامركزية الإقليمية أو المصلحية
المطلب الثاني : التصنيف على أساس المعيار المادي
ويقصد بهذا المعيار أي تصنيف الأعمال الإدارية من حيث الموضوع القرار:
فالقرارات الإدارية من حيث موضوعها، تتعلق كلها بتنظيم حياة الأفراد، الجماعات وسلوكهم في المجتمع ولتحقيق هذه الغاية قد يتضمن القرار قاعدة عامة تنظم سلوك الأفراد بوجه عام أو قواعد تحدد حقوق وواجبات فرد معين بذاته أو أفراد معنيين بذواتهم.
إما القرارات التنظيمية أو ما يصطلح على تسميتها: des règlements وهي تلك الطائفة من القرارات الإدارية التي تتضمن قواعد عامة موضوعية ومجردة تنظبق على عدد من الحالات أو الأشخاص غير المحددة بذواتهم وتمتاز بخاصية العمومية والتجديد والثبات النسبي ومن هذا القبيل، اللوائح الإدارية بجيمع أنواعها اللوائح التنفيذية-لوائح المستقلة، اللوائح الضرورية ولوائح التفويض أوالقرارات الغير التنظيمية non réglementaires وهي القرارات التي تخاطب فردا أو أفراد معينين بذواتهم أو تصدر بشأن حالة معينة بذاتها وهذه القرارات الفردية تمتاز بأنها تستنفد أو تستهلك فحواها ومضونها بمجرد تطبيقها ومثالها القرار بتعيين أحد الأشخاص في وظيفة معينة أو بفصله منها أو ترقيته أو إعطائه ترخيص…وهناك قرارات تخص أفراد أو أشخاص معينة بذواتهم وهي ما تعرف بالقرارات الجماعية، ومثالها القرار الذي يعطي لعدة أشخاص ترخيصا لإستثمار مقاهي ليس له طابع تنظيمي فالبرغم من أنه يستهدف عددا من المعنيين فإن كل واحد مهم معين بصورة فردية ومباشرة وكذا القرار الذي يعلن نتائج مسابقة. فقد تكون هذه القرارات إما أن تكون فردية أو جماعية.
المطلب الثالث : تصنيف علي أساس تركيبها و مداها و خضوعها للرقابة
الفرع الأول : من حيث تركيبها
تنقسم القرارات الإدارية من هذه الجهة إلى قسمين الأول القرارات البسيطة و القرارات المركبة فالبسيطة هي تلك التي تتميز بكيان مستقل وتستند إلي عملية قانونية واحده غير مرتبطة بعمل قانوني أخر كالقرار الصادر بتعين موظف أو ترقيته أو نقلة وهي الصورة الأكثر شيوعاً في القرارات الإدارية، أما النوع الثاني فيسمى بالقرارات المركبة وهي تلك القرارات التي تدخل في عملية قانونية مركبة تتم من عدة مراحل ومن هذه القرارات قرار نزع الملكية للمنفعة العامة و قرار إرساء المزاد أو إجراء المناقصة في العقود الإدارية. فالقرار الإداري الصادر بنزع الملكية للمنفعة العامة تصاحبه أعمال إدارية أخرى قد تكون سابقة أو معاصرة أو لاحقه له وتتم على مراحل متعددة تبدأ بتقرير المنفعة العامة للعقار موضوع نزع الملكية ثم أعداد كشوف الحصر لها وأخيراً صدور قرار نقل الملكية أو تقرير المنفعة العامة .
ولهذا التقسيم أهمية تاريخية في فرنسا إذ أن القرارات التي تدخل في تكوين عمل إداري مركب كانت لا تقبل الطعن فيها بدعوى الإلغاء إمام مجلس الدولة تطبيقا لنظرية الدعوى الموازية على أساس أن القانون قد نظم لصاحب الشأن طريقا قضائيا أخر يستطيع به تحقيق ما توفره دعوى الإلغاء من مزايا وقد تخلى مجلس الدولة عن هذه النظرية بصورة تدريجية عندما سمح بالطعن بالإلغاء استقلالا في الأعمال القابلة للانفصال عن العملية المركبة ولو انه مازال يأخذ بها في دائرة ضيقة .
ومن جانب أخر تظهر أهمية هذا التقسيم في أن القرارات البسيطة يمكن الطعن فيها بالإلغاء باعتبارها قرارات إدارية نهائيه أما في حالة القرارات المركبة فلا يجوز الطعن بالقرارات التمهيدية أو التحضيرية التي تتطلب تصديق جهات إدارية أخرى ولا يمكن الطعن بالإلغاء إلا بالقرار الإداري النهائي نتاج العملية المركبة.
ومع ذلك فقد سمح القضاء الإداري كما بينا بفصل القرار الإداري الذي يساهم في عملية مركبة وفق ما يسمي بالأعمال القابلة للانفصال وقبل الطعن فيها بصفة مستقلة وبشروط معينة
الفرع الثاني : باعتبار مداها تنقسم القرارات الإدارية من حيث مداها
إلى قرارات تنظيمية أو لوائح وقرارات فردية ويعد هذا التقسيم من أهم تقسيمات القرارات الإدارية لما يترتب عليه من نتائج تتعلق بالنظام القانوني الذي يخضع له كل من القرارات التنظيمية والقرارات الفردية.
أولا:القرارات التنظيمية :
هي تلك القرارات التي تحتوي على قواعد عامة مجردة تسري على جميع الأفراد الذين تنطبق عليهم الشروط التي وردت في القاعدة القانونية وعمومية
المراكز القانونية التي يتضمنها القرار التنظيمي لا تعني أنها تنطبق على كافة الأشخاص في المجتمع،فهي تخاطب فرد أو مجموعة أفراد في المجتمع معينين بصفاتهم لا بدواتهم.
والقرارات التنظيمية هي في حقيقتها تشريع ثانوي يقوم إلى جانب التشريع العادي، إلا أنه يصدر عن الإدارة ،وعلى ذلك فهو تشريع ثانوي يطبق على كل من يستوفي شروطا معينة تضعها القاعدة مسبقا ولا تستنفذ اللائحة موضوعها بتطبيقها ،بل تظل قائمة لتطبق مستقبلا.
ثانياً : القرارات الفردية:
وهي القرارات التي تنشئ مراكز قانونية خاصة بحالات فردية تتصل بفرد معين بالذات أو أفراداً معينين بذواتهم و تستنفذ موضوعها بمجرد تطبيقها مرة واحدة . مثل القرار الصادر بتعيين موظف عام أو ترقية عدد من الموظفين .
ويظهر الاختلاف بين القرارات التنظيمية أو اللوائح والقرارات الفردية فيما يلي :
1تسري القرارات الفردية على فرد معين بالذات أو أفراد أو حالات معينة بالذات , بينما تتضمن القرارات التنظيمية قواعد عامة مجردة تطبق على كل من تتوافر فيهم شروط معينة دون أن يتم تحديد هؤلاء الأشخاص مقدماً بذواتهم أو أسمائهم .
2يسري القرار الفردي من تاريخ إعلان صاحب الشأن به كقاعدة عامة , في حين يبدأ سريان القرارات الإدارية التنظيمية من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية .
3تملك الإدارة الحق في تعديل القرارات التنظيمية أو إلغائها أو سحبها دون أن يكون لأحد الحق بالتمسك بحقوق مكتسبة , على اعتبار أنها تنظم قواعد عامة , في حين تخضع الإدارة في سحبها وإلغائها أو تعديلها للقرارات الإدارية الفردية لشروط معينة حددها القانون
الفرع الثالث : باعتبار خضوعها للرقابة
تنقسم القرارات الإدارية من زاوية خضوعها لرقابة القضاء إلى قرارات تخضع لرقابة القضاء وهذا هو الأصل ، وقرارات لا تخضع لرقابة القضاء وهي القرارات المتعلقة بأعمال السيادة أو تلك التي منعت التشريعات الطعن فيها أمام القضاء.
أولاً : القرارات الخاضعة لرقابة القضاء
تعد رقابة القضاء على أعمال الإدارة أهم وأجدى صور الرقابة والأكثر ضماناً لحقوق الأفراد وحرياتهم لما تتميز به الرقابة القضائية من استقلال وما تتمتع به أحكام القضاء من قوة وحجية تلزم الجميع بتنفيذها و احترامها.
والأصل أن تخضع جميع القرارات الإدارية النهائية لرقابة القضاء أعمالاً لمبدأ المشروعية . ومن المستقر وجود نوعين من نظم الرقابة القضائية على أعمال الإدارة الأول يسمى القضاء الموحد والدي تنحصر الرقابة القضائية فيه في نطاق ضيق من جانب القضاء يتمثل أساسا في التعويض عن الأضرار التي قد تنتج من جراء تطبيق القرارات الإدارية .
ومقتضاه أن تختص جهة قضائية واحدة بالنظر في جميع المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أنفسهم أو بينهم وبين الإدارة أو بين الهيئات الإدارية نفسها.
وهذا النظام يتميز بأنه أكثر اتفاقاً مع مبدأ المشروعة إذ يخضع الأفراد والإدارة إلى قضاء واحد وقانون واحد مما لا يسمح بمنح الإدارة أي امتيازات في مواجهة الأفراد .أما نظام القضاء المزدوج فيقوم على أساس وجود جهتين قضائيتين مستقلتين، جهة القضاء العادي وتختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد أو بينهم وبين الإدارة
ووفقاً لهذا النظام تخضع جميع القرارات الإدارية لرقابة القضاء الإداري إلغاءً وتعويضاً , إلا في استثناءات معينة تتعلق بأعمال السيادة والقرارات التي حصنها المشرع من رقابة القضاء
ثانياً : القرارات المحصنة
إدا كان الأصل هو خضوع القرارات الإدارية للرقابة فان مستلزمات المصلحة العامة قد تقتضي التخفيف من صرامة هذا المبدأ فتسمح بموازنة مبدأ المشروعية من خلال نظرية السلطة التقديرية والظروف الاستثنائية.
ومنه وكاستثناء من دلك هناك طائفة من القرارات تم إخراجها من مجال التغطية القضائية بصفة كلية وتحصينها إما بموجب نصوص قانونية أو اجتهادات قضائية هده القرارات تسمى بالقرارات السيادية مثل القرارات الرئاسية والحكومية إلا أن الدول تبالغ أحيانا في استعاد الكثير من القرارات الإدارية من الخضوع للطعن أمام القضاء للاعتبار مختلفة .
ولاشك أن هذا الاتجاه خطير من المشرع لأن تحصينه للقرارات الإدارية من الطعن ،يجرد الأفراد من ضمانة مهمة في مواجهة تعسف الإدارة
ملاحضة : الأعمال الإدارية التي لا تعتبر قرارات إدارية
إذا لم يترتب على عمل الإدارة أي أثر لأن طبيعة العمل تقتضي ذلك أو لأن السلطة الإدارية لم تقتصد أن ترتب عليه أثر، فلا يعتبر العمل قرارا إداريا، ومن ثمة يتبين أنه ليس كل عمل إنفرادي صادر عن الإدارة هو بالضرورة قرارا إداريا، بل هناك أعمال إنفرادية ليست لها صفة القرار الإداري ولا تمس بمركز قانوني وتتمثل في الأعمال التحضيرية أو التمهيدية والأعمال التنفيذية وكذا الأعمال التنظيمية الداخلية للإدارة وأخيرا إلى مسألة أعمال السيادة.
المبحث الثالث : قواعد إعداد القرار الإداري
المطلب الأول : تسلسل الأعمال الإدارية
إن تسلسل الأعمال الإدارية مرتبط إرتباط وثيق بتسلسل الأعمال القانونية حيث أن القواعد القانونية التي يتشكل منها الهرم القانوني لا توجد في نفس المستوى بل هي مرتبطة وفق سلم الدرجات السلسلية الهرمية، فالأعمال الإدارية تندرج كذلك ضمن هذا التسلسل الهرمي القانوني الذي يمثل الدستور فيه أعلى قمة ثم المعاهدات الدولية المصادق عليها وفق الدستور ثم يليه القانون بمختلف أشكاله، قانون عضوي وعادي ثم الأوامر. فكل الأعمال الإدارية لابد أن تحترم هذا الأساس القانوني.
ومن هذه الأسس القانونية تتفرع كل الأعمال الإدارية التي يجب أن تكون منسجمة ومتفقة معها، فالمرسوم لابد أن يحترم القانون والقرار الوزاري لابد أن يحترم المرسوم والقرار الولائي لابد أن يحترم القرار الوزاري. فقاعدة التسلسل مرتبطة أساسا بفكرة التنظيم الإداري والتسلسل الداخلي للإدارة ومن ثم فإن السلطة الإدارية بإصدارها للقرارات الإدارية أو الأعمال الإدارية يجب عليها مراعاة النصوص القانونية لكي تكون قراراتها مطابقة لقررارات الهيئات أو السلطات الأعلى منها درجة.إذن فقاعدة التسلسل مبنية على فكرة المطابقة أي وجود تسلسل في المراكز القانونية. ومن الناحية العضوية هذا التسلسل في الأعمال الإدارية يتناسب مع التسلسل في السلطات أو الهيئات الإدارية، فهناك هرم تسلسلي للسلطات فرئيس الجمهورية أعلى سلطة ثم رئيس الحكومة الوزير ثم الوالي. وإن تسلسل الأعمال يتفق وتسلسل أجهزة الإدارة، فكل جهاز يستمد اختصاصه من القانون الذي يحدد القواعد التي ينبغي احترامها.
المطلب الثاني: إحترام قاعدة الإختصاص
إن مبدأ الاختصاص يعني القدرة القانونية التي تخول السلطة الإدارية ممارسة أعمال قانونية محددة وان الخروج عن هذا الاختصاص يجعل القرار المتخد محلا للإلغاء من طرف القاضي، لأنه يكون في هذه الحالة مشوبا بعيب عدم الاختصاص. ومن ثم فإن كل سلطة تملك الاختصاص لتقرر في ميدان معين أو قطاع جغرافي محدد وفي وقت محدد ومن موظف يعينه القانون، بمعنى أن السلطة االتي تتخد القرار تكون مختصة شخصيا، وموضوعيا، وإقليميا وزمنيا. إن قواعد الاختصاص هي تلك القواعد التي تحدد الهيئات أو الأشخاص الذين يحق لهم إصدار القرار الإداري، والأصل أن المشرع هو الذي يحدد هؤلاء الأشخاص والهيئات وأن كل مخالفة لهذه القواعد تؤدي إلى البطلان لأن عيب عدم الاختصاص يتعلق بالنظام العام. ووجب على القاضي إثارته من تلقاء نفسه وإلغاء هذا العمل. ولكي لا يشوب ركن الاختصاص أي من هذه العيوب،
وجب احترام عناصره الآتي بيانها:
1العنصر الشخصي : ومعناه أن تصدر هذه القرارات وتتخذ من طرف الأشخاص أو الهيئات أو السلطات الإدارية المحددة والمعينة بنصوص التنظيم القانوني، ولمعرفة هل ان الشخص مختص أم لا نطرح السؤال التالي هل أن هذا الشخص الذي أمضى أو إتخذ القرار القرار هو مختص شخصيا ؟. ولأن إعمال القاعدة على إطلاقها تؤدي إلى تعطيل العمل الإداري. لذلك يسمح القانون للسطلة المختصة شخصيا أن تلجأ إلى تفويض شخص آخر لأداء بعض إختصاصاتها أو إلى استعمال الإنابة أو الوكالة.
أ التفويض : La Delégation
ويلجأ إلى التفويض من أجل تخفيف العبئ عن الهيئة المختصة شخصيا وضمان السير الإداري وعدم التركيز. والتفويض: هو إجراء قانوني يسمح لسلطة ما بأن تعهد لسلطة أخرى محددة، بإحدى أو ببعض إختصاصاتها، إذا اعتبرت ذلك مفيدا. ولكي يكون التفويض مشروعا يجب أن تتوفر فيه بعض الشروط. كما أن التفويض ينقسم إلى تفويض اختصاص وتفويض توقيع.
ب الإنابة : La Suppléance
هو إجراء قانوني يخول سلطة ما الحلول محل سلطة أخرى في حالة غيابها أو قيام مانع يمنعها من القيام بوظيفتها كأن ينوب عونا، عونا إداريا آخر في ممارسة وظائفه في حالة غيابه، أو منعه من القيام بهذا العمل بموجب القانون. ويجب أن تتوفر في الإنابة شرطان أساسيان وهما:
1أن تكون الإنابة منصوص عليها في القانون وغالبا ما يتولى القانون تحديد هذا النائب.
2 أن تكون السلطة المختصة في وضع يستحيل عليها أداء مهامها من تلقاء نفسها.
ويترتب على ذلك أن النائب يمارس كل اختصاصات الهيئة المختصة شخصيا صاحبة الاختصاص الأصلي طيلة مدة الإستحالة التي قد تكون بسبب حالة الغياب أو المنع بحيث يصبح النائب هو الممارس الشرعي للاختصاص.
ج الوكالة : L’intérim
وهو إجراء قانوني يسمح بأن يحل شخص مؤقتا محل شخص آخر في ممارسة وظائفه سواء خلال غيابه أو في الفترة الفاصلة بين توقف الشخص عن ممارسة وظائفه وتعيين خلف له في وظيفته، بحيث يقوم الوكيل بممارسة كل السلطات المرتبطة بالوظيفة الإدارية ويكف عن ممارستها عند مباشرة الأصل وظيفته، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 23 من المرسوم 90/226 المؤرخ في 25 جويلية 90 الذي يحدد حقوق العمال الذين يمارسون وظائف عليا في الدولة، بحيث تعين السلطة المعنية بقرار في حالة شغور وظيفة عليا قائما بالأعمال مؤقتا ينسب وجوبا إلى إطارات القطاع المعني.
2العنصر الموضوعي والمادي:
ويتمثل في تحديد الأعمال الإدارية والموضوعات والمجالات التي يجوز للسلطة الإدارية أن تقوم بها دون الخروج عنها وإلا كان عملها معيبا ومشوب بعيب عدم الاختصاص الموضوعي والذي يتمثل في تصرف سلطة إدارية في مواضيع أو مجالات لم يمنح لها اختصاص بشأنها وهذا ما يشكل اعتداء سلطة دنيا على اختصاصات سلطة عليا. أو أن لا تحترم السلطة العليا استقلالية السلطة الدنيا.
3العنصر المكاني:
ويقصد بالاختصاص المكاني الإطار الإقليمي أو المكاني لممارسة الوظيفة الإدارية، فإذا ما قامت السلطة الإدارية بالتصرف خارج الإقليم المخصص لها كان قرارها مشوبا بعيب عدم الاختصاص المكاني. وقد تكون ولاية إصدار القرار الإداري تشمل كافة إقليم الدولة. من ذلك رئيس الجمهورية الذي يمتد اختصاصه إلى كافة الإقليم، أو وزير الخارجية الذي يمتد اختصاص للسفارات والقنصليات.
4العنصرالزمني:
الذي يستند على فكرة القيود الزمنية على مزاولة الاختصاصات الإدارية ويتمثل الاختصاص الزماني في تحديد الفترة الزمنية التي يجوز خلالها للسلطة الإدارية أن تمارس عملها على نحو قانوني وإلا كان قرارها مشوبا بعيب عدم الاختصاص الزمني الناتج عن عدم احترام الشروط الزمنية كأن تتصرف قبل أن تصبح مختصة أو بعد أن تصير غير مختصة ومثال ذلك أن تصدر السلطة قرارا قبل تعيينها الرسمي، أو أن تقوم بإتخاذ قرار بعد إنهاء مهامها.
إذن فلكي يكون القرار الإداري مشروعا يجب أن يتخذ من سلطة إدارية مختصة شخصيا وماديا وإقليميا وزمنيا وإلا كان القرار مشوبا بعيب عدم الاختصاص، الذي هو عيب مستقل وقائم بذاته يتعرض له القاضي من تلقاء نفسه لأنه متعلق بالنظام العام ويترتب على تعلقه بالنظام العام .
المطلب الثالث: إحترام قاعدة الشكل والإجراءات.
إن إعداد العمل الإداري لا تحكمه فقط قواعد التسلسل والاختصاص وإنما تحكمه أيضا قواعد متعلقة بإجراءات إتمام العمل وبعض الشكليات الأخرى والمقصود بركن الشكل والإجراءات هو مجموعة الشكليات والإجراءات التي تكون الإطار الخارجي، الذي يتخذه القرار الإداري. حتى ينتج آثاره القانونية إزاء المخاطبين به. وهذه القواعد كثيرة: مثل القواعد المتعلقة بالإمضاء ومبدأ توازي الأشكال والآجال والمواعيد الواجب احترامها. الالتزام بالتسبيب من عدمه، الالتزام بإشارة بعض الهيئات ذات الطبيعة الدائمة أو المؤقتة.
المبحث الرابع : تنفيذ القرار الإداري
تنفيذ القرارات الإدارية معناه توليد آثارها القانونية ودخولها حيز التطبيق. والمبدأ أو القاعدة العامة التي تحكم هذا الموضوع، أن القرارات الإدارية تنفذ
entre en vigueur منذ صدورها من السلطة المختصة وهذا في مواجهة الإدارة مصدرة القرار وفي مواجهة المخاطبين به من الغير، لكنها لا تسري في حق الأفراد الذين توجه إليهم إلا إذا عملوا بها عن طريق إحدى وسائل العلم المقررة قانونا.
إلا أنه ولتنفيذ القرار الإداري يجب احترام القواعد القانونية المتعلقة بنظام التنفيذ فقد يكون القرار مشروعا في إنشائه. ولكنه غير مشروع في تنفيذه لذى وجب على الإدارة التقيد بهذه الشروط والمتمثلة أساسا في شرط المشروعية وشرط العلم به.
المطلب الأول : نفاذ القرار الإداري
إن نفاذ القرار الإداري يخضع من حيث سريانه الزمني لقاعدة عدم الرجعية، فالقاعدة العامة التي أوردناها سابقا أن القرارات الإدارية تصبح نافذة وسارية المفعول منذ تاريخ صدورها من السلطة المختصة بناءا على ذلك فإن للقرار الإداري قوة ذاتية ويحدث آثاره القانونية من تاريخ صدوره. أي عدم سريانه على الماضي وأن هذه الآثار تكون في مواجهة الأفراد والإدارة.
المطلب الثاني: طرق تنفيذ القرار الإداري.
بعد تحقيق شرط العلم بالقرار الإداري يصبح هذا الأخير ساري المفعول ويرتب كافة آثاره القانونية كإنشاء قاعدة قانونية أو تعديلها أو إلغائهاأو تقرير حق لفرد أو مجموعة من الأفراد معنيين بذواتهم أو فرض التزام عليهموعلى الأفراد الامتثال له بصورة نظامية باعتباره قرار مشروع. وليس لهم أن يمتنعوا عن تنفيذه بحجة الشك في مشروعيته ذلك أن القرار الإداري يتمتع بقرينة الصحة والسلامة والمشروعة، لكن قد يحصل أن يرفض أو يمتنع الأفراد أو المخاطبين بالقرار الامتثال لما يقرره مما يقودنا إلى البحث والتساؤل عن سبيل وطرق تنفيذ وتجسيد القرار وإخراجه إلى أرض الواقع. ويمكن القول أن تنفيذ القرارات الإدارية تكون بثلاثة طرق، فإما أن يتم التنفيذ اختياريا من طرف الأفراد المخاطبين. وإما أن يتم عن طريق الإدارة تنفيذا مباشرا وإما أن يتم عن طريق القضاء.
المطلب الثالث: وقف تنفيذ القرار الإداري.
إن القاعدة العامة هي أن رفع دعوى تجاوز السلطة ضد قرار إداري لا تؤدي إلى وقف تنفيذه ومرد ذلك لخاصية التنفيذ المباشر الذي يتمتع به القرار الإداري وما ينتج عن ذلك من مبدأ الأسبقية وقرينة المشروعية المفترضة فيه، والإستثناء هو جواز وقف التنفيذ إذا وجد نص خاص يقضي بذلك أو قرر القضاء ذلك بناءا على طلب من المدعي وهذا بشروط معينة نتناولها لاحقا. ووفق تنفيذ القرار الإداري. إما أن تأمر به الجهة القضائية المنعقد اختصاصها للفصل في دعوى الإلغاء وإما أن يكون بأمر من قاضي الاستعجال الإداري.
إن المشرع الجزائري لم يضع شروطا خاصة للأمر يوقف التنفيذ القرارات الإدارية فهي ذات الشروط والإجراءات المتبعة في الدعوى الاستعجالية بصفة عامة والتي تتعلق بالاختصاص النوعي وهي شرط الاستعجال وشرط عدم المساس بأصل الحق. وأن لا يكون القرار المطلوب وقف تنفيذه متعلقا بالنظام العام. وأن شكل القرار تعديا أو استيلاء وأن تكون دعوى الإلغاء مشورة أمام قضاء الموضوع.
وقد تناولت المواد 170/10 ق إ م و 283/2 ق إ م إجراءات وقف تنفيذ القرارات الإدارية حيث نصت على أن طلب وقف تنفيذ القرار يتم بناء على طلب صريح من المدعي والمقصود بالطلب حسب الصياغة الفرنسية هي عريضة افتتاح دعوى Une requête لكن قراءة النص العربي فإنها تتكلم عن طلب صريح دون أن يحدد القانون هذا الطلب. كأن تتضمنه عريضة الطعن أو يمكن أن يكون طلبا مستقلا أو مقدم أثناء سير الدعوى. والمشرع الفرنسي استعمل عبارة عريضة متميزة Une requête Distincte بمعنى يجب أن تكون عريضة وقف التنفيذ مستقلة عن عريضة دعوى الإلغاء ولو أنه يشترط أن تكون ملحقة بها. بينما يشير النص الجزائري إلى أن عريضة وقف التنفيذ تكون ” صريحة ” ومكتوبة، بما أن عريضة الدعوى عادة مكتوبة وتسدد بشأن هذه العريضة المصاريف القضائية.
وكما استقر عليه العرف العملي – يتم طلب وقف التنفيذ بموجب عريضة مستقلة عن دعوى الإلغاء لو أنها متزامنة معها، فتقدم عريضة وقف التنفيذ لقاضي الأمور المستعجلة بينما تقدم عريضة الموضوع لقاضي الإلغاء والتحقق في الدعوى يتم حسب إجراءات القضاء الاستعجالي باعتبارها دعوى استعجالية، أين يؤسس القاضي أمر وقف التنفيذ على أسباب جدية التي ترجح احتمال إلغاء القرار المراد توقيعه وعلى الضرر الذي يتعذر تداركه. وأن القرارات الصادرة عن المجلس القضائي بوقف التنفيذ تكون قابلة للطعن فيها بالاستئناف أمام مجلس الدولة في نفس ميعاد استئناف الأوامر الاستعجالية الأخرى وهو 15 خمسة عشر يوما من تاريخ تبليغه. ويجوز لرئيس الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا في هذه الحالة أن يأمر فورا وبصفة مؤقتة أن يضع حدا لوقف التنفيذ أي الفصل بالدرجة النهائية في الاستئناف.
المبحث الخامس : زوال القرارات الإدارية
إن القرار الإداري يظل منتجا لأثاره القانوني طيلة مدة سريانه ما لم يطرأ عليه أي حدث يؤدي إلى إعادة النظر في مشروعيته ويضعه موضع التساؤل. ومن ثم يكون القرار الإداري مهددا بالزوال والسؤال المطروح هنا هو ما هي الأسباب التي تؤدي إلى نهاية القرار الإداري؟ إن نهاية القرارات الإدارية يعني انعدام وانقضاء جميع آثارها القانونية ويكون الزوال إما بفعل الإدارة كحالة السحب والإلغاء الإداري، كما تنقضي القرارات الإدارية لأسباب خارجية مختلفة كأن يكون القرار منوط لتحقيق هدف معين وتحقق هذا الهدف أو بفعل المشرع أو بانتهاء المدة المحددة قانونا، أو بفعل الطبيعة القوة القاهرة…، كما قد ينتهي القرار خارج إرادة الإدارة عن طريق الإلغاء القضائي.
المطلب الأول : زوال القرار الإداري بفعل الإدارة
يمكن للإدارة العامة أن تضع حدا لآثار القرارات الإدارية بإزالتها والقضاء عليها نهائيا بما لها من إمتيازات السلطة العامة ،وذلك سواء:
– مراعاة لمبدأ الملائمة ، تكيفا مع مقتضيات المصلحة العامة وتلبية للإحتياجات الجمهور.
أو احتراما لمبدأ المشروعية، من حيث تصحيح أخطاءها والرجوع عنها.
لقد استقر الفقه والقضاء الإداريين المقارنيين فرنسا ـ مصر ، الجزائر على أنه للإدارة العامة أن تنهي قراراتها الإدارية سواء عن طريق إلغائها أو سحبها، على أن يتم ذلك في إطار الموازنة بين المصلحة العامة التي تمثلها الإدارة، والمصلحة الخاصة للأفراد المخاطبين بالقرارات الإدارية، وهو المر الذي يجعل سلطة الإدارة العامة في إلغاء وسحب قراراتها سلطة مقيدة وتمارس مراعاة لجملة من الاعتبارات : تأخذ في الحسبان، مدى مشروعية وسلامة القرارات الإدارية المراد إنهاؤها مشروعية وسليمة أو غير مشروعة ومعيبة من ناحية، وطبيعة تلك القرارات تنظيمية أم فردية ، من ناحية أخرى.
أولا:الإلغاء
يقصد بالإلغاء أن تلجأ الإدارة إلى إصدار قرار إداري لاحق يزيل ويقضي على وجود قارا إداري سابق، من حيث عدم ترتيب هذا الخير لآثاره في المستقبل يتمتع الإلغاء بأثر فوري، تماشيا مع مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية وهو مبدأ متفرع عن مبدأ وأصل عام هو، عدم رجعية القانون ، كما هو وراد خاصة بالمادة 46 و64 من الدستور.
أما السحب فهو إعدام للقرار وقلع جذوره حيث يزيل ويمحو جميع الآثار التي كانت قد تترتب على تنفيذ القرار الإداري المسحوب في الماضي كما يقضي على كل آثاره في المستقبل.
ومن ثم ، فهو يتمتع، خلافا للإلغاء، بأثر رجعي استثناء من مبدأ عدم الرجعية السالف الذكر.
مثال: 1/1/2005 صدر قرار رقم7 بفضل الموظف أ، وبعد تظلمه وطعن أمام الإدارة المختصة تبين لها التعسف في استعمال السلطة بهذا الشأن فقاس :
بإلغاء القرار رقم :07 بتاريخ : 01 04 2003 وذلك بموجب القرار رقم08 وقد ترتب عنه عودة الموظف إلى منصبه بكل ما يخوله له هذا المركز القانوني من حقوق وإلتزامات بدءًا من تاريخ 1/3/2004 وما بعد أي مستقبلا.
أما الآثار المترتبة الحقوق والالتزامات خلال الفترة ما بين 1/1/2004 إلى 1/2/2004 فهي لا تزول، حيث لا يتقاضي مرتب شهري. جانفي وفيفري مثلا.
– أما الوقت بسحب القرار رقم 07 بتاريخ 1/3/2004، فإن ذلك يترتب عنه عودة الموظف إلى منصبه بكل ما يخول له القانون مستقبلا ، مع استرداد الحقوق التي كان قد فقدها خلال شرهي جانفي وفيفري مثلا، بأثر رجعي منذ تاريخ فصله في1/1/2004.
وهكذا، فإن قرار الإلغاء يقتضي كأي قرار إداري أن يقوم على الأركان اللازمة لذلك، والمتمثلة في الأركان الخمسة التالية: السبب، الاختصاص، الشكل والإجراءات، والمحل ،والغاية.
أ: السبب
يجب أن ينبني قرار الإلغاء على حالة واقعية أو قانونية تشكل سببا للإلغاء أي لماذا يلغى القرار؟
عليه فإن السبب الذي يقوم عليه قرار الإلغاء يختلف باختلاف مدى مشروعية أو عدم مشروعية القرار الإداري المراد إلغاؤه، مع مراعاة طبيعته ونوعه وما إذا كان تنظيما أم فرديا.
1 القرارات المشروعة
يختلف سبب القرارات الإدارية المشروعة باختلاف نوع القرار المراد إلغاؤه أهو قرار تنظيمي لائحة أم قرار فردي؟
القرارات التنظيمية
يمكن للإدارة أن تلغي القرارات الإدارية التنظيمية كل وقت استنادًا إلى متطلبـات ومستجدا التسيير الإداري للمرافق العامة مبدأ التكيف من ناحية ،ووجود الأفراد المخاطبين الجمهور في مركز قانوني عام لا يولد لهم أي حق مكتسب، نظرا لكونهم في علاقة تنظيمية لائحية من ناحية أخرى.
القرارات الفردية
يمكن ركن السبب في مدى إلغاء هذا النوع من القرارات الفردية إلى قيام حالة قانونية هي الحق المكتسب.
لقد استقر الفقه والقضاء الإداري المقارن، أن الإدارة العامة لا يمكنها إلغاء القرارات الفردية متى رتبت حقوق مكتسبة تحقيقا لمبدأ الجمود والحصانة.، ومع ذلك فإن الإدارة يمكنها أيضا أن تنهي القرارات الإدارية عن طريق ما يعرف بالقرار المضاد، حين تستطيع مثلا أن تضع حدًا للعلاقة الوظيفية لا بواسطة إلغاء قرار التعيين وإنما بموجب قرار آخر هو قرار الفصل سابقا للقانون، إن فكر القرار الإداري المنشئ للحقوق تبقى مسألة معقدة مما يستدعي التساؤل حول القرارات الإدارية التي ليس من شأنها أن ترتب حقوقا مكتسبة،وبالتالي يمكن إلغاؤها من طرف الإدارة.
و الاتجاه السائد في القانون الإداري المقارن أن هناك عدة أصناف من القرارات الإدارية لا يمكن أن ترتب حقوقا مكتسبة مثال:
القرارات المؤقتة، والقرارات الولائية، مثل منح عطلة مرضية في عذر الحالات التي تنص عليها،والقارات السلبية ، حالة سكون الإدارة
2القرارات غير المشروعة
يمكن للإدارة العامة، من تلقاء نفسها أو بطلب وطعن من الغير، أن تتراجع وتلغي قراراتها التنظيمية منها أو الفردية إذ تبين لها عدم مشروعيتها لوجود عيب في أركانها، كأن تكون صادرة من غير
مختص، أو دون مراعاة للإجراءات الجوهرية اللازمة أو تكون مخالفة للقانون، مثل تعيين شخص لا تتوافر فيه الشروط القانونية فتقوم بإلغاء قرار التعيين ، لا اتخاذ قرار بفصله.
وعليه، فإن ركن السبب في قرارا إلغاء القرار غير المشروع إنما يتمثل في انعدام السبب ثانيا: الإختصاص:
حتى يكون إلغاء القرار الإداري سليما، يشترط فيه- كأي قرار إداري- أن يقو م على ركن اختصاص مكتمل الأبعاد والأشكال،وخاصة من حيث الاختصاص الشخصي والزمني.
الإختصاص الشخصي من يصدر قرار الإلغاء؟
القاعدة أن يصدر قرار الإلغاء من الجهة نفسها التي كانت قد أصدرت القرار الملغى، فالقرار الصادر من مدير المؤسسة بتوبيخ موظف، يلغى من طرف مدير المؤسسة نفسها طبقا للتشريع الساري المفعول سواء تلقائيا أو بناءًا على طعن من الموظف أمامه، ومثل هذا الطعن يعرف بالطعن الولائي.
ومع ذلك يمكن أن يتم الإلغاء من طرف السلطة رئاسية أي الجهة الإدارية التي تعلو الجهة مصدرة القرار، وهو ما يسمى بالإلغاء الرئاسي، قرار الوالي يمكن إلغاؤه من طرف وزير الداخلية مثلا، طبقا للقانون، سواء كان ذلك تلقائيا أو بناءا على تظلم أو طعن رئاسي.
وهذان الطعنان هما ما أشارت إليهما المادة 275 من قانون الإجراءات المدنية حينما نصت على مايلي: لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة أمام مجلس الدولة مالم يسبقها الطعن الإداري التدريجي الذي يرفع أمام السلطة الإدارية التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار ، فإن لم توجد فأمام من أصدر القرار نفسه.
كما يمكن أيضا أن يصدر قرار الإلغاء من طرف الجهة الوصية،وفقا للإجراءات والحالات التي تكفل استقلالية الهيئة المحلية وتحافظ على طابعها اللامركزي فللوالي، كجهة وصية،سلطة إلغاء مداولات المجلس الشعبي البلدي، الباطلة بطلانا مطلقـــا غير المشروعة بموجب المادة 44 من القانون البلدي
الاختصاص الزمني متى يمكن إصدار قرارا الإلغاء؟
حفاظا على المراكز القانونية والاستقرار الاجتماعي، فإن السلطة أو الجهة المختصة بالإلغاء يجب عليها أن تتقيد بالمدة الزمنية التي تقررها النصوص.
أمثلة:
قرارا الوالي بإلغاء مداولة المجلس الشعبي، بسبب المشاركة فيها من طرف عضو له مصلحة يجب أن يصدر خلال مدة شهر واحد تبدأ من تاريخ إيداع المداولة لدى الولاية وذلك طبقا للمادة 45 من القانون البلدي.
وما أشارت إليه المادة 80 منه حينما نصت على مايلي:
لا يتم تنفيذ القرارات البلدية المتضمنة التنظيمات العامة إلا بعد شهر من تاريخ إرسالها.
إذا كان القرار مخالفا لقانون أو تنظيم يحق للوالي إلغاؤه بقرار مسبب خلال هذه المدة…
وعلى كل ، فإن الاتجاه السائد فقها وقضاءافرنسا، مصر، الجزائر يذهب إلى أن إلغاء القرارات الإدارية المعيبة يجب أن يتم خلال المدة نفسها التي يجعلها القانون ميعادًا لرفع دعوى الإلغاء أمام القضاء حيث لا يمكن أن تخول الإدارة ما لا يخول للقضاء.
و بناءًا عليه فإن:
قرار الإدارة المركزية المراسيم، القرارات الوزارية يمكن إلغاؤها من طرف الإدارة خلال شهرين، لأن الطعن فيها بالإلغاء أمام مجلس الدولة يكون –مبدئيا- خلال شهرين، وفقا للمادة من ق إم 280، كما رأينا سابقا فقرة 194
وقرارات الإدارة اللامركزية البلدية،الولاية،والمؤسسات العامة ذات الصبغة الإدارية يمكن إلغاءها من طرف الإدارة خلال أربعة أشهر لأن الطعن فيها بالإلغاء أمام الغرفة الإدارية بالمجلس القضائي محلية أو جهوية يكون خلال الأربعة أشهر الموالية لتاريخ تبليغ القرار أو نشره، طبقا للمادة 169 مكرر من قانون الإجراءات المدنية.
ولذلك، فإن فوات تلك المدة تجعل القرار الإداري غير المشروع سواء كان فرديا أو تنظيميا محصنا.
ب: المحل
يكون للإلغاء أثر فوري حيث يسري على المستقبل فقط دون أن يرتد ذلك الأثر إلى الماضي.
وعلى كل، فإن محل قرار الإلغاء يتمثل في عدم ترتيب القرار الملغى لأي أثر قانوني في المستقبل سواء كان حقا أو التزاما بالنسبة للإدارة أو المخاطبين بالقرار.
ج : الشكل والإجراءات توازي الأشكال
القاعدة العامة أن إلغاء القرار الإداري يجب أن يتم وفق الإجراءات والأشكال نفسها اللازمة لإصدارة، إعمالا لقاعدة توازي الأشكال أمثلة.
يتم إلغاء قرار يتعين رئيس الدائرة بموجب صدور المرسوم الرئاسي بمرسوم رئاسي بناءا على اقتراح من رئيس الحكومة طبقا للأحكام المرسوم الرئاسي رقم: 240/99 المؤرخ في 27/10/1999 المتعلق بالتعيين في الوظائف المدنية والعسكرية للدولة.
يلغى القرار الوزاري بقرار وزاري آخر، حيث لا يصح إلغاء قرار وزاري بمجرد منشور وزاري.
إن احترام قاعدة توازي الأشكال أصبح مبدأ مستقرا فقها وقضاءًا، خاصة بالنسبة للقرارات التنظيمية، خلافا للقرارات الفردية إذ يتميز تطبيق هذا المبدأ حيالها ببعض المرونة حيث أنه لا يسري إلا إذا كانت اعتبارات ومبررات فرض وتقرير تلك الأشكال مازالت قائمة
د : الهدف الغاية
يمكن للإدارة المختصة أن تعمد إلى إلغاء قراراتها الإدارية سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، التنظيمية منها أو الفردية على النحو الذي رأيناه حينما تطرقنا إلى ركن السبب في الإلغاء، ولهذا فإن هدف قرار الإلغاء إنما يرتبط إرتباطا عضويا بركن السبب فيه تبعا لمدى مشروعيته.
القرارات المشروعة
إن الهدف من إلغاء القرارات الإدارية التنظيمية المشروعة يتمثل في الاستجابة للمستجدات التي تظهر لاحقا بفعل مقتضيات النشاط الإداري وتطور وتغيره.
إن الإدارة الرشيدة يجب عليها أن لا تبقى حبيسة قرارات تنظيمية إنقضت مبررات وأسباب وجودها، بل من المفروض عليها أن تكون متحسسة ومتيقظة لتطورات الإدارة العامة، مراعاة لأحد المبادئ الأساسية التي تحكم المرافق العامة، ألا وهو مبدأ الملائمة أو التكيف الذي يحكم المرافق العامة.
القرارات غير المشروعة
يهدف إلغاء القرار غير المشروع إلى ضمان إحترام مبدأ المشروعية ، تجسد الدولة القانون.
يذهب الفقه والقضاء الإداري إلى أن الإدارة صاحبة الاختصاص تكون ملزمة بإلغاء القرارات غير المشروعة منذ إصدارها أصلا أو بفعل عوامل ووقائع جعلتها كذلك
ثانيا : السحب
يشترط لصحة سحب القرارات الإدارية، كأي قرار إداري توافر الأركان الشكلية والموضوعية.
أولا: الأركان الشكلية
تسري على قرار السحب من حيث أركانه الشكلية، القواعد والشروط نفسها اللازمة في قرار الإلغاء سواء بالنسبة لركن الإختصاص، أو ركن الشكل والإجراءات.
ثانيا: الأركان الموضوعية
تسري على الأركان الموضوعية لقرار السحب، سواء بالنسبة لسبب قرار الإلغاء او محله أو هدفه، القواعد الأساسية التالية:
السبب
ينبني قرار السحب، كما هو الحال في أي قرار إداري على وجود وقيام حالة واقعية أو قانونية تشكل سببا للسحب، يختلف الأمر حسب مدى مشروعية القرار المسحوب.
1 القرارات المشروعة السليمة: استقراء الفقه والقضاء على أن القرارات الإدارية المشروعة سواء كانت تنظيمية أو فردية لا يمكن سحبها، كقاعدة عامّة لضمان مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية ،واحترام الحقوق المكتسبة.
2 القرارات غير المشروعة المعيبة: كما هو الحال بالنسبة لإلغاء القرارات غير المشروعة، فإنه يمكن للإدارة أن تلجأ إلى سحب قراراتها بإزالة ما كان قد ترتب عنها من نتائج قانونية، بأثر رجعي دون أن يكون لها ذلك الأثر أيضا في المستقبل بطبيعة الحال. على أن يتم ذلك خلال المدة المحددة لقبول دعوى الإلغاء أمام القضاء.
المحل : الأثر القانوني
خلافا للإلغاء فإن السحب يسري بأثر رجعي أي أنه من شأنه أن يضع حدا نهائيا لترتيب القرار لآثاره مستقبلا كما يجوز أي أثر حق،إلتزام كان قد تولد عن القرار المسحوب ماضيا.
الــــــــــــــــــــــــــــــهدف:
يهدف سحب القرار غير المشروع إلى ضمان إحترام مبدأ المشروعية، تجسيد الدولة القانون.
المطلب الثاني : زوال القرار الإداري لأسباب خارجية
على الرغم من أن القرارات الإدارية هي عبارة عن تصرفات قانونية تعبر وتفصح عن إرادة الإدارة التي أصدرتها، إلا أنها قد تنتهي في بعض الحالات دون تدخل الإدارة وخارج إرادتها بفعل عوامل أخرى مثل الوقائع الطبيعية ومن أهم تلك الحالات يمكن الإشارة إلى مايلي:
أ:القرار المؤقت
تنتهي القرارات المؤقتة أو المحددة المدة بانقضاء فترة نفاذه، فقرارا منح رخصة لشغل جزء من الأملاك الوطنية الدومين العام ينتهي بانتهاء الفترة المحددة فيها، وقرار رخصة البناء ينتهي، طبقا للمادة 49 من الرسوم التنفيذي 176/91 إذا لم يستعمل البناء خلال المدة المحددة في رخصة البناء الممنوحة، والمرسوم التنفيذي بتعيين مستشار في مهمة غير عادية بمجلس الدولة ينتهي بمرور 03 سنوات من تاريخ إصداره.
ب: إنعدام المحل
والتي تقضي إلى إنهاء القرار الإداري، سواء تعلق الأمر، بالشخص المخاطب بالقرار: كوفاة الشخص المعني بالقرار أو بموضوع القرار: كأن ينهار المحل المستفاد منه.
ج: إلغاء القانون الذي يستند إليه القرار،الإلغاء التشريعي
لما كانت السلطة التنظيمية التي يتمتع بها رئيس الحكومة هي سلطة مرتبطة بالسلطة التشريعية وفق للمادة 125 فقرة2 من الدستور التي تنص على مايلي:
يندرج تطبيق القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود لرئيس الحكومة.
وهو ما تشير إليه أيضا المادة 85 فقرة 03 من الدستور:
ومن ثم فإن إلغاء القانون الذي تستند إليه القرارات الإدارية المراسيم التنفيذية يردي بالتبعية إلى إلغاء تلك القرارات.
د: الإلغاء القضائي،دعوى الإلغاء
ينتهي القرار القضائي بموجب عمل قضائي حكم أو قرار قضائي، بناء على دعوى إلغاء ترفع ،من ذي المصلحة، أمام القضاء الإداري المختص، طعنا ببطلان القرار الإداري، سواء كان مجلس الدولة أو الغرفة الإدارية
أولا: مجلس الدولة
تنص المادة 9 من القانون العضوي رقم 01/98 على مايلي:
يفصل مجلس الدولة ابتدائيا ونهائيا في،
1الطعون بالإلغاء المرفوعة ضد القرارات التنظيمية أو الفردية الصادرة عن السلطات الإدارية المركزية والهيئات العمومية الوطنية والمنظمات المهنية الوطنية.
2الطعون الخاصة بالتفسير ومدى شرعية القرارات التي تكون نزاعاتها من اختصاص مجلس الدولة.
3يختص مجلس الدولة، كقاضي اختصاص، بالنظر في دعوى الإلغاء إذا ما توافرت فيها الشروط الشكلية اللازمة، طبقا لقانون الإجراءات المدنية، حيث تتعلق
شروط قبول دعوى الإلغاء أمام مجلس الدولة بمايلي:
محل الطعن بالإلغاء : تنصب دعوى الإلغاء على قرار صادر عن إحدى الجهات التالية:
السلطات الإدارية المركزية ، مثل الوزارات وغيرها، كما رأينا سابقا فقرة 28 وما بعدها.
الهيئات العمومية الوطنية، مثل المجالس والمراكز والمؤسسات الوطنية.
المنظمات المهنية الوطنية، العاملة في مختلف القطاعات ، مثل: منظمة المحامين، والأطباء والمهنيين …إلخ.
الطاعن: تنص المادة 459 منه على مايلي: لا يجوز لأحد أن يرفع دعوى أمام القضاء مالم يكن حائزا لصفة وأهلية التقاضي وله مصلحة في ذلك.
الطعن الإداري المسبق : أمام الإدارة ، سواء كان طعنا رئاسيا أو ولائيا، طبقا للمادة 275 من ق.إ.م التي تنص على مايلي:”لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة ما لم يسبقها الطعن الإداري التدريجي الذي يرفع أمام السلطة الإدارية التي تعلو مباشرة الجهة التي أصدرت القرار فإن لم توجد فأمام من أصدرت القرار نفسه.
الإجراءات :
حيث يشترط في عريضة الدعوى أن تكون مستوفية الشروط، وفقا للمادة 241 من ق.إ. م، موقعة من طرف محام مقبول لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، طبقا للمادة241 من ق إ م ، مع إعفاء الدولة من تمثيلها بمحام المادة 239 ق.إ.م.
1من تاريخ الرفض الكلي أو الجزئي للطعن الإداري المسبق وفقا للمادة 280
2بعد مرور فترة 3 أشهر في حالة تكون الإدارة وعدم الرد على الطعن الإداري المسبق طبقا للمادة 279 منه.
انتفاء الدعوى الموازية: الطعن المقابل
حيث تنص المادة 276 فقرة أولى :لا تكون الطعون بالبطلان مقبولة أيضا إذا كان الطاعنون يملكون للدفاع عن مصالحهم طريق الطعن العادي أمام أية جهة قضائية أخرى.
ثانيا: الغرف الإدارية المحاكم الإدارية
ويتم العمل بالمادة 07 من قانون الإجراءات المدنية، وعليه فإن قبول دعوى الإلغاء أمام الغرفة الإدارية بالمجالس القضائية يقتضي توافر عدة شروط،كما هو الحال لدعوى الإلغاء المرفوعة أمام مجلس الدولة على تفصيل في الأمر.
محل الطعن بالإلغاء
الطاعن
الميعاد
خــاتمة
من خلال هذا العرض يتضح بأن القرار الإداري هو الأسلوب النموذجي لنشاط الإدارة، الأكثر استعمال الأكثر تميزا من الناحية النظرية من حيث أن السلطة العامة تظهر من خلاله بكل جلاء. إلا أن هذا الأسلوب الأمثل لممارسة النشاط الإداري لا يعد حكرا على الإدارة فقط وهذا ما بيناه من خلال الفصل الأول، مؤكدين أن اكتساب الصفة الإدارية للقرار الإداري ليس لارتباطه بمفهوم الإدارة العامة أو السلطة الإدارية إذا أن هناك أشخاصا أو هيئات ليست إدارية ومع ذلك فإنها تصدر قرارات إدارية وذلك على سبيل الاستثناء.
وبذلك يتضح جليا أن المعيار العضوي الذي يعتبر كأساس لتحديد الهيئات الإدارية أصبح عاجزا عن تحديد جميع الأعمال الإدارية وأن ارتباط القرار الإداري بالسلطة الإدارية غير صحيح في جميع الأحوال وتأكدت هذه الحقيقة عمليا بصدور أعمال أو قرارات إدارية من أشخاص غير إدارية ومن ثم نخلص أن المعيار العضوي ليس المعيار المادي الموضوعي لتحديد الطابع الإداري لبعض القرارات الصادرة عن هيئات غير إدارية.
وفي الجزائـر فقـد كـان الاجتهـاد القضائي هو السباق في إيضاح معالم هذا المعيار من خلال قضية السامباك الذي سينتج منها أيضا أن العبرة في تحديد القرار الإداري ليس بالنظر إلى التسمية ولكن العبرة تحديد القرار بمدى توافر عناصره المتمثلة أساسا في الطابع الانفرادي والقانون والطابع الإداري وأن يكون له قيمة القرار التنفيذي.
ومن ثمة يتجلى أن عملية تمييز القرار الإداري عن غيره من الأعمال الإدارية تكتسي نوعا من التعقيد، ويرجع سبب ذلك إلى تطور وظيفة الدولة واقتناع هذه الأخيرة بعدم قدرتها على تحمل كل الأعباء المتولدة عن نشاطها الإداري.
كما أن دراسة النظام القانوني للقرار الإداري، يحتم دراسة القواعد التي تحكم إعداد وسريان وزوال القرارات الإدارية التي تكون مقرونة ومستندة إلى مبدأ الشرعية، الذي يعطي صحة وسلامة العمل الإداري. ويشكل ضمانه لحقوق الأفراد إضافة إلى ما يوفره القضاء من رقابة والتي تعلق أساسا بطبيعة النزاع. ففي دعوى الإلغاء فإن سلطة القاضي الإداري تكمن في إلغاء القرار الذي شابه عيب من عيوب عدم الشرعية، وفي دعوى التعويض لا يمكن للقاضي إلا الحكم على الإدارة بتعويض الضرر اللاحق بالضحية. ولكن صلاحيات القاضي الإداري تتوسع كلما تعلق الأمر بحالة التعدي أو الاستيلاء غير الشرعي على الملكية بحيث يمكن له الحكم على الإدارة بغرامة تهديدية وأن يوجه أوامر لها.
ومن ثم يتبين أن جميع الأعمال الإدارية خاضعة لرقابة القضاء. باستثناء بعض الأعمال التي يصطلح على تسميتها بأعمال السيادة فإنها تكون خارج رقابة السلطة القضائية ومن ثم تعد ثغرة في بناء الشرعية.
كما أن البعض يتخوف من امتياز التنفيذ المباشر الممنوح للإدارة لكونه يشكل إهدارا لحقوق الإفراد إلا أن الواقع يثبت عكس ذلك. طالما أن الكلمة الأخيرة تعود للقضاء. وأن الحكم على الإدارة بسبب تصرفاها الضارة يعد أحسن ضمانة وذلك بالتعويض عن تلك التصرفات
المراجع
عمار عوابدي،نظرية القرار الإداري،دار هومة،الجزائر،2003
عبد العزيز السيد الجوهري.القانون و القرار الإداري في الفترة ما بين الإشهار والشهردراسة مقارنة
بعلي محمد الصغير.الوجيز في المنازعات الإدارية
سليمان محمد الطماوي،الوجيز في القانون الإداري،دار الفكر العربي ، مصر 1996 .