تــقـديـــــم :
في إطار قيام الجماعات الترابية بتنمية ترابية ، فان المشرع قد خول لها مجموعة من الآليات التي تساعدها في حالة عدم قدرتها على القيام بذلك بسبب افتقارها إلى الموارد البشرية أو المالية اللازمة لتحقيق ذلك. من هذه الآليات نجد التعاضد الذي نص عليه دستور يوليوز 2011 في الفصل 144 الذي يدخل في الباب التاسع مخصص بكامله للجماعات الترابية.حيث ورد في هذا النص “يمكن للجماعات الترابية تأسيس مجموعات فيما بينها ، من اجل التعاضد في البرامج و الوسائل”.
و التعاضد جاء من اجل تدارك العيوب التي أبانت عليها الشراكة بين الجماعات الترابية و القطاع الخاص، حيث أن هاجس هذا الأخير هو تحقيق الربح مع إغفال الغاية الأساسية التي تتعاقد من اجلها الجماعات الترابية و المتمثلة في تحقيق المصلحة العامة.
و قد جاء المشرع المغربي بالتعاضد نظرا لعمل مجموعة من الدول به ، كألمانيا،ايطاليا ، برازيل، جنوب إفريقيا و فرنسا.
و سنقتصر في دراسة هذا الموضوع من خلال الانطلاق من التجربة الفرنسية ، محددا الإطار المفاهيمي و القانوني للتعاضد و كدا الغاية منه ، و شروطه ، أهدافه ، ثم مستوياته و مواضعه ، دون نسيان المعيقات التي قد تواجه هذه الآلية .
أولا : الإطار العام للتعاضد:
1 – الإطار المفاهيمي للتعاضد :
لم يتم إعطاء تعريف للتعاضد لا في فرنسا و لا في المغرب. لكن يمكن التطرق إليه من خلال الاجتهاد الفقهي و خاصة في فرنسا حيث نجد التعاضد هو آلية قانونية من اجل تقاسم أعباء مشروع على مجموعة من الجماعات الترابية التي تتكتل على شكل مؤسسة عمومية يطلق عليها اسم مؤسسات العامة التعاون بينجماعات Les établissements de coopération intercommunale (EPCI) ، هذه المؤسسة التي تعد الإطار الرسمي الذي يتم وفقه التعاضد.
و التعاضد كما هو منصوص عليه في الدستور المغربي يكون إما في البرامج أو الوسائل.فالأول يهم أن يتم تشارك في البرامج و المخططات.أما الثاني فيهم التعاضد في كل الوسائل المالية و البشرية و اللوجيستيكية التي تهم تنفيذ مشروع يعود بالنفع العام على جماعتين ترابيتين أو أكثر الذين يكون أعضاء في مجموعة الجماعات الترابية بهدف التعاضد.
وَ عُمُومًا يمكن تعريف التعاضد على انه الأثر الناتج عن تشكيل مجموعة من الارتباطات الجديدة بين أنشطة أو مجالات أعمال بداخل المنظمة ، أو بناء علاقات و ارتباطات مع منظمات أخرى.و التعاضد آلية حديثة اشمل من التعاون ، يتم بموجبها إحداث أو انجاز مشروع أو نشاط ذي فائدة مشتركة يعبأ فيه كل طرف الموارد المالية أو البشرية اللازمة لانجازها.و يتحدد الأثر الناتج عن التعاضد بحجم القيمة المضافة المُحَقَقَة.
2 – الإطار القانوني المنظم للتعاضد :
– في المغرب :
لا يوجد نص قانوني تطرق للتعاضد بين الجماعات الترابية قبل دستور 2011 الذي أورده في المادة 144 منه و التي اعتبرت التعاضد يكون بين الجماعات الترابية وفق تأسيس مجموعة الجماعات الترابية ، من اجل التعاضد فيما بينها في البرامج و الوسائل.
و في انتظار صدور النص التنظيمي المنظم للجماعات الترابية الذي أشار إليه الدستور في الفصل 146 ، فانه يرجى أن يتم تضمينه الفصول المتعلقة بالتعاضد بين الجماعات الترابية.
– في فرنسا :
إن القانون المنظم للجماعات الترابية بفرنسا code général des collectivités territoriales (CGCT) تطرق إلى التعاضد بنوعيه ، في البرامج و في الوسائل.و في هذا النص القانوني فانه تم التطرق إلى كل الأمور التي تهم التعاضد بين الجماعات الترابية.
ثانيا : غاية التعاضد
يكون التعاضد – خاصة في الوسائل لأنه هو الأقرب إلى التطبيق من التعاضد في البرامج و ذلك كما سَيُبَيَن لاحقا- حينما يكون هناك مشروع تنموي تفوق متطلباته إمكانية الجماعة الترابية الواحدة ، لهذا يتم تأسيس مجموعة الجماعات الترابية من اجل التعاضد بين الجماعات الترابية لانجازه ، حيث تساهم كل جماعة ترابية وفق ما تسمح به إمكانياتها المالية و المادية في هذا المشروع إما بتوفير خدمات أو لوجيستيك أو اطر إدارية أو تقنية أو يد عاملة، بهدف أن تستفيد من المشروع عند بداية اشتغاله.
إذن غاية التعاضد هي :
انجاز المشاريع .
تنمية الجماعة الترابية.
تخفيض تكلفة المشروع أو التنمية المحلية.
التقليل من الفوارق الكبيرة بين الجماعات الترابية.
تقليل لجوء الجماعات الترابية إلى القروض لتمويل مشاريعها.
تعزيز شبكة التعاون بين الجماعات الترابية، الذي يعطي إقلاعا تنمويا يشمل مجموعة من الجماعات الترابية و ليس جماعة ترابية واحدة.
ثالثا: شـــروط التــعاضــد:
من الشروط التي يجب أن تتوفر في التعاضد :
أن يكون التعاضد وفق عقد إداري.
أن يكون التعاضد من اجل انجاز مشروع ذو نفع عام.
أن لا تكون مساهمة جماعة ترابية في موضوع التعاضد مساهمة كلية، و إنما جزئية.
أن يكون التعاضد إما في الوسائل أو البرامج.
أن يكون التعاضد من خلال تأسيس مجموعة الجماعات الترابية .
رابعا : مستويات التعاضد :
فيما يتعلق بمستويات التعاضد هناك مستويين، الأول يكون أفقيا و الثاني عموديا.
المستوى الأفقي للتعاضد بين الجماعات الترابية :
يكون هذا المستوى حينما يكون أعضاء مجموعة التعاضد من نفس مستوى التقسيم اللامركزي، كأن تتعاضد الجهات فيما بينها أو العمالات أو الأقاليم فيما بينها أو الجماعات فيما بينها.
المستوى العمودي للتعاضد بين الجماعات الترابية:
حينما تؤسس الجهة مع باقي الجماعات الترابية الأخرى مجموعة الجماعات الترابية من اجل التعاضد على انجاز مشاريع تنموية أو أن تتعاضد العمالات أو الأقاليم مع الجماعات ، حينها نكون أمام التعاضد العمودي.
خامسا: المواضيع التي يكون من اجلها التعاضد :
عموما المواضيع التي تتعاضد من اجلها الجماعات الترابية هي متعددة و كمثال لها نورد ما يلي:
إحداث مرافق عمومية جماعية مشتركة.
انجاز مشاريع اقتصادية.
تعزيز البنية التحتية.
سادسا : نوع المساهمات التي يمكن للجماعات أن تساهم بها:
ان مساهمة الجماعات في التعاضد تختلف حسب نوع التعاضد:
بالنسبة للتعاضد في الوسائل.
توفير اليد العاملة.
توفير الآليات .
توفير العقار .
المساهمة بالأطر و المهندسين.
التكفل بالتكلفة المالية للمشروع.
بالنسبة للتعاضد بالبرامج :
التعاضد في البرامج كما هو ظاهر من تسميته فانه يهم البرامج و المخططات التي تعمل بها الجماعات الترابية في تنفيذ سياستها التنموية المحلية خلال الفترة الانتدابية لكل مجلس ترابي.
وهذا النوع من التعاضد يطرح مجموعة من الإشكالات من أهمها ، أن لكل جماعة ترابية خصوصيات و بالتالي يعد أمر استراد برنامج من جماعة ترابية إلى أخرى من شانه أن يكون فاشلا .كما انه ياخد مدة طويلة قد تصل إلى 20 سنة و تكون قد تجاوزت المدة الانتدابية للمجالس التي أحدثت مؤسسة التعاضد.
و ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن مساهمة الجماعات الأعضاء في مجموعة الجماعات الترابية من اجل التعاضد ، تكون مساهمة جزئية في المشروع.
سابعا : معيقات التعاضد :
هناك مجموعة من الأمور التي تعيق الجماعات الترابية في أن تتعاضد من اجل القيام بمشاريع تنموية تعود بالنفع العام .
و من هذه المعيقات نخلص إلى ما يلي :
عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الجماعات الترابية، لان التعاضد ، و كما هو واضح من كلمة الأولى في الفصل 144 من دستور 2011 “يمكن” و التي تفيد عدم الإجبار و أن الآمر اختياري، و هذا راجع إلى تطبيق مبدأ التدبير الحر الذي يعتبر مكتسب دستوري جديد للجماعات الترابية.
وجود حزازات سياسية ، مما يعيق أمر إحداث مجموعة الجماعات الترابية من اجل التعاضد.
افتقار بعض الجماعات الترابية إلى ما تساهم به في التعاضد مما يجعلها مستبعدة و لا تستفيد من المشاريع التنموية.