المعني اللغوي:
يبدو أن لفظة (المرافعة) لم تكن متداولة صراحة أيام وضع المعاجم التراثية الأولى. فنحن لم نعثر في أي منها على أي دليل واضح يفيد أنها قد استعملت. وما وجدناه حقيقة لا يتعدى كونه إشارات إلى مفهومها في الوقت الحاضر.
فقد جاء في اللسان: “الرفيعة: ما رفع به على الرجل، ورفع فلان على العامل رفيعة، وهو ما يرفعه من قضية ويبلغها… والرفع هذا من رفع فلان على العامل إذا أذاع خبره وحكى عنه”.
وجاء في القاموس المحيط: “رفعه: ومنه رفعته إلى السلطان رفعاناً” وفي تاج العروس يقترب المعنى للمرافعة من الفهم المعاصر لها، فيقول صاحب التاج: “ومن المجاز (رافعه إلى الحاكم) مرافعة: قدمه إليه ليحاكمه وشكاه”.
لكن المعاجم المعاصرة تورد هذه اللفظة لتدل، بشكل صريح، على معناها المتداول، ففي المعجم الوسيط نجد: “رافعه: رفعه. و_ إلى الحاكم غيره: رفع الأمر إليه وشكاه. ويقال: رافعه وخافضه: داوره كل مداورة. (ترافعاً) إلى الحاكم: تحاكماً. و_ المحامي عن المتهم القضاء: دافع عنه بالحجة”.
المعني الإصطلاحي:
وكما أن لفظ المرافعة لم يكن مستعملاً قديماً، فإننا لا نجد لها معنى اصطلاحياً بلفظها هذا، وهذا لا يعني أن المرافعة بمفهومها المعاصر لم تكن معروفة قديماً، لكنها كانت مستعملة من العصر اليوناني باسم الخطبة القضائية.
ففي حديثه عن أنواع الخطابة، يتحدث أرسطو عن الخطبة القضائية ويعرف لنا ماهيتها بكلام يسهم في تحديد مفهوم المرافعة الاصطلاحي، إذ يقول إنها تتوجه إما إلى الاتهام وإما إلى الدفاع، ومهمة المتقاضين لا تخرج بالضرورة عن القيام بواجب من هذين.
ولكن المعجم الوسيط يقدم تحديداً أوفى لمفهومها، فقد ورد فيه أن “المرافعة: إجراءات مقررة لتصحيح الدعوى والسير فيها، وقانون المرافعات: قانون ينظم الإجراءات التي تتبع في رفع القضايا أمام المحاكم”.
المرافعة القضائية في التاريخ
أ- عند الأمم القديمة
لم يخل من الخطابة سجل أمة وعى التاريخ ماضيها، فمنذ اجتمع الناس في مكان واحد وتفاهموا بلسان واحد، عرفوها، إذ إنه من الطبيعي أن يختلفوا في رأي أو عقيدة، وأن يتنافسوا على غنيمة أو متاع أو سلطة، فنجدها محفوظة في الخط المسماري الآشوري، وفي الخط الهيروغليفي الفرعوني.
ثم جاءت الحضارة اليونانية فاجتمع للخطابة مقومات ازدهارها من حرية وطموح إلى حياة أرقى، وانتشار وازدهار للثقافة وحكم دستوري وكثرة المؤتمرات وغيرها. ويوجز الدكتور أحمد الحوفي أسباب ازدهار الخطابة عند اليونان بقوله: “لما شعت أنوار العلم والفلسفة، وازدانت أثينا وغيرها بالعلماء والفلاسفة والشعراء والفنانين، وقويت الديمقراطية في جميع المدن وتنافس الأفراد وتطاحنت الأحزاب، وكثر النزاع والتقاضي أمام المحاكم الشعبية، شاع الجدل السياسي والقضائي فاشتدت الحاجة إلى تعلم الخطابة، فاتجه الناس إلى تعلمها والتدرب عليها والتمرن على الإلقاء وتعويد اللسان على النطق الصحيح، فبدأ العلماء يستنبطون قواعد الخطابة وقوانينها، وكان السفسطائيون أول من اتجه إلى استنباط تلك القواعد في القرن الخامس قبل الميلاد، وجاء من بعدهم أرسطو فجمع قواعد الخطابة وضم شواردها في كتاب أسماه “الخطابة” صار مرجعاً للخطباء. ويصف أحمد الحوفي الأساس الذي اعتمده أرسطو للخطابة فيقول: “وأسسها على الجدل، وأقامها على الدليل، وبناها على التركيب والتحليل النفسي، وأوجب على الخطيب أن يتعرف إلى نفسية الجمهور ليخطب فيه بما يناسب ويلائم حالته”. وهذا أدى إلى امتزاج الفلسفة بالخطابة وتمثُّل البلاغة فيها. وكباقي أنواع الخطابة، فقد اشتهرت الخطابة القضائية، إذ كانت الدعاوى والرد عليها في المحاكم ميادين قول مترامية الأطراف. ولما كانت شريعة البلاد تقتضي أن يتكلم صاحب القضية في قضيته، فلا يجوز توكيل محام كما هو الحال عندنا للدفاع عن غيره، كان أصحاب القضايا يلجأون إلى الخطباء يلتمسون منهم تأليف الخطب ليحفظوها ويتلوها في مجالس القضاء. وهذا يستدعي أن يتميز في المجتمع فئة تعين المتقاضين وتعد لهم الخطب بمقدار ما أوتيت من قدرة ومراس وتمكن من تبني قضايا الآخرين وكأنها قضاياهم فيحيلونها خطباً، وما لبث هذه الأمر أن صار مهنة ومورد رزق. وقد استمرت الخطابة في العهد اليوناني، بما في ذلك الخطابة القضائية، ما استمرت فيهم الحرية السياسية. وقد اشتهر العديد من الخطباء اليونانيين مثل لوسياس (حوالي 440-380 ق.م) الذي كان محامياً قامت شهرته بالدرجة الأولى على الخطب القضائية مما يكتبه للمتقاضين، وقد اعتبره معاصروه أشهر المحاميين وأبرعهم، إذ كان أقدر الخطباء على تقمص شخصية موكله وفهم ظروفه. وقد اعتبرت خطبته القضائية التي برأ بها قاتل (أراثوسيثنيس) نموذجاً للخطبة القضائية.
وقد اشتهر خطيب آخر في أثينا هو (ديموسثنيس). وتبعه خطباء آخرون برعوا في الخطبة القضائية، أمثال أنطفيون 480 ق.م، وأتروسيد 445 ق.م، ولزياس 440 ق.م وبرعوا في مرافعات عن أمور خاصة أو في دعاوى سياسية.
فلما سادت الحضارة الرومانية كان من الطبيعي أن يتبع الرومان أثر أساتذتهم اليونانيين في الخطابة، فكانت الخطابة عند الأمة الرومانية شبيهة بتلك عند اليونانيين. وكان في أصل النظام الروماني نفسه ما يهيئ فرصة منافسة للخطابة، ذلك أن الرومان يسمحون للمحامين أن ينوبوا عن المتقاضين ويلقوا الخطب نيابة عنهم أمام القضاة وبحضور جمع من الناس لهم الحق في شهود المحاكمة. وكان أشهر خطبائهم على الإطلاق شيشرون (106-43 ق.م). ويصفه محمد صقر خفاجة بقوله: “ومضى شيشرون يعلو في عالم المرافعات ويملع في الخطب التي يلقيها في الجمعية العمومية شديداً عنيفاً وطيباً ومحباً للخير”.
ب- عند العرب
وإذا ما تركنا الحديث عن الخطابة عند اليونان والرومان واتجهنا إلى العرب، وجدنا أن العديد من العلماء يضعون العرب في المرتبة الأولى من البيان، فقد ذكر أبو حيان التوحيدي في مقابساته، حاكياً عن أبي سليمان: “سمعته يقول: نزلت الحكمة على رؤوس الروم، وألسن العرب وقلوب الفرس وأيدي الصين”، وربما يرجع السبب في ذلك إلى ما يراه الدكتور أحمد الحوفي إذ يقول: “وقد ازدهرت الخطابة عند العرب في العصر الجاهلي لأنهم عاشوا طلقاء في جزيرتهم لا يحد من حريتهم تعسف من حاكم، أو نظام جائر، فهم أحرار في تفكيرهم، وفي البوح عنها والدعوة لها، حريتهم في التنقل في هذه البيئة”.
فلما جاء الإسلام كان من الطبيعي أن يحدث صراع بين أتباع هذه الدعوة الجديدة والمتمسكين بالقديم، فانبرى الخطباء يتصدرون للدعوة الجديدة ويحتضنونها، فيدعون إلى الدين الجديد ويكشفون مزاياه، ويزعزعون المعتقدات القديمة في النفوس وينفرون منها سلاحهم في ذلك كله الكلمة ممثلة بالخطبة، فكان من نتاج ذلك أن بلغت الخطابة أوج ازدهارها. ومع مجيء العصر الأموي وقيام الثورات والفتن بدأ الكهول والفتيان يتبارون في الخطابة ويتسابقون في ميدانها، إلا أن العرب لم تكن لهم خطابة قضائية، إذ كانوا يعتمدون في تقاضيهم على البينة واليمين، فلم يكن هناك مجال يتبارى فيه الخطباء، ولم يكن عندهم محلفون يسعى الخطيب إلى استمالتهم وإقناعهم، على الرغم من أننا نجد في كتب الفقه ما يجيز الوكالة في مطالبة الحقوق، فقد ورد في المغني والشرح الكبير: “ويجوز التوكيل في مطالبة الحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها، حاضراً كان الموكل أو غائباً، صحيحاً أو مريضاً، وبه قال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة للخصم أن يمتنع من محاكمة الوكيل إذا كان الموكل حاضراً لأن حضوره مجلس الحكم ومخاصمته حق لخصمه عليه، فلم يكن نقله إلى غيره بغير رضاء خصمه كالدين عليه… وإن علياً رضي الله عنه وكل عقيلاً عند أبي بكر رضي الله عنه، وقال: ما قضى له فلي وما قضى عليه فعلي، ووكل عبدالله بن جعفر عند عثمان وقال: إن للخصومة قحماً، وإن الشيطان ليحضرها وإني لأكره أن أحضرها”.
ونحن نجد بعض الأدلة التي تشير إلى وجود هذا النوع من الخطابة، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي اتفقت الكتب الستة على روايته قوله: “إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن كنت قطعت له من حق أخيه شيئاً، فإنما أقطع له قطعة من النار”. ففي هذا الحديث ما يدل دلالة واضحة على وجود الخطبة القضائية في العصر الإسلامي الأول، بل ربما كانت فصاحة الخطيب وبيانه ذات الأثر الأكبر في صدور الأحكام، كما يخبرنا الحديث الشريف، وفي القرآن الكريم العديد من المواقف التي لا يسعنا إلا أن نعدها من قبيل المرافعات القضائية، ففي قصة مريم، يشير قومها إليها بأصابع اتهام، إذ جاءتهم بصبي دون أن يمسها رجل، فيأتي الأمر الرباني إلى ولدها عيسى عليه السلام ليدافع عنها ويبرئها من التهمة الموجهة إليها، يقول تعالى: “فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً، يا أخت هارون، ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً، فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً، قال إني عبدالله أتاني الكتاب وجعلني نبياً، وجعلني مباركاً أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً، والسلام عليَّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً”. وفي سورة الأنبياء يذكر الله تبارك وتعالى قصة إبراهيم مع قومه عندما اتهموه بتحطيم أصنامهم، فيقف عليه السلام يقارعهم الحجة مدافعاً عن نفسه ومسفهاً رأيهم وموبخاً إياهم على عبادتهم أصناماً من دون الله لا تضر ولا تنفع. يقول تعالى: “قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين، قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم، قالوا فأتوا بِهِ على أعين الناس لعلّهم يشْهدون، قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم، قال بلْ فَعَلَهُ كبيرُهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون، فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إِنكم أنتم الظّالمون، ثم نُكسُوا على رؤوسهم لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون. قال أفتعبدونَ من دونِ الله ما لا ينفُعكم شيئاً ولا يُضرُّكُم. أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دونِ اللهِ أفلا تعقِلون”. ويحوي القرآن الكريم العديد من هذه المواقف التي يمكن عدها مرافعات قضائية.
إضافة إلى هذه النماذج من القرآن الكريم، تورد بعض كتب الأدب نماذج تعطي صوراً لبعض المخاصمات القضائية التي يتخللها مواقف تعد من قبيل الخطب القضائية. من أشهر تلك المخاصمات ما حصل بين أبي الأسود الدؤلي وامرأته التي طلقها وأراد أن ينتزع ابناً له منها فأبت واحتكما إلى زياد أو إلى معاوية في رواية أخرى؛ فقالت المرأة مدافعة عن حقها في حضانة الولد: “أصلح الله الأمير، هذا بني كان بطني وعاءه، وحجري فناءه وثديي سقاءه، أكلؤه إذا نام، وأحفظه إذا قام، فلم أزل بذلك سبعة أعوام حتى إذا استوفى فصاله وكملت خصاله وأملت نفعه ورجوت دفعه، أراد أن يأخذه مني كرهاً فآدني أيها الأمير، فقد رام قهري وأراد قسري”. فقال أبو الأسود: “أصلحك الله، هذا ابني حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، وأنا أقوم عليه في أدبه وأنظر في أوده، وأمنحه علمي، وألهمه حلمي، حتى يكمل عقله ويستحكم فتله. فقالت المرأة: صدق، أصلحك الله، حمله خفاً وحملته ثقلاً، ووضعه شهوةً ووضعته كرهاً”. فقال زياد: “أردد على المرأة ولدها فهي أحق به منك ودعني من سجعك”.
ونعثر على نص آخر لأبي عبدالله بن الفخار مدافعاً عن القاضي التوحيدي قاضي مالقة أمام الأمير إذ يقول: “إنه لمقام كريم نبدأ فيه بحمد الله على الدنو منه، ونصلي على خير أنبيائه محمد الهادي إلى الصراط المستقيم وعلى آله وصحابته نجوم الليل البهيم، أما بعد: فإنا نحمد الله الذي اصطفاك للمؤمنين أميراً، وجعلك للدين الحقيقي نصيراً وظهيراً، ونفزع إليكم مما دهمنا في حماك، ونبث إليك ما لحقنا من الضمي ونحن تحت ظل علاك، ويأبى الله أن يدهم من احتمى بأمر المسلمين ويصاب بضيم من أدرع بحصنه الحصين، شكوى قمت بها بين يديك من حق أمرك الذي عضده مؤيده لتسمع منها ما تختبره برأيك وتنفذه. وإن قاضيك ابن التوحيدي الذي أقمته في مالقة للأحكام ورضيت به في عدله فيمن بها من الخاصة والعوام ولم يزل على حسن اختيارك”.
ومما سبق يتبين لنا أن العرب لم يعرفوا المرافعة القضائية بصورتها إلا منذ عصر النهضة، وأن ما حصلنا عليه ما هو إلا إشارات أو إرهاصات لهذا النوع من الخطبة وليس دليلاً على وجودها بشكل أصيل.
أصول الخطبة القضائية
لا شك في أن عمل الخطيب هو أن يقدم الحقائق أو ما يشبه الحقائق لإقناع سامعيه، والخطيب القضائي، في إدراك هذه الناحية، أولى من غيره، إذ يجب عليه أن يجذب المستمعين إليه، وأن يدفعهم إلى الإنصات له، والإذعان لما يقول والتسليم به لأنه يعتقد أنه يقول الحق وأنه يدافع عن الحق، وفي ذلك يقول سعد زغلول وهو أحد شيوخ رجال القانون والمحاماة والقضاء: “مجالس القضاء مكان لمغالبة الخصوم ومقارعة الحجج، وميدان فسيح للاستدلال الخطابي، كلٌّ يحاول جذب القضاء إلى فكرته، وإقرار دعواه، وإجابة طلبه”. فغاية المرافعة، سواء أكانت في حالة الدفاع أم في حالة الاتهام، إقناع القاضي بوجهة نظر معينة، لإبراز براعة المترافع الخطابية، “فكل ما ينحرف عن هذه الغاية ثرثرة لا طائل فيها أو تبجح لا يليق، وبالتالي فهو هدر للوقت وإساءة إلى الدعوى”. ولا يستقيم هذا الأمر إذا لم يؤسس وفق أصول بحثت منذ القدم يقول فيها أرسطو: يراعي المرء في قوله ثلاثة أشياء: أولها: وسائل الإقناع، وثانيها: الأسلوب واللغة التي يستعملها، وثالثها ترتيب أجزاء القول.
وأولى وسائل الإقناع هي الأدلة، وهي “ما يتوصل به إلى معرفة الحكم سلباً أو إيجاباً”. ولا يشترط فيها أن تكون يقينية بل يصح أن تكون ظنية قابلة أن ترفع إلى مرتبة اليقين في نفوس السامعين، وذلك بما يستعمله الخطيب من الوسائل. “والأدلة لها ينابيع تصدر عنها، وتستنبط منها، ويتجه إليها عند طلبها وتسمى مواضع”. وقد تكون هذه المواضع ذاتية وهي التي تؤخذ من ذات الموضوع لا من شيء خارج عنه، وقد تكون عرضية، وهي التي تؤخذ من مصادر خارجة عن ذات الموضوع وذلك عندما لا يدرك السامع ما في ذات الموضع من حقائق فيصعب عليه أن يقتنع بأدلته.
وفيما يخص الأدلة الذاتية فإن أهمها العلة والمعلول، ذلك أن التعليل روح الاستدلال، وكثيراً ما يستعمل المحامون ورجال النيابة الدافع على الجريمة دليلاً موجباً لتخفيف العقوبة أوتشديدها، إذ إن العلة الباعثة على الفعل طريق للحكم عليه بأنه خير أو شر، كما يتخذون من البواعث على الإقرار أو الإنكار دلائل موجبة أو سالبة. ومن أمثلة ذلك ما جاء في مرافعة أحد المحامين الفرنسيين في إثبات أن الدافع لإقرار المتهم يدعو إلى عدم الأخذ به، إذ قال: “تقولون إنه لا بد من الحكم لأنه أقر، وتقولون إن هذا الإقرار حر، أما رأيتم كيف وصف لكم الشهود ذلك المنظر؟ ألم يظهروا لكم التأثير الذي كان المتهم فريسته؟ ألم يظهروه يقاوم، ويبكي ويقع على الأرض، ويجذب شعر رأسه؟ ألم تروا أن العذاب النفسي الذي وقع المتهم فريسته هو الذي دفعه لأن يقر، ثم ما كاد ينهض على قدميه حتى لجأ إلى كل إنسان يحاول أن يسترد إقراره، فأسرع إلى محاميه وطلب منه بكل الظروف أن يدفع به للمحاكمة، وصار يصيح في كل فرصة وفي كل مكان: إني بريء إني بريء. افرضوا يا حضرات المحلفين أن نظام التعذيب كان لا يزال قائماً، وجاءكم وأثر الحديد في يديه، وقد أفلت من قسوة معذبيه، فهل كنتم تقولون له أنت مذنب، لأنك اعترفت، إنه يقول لكم: لقد رأيت دمي يتساقط، وسمعت عظامي تتحطم، فغلبني ألمي، وقال الطبيب إن الموت قاب قوسين أو أدنى، فغلبني الخوف، فأقررت، ولكني بريء، أكان منكم أنتم الذين تحاكموننا أو أنتم الذي تتهموننا، أكان منكم من يقول لقد أقررت وأنا أحكم عليك بإقرارك لا… ليس فيكم هذا الشخص”. يتضح مما سبق أن المحامي قد اتخذ من علة الإقرار والداعي إليه حجة على بطلانه ودليلاً على عدم الأخذ به.
وأما فيما يخص الأدلة العرضية فإن الشهادات والمواثيق أهمها، إذ يصفها أبو زهرة بأنها: “الركن الركين للاستدلال في الخطابة القضائية، فإن الشهادات باب واسع للتقاضي وهي طريق القرائن، والوسائل لمعرفة الأحوال، وفي بعض القضايا تكون هي نقطة الحوار وسبب الخلاف وتباعد مطارح الأنظار، هذا يعمل على تزييفها وذاك يعمل على تأييدها”.
وأما الحجة الأولى في الخطب القضائية فإنها القوانين، وهي من الأدلة العرضية، فنرى كلا المتخاصمين يحاول تفسير القانون بشكل يتفق مع غرضه ومصلحة من نصب نفسه مدافعاً عنه، ومن أبلغ الخطب القضائية التي اشتملت على الاستدلال القانوني مرافعة نائب عام فرنسي في إثبات الجريمة على رجل متهم بقتل نفسين إذ قال: “إنني أمام هاتين الجثتين، أمام هذين الجرحين الناغرين أشعر بالنفور والاشمئزاز يملآن نفسي. ويخيل إلي أني أرى حول تلك الدار الحزينة بجوار ذلك الزوج الذي يدعو زوجه، وتلك الطفلة التي تنادي أماً فلا تجيب، مدينة بأسرها في حزن شامل عام، وأرى ذلك المشهد الرهيب الذي تبعه أهل البلد جميعاً يشاركون أسرة الفقيدين في حزنها، ولكن لا، لا، إني أشيح بوجهي عن هذا المنظر المحزن ، وأخلو إلى نفسي أسائلها ورائدي مهمتـنا المشتركة المقدسة، وأوجه تبعة خطيرة، فلا أشعر بأقل شك أو تردد وأسمع صوت ضميري يقول لي: إن الرجل مذنب، مذنب أمام الله، ومذنب أمام الناس، مذنب لا عذر له، وهذه الجرائم الخطيرة تقتضي عقوبة زاجرة رادعة، فالعدالة تقتضيها والقانون ينص عليها، ومصلحة المجتمع تدعو إليها، وبقدر ما مؤمن بأني أؤدي واجبي حين أطلب منكم تطبيق تلك العقوبة الكبرى، أوقن بأنكم تؤدون واجبكم، حين تنطقون بها.
ويمكن للمترافع أن يجمع بين المواضع العرضية والذاتية إذا اقتضى المقام ذلك، وقد يقتصر على أحدهما، وعند الاقتصار على العرضية يجب أن يختار أحراها بإظهار المطلوب، ويجب عليه الابتعاد عما يستغلق على العقول إدراكه أو يصعب فهمه إلا في حال مخاطبة قوم تكفيهم الإشارة عن العبارة، والتلويح عن التصريح فلا مانع أن يخاطبهم بالتدقيق العميق.
لغة المرافعات
مما لا شك فيه أن الأفكار القانونية تبقى حبيسة في الذهن ما لم يعبر عنها باللغة، سواء أكانت هذه اللغة مكتوبة أم منطوقة. ومما لا شك فيه أيضاً أن الثقافة القانونية للعاملين في مجال القضاء متقاربة، ذلك أنهم يقضون سنوات وسنوات يدرسونها في معاهد العلم وفي مجال ممارستهم لمهنتهم القانونية. أما ما يتمايز به العاملون في هذا المجال فهو اللغة، إذ إنها هي التي تحدد تفوق رجل القانون أو تخلفه، فالقانوني المتفوق هو الذي يجمع إلى جانب الفكر القانوني الناجح حسن التعبير عن هذا الفكر. وأرسطو إذ يتحدث في هذا الموضوع يرى أن كمال الأسلوب في الشعر والخطابة يعتمد على اللغة الواضحة الدقيقة دون إسفاف في الأسلوب ودون سمو لا مبرر له.
وفن الخطابة عامة، والمرافعة بشكل خاص لا تبلغ النتائج المرجوة، إلا عندما يحسن الخطيب أو المترافع استعمال اللغة، وليس سهلاً على المحامي أو النائب العام أن يترافع ببساطة ووضوح وعفوية، فذلك لا يتحقق إلا بمعرفة لغوية دقيقة، وإلمام عميق بأصول الخطابة. فالمرافعة في ساحة القضاء، كما يصفها الأستاذ حسن الجداوي “مباراة أسلحتها الوحيدة المعتمدة قوة البيان، وثبات الحجة، وقرع الحجة بالحجة، والتدليل المنطقي والاستعانة – لكن بقدر- بتأثير العاطفة واستدرار رحمة الحكم الذي هو القاضي أو استثارة غضبه واستنهاضه لتحقيق واجبه”.
والحق في أكثر الأحيان جوهر نادر ثمين مستقر في الأعماق، فلا يتبلج وحده كما يتبادر إلى الأذهان، بل إنه يكون خفياً عن الباحث لأن الباطل يخفيه بألاعيبه، أو لأن العهد طال عليه فصار كالمعدن الكريم المستقر في الأعماق، لذلك فمن العبث الاعتماد على قوته الذاتية، ولكن “لا بد من لسان فصيح يكشف الحجب عن الحق المستور”. والقضاة بشر، ذوو وجدان تأسرهم البلاغة ويخلبهم جمال العرض ولين الاسترحام أو قسوة التحريض على الانتقام” وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها”.
لذلك كله، فإن المحامي بحاجة إلى بيان حسن ومنطق واضح وبلاغة عالية حتى يصرع حقُّه باطل خصمه.
والمرافعة، شأنها شأن الخطبة العادية، تنقسم وفق التصميم الكلاسيكي إلى مقدمة وجسم وخاتمة، وعن مضمون المقدمة يتحدث (كانتليانوس) في كتابه المؤسسة الخطابية فيقول: “في المقدمة ينبغي إعلام القاضي دون إبطاء بما نريد بيانه في المرافعة وبالتصميم الذي اعتمدناه، وهي لا تتحمل الإسهاب بل يجب أن تكون موجزة كل الإيجاز، إذ على الرأس أن يكون منسجماً بحجمه مع الجسم”.
ولكن هذا لا يعني أن تتحول المقدمة إلى برقية مقتضبة يعوزها الوضوح، بل لا بد من أن تكون موجزة بالقدر الذي يسمح أن يقدم جوانب القضية واضحة وتامة.
ولننظر إلى مقدمة مرافعة الدفاع عن تهمة (تنظيم الجهاد) في مصر الواردة برقم 28 لسنة 1982 أمن دولة عليا إذ يقول: “إننا ندافع اليوم عن مظلومين فيما نسب إليهم وعن مسلمين حاولوا إعمال الفكر الإسلامي لكنهم قوبلوا بأسوأ معاملة ونسبت إليهم أفعال جرمها القانون وهم منها براء.
حضرات المستشارين:
سوف أتحدث عن فكر ومبادئ وأهداف المتهمين التي وصفها ممثل الادعاء بأنها آثمة، ولكن أقول له مهلاً ورفقاً بنا يا زميلنا الفاضل… لأن هذه الأفكار وتلك المبادئ هي الإسلام بكماله وشموله، لأن الإسلام حياة كاملة للأسرة والفرد والمجتمع والبشرية كافة، فهو شريعة صالحة لكل زمان ومكان، وشريعة فوق كل الشرائع لا يكتمل أي أمر إلا بهذه الشريعة، والانتصار لهذا الدين أساس، والدفاع عنه واجب مفروض على كل المسلمين.
والمتهمون يريدون الانتصار لدين الله، وفي سبيل ذلك فإنهم مستعدون للموت، وإنه لا يكمل إيمان مسلم حاكماً أو محكوماً إلا بتطبيق شرع الله، والدليل على وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية مستمد من القرآن، إذ قال عز من قائل: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون” وقال تعالى: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون” وقال جل وعلا: “ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون” والمستفاد من قوله تعالى: “فاحكم بينهم بما أنزل الله” فهذا أمرٌ يدل على عدم مشروعة التحاكم بغير ما أنزل الله، وقاعدة الحكم بما أنزل الله لا خلاف عليها، وإن الله وصف الذين يحكمون بغير ما أنزل بأنهم كافرون ظالمون فاسقون… فهدف المتهمين جميعاً إقامة الدولة الإسلامية التي تحكم بشرع الله”.
إن هذه المقدمة تصلح لأن تكون نموذجاً يستدل بها على الخصائص اللغوية للمرافعة، فقد ألبس لغته ثوب العقل، ووجه ألفاظه لتخاطب فكر القاضي فحشد فيها ألفاظ الأدلة والثبوت والأحكام الشرعية، وبالاعتماد على هذا النموذج يمكن أن نستشف الخصائص اللغوية للمرافعة الناجحة وهي:
أولاً: الاستعمال الصحيح للغة من حيثُ النحو، فاللغة العربية تـنماز عن غيرها من اللغات في أن قواعد النحو تمثل جزءاً من معنى العبارة، وأي خلل في هذه القواعد يؤدي إلى خلل في المعنى، بل إن الخطأ في علامات الإعراب الضمة والفتحة والكسرة يقلب المعنى تماماً، ويؤدي إلى الخلط بين المتهم والمجني عليــه وقد نص على ذلك الجرجاني إذ قال: “ليس النظم (نظم الكلام) إلا أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه علم النحو” فعلم النحو إذن ليس تأليف الكلمات بشكل صحيح داخل التراكيب وإنما هو أيضاً العلم الذي يعنى بأن تؤدي العبارة المعنى المطلوب أو المعنى المقصود. وليس مطلوباً من المترافع أن يكون عالم لغة، وإنما كل ما هو مطلوب منه أن يكون لديه ثقافة لغوية لأن يكتب وينطق بشكل صحيح.
ثانياً: إن المترافع في الغالب يخاطب هيئات ذات حظ معقول من الثقافة العامة، فلا بد من احترام هذه الثقافة بأن تكون ألفاظ المرافعة ملائمة للذوق اللغوي السائد عند أهل القانون، فهم مثل غيرهم من الطبقة المثقفة، لغتهم قريبة من الفصحى وأعلى من العامية، ولا يجوز له الانحدار إلى العامية إلا إذا صعب عليه تصوير فكرته بالفصيحة. أو إن أراد أن يأتي بنكتة تفكهة للسامعين، أو أن ينقل عبارة شاهد ليناقشها. ويمكن للنكتة أن تكون بلغة فصيحة، ومن أمثلة ذلك ما قاله عمر عارف الذي ترافع في قضية قذف مشهورة كان المتهم فيها موظفاً استباح لنفسه أن يتدخل في السياسة وجمح به قلمه ونال من رجل كريم فقال: ولكن المتهم آثر التعرض للسياسة وما هو لها وانصرف إلى التشيع فيها، ورضي أن يكون موقفه منها موقف الزبانية من جهنم فهو يطلع على خصومه يشع وجهه ناراً، منتفخ الأوداج ينضنض بلسانه على لقم الطريق، إن تعرضوا له يلهث وإن تركوه يلهث، ثم إذا فرغ من تعذيب الناس مما رماهم به من جارح القول، عاد يتصبب عرقاً وأخذ مجلسه من ديوان الصناعة والتجارة يمد يداً للوظيفة يعدها قرشاً قرشاً، ويمسح عرقه بالأخرى كأنه أبلى في عمله الحكومي الذي أؤتمن عليه”.
وهناك من يرى “أن العربية الفصيحة ما تزال إلى اليوم لغة صنعة، وأنها ما تزال تجهد المخاطَب والمخاطِب معاً، والإجهاد إذا طال انتهى إلى الملل والسآمة”.
لذلك لا بد من بقاء العامية في رأيه لغة مرافعة إضافية لرواية اللطائف أو صياغة الملح والنكات كي يخفف بها الضجر ويطوي ملل الجلسات الطويلة وحجته في ذلك ألا ضرر في بقائها إذ إنها لغة كلام متبخر زائل بزوال الجلسة. وعلى كل حال فلا بد للمرافعة من أن تكون بلغة مرسلة لا تشادق فيها ولا تفيهق، بعيدة عن التكلف سالمة من السجع.
ثالثاً: إن لغة المرافعات لغة حديث لا لغة كتابة، وعلى هذا فإن المتحدث بحكم طبيعة الموقف مضطر إلى مواصلة الحديث في غير توقف أو تردد، فيلجأ إلى الابتكار والارتجال مستعيناً بوسائل الإلقاء من حركة وإشارة ونبرات وقوة شخصية وسرعة بديهة.
وإذا كان المترافع مضطراً إلى أن يعد مرافعته فإنه يراعي أن يكتبها بغير لغة الكتابة، فلا يستعمل الألفاظ المنمقة ولا يحتال على المعاني البعيدة ولا يطلق العنان لخياله فيأتيه بصورة شعرية رائعة، وذلك لأن الحاجة تدفعه إلى إفهام سامع يرمقه بعين تشع انتظاراً قد ينقلب في لحظة إلى تململ أو سآمة.
ولنسمع إلى المحامي الشهير “فارير” يحدثنا عن طريقته في إعداد مرافعاته فيقول إنه كان يفكر أياماً قبل المرافعة في قضية عظيمة فإذا ما دنت الجلسة أوى إلى مكتبه وترك قلمه حراً يسجل ما يجول بخاطره كأنه يخطب في المحكمة، فإذا ما فرغ طوى ما كتب وقد ارتسم في ذهنه واتضحت أمامه معالم الدفاع، ثم يترافع بما رسم، معتمداً على موهبة الارتجال.
وهناك بعض الحالات لا بد فيها من الاعتماد على الألفاظ الفخمة، فالقضايا الجنائية والسياسية الخطيرة تلائمها العبارات الخطابية الاحتفالية لهجة وإنشاء؛ مثال ذلك تلك العبارات التي خاطب بها المحامي هيئة المحلفين بقوله: “يا إله المؤمنين اهبط من عليائك واستقر في هذه القاعة وفي قلوب المحلفين، قل لهم إن حق الحياة وإرادة الموت ملكك وحدك، وأنتم يا من ستتحملون أصعب المسؤوليات، ليكن حكمكم مبرئاً من المثول بسببه أمام الله يوم الحساب الكبير”.
على أنه يجب أن لا يغيب عن الذهن أن مثل هذه العبارات الخطابية تستلزم مواهب خطابية كبيرة وسيطرة تامة على اللغة، فيخشى أن يجد المترافع نفسه عاجزاً عن متابعة هذا الأسلوب الفخم فينحدر هابطاً عن الذروة التي بدأ منها إلى الدرك المعاكس مما يزعج السامعين لأنه يتنافى مع أصول البلاغة.
ومن المرافعات التي حاول فيها صاحبها أن يكون أسلوبه فخماً بليغاً دون كفاءة فإذا به يبدو مبتذلاً متكلفاً، مرافعة النائب العام في دعوى سيدة متهمة بدس سم الزرنيخ لزوجها وقتله إذ يقول: “هل ستقولين (يا ماري كابل) إن والدة (شارك لافراج) هي التي سكبت له السم؟
ولكن احذري غضب المحلفين إذا خطرت لك هذه الفكرة، إذا ادعيت مثل هذا الادعاء فإنك سترتكبين جناية جديدة تدفع هؤلاء المحلفين إلى قساوة لا يضمرونها لك الآن. أمامكم على هذا المقعد، أجل، (يا ماري كابل) هذه أنت التي وضعت السم لزوجك، أنت التي عذبته بالسم خلال خمسة عشر يوماً، أنت التي اشتريت السم واشتريت منه كثيراً. إذا لم تكوني مذنبة فلا يكفيك أن تقولي إنك مقتنعة ببراءتك، بل عليك أن تدلينا على الذي أبدل قرص الحلوى السليم وعلبته بقرص آخر مسمم وعلبته. ثم قولي لنا ماذا صنعت لنا بكميات الزرنيخ الكبيرة التي اشتريتها؟ أيها المحلفون الذين لا أعرفهم ولا يعرفوني. ولكني مجذوب إليهم بالعاطفة التي تشدني إلى هذه المنطقة حيث ولدت، أيها المحلفون: كونوا أوفياء لقسمكم، لا تتصلوا بأحد أرجوكم… لا تتأثروا خارج القاعة بأي انطباع يمكنه أن يفعل فعله بعنف في قناعتكم ويشوه طهارة حكمكم، هذا ما أطلبه منكم، ولكن أطلب منكم قبل كل شيء أن تكونوا عادلين، ولن تكونوا عادلين إذا قبلتم بتدخلات أي إنسان يحاول أن يخلص بأي ثمن امرأة لا يمكن أن تخلص”.
ففي مثل هذه المرافعات وبرغم وضوح الأدلة، فإن المترافع لم يستطع أن يرتفع بلغته إلى مستوى الأدلة، وكثيراً ما تهبط اللغة الركيكة والهزيلة بالأدلة القوية، وفي الجهة الثانية، إذا كانت القضية سيئة في مجملها، فإن على المترافع أن يبتعد عن لغة المبالغات غير المعقولة والأكاذيب الصارخة والحجج الواهية، وعليه أن يعترف بسوء وضعه بمعالجة لغوية تؤدي الغرض المطلوب، ومن ذلك ما قاله محامي الدفاع (بوديه) في قضية قتل إذ قال: “لا شك في أن موكلي قتل دون أن يعي ماذا يفعل، قتل لأنه فقد صوابه وسط زحمة التفاصيل غير المقصودة، صحيح أن هناك ضحية بريئة، لكن الصحيح أيضاً أنه لا يجوز التضحية بضحية أخرى (والتفت إلى المحلفين قائلاً): إن مقتل الشرطي حصل في جو ساخن من الذعر والفوضى، أما أنتم فإنكم ستصدرون حكمكم بهدوء، فلا تدعوا (فش) يموت بحكم منكم ويكون موته قد تم في جو أين منه جو الجريمة المقترفة”.
فالمحامي هنا بدأ مرافعته بالاعتراف أن موكله قاتل، دون أن يبالغ في تبرير موقف المتهم، وبدلاً من ذلك راح يستعمل الألفاظ التي تخاطب عواطف المحلفين وتهز مشاعرهم.
رابعاً: إن المرافعة مخاطبة لمشاعر القضاة وعقولهم في آن واحد، ولهذا لا بد في لغتها من أن تكون مطابقة لمقتضى الحال، فإذا ما أراد النائب أن يتحدث عن الجانب القانوني في القضية فإنه عندئذ يخاطب عقولهم. فيعرض الأدلة بلغة هادئة متزنة خالية من عبارات الحماسة مما يؤدي إلى الاقتناع العقلي بالدليل. وأما إذا ما عرض إلى قوة القانون وسلطانه، فيختار الألفاظ الفخمة والعبارات القوية “ليلقي في روع السامعين مهابة القانون فيلتزموا خط الطاعة ويخاف العصاة صولة العقاب”.
وإذا ما وجد النائب نفسه أمام هيئة من الدفاع من أهل البيان واللسان، ورأى محاولتهم التأثر بالكلام، فمن مصلحة العدالة أن يكون هناك تفوق للاتهام على الدفاع، لذلك عليه أن يشهر عليهم مثل سلاحهم دون تحيز ولكن سعياً لإحقاق الحق والدفاع عنه، ولا ينسى أن غايته الإقناع وفي ذلك يقول أرسطو: الإقناع هو ما يسعى إليه الخطيب وهو غاية الخطابة، ولا يتحقق بأي معان اتفقت ولا بأي أحوال عرضت، بل إنه يقع بمعان مخصوصة وهيئات مخصوصة، وفصاحة الألفاظ يجب أن تحوي المقدرة على الإفهام والإفصاح عن المعاني كما يجب أن تكون حسنة الموقع على الأسماع، لا تنفر منها الأذواق ويجب أن تكون قادرة على تحقيق المراد من تعظيم المعنى عند إرادة التعظيم أو تحقيره عند إرادة التحقير. والمحامي في هذا الجانب مثل النائب، فلا بد من أن يمثل قدرة على تطويع اللغة باستعمال مفردات تنقل الصورة التي يريدها وفق مقتضى الحال، وهذا لا يكون إلا بامتلاكه ثروة لغوية كبيرة، يصرف بها فنون القول ويسلك طرق البيان فيعرف كيف يثير الوجدان ويمس المشاعر، “وإن كلام المحامي ليبقى مجرد كلام لا طائل تحته حتى تغشاه عاطفة صادقة فتصبح له قوة السحر” ولنسمع إلى ختام مرافعة الأستاذ أحمد لطفي عن الورداني قاتل رئيس وزراء مصر بطرس غالي، إذ حشد فيها الألفاظ التي تمس العاطفة، وتؤثر في المشاعر: “أما أنت أيها المتهم فقد همت بحب بلادك حتى أنساك ذلك الهيام كل شيء حولك، أنساك واجباً مقدساً هو الرأفة بأختك الصغيرة وأمك الحزينة، فتركتهما تبكيان هذا الشاب الغض، تركتهما تتقلبان على جمر الغضا، تركتهما تقلبان الطرف حولهما فلا تجدان غير منزل مقفر غاب عنه عائله، تركتهما على ألا تعود إليهما، وأنت تعلم أنهما لا تطيقان صبراً على فراقك لحظة واحدة، فأنت أملهما ورجاؤهما. دفعك حب بلادك إلى نسيان هذا الواجب وحجب عنك كل شيء غير وطنك، فلم تعد تفكر في تلك الوالدة البائسة، وهذه الزهرة ا ليافعة، ولا فيما ينزل بهما من الحزن والشقاء بسبب ما أقدمت عليه، ونسيت كل أملك في هذه الحياة، وقلت إن السعادة في حب الوطن وخدمة البلاد، واعتقدت أن الوسيلة الوحيدة للقيام بهذه الخدمة هي تضحية حياتك، أي أعز شيء لديك ولدى أختك ووالدتك، فأقدمت على ما أقدمت راضياً بالموت لا مكرهاً، ولا حباً في الظهور، أقدمت وأنت عالم أن أقل ما يصيبك هو فقدان حريتك، ففي سبيل أمتك بعت حريتك بثمنٍ غال.
فاعلم إذاً أيها الشاب أنه إذا اشتد معك قضاتك – ولا إخالهم إلا راحميك – فذلك لأنهم خدمة القانون، وهذا هو السلاح المسلول فوق رأس العدالة والحرية. وإذا لم ينصفوك – ولا أظنهم إلا منصفيك – فقد أنصفك ذلك العالم الذي يرى أنك لم ترتكب ما ارتكبته بنية الإجرام، ولكن باعتقاد أنك تخدم بلادك، وسواء وافق اعتقادك الحقيقة أم خالفها فتلك مسألة سيحكم التاريخ فيها.
وإن هناك حقيقة عرفها قضاتك وشهد بها الناس، وهي أنك لست مجرماً سفاكاً للدماء، ولا فوضوياً من مبادئه الفتك ببني جنسه، ولا متعصباً دينياً وإنما أنت مغرم ببلادك هائم بوطنك.
فليكن مصيرك أعماق السجن أو جدران المستشفى، فإن صورتك في البعد والقرب مرسومة على قلوب أهلك وأصدقائك، وتقبل حكم قضاتك باطمئنان واذهب إلى مقرك بأمان”.
وفي بعض القضايا الجنائية، يلجأ المحامي إلى العبارات الفخمة إذا أراد أن يصور حماسة المتهم في الدفاع عن دينه أو نفسه أو عرضه مثلاً، ليكون بذلك ناقلاً لقوة حماسة موكله واندفاعه فيما يفعل، ففي قضية تنظيم الجهاد السالفة الذكر استطاع المحامي أن ينسب التهمة إلى فرض من فرائض الدين الإسلامي، وراح يستأنس بلغة الخطبة الدينية بالاستناد على كتاب الله العزيز أو بالسنة النبوية والأثر، وفي الوقت الذي رأت فيه النيابة أن تهمة الجهاد فعل إجرامي، الغرض منه قلب نظام الحكم، رأى المحامي أن المتهمين أناس مؤمنون يريدون الانتصار لدين الله ولأجل هذه الغاية يضحون بأنفسهم.
ولا ننسى أن لغة المرافعة التماس، وعباراته يجب أن تكون عبارات إكبار وإعظام وهذا لا يقتضي التذلل أو الضعة في توجيه الخطاب، بل هي في الوقت نفسه لغة عزة وجرأة.
ولنسمع إلى ديسيز وقد دعاه لويس السادس عشر إلى الدفاع عنه أمام الجمعية التأسيسية في وقت جمعت فيه هذه الهيئة في يدها جميع السلطات، فلم تأخذه في الحق لومة لائم وقدم مرافعته بلغة جريئة إذ قال: “أيها المواطنون! أخاطبكم بلسان الرجل الحر، إني أبحث بينكم عن قضاة “للويس” وأنتم خصومه؟ أتريدون أن تجلسوا للحكم في قضية لويس ولكم فيها رأي يجوب أوروبا من أقصاها إلى أقصاها؟ أيكون لويس الفونسوي الوحيد الذي لا يحميه القانون ولا يتبع في محاكمته إجراء واحد صحيح؟ أيجرد من امتيازاته كملك ومن حقوقه كمواطن، أيخذله القانون حاكماً ومحكوماً؟ ياله من مصير عجيب لا يتصور”.
ومن مطابقة اللغة لمقتضى الحال أن يكون الإسهاب في موضعه والإيجاز في موضعه. والمترافع يراعي أن كل تطويل في غير التحليل والتفصيل عند الحاجة إضاعة للوقت، وكل إيجاز فيه نقص وتعمية وإبهام وإخلال بالواجب المناط، لذلك وجب عليه أن يختار الألفاظ من غير حشو أو نقص، مع العناية بترتيب الألفاظ لتكون مستوفية للمعاني التي تدل عليها.
خامساً: وما يجعل إدراك المعنى صعباً أو ملبساً إكثار المترافع من الجمل الاعتراضية وإطالة الجملة إطالة مسرفة وإيراد الألفاظ الغريبة والحوشية، إذ إن عليه أن ينقل أفكاره بألفاظ وجمل تضمن له الفهم السريع وبالتالي التأثير والاستجابة، وأكثر المترافعين كانوا حريصين على هذه الصفة، فقلما نجد في خطبهم التواء في التعبير أو تقصيراً لفظياً، ولننظر إلى مرافعة الأستاذ عبداللطيف محمود المحامي عن المتهمين بالحق المدني في قضية مقتل أمين عثمان باشا، سنرى إكثاره من الجمل المعترضة مما أدى إلى بطء في الفهم. إذ يقول: “سأحاول جاهداً مثلكم أن أصدق كل هذا، لأن خليطاً من الشباب الفاسدين – من شباب هذا الجيل – وهم بحمد الله قليلون، ولا أجد ما أصفهم به أبلغ مما وصفتهم به النيابة – قام بخلده أو بث فيه أن دمه حل لهم مباح سفكه بمقولة أنه كان من أنصار الإنجليز” ولم يبق لنا إلا أن نقول ما قاله الأستاذ زكي عريـبي المحامي من أن الناس قد اتفقوا “من قديم على أن البلاغة صفة لازمة لمن جعل الدفاع عن حقوق الناس مهنته، وتواضعوا على وجوب أن يكون المحامي فصيح اللسان بالغ الأثر بكلامه متلاعباً بالعقول والقلوب”.
أساليب المرافعات
مهما كانت طبيعة العمل، فإن صاحبه لا يكتفي بإيصال المعلومات إلى المستمعين حتى يوصف بالبلاغة، بل لا بد له من أسلوب يسلكه في إيصال أفكاره، وفي هذا يتحدث أحمد الحوفي فيقول: “ليست البلاغة أن تفهم المعنى وإلا لتساوت الركاكة والتعبير والإشارة، الجيد والرديء والعامي والفصيح، وإنما البلاغة وثبة فوق إفهام المعنى. رتبة سمكها الامتياز في التعبير، ومطابقته للحال” والأسلوب كما يعرفه أحمد الشايب “الطريقة التي يسلكها الإنسان في تأليف كلامه واختيار ألفاظه”.
وأسلوب المرافعة مستمد من هذا الفن الذي تمتزج فيه الأدلة التي تكفل الإقناع بالإثارة التي تحقق الاستمالة، فلا غرابة أن يكون لها أساليب خاصة تتغير حسب ما يقتضيه المقام برغم أن المفردات المستعملة واحدة، وقواعد تركيب الجملة واحدة.
والمرافعة موجهة بالدرجة الأولى إلى عواطف القضاة ثم إلى عقولهم. وما دامت الأدلة التي تخاطب العقول ثابتة، فإن التغيير يكون في أساليب مخاطبة العواطف، ولعل الأسلوب الإنشائي بما فيه من تعجب واستفهام ونداء وتمن وأمر ونهي ودعاء، مع ما تؤديه هذه الصيغ من معان مجازية إضافية كالتوبيخ والتقريع والتهديد والتهكم والعرض والتحضيض، خير أسلوب يخاطب عواطف القضاة، وفيما يلي نلقي الضوء على تلك الأساليب وأثرها في عواطف القضاة.
أسلوب التعجب
كثيراً ما يلجأ المترافع إلى أسلوب التعجب في مرافعته وذلك من أجل، تقريب وجهة نظر أو توكيدها. يقول المحامي (أوبان) المترافع عن السيدة (ماري استانهيل) المتهمة بقتل زوجها: “إن موكلتي – سيدي الرئيس – حاولت أن تقول في استجوابها كل ملابسات القضية، وإن رأى دفاع النيابة أن هناك تناقضاً في القول، فما هو إلا أن الصورة التي عاشتها وتعيشها مشوشة لا تكاد تصدق، وأن أطراف القضية متشعبة، فما أكثر ما يخلط الإنسان حين تزدحم عليه الأفكار إلى الحد الذي يرى في نفسه تناقضاً في التوجهات والإرادة”.
ففي هذه الفقرة من مرافعته استعمل المحامي أسلوب التعجب في قوله: “ما أكثر ما يخلط الإنسان حين تزدحم عليه الأفكار” وهو بذلك دعم فكرته في أن التناقض في الأقوال ناشئ عن تشعب ملابسات الحادث، وهو بذلك يفند رأي النائب العام في أن هذه التناقض دليل على تجريمها.
أسلوب الاستفهام
مما لا شك فيه أن أسلوب الاستفهام سواء أكان حقيقياً أم مجازياً يعد الأسلوب الأكثر استعمالاً في المرافعات القضائية، إذ لا تكاد تخلو مرافعة من الاستفهام الذي قد يخرج عن معناه الحقيقي إلى معان مجازية أخرى تؤدي وظيفة يرمي إليها المترافع، ولننظر إلى مرافعة أحد المحامين عن متهمة بدس السم لزوجها وقتله، سوف نرى كيف وظف الاستفهام لخدمة غرضه إذ يقول: “وبعد هذا، من يستطيع أيها السادة المحلفون أن يمسك بكم؟ كيف يمكنكم أن ترددوا معي بكل إخلاص من أعماق ضمائركم: لا! هذه المرأة ليست مذنبة لأنه لا يمكنها أن تكون مذنبة! ولكن يا للأسف. هذا كل ما يمكنكم فعله من أجلها، أما ما لا تستطيعونه إطلاقاً فهو إعادة الإزهار إلى حياتها التي ذبلت إلى الأبد. ما لا تستطيعون هو الحؤول دون أن تكون هذه المرأة أشقى نساء الأرض! انظروا!!! هل من مصير أدعى إلى التحسر من مصيرها؟” فصيغة الاستفهام الأولى “من يستطيع أن يمسك بكم” تحمل معنى النفي، في حين أن الصيغة الثانية “كيف يمكنكم أن ترددوا معي…” تتضمن معنى الطلب، أي رددوا. والصيغة الثالثة “هل من مصير أدعى إلى التحسر من مصيرها” تتضمن معنى النفي مثل الصيغة الأولى. وإضافة إلى معنيي النفي والطلب فإن الاستفهام قد يكون إنكارياً أو توبيخياً مما يؤدي بالقاضي إلى إعادة النظرة بعد النظرة في كلام المتهم قبل تكذيبه. ويتضح هذا الأسلوب في هذه القطعة من مرافعة أحد المحامين عن متهمة بقتل امرأة أخرى.. إذ يقول: “لقد حاولت موكلتي في استجوابها إيضاح علاقتها بالمجني عليها، ولقائها بها قبل الحادث وهي تشكو لها استمالتها لزوجها، وقد وعدتها المجني عليها أن تبتعد عن زوجها، وطمأنتها أن الأمر سينتهي، وأن زوجها سيرجع إليها وإلى بيتها… فكيف تشككون بكلام موكلتي ولا تطمئنون إليه. وقد كانت غير ملزمة بالحديث عن تلك التفاصيل فضلاً على أن المحكمة ليس لديها ما يؤيد تلك المحادثة”.
ومن أجل تشويق القاضي يلجأ المترافع إلى أسلوب الاستفهام وذلك بوضع مجموعة من الأسئلة يجيب عنها عند نهاية كل سؤال، إذ يثير السؤال في نفس القاضي حب الاستطلاع لمعرفة الجواب، مما يدعوه إلى التيقظ والإصغاء، فتصبح تلك الإجابة باقية متمثلة في ذهن القاضي. ومن هذا النمط ما قاله وكيل النائب العام في قضية اتهمت فيها امرأة بقتل أمها وزوجها إذ قال في مرافعته: “لماذا أقدمت المتهمة على كل هذه التناقضات؟ لأنها كاذبة! ولماذا أقدمت على قتل أمها وزوجها في ليلة واحدة؟ هذا هو اللغز الأكبر”. ومثل آخر ما قاله محامي الدفاع في القضية نفسها: “قبل كل شيء نعرف جميعاً أن لا جريمة بلا سبب. هل الخلاف الزوجي هو الدافع هنا؟ لم يثبت التحقيق إطلاقاً أن المودة كانت مفقودة بين المتهمة وزوجها أو بينها وبين أمها بل العكس هو الصحيح”.
وقد يعمد المترافع إلى أسلوب الاستفهام دون أن يجيب عنه وهذا الأسلوب مستحسن إذ كانت جميع الأسلة فعالة ومؤدية إلى إجابة واحدة يستـنتجها القاضي بشكل حتمي، وفي القضية السابقة يعمد وكيل النيابة إلى هذا الأسلوب فيقول: “إن المتهمة تدعي أنها بريئة، ولكن إذا كانت بريئة لماذا كذبت، ولماذا حاولت اتهام خادمتها ثم حاولت اتهام ابن خادمها؟ ولماذا أخيراً حاولت اتهام الصحفي الأمريكي؟ ولماذا زعمت أن سبب الجريمة هو السرقة؟ وقد ثبت أن لا سارق ولا مسروق”.
فمجيء هذه الأسئلة بهذا الزخم والتكثيف يؤدي إلى نتيجة واحدة وهي عدم براءة المتهمة، كما يرى وكيل النيابة، ولا سيما أنها جاءت بعد جملة “تدعي فيها المتهمة أنها بريئة”.
وعلينا ألا ننسى أن الإسراف في استعمال هذا الأسلوب، وبخاصة في الحالات التي لا تؤدي إلى نتيجة واضحة – يؤدي إلى سأم القاضي .