الفقرة الأولى : الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به والأحكام النهائية.
الأحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به: في نظر البعض هي التي لا تقبل طرق الطعن العادية من تعرض واستئناف، وإن كانت تقبل للطعن بالطرق غير العادية كإعادة النظر، وتعرض الغير الخارج عن الخصومة والنقض.(1)
وعلى خلاف ذلك يرى أغلبية الفقه(2) أن قوة الأمر المقضي به تثبت للأحكام التي لم تعد تقبل أي طريق من طرق الطعن سواء كان عاديا أو غير عادي، أي أن الأحكام المقصودة هي تلك التي أصبحت باتة أو قطعية أو نهائية، وقد استند مؤيدو هذا الرأي التبرير موقفهم على قابلية الحكم للتنفيذ، فمتى كان قابلا للتنفيذ حاز قوة الأمر المقضي به.
وفي اعتقادنا المتواضع، وانسجاما مع التعريف الذي أعطيناه لقوة الأمر المقضي به سابقا، تحتاج وجهة النظر هذه إلى كثير من التصويب والتقويم، فلو عرفنا قوة الأمر المقضي به بناء على عدم قابلية الأحكام لأي طريق من طرق الطعن وبالتالى استنادا إلى قابليتها للتنفيذ، لكان ذلك ضربا من ضروب التنافض لأن الأحكام الإنتهائية التي لا تزال خاضعة للطعن بالطرق غير العادية هي بدورها قابلة للتنفيذ على اعتبار أن طرق الطعن غير العادية لا توقف التنفيذ كما هو معلوم، بل إن الأحكام التي تخضع لكافة طرق الطعن بما في ذلك الإستئناف، تقبل التنفيذ مباشرة بمجرد صدورها وعلى الأصل أو المسودة أحيانا، حيث تتطابق والحالة هذه حجية الأمر المقضي وقوته، وذلك حينما تكون مشمولة بالتنفيذ المعجل القانوني أو القضائي”.(3) فما موقف المنتصرين لهذا الرأي عندما يكون الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل، ألا يتمتع بقوة الأمر المقضي به، أليس قابلا للتنفيذ على الأقل بصفة مؤقتة.
من زاوية أخرى، يعد الدفع بسبقية البت مؤيدا لوجهة نظرنا إذ لم تكن المحاكم على موقف واحد بشأن قبوله، فمنها تلك التي تكتفي بصدور الحكم في الموضوع ولو كان قابلا لطرق الطعن كلها، ومنها التي تتطلب الإدلاء بشهادة تثبت نهائية الحكم وتشهد بعدم قابليته للتعرض والاستئناف والنقض. وحسب ما لدينا من اعتقاد يكفي أن يصدر الحكم في الموضوع لقبول الدفع بسبقية البت تلافيا لعرض نفس النزاع في ذات الموضوع على نفس المحكمة وبالتالي صدور أحكام متناقضة من جهة وتكريسا لمبدأ عدم الرجوع في الأحكام من جهة أخرى.(4)
ومن المفيد أن نشير إلى التمييز بين قوة الشيء المقضي به وحجية الشيء المحكوم فيه، إذ يقصد بالأولى عدم قابلية الحكم للتعرض والاستئناف، أما الثانية فيراد بها صدور الحكم وفق الشكليات القانونية اللازمة، أي أن الحكم الحائز للحجية هو الذي صدر صحيحا شكلا وموضوعا، فضلا عن أنه يقبل الطعن بكافة الطرق عادية كانت أو غير عادية(5)
وقد جرى الفقه على تعريف الحكم الحائز لحجية الشيء المقضي به، بأنه ذلك الحكم الذي لايقبل طرق الطعن العادية من استئناف و تعرض، و إن كان يخضع للطعن بالطرق العادية شأن النقض و إلتماس إعادة النظر، و تعرض الغير الخارج عن الخصومة، وبهذا التعريف تكون حجية الأمر المقضي به ثابتة للأحكام الإنتهائية وحدها، سواء صدرت عن المحاكم الابتدائية ما لم يتعلق الأمر بالقضايا التي لا تتجاوز 20000 درهم، وبعض القضايا الكرائية المنصوص عليها في تعديل دجنبر 2005 أو عن محاكم الاستئناف التي تعد الأحكام الصادرة عنها انتهائية دائما ولو بقيت خاضعة للطعن بالتعرض متى كانت غيابية.
والحقيقة أن هذا التعريف على الرغم من شيوعه بين الفقهاء والباحثين، ورغم بعض فوائده النظرية يبقي محل نظر ويحتاج إلى المراجعة، ذلك أن حجية الأمر المقضي به -كما سبق أن أوردنا سلفا- لا تعني عدم قابلية الحكم لطرق الطعن العادية، وإنما يراد بها أن يصدر الحكم موافقا للإجراءات الشكلية والمسطرية التي ينص عليها المشرع لصحة الأحكام فقط من ذلك مثلا ما ورد في الفصول 50 و 345 و 375 من قانون المسطرة المدنية.(6)
أما الأحكام النهائية أو الباتة فهي التي لا تقبل أي طريق من طرق الطعن سواء كان عاديا أو غير عادي.
ويكون الحكم نهائيا أو باتا في الحالات الآتية :
أ- اذا صدر عن المحكمة الابتدائية وأهمل المحكوم عليه الطعن فيه سواء بالاستئناف إذا كان قابلا له، أو بالتعرض إذا كان غيابيا، أو بطرق الطعن غير العادية ففي هذه الحالة يصبح الحكم المذكور نهائيا وفاصلا في الموضوع لأن سكوت المحكوم عليه عن الطعن يحمل على قبوله ورضاه به.
ب- إذا صدر حكم عن محكمة الاستئناف، ولم يطعن فيه المحكوم عليه، سواء بالتعرض إذا كان غيابيا، أو بطرق الطعن غير العادية خاصة النقض. ففي هذه الحالة وبعد انصرام الآجال القانونية المحددة لمباشرة الطعون المسموح بها دون تحريك ذي المصلحة لأي ساكن ينتقل الحكم – أو القرار المذكور إلى حكم نهائي وبات لا يقبل أي طريق من طرق الطعن.
ج- إذا بلغ الحكم مرحلة التقاضي أمام محكمة النقض، ففي هذه الحالة يصبح الحكم نهائيا إذا صدر فيه قرار نهائي من محكمة النقض ما لم يكن قابلا لإعادة النظر، ويستوي أن يكون قرار المحكمة مؤيدا أو ناقضا للحكم المطعون فيه.
الفقرة الثانية : الأحكام القطعية والأحكام غير القطعية
الأحكام القطعية هي التي تحسم النزاع المعروض على المحكمة ولو كانت غيابية قابلة للتعرض أو ابتدائية قابلة للاستئناف(7)
وقد يختلط الحكم القطعي بالحكم النهائي نظرا لتقاربهما على الأقل من حيث المصطلحات، لكن الفرق قائم بينهما، فالحكم القطعي يحسم النزاع في مسألة معينة او في موضوع الدعوى برمته، أما الحكم النهائي فهو الذي يفصل في النزاع بصورة نهائية إذ لا يقبل أي طريق من طرق الطعن.
أما الأحكام غير القطعية فهي التي لا تحسم نزاعا ما، وإنما تتعلق بسير الخصومة كقرار تأجيل الدعوى أو بالإثبات كالحكم بندب خبير، أو بطلب وقتي كتعيين حارس.
فالأحكام غير القطعية لا تفصل في النزاع ولا في إحدى جزئياته، وإنما تبت في اجراء من الإجراءات التحفظية) كتعيين حارس قضائي أو تأمر بإجراء من إجراءات التحقيق كتوجيه اليمين، أو الأمر بالقيام بالمعاينة، أو الحكم بانتداب خبير وتعرف هذه الأحكام كذلك بالأحكام التمهيدية.
وللتمييز بين الأحكام القطعية والأحكام غير القطعية أهمية قصوى، فالأولى تتمتع بحجية كاملة إذ لا يجوز للمحكمة أن تعدل عنها، كما لا يسوغ عرض النزاع الذي حكمت فيه من جديد على محكمة أخرى إلا إذا كانت هذه المحكمة هي المختصة بالنظر في الطعن الذي قدم ضد الحكم القطعي الصادر عن المحكمة الأولى، أما الثانية فليست إلا أحكاما وقتية وتحفظية لا تحسم في النزاع ولا في نقطة فيه، وهذا يعني أنه بإمكان المحكمة العدول عنها وعدم تنفيذها، فضلا عن إمكانية عرضها من جديد على محكمة أخرى للنظر فيها.
المراجع المعتمدة:
(1) الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية.
(2) لمزيد من التوضيح في موقف المسودة في طبيعة الأحكام الصادرة عن المحاكم الابتدائية عد إلى ما كتبناهحول مستجدات المسودة في الاختصاص النوعي للمحاكم
(3) أبو الوفا : نظرية الأحكام، م.س. ص. 362.
(4) يمكن التوصل إلى هذا الموقف لدى أغلب الباحثين والمهتمين من خلال أبحاثهم ومؤلفاتهم في مادة المسطرة المدنية.
(5) وإذا كان يجوز تقديم ايقاف تنفيذ الحكم المشمول بالتنفيذ المعجل القضائي طبقا للفصل 147 من قانون المسطرة المدنية.
(6) وذلك شريطة الالتزام بالمقتضيات الواردة في الفصل 451 من قانون الاارامات والعمود 12 غشت 1913 (7) ومع ذلك يرى البعض أن ثمة أحكاما يمكن مراجعتها رغم انها قد حارت هوة الشيء المقضي به
ان الأحكام المتعلقة بالنفقة والحضانة، وتلك التي تبت التعويض عن الضرر الجسدي لمزيد من التوسع راجع محمد سعيد عبد الرحمن، الحكم الشرط، نواعادة صياغة نارية عامة للاحكام القضائيد قانوني المرافعات المصري والفرنسي، دار النهضة العربية، الماهرانت العربية القاهرة 1996، ف1، ص20 وما بعدها مامة بلأحكام القضائية، دراسة مقارنة
= – عز الدين الدناصوري وجامد عكاز، التعليق على قانون الإثبات،ط،/3/1995 ص، 224 وما يليها
– أحمد ماهر زغلول، الموجز في أصول قواعد المرافعات الكتاب الأول التنظيم القضائي والاختصام أصول التنفيذ، ط 1997/4
– أحمد ماهر زغلول، أعمال القاضي التي تحوز حجية الأمر المقضي وضوابط حجيتها، دار النهضةالعربية، القاهرة ط 1900.
(8) وممن وجدنا لديهم نفس وجهة نظرنا؛
– أحمد محمد حشيش، القوة التنفيذية لحكم التحكيم، دار الفكر العربي، الإسكندرية، مصر الطبعة الأولى 2001، ص. 32 وما يليها. – احمد محمد حشيش، نظرية القوة التنفيذية لسند التنفيذ ، دار الفكر العربي، الإسكندرية، مصر ، مطبعة 2002، ص. 74 وما بعدها، – وجدي راغب، النظرية العامة للتنفيذ القضائي في قانون المرافعات المدنية والتجارية، دار الفكر العربیه م. 114 وما يليها.
محمد سعيد عبد الرحمن، الحكم الشرطی، موس، ف 14، ص 20 وما بعدها – أحمد ماهر زغلول، الموجز في أصول وقواعد المرافعات، الكتاب، الأول، التنظيم القضائي والاختصاص، أصول التنفيذ ط 4، 1997 – أحمد ماهر زغلول، أعمال القاضي التي تحول حجية الأمر المقضي رشوابط حجيتها، دار النهضة العربية، القاهرة ط. 1990.225
(9) العبدلاوي، م. س. م. 189. (2) العبدلاوي، م. م. ص. 190.
وانظر في نفس المعنية – أبو الوفا، م. س. ص، 481 – الكزبري والعبدلاوي، م. ، ص. 62.