قـــرار: السلطة التقديرية للإدارة برفض أو قبول الإستقالة-قطاع الصحة نموذجا-

لا يمكن قبول الإستقالة من طرف الموظف بشكل تلقائي فمن الضروري دراستها

عالـم القانون15 أغسطس 2024
قـــرار: السلطة التقديرية للإدارة برفض أو قبول الإستقالة-قطاع الصحة نموذجا-

                                       القرار عدد 32

                                    الصادر بتاريخ:10 يناير 2019

في الملف الإداري عدو 2018/1/4/837

 

طبيب – قرار برفض استقالته – مشروعيته.

 

من المقرر أن مقتضيات الفصلين 77 و 78 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية تعتبر الإطار القانوني لنظام استقالة الموظفين، وأن العلاقة النظامية التي تربط الموظف بالإدارة تعطي لهذه الأخيرة السلطة التقديرية في قبول أو رفض الاستقالة تبعا لما تقتضيه المصلحة العامة ومصلحة المرفق الذي يعمل به الموظف، وأن المادة 32 مكررة من المرسوم المشار إليه التي تم تعديلها بموجبه المرسوم رقم 2.15.990 تنص على أن التحرر من الالتزام التي يربط الطبيب بالإدارة لا يتم إلا بعد الموافقة الصريحة لهذه الأخيرة، وأن قبول الاستقالة بشكل تلقائي يعد تعطيلا لعمل الدولة والمؤسسات العامة الملزمة بتعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية، وسلطة الإدارة تلك منبعثة من خلال كونها المسؤولة عن حسن سير مرافقها العامة بانتظام واضطراد، ورفضها قبول الاستقالة راجع بالأساس إلى حالة الخصاص المهول الذي تعاني منه وزارة الصحة في مختلف المناطق من الأطر الطبية المتخصصة ومن ذلك المرفق الذي يعمل به المعني بالأمر، وبالتالي فإن قبول استقالة هذا الأخير يشكل خطورة على الأمن الصحي لتلك الساكنة والمحكمة لما بتت في القضية ودون مراعاة ما ذكر، لم تجعل لما قضت به أساسا من القانون وعللت قرارها تعليلا فاسدا يوازي العدامه، وعرضته للنقض.

نقض وإحالة

 

باسم جلالة الملك وطبقا للقانون

 

حيث يستفاد من وثائق الملف ومحتوى القرار المطعون فيه بالنقض – المشار إلى مراجعه أعلاه -، أنه بتاريخ 2016/03/22 تقدم المدعي (المطلوب) بمقال أمام المحكمة الإدارية بالرباط، عرض فيه أنه طبيب مختص في أمراض العيون بالمركز الاستشفائي الإقليمي بتطوان وشرع في ممارسة مهنة الطب منذ تاريخ 19 مارس 2002، ووقع التزاما مع الوزارة المعنية لمدة ثماني سنوات، وهو ما نفذه باستمرار اشتغاله إلى حدود تقديمه لطلبه، وأنه بتاريخ 11 يونيو 2015 تقدم بطلب الاستقالة وتمت إجابته بالرفض بتاريخ 19 نونبر 2015 بعلة وجود الخصاص والمساس بحقوق المواطنين في الصحة طبقا للفصل 31 من الدستور ولتعطيل سير المرفق العام، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه مشوبا بعيب مخالفة القانون وعدم المشروعية وتجاوز السلطة وانعدام التعليل، موضحا أنه قضى أكثر من ثمان سنوات من العمل الفعلي لدى الجهة المطلوبة في الطعن، ملتمسا الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه الصادر عن وزير الصحة القاضي برفض طلب الاستقالة . ترتيب الآثار القانونية على ذلك. وبعد جواب المطلوب في الطعن وتمام الإجراءات، صدر الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك، استأنفه الوكيل القضائي للمملكة بصفته هذه ونائبا عن باقي الطالبين فقضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتأييده وهو القرار المطعون فيه بالنقض.

في شأن وسيلتي النقض مجتمعتين للارتباط

حيث يعيب الطرف الطالب القرار المطعون فيه بالنقض بخرق القواعد الدستورية والمواثيق الدولية وبخرق قواعد الوظيفة العمومية التي تسري على الموظفين العموميين في جميع أسلاك الوظيفة العمومية بما فيهم المطلوب في النقض وباتعدام الأساس القانوني وانعدام التعليل ذلك أنه باستقراء الفصلين 31 و154 من الدستور، يتبين أن الدولة تتحمل المسؤولية من خلال الوزارة الوصية على قطاع الصحة لضمان الحق في الصحة والعلاج كحق دستوري للمواطنين،

وذلك من خلال العمل على توفير وتعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين منه على قدم المساواة تحت طائلة تحمل تبعات المسؤولية الإدارية عن أي إخلال به إداريا وبشريا وماليا، وأن تنظيم المرفق العمومي يحتم على الإدارة تأمين الخدمات العمومية بشكل مستمر مع الإنصاف في تغطية التراب الوطني، معبئة في ذلك جميع الطاقات والموارد البشرية والتقنية لإشباع الحاجات العامة وأن أي توقف في نشاطه هو بمثابة إنكار لهذه المصلحة، وأن الأمر في نازلة الحال يتجاوز إصدار قرار بقبول استقالة المطلوب في الطعن والذي قد يؤدي إلى اتباع نفس الأمر من طرف باقي زملائه، وفي ذلك تعارض مع القواعد الدستورية وكذا السياسة العمومية في قطاع الصحة الرامية إلى تمكين كل المواطنين من الحق في الخدمات الصحية مما يؤثر بشكل سلبي على الالتزامات الدولية للمغرب بتحسين مؤشرات التنمية البشرية، ومن جهة أخرى، فإن المطلوب في النقض يوجد في علاقة نظامية مع الإدارة، وبالتالي لا يجوز له أن ينهي علاقته بها بإرادته المنفردة وإنما وفق الضوابط المحددة لذلك والمنصوص عليها في الفصلين 77 و 78 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، و أن طلب استقالته تحكمه العلاقة النظامية مع الإدارة والتي تخضع في هذا الإطار لسلطتها التقديرية في قبولها أو رفضها تبعا لما تقتضيه المصلحة العامة ومصلحة المرفق الذي يعمل به الموظف، وأن محكمة الاستئناف عندما عللت قرارها على أساس أن المادة 32 مكررة من المرسوم رقم 27-1-2 الصادر بتاريخ 13 ماي 1993 لا تعد مانعا من تقديم الاستقالة، بل إنها تضع على عاتق طالبها التزاما وحيدا يتمثل في إرجاع مجموع المبالغ التي تمت الاستفادة منها خلال التكوين فإنها لم تراع أن رفض الإدارة قبول طلب استقالة المعني بالأمر راجع بالأساس إلى الإكراهات المتمثلة في حالة الخصاص الحاد الذي تعاني منه المستشفيات في الأطر الطبية المتخصصة ولحاجة قطاع الصحة الماسة لأطباء من ذوي الاختصاص، وأن تطبيق المادة 32 مكررة من المرسوم المذكور لا يتم إلا في حالة موافقة الإدارة على الاستقالة ولم يأت تطبيقها استثناء عن تطبيق الفصلين 77 و 78 المشار إليهما أعلاه، وإنما أنت بمقتضى إضافي هو ضرورة إرجاع مصاريف التكوين بعد قبول الاستقالة وأنه في حالة رفضها، فإن تطبيق الإدارة للمادة 32 مكررة المذكورة لا تجد مجالا لها كما أن محكمة الدرجة الثانية لم تراع مبدأ الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة والأضرار التي يتحملها المرفق من عدم قدرته على تغطية الخصاص الحاد في الأطر الطبية المتخصصة، مما ينعكس سلبا على صحة المواطنين وأمنهم الطبي، وهي مخاطر تفرض تغليب المصلحة العامة، فضلا عن أن المادة 32 مكررة المرتكز عليها من طرف محكمة الدرجة الثانية قد تم تغييرها وتتميمها بموجب المرسوم الصادر بتاريخ 12 يوليوز 2016 تحت عدد 2.15.990 والتي أصبحت تقضي بأنه لا يمكن للمقيمين الذين أمضوا التزاما بالعمل لفائدة الإدارة التحلل من هذا الالتزام إلا بعد الموافقة الصريحة للإدارة المعنية، كما أن المركز الاستشفائي الذي يعمل به المطلوب في النقض يقدم خدماته لساكنة تقدر ب 530374 نسمة، في حين أن عدد الأطباء الاختصاصيين في أمراض العيون العاملين به هو ثلاثة بما فيهم المطلوب في النقض، وأن محكمة الاستئناف لما تجاهلت الاعتبارات السالف بيانها وغلبت المصلحة الخاصة للمعني بالأمر على المصلحة العامة جعلت قرارها عرضة للنقض.

حيث استندت المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه فيما انتهت إليه في تعليل قضائها إلى مقتضيات الفصل 78 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، ذلك أن إحالة قرار رفض الاستقالة على اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء من طرف المعني بالأمر لا تكون وجوبية، وإنما وردت على سبيل الجواز، وأن المرسوم رقم 27-91-22 الصادر بتاريخ 13 ماي 1993 المشار إليه علق التحلل من الالتزام بالعمل في خدمة مرفق الصحة سوى على إرجاع المبالغ المسلمة، وأن تمسك الإدارة بالسلطة التقديرية في الاستجابة لطلب الاستقالة وبضرورة الموازنة بين المصلحة العامة والمصالح الخاصة للأطباء لا يبرر رفض الاستقالة انطلاقا من مبررات عامة وغير محددة وخلصت (المحكمة) إلى عدم مشروعية قرار رفض الاستقالة، في حين تمسك الطالبون أمامها بأن ما تحت إليه المحكمة يتعارض مع مقتضيات الفصلين 77 و 78 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية التي يتعين أن تسري على المطلوب في النقض باعتبارها الإطار القانوني لنظام استقالة الموظفين وباعتبار أن العلاقة النظامية التي تربط الموظف بالإدارة تعطي لهذه الأخيرة السلطة التقديرية في قبول أو رفض الاستقالة تبعا لما تقتضيه المصلحة العامة ومصلحة المرفق الذي يعمل به الموظف، وأن المادة 32 مكررة من المرسوم المشار إليه التي تم تعديلها بموجبه المرسوم رقم 2.15.990 تنص على أن التحرر من الالتزام التي يربط الطبيب بالإدارة لا يتم إلا بعد الموافقة الصريحة لهذه الأخيرة، وأن قبول الاستقالة بشكل تلقائي يعد تعطيلا لعمل الدولة والمؤسسات العامة الملزمة بتعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية، وسلطة الإدارة تلك منبعثة من خلال كونها المسؤولة عن حسن سير مرافقها العامة بانتظام واضطراد، ورفضها قبول الاستقالة راجع بالأساس إلى حالة الخصاص المهول الذي تعاني منه وزارة الصحة في مختلف المناطق من الأطر الطبية المتخصصة ومن ذلك المرفق الذي يعمل به المعني بالأمر، الذي يقدم خدماته لساكنة تقدر ب 530.374 نسمة، وأن عدد الأطباء الاختصاصيين في أمراض العيون به لا يتجاوز ثلاثة بما فيهم المطلوب في النقض، وبالتالي فإن قبول استقالة هذا الأخير يشكل خطورة على الأمن الصحي لتلك الساكنة، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما بنت في القضية ودون مراعاة ما ذكر لم تجعل لما قضت به أساسا من القانون وعللت قرارها تعليلا فاسدا يوازي انعدامه، وعرضته للنقض.

 

لهذه الأسباب

 

قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه.

 

وبه صدر القرار وتلي في الجلسة العلنية المنعقدة بالتاريخ المذكور أعلاه بقاعة الجلسات العادية بمحكمة النقض بالرباط، وكانت الهيئة الحاكمة متركبة من رئيس الغرفة الإدارية (القسم الأول) السيد عبد المجيد بابا اعلي والمستشارين السادة: نادية للوسي مقررة احمد دينية المصطفى الدجاني، فائزة بلعسري وبمحضر المحامي العام السيد سابق الشرقاوي، وبمساعدة كاتبة الضبط السيدة حفصة ساجد.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق