باريس تعيش أجواء سياسية مشتعلة، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يواجه تحديات داخلية قد تكون الأصعب منذ توليه السلطة.
رغم تمكنه من تجاوز صيف مضطرب سياسيًا، إلا أن الرئيس الفرنسي يجد نفسه اليوم في وضع غير مسبوق من العزلة والإحباط، و السبب الرئيسي لذلك يعود إلى حكومته الجديدة، التي تتسم بميلها الواضح نحو اليمين، وهو ما لم يكن خيارًا يفضله ماكرون.
بعد الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في يوليو، اضطر ماكرون إلى التعامل مع واقع سياسي جديد. قرار تعيين المحافظ المخضرم ميشيل بارنييه، البالغ من العمر 73 عامًا، كرئيس للوزراء جاء في سياق محاولة لتجاوز حالة الفوضى التي أعقبت تلك الانتخابات. ومع هذا التعيين، دخلت فرنسا في مرحلة جديدة من تقاسم السلطة بين قوى يمينية ووسطية، مما جعل ماكرون يترك بصماته المعتادة على السياسة الداخلية ليركز أكثر على السياسة الخارجية، في خطوة تُظهر توجهه نحو معالجة التحديات الأوروبية والدولية.
على الرغم من ابتساماته المتكررة أمام الكاميرات، تشير التقارير إلى أن الرئيس الشاب، البالغ من العمر 46 عامًا، يعيش حالة من الغضب الداخلي. ففي إحدى المحادثات الخاصة مع أحد المقربين، والتي نقلتها وكالة فرانس برس، عبّر ماكرون عن إحباطه الشديد من الحكومة الحالية، قائلًا بصراحة: “لم أختر هذه الحكومة”. هذا الاعتراف يبرز حجم التوتر الداخلي الذي يعيشه الرئيس، خاصة عندما أضاف قائلاً عن بعض الوزراء الأكثر محافظة: “إنهم يجعلونني أشعر بالخجل”.
ومن بين الشخصيات التي تسببت في إحراج ماكرون بشكل خاص، وزير الداخلية الجديد برونو ريتيلو، الذي يعتبر واحدًا من أكثر الشخصيات تشددًا في الحكومة. منذ توليه المنصب، أثار ريتيلو جدلاً كبيرًا بتصريحاته المتشددة حول الهجرة، حيث قال إن “سيادة القانون ليست غير ملموسة ولا مقدسة”، وهي تصريحات استفزت العديد من الأطراف السياسية والحقوقية في فرنسا.
الوضع السياسي الحالي في فرنسا يزداد تعقيدًا مع صعود حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان، والذي استطاع تحقيق نتائج قوية في الانتخابات المبكرة. رغم أن الحزب لم يحقق فوزًا كاسحًا، إلا أنه أصبح اليوم قوة مؤثرة في المشهد السياسي، وقادرًا على تقرير مصير حكومة بارنييه الهشة. هذا التحالف المحتمل بين بارنييه والتجمع الوطني يزيد من قلق ماكرون، حيث يجد نفسه مضطرًا للتعامل مع تيارات سياسية تتناقض مع توجهاته الوسطية.
في ظل هذه الأجواء المشحونة، يبدو أن ماكرون يعيش تحديًا مزدوجًا؛ فمن جهة عليه مواصلة سياساته الخارجية الطموحة التي جعلت فرنسا لاعبًا مهمًا على الساحة الدولية، ومن جهة أخرى، عليه التعامل مع حكومة يراها تتناقض مع توجهاته، وتسبب له الإحراج على المستوى الداخلي. التحدي الأكبر الذي يواجهه الرئيس الفرنسي اليوم هو كيفية تحقيق التوازن بين الحفاظ على مكانته الدولية، وفي الوقت نفسه محاولة استعادة سيطرته على المشهد السياسي الداخلي الذي يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.