الاشكالات المتعلقة بالانذار في ضوء القانون 12.67 المتعلق بالكراء السكني والمهني

الإفراغ في قانون الكراء المغربي: ضوابط الاسترجاع والهدم والتماطل في الأداء

عالـم القانون17 أبريل 2025
منزل وميزان عدالة ومطرقة قاضٍ مع شخصين يمثلان المكري والمكتري في مشهد قانوني يرمز لنزاعات الكراء

تمهيد:

 

جاءت مدونة الكراء الجديدة بمجموعة من المستجدات لتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للمحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، وتهدف أساسًا إلى تحسين هذه العلاقات وإحداث توازن بين مركزي الطرفين.
ومعلوم أنه طبقًا لمقتضيات الفصل 687 من قانون الالتزامات والعقود، فإن كراء الأشياء ينقضي بقوة القانون عند انتهاء المدة المحددة له من قبل المتعاقدين، دون الحاجة إلى توجيه تنبيه بالإخلاء، ما لم يقضِ الاتفاق بخلاف ذلك.
ويظل ذلك دون الإخلال بالقواعد الخاصة بكراء الأراضي الزراعية.
وهذا يعني أن الأصل في عقود الكراء أن تكون محددة المدة، وأن يتم تحديدها بالتراضي بين الطرفين، كشهر أو سنة مثلًا. وإذا انتهت المدة ورغب المكتري في الاستمرار في العين المكتراة، فإن العقد يُجدد ضمنيًا بنفس الشروط ولنفس المدة. غير أنه إذا تم توجيه تنبيه بالإخلاء، فلا مجال لهذا التجديد الضمني، وفقًا لمقتضيات الفصل 690 من قانون الالتزامات والعقود.
وقد نصت المادة 44 من قانون الكراء السكني والمهني على أنه، رغم كل شرط أو مقتضى قانوني مخالف، لا تنتهي عقود كراء المحلات المشار إليها في المادة الأولى من نفس القانون، إلا بعد الإشعار بالإفراغ وتصحيحه عند الاقتضاء، وفقًا للشروط المحددة في هذا القانون.
ويُعد التنبيه بالإفراغ وسيلة قانونية تهدف إلى وضع حد للعلاقة الكرائية بين المكري والمكتري، وهو تصرف قانوني تطلب المشرع توافره على مجموعة من الشروط حتى يكون صحيحًا ومنتجًا لآثاره القانونية.
ويهدف هذا الإشعار إلى ضمان حقوق المكتري، حتى لا يُفاجَأ بالإفراغ، ويُمنَح فرصة كافية لمعرفة السبب وتقديم أوجه دفاعه أمام القضاء، بالإضافة إلى منحه مهلة للبحث عن سكن بديل.
وسنحاول في هذا البحث مناقشة موضوع الإنذار من خلال قسمين:

• أولًا: شكليات الإنذار
• ثانيًا: أسباب توجيه الإنذار بالإفراغ

 

أولًا: شكليات الإشعار بالإفراغ

 

يتطلب الإشعار بالإفراغ، باعتباره إجراءً مسطريًا، وفقًا للمادة 46 من مدونة الكراء، توافر مجموعة من الشكليات تحت طائلة البطلان، وهي كالتالي:

1. الأسباب التي يستند إليها المكري:

يجب على المكري أن يعلل الإشعار بالإفراغ ويبين السبب الذي يستند إليه، حتى يتعرف المكتري عليه وتتمكن المحكمة من التحقق من مشروعيته وعدم مخالفته للنظام العام.
فغياب التعليل يؤدي إلى بطلان الإنذار واعتباره كأن لم يكن. وقد يتضمن الإنذار سببًا واحدًا أو أكثر، فإذا ثبتت للمحكمة عدم جدية أحد الأسباب فإنها تنتقل إلى فحص السبب الآخر، كما في حالة الجمع بين عدم أداء واجبات الكراء وتولية المحل للغير.
وقد ورد في قرار محكمة النقض عدد 181 بتاريخ 16/02/2012 (ملف تجاري عدد 2011/2/3/1242)، أن المحكمة لها الصلاحية في اعتماد سبب الإفراغ المشروع ولو تم استبعاد أسباب أخرى.
ويُطرح تساؤل حول ما إذا كانت الأسباب المذكورة على سبيل الحصر أو المثال؟
في إطار ظهير 25/12/1980، استقر اجتهاد المجلس الأعلى على اعتبارها على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يُفهم كذلك في إطار قانون الكراء الجديد، ما يمنح مرونة للمكري في إنهاء العلاقة الكرائية متى كان السبب مشروعًا وجديًا.

2. شمول الإنذار لمجموع المحل المكتري:

يشترط أن يشمل الإنذار جميع المحلات المكراة بكافة مرافقها، خاصة إذا كانت العلاقة الكرائية تشمل عدة محلات مستقلة.
أما إذا كان المحل المكترى وحدة سكنية واحدة، فلا حاجة لتفصيل مشتملاتها (كعدد الغرف والمرافق).
وقد جاء في قرار المجلس الأعلى بتاريخ 24/08/2010 أن شرط شمول المحلات يهدف إلى الحفاظ على وحدة العقد وتفادي تجزئته.

3. تضمين أجل الشهرين:

نص الفصل التاسع من ظهير 1980 على أن الإشعار يجب أن يتضمن أجل ثلاثة أشهر، لكن قانون الكراء الجديد خفضها إلى شهرين فقط.
ويهدف هذا التعديل إلى تسريع الإجراءات وتمكين المكري من استرجاع محله في أقرب الآجال، مع الحفاظ على حق المكتري في مهلة كافية.
ويُطرح التساؤل: ماذا لو لم يُذكر أجل الشهرين؟
رغم أن بعض الاجتهادات القضائية رأت أن عدم الإشارة الصريحة إلى أجل الشهرين يُبطل الإنذار، فإن التوجه الغالب يرى أن توصل المكتري بالإشعار وانتظار المكري مرور الأجل قبل اللجوء للقضاء كافٍ، شريطة أن يُثبت المكري ذلك.

4. كيفية التبليغ:

نصت المادة 46 على أن الإشعار بالإفراغ يُبلغ وفقًا للفصول 37 و38 و39 من قانون المسطرة المدنية.
ويُطرح إشكال حول من له الحق في التوصل بالإشعار؟
لا يُشترط التوصل الشخصي، بل يمكن لأي شخص من أفراد الأسرة أو ساكن مع المكتري أن يتسلم الإشعار، كما يُعتبر صحيحًا سواء تم التوصل به في المحل المكترى أو أي مكان آخر (محل العمل…).

5. صفة باعث الإنذار:

يجب أن يُوجه الإنذار من المكري أو من ينوب عنه بموجب وكالة قانونية، ويجب أن يكون موقعًا يدويًا، فلا يُعتد بالطابع أو الختم.

6. في حالة التعدد أو الشياع:

• هل يجب توجيه الإنذار من جميع المالكين على الشياع؟
لا. إذا وجهه أحد المالكين وكان فيه نفع للعين المكتراة، فإن ذلك يكفي.
وقد أيدت ابتدائية الصويرة هذا المبدأ في حكم بتاريخ 03/06/2013 (ملف إكرية عدد 202-12).
• هل يمكن توجيه إنذار لمكتري واحد يشغل عدة محلات؟
يجب توجيه إشعار منفصل لكل محل على حدة، وإلا كان الإنذار باطلًا. (حكم ابتدائية الصويرة 24/12/2012، ملف إكرية عدد 158/12).
• من يثبت توصل المكتري؟
يقع عبء الإثبات على عاتق المكري، كما أكد المجلس الأعلى في قراره عدد 846 بتاريخ 11/06/2008.
• في حالة وفاة المكتري، هل يجب إشعار جميع الورثة؟
إذا عُرفت أسماء الورثة، يجب ذكرهم جميعًا. وإذا تعذر، فيكفي الإشارة إلى “ورثة الهالك”.
وقد جاء في قرار المجلس الأعلى عدد 1699 بتاريخ 31/12/2008 (الملف التجاري عدد 2006/2/3/1026) ما يدعم هذا الاتجاه.

ثانيًا: أسباب توجيه الإنذار بالإفراغ

تنص المادة 45 من مدونة الكراء على أنه يجب على المكري الذي يرغب في إنهاء عقد الكراء أن يوجه إشعارًا بالإفراغ إلى المكتري مستندًا إلى أسباب جدية ومشروعة.
وسنناقش هذه الأسباب والإشكالات المرتبطة بها في القسم الثاني من هذا البحث.

 

استرداد المحل للسكن فيه

كان الفصل 13 من ظهير 25 دجنبر 1980 ينص على إمكانية القاضي تصحيح الإشعار بالإفراغ إذا كان الغرض منه هو سكنى المكري بنفسه أو أحد أصوله أو فروعه المباشرين أو المستفيدين من الوصية الواجبة، كما هو منصوص عليه في الفصل 266 من مدونة الأحوال الشخصية.
وقد جاءت مدونة الكراء بمستجد مهم، حيث أضافت إلى الفئات المذكورة الطفل المكفول المنصوص عليه في القانون المتعلق بكفالة الأطفال المهملين. ويلاحظ أن المشرع المغربي حاول الموازنة بين الفروع المباشرين والطفل المكفول، باعتبار أن الكافل يلتزم بالعناية بالمكفول، ويعامله كابنه، من حيث التربية والإنفاق.
وأول شخص يمكنه الاستفادة من مبرر الإفراغ للاحتياج هو المكري المالك، إذ له الحق في استرداد محله للسكن الشخصي.

إشكال المرأة المتزوجة المالكة

يثار التساؤل حول ما إذا كان يحق للمرأة المتزوجة، المالكة لعقار، أن تتقدم بطلب إلى المحكمة لاسترجاع محلها للسكن فيه مع عائلتها. وقد يدفع المكتري بكون الزوج هو الملزم شرعًا بتوفير السكن والإنفاق، حسب مدونة الأسرة.
غير أن المادة 45 من قانون الكراء استعملت عبارة “المكري”، دون تمييز بين رجل وامرأة، متزوج أو غير متزوج. وهذا يعني أن القانون لا يمنع المرأة المتزوجة من استرداد محلها للسكن فيه مع عائلتها.
وقد أكد هذا التوجه قرار المجلس الأعلى عدد 96 بتاريخ 14 يناير 2009 في الملف عدد 7/1648، حيث اعتبر أن من حق المرأة المتزوجة المكِرية إفراغ المكتري للسكن فيه مع زوجها وفروعها، ولا تعارض في ذلك مع مدونة الأسرة.

شروط استرجاع المحل

اشترط القانون توفر شرطين أساسيين لقبول طلب تصحيح الإشعار بالإفراغ:
1. أن يكون المحل المطلوب إفراغه في ملكية المكري منذ 18 شهرًا على الأقل من تاريخ الإشعار، مع السماح للوارث، أو الموصى له، أو المكفول باحتساب المدة التي كان يملكها المكري السابق.
2. ألا يكون المكري، أو زوجه، أو أصوله أو فروعه من الدرجة الأولى، أو من يستفيد من الوصية الواجبة، أو المكفول يشغل سكنا في ملكه، أو أن السكن المتوفر لا يكفي لحاجياته العادية.
وقد جاء قانون 12.67 بمستجدات مهمة:
• تقليص المدة من ثلاث سنوات إلى سنة ونصف.
• تمكين الوارث والموصى له والمكفول من الاستفادة من احتساب مدة التملك السابقة.
ويحق للمكري المطالبة بالإفراغ حتى إن كان مكتريًا لعقار آخر، بشرط إثبات ذلك عبر توصيل كراء، ما يدل على قيام موجب الاحتياج.
وفي بعض الحالات، وإن توفرت للمكري ملكية جزئية أو غير كافية (كأن يقطن بغرفة واحدة مع أسرة مكونة من ستة أفراد)، يمكن للمحكمة الاستجابة لطلبه، بحسب توفر الشروط.
وقد تطرَح بعض النزاعات، كأن تدعي المكِرية أن لديها سكنًا من ثلاث غرف، تشغل واحدة وتكتري الأخريين، فتُقبل دعواها إن ثبت أنها في حاجة إلى سكن مستقل يحفظ خصوصيتها.

إثبات عدم التوفر على سكن

أحيانًا يدلي المكري بشهادة صادرة عن إدارة الضرائب تفيد عدم امتلاكه لسكن، لكن هذه الوثيقة قد تكون غير كافية إذا كانت تتعلق فقط بالضرائب الجماعية. في هذه الحالة، يُرفض الطلب لعدم استيفائه شروط المادة 49.
وفي المقابل، إذا أدلى المكري بشهادة صحيحة تفيد عدم امتلاكه لسكن، يُقبل طلبه.
ويثور التساؤل: هل يمكن للمكتري أن يحتج بسبقية البت في حالة رفض دعوى سابقة للإفراغ لنفس السبب؟
الجواب: لا. لأن واقع الاحتياج يتغير بتغير الظروف. ويمكن للمكري رفع دعوى جديدة إذا استند إلى إشعار جديد وظروف جديدة.
وقد أكّد هذا المبدأ قرار المجلس الأعلى عدد 3193 بتاريخ 9 غشت 2011، حيث أقر بأن واقعة الاحتياج تتغير، وبالتالي فإن الدفع بسبقية البت غير مقبول.

السلطة التقديرية للمحكمة

تُخوّل المحكمة سلطة تقديرية واسعة لتقدير مبررات استرجاع المحل، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها إلا من حيث التعليل القانوني.

هدم المحل وإعادة بنائه أو إدخال إصلاحات ضرورية

من بين أسباب الإفراغ التي اعترف بها المشرع المغربي في القانون القديم والجديد، حق المكري في طلب إفراغ المحل قصد هدمه أو إدخال إصلاحات ضرورية عليه.
ويُعتبر الهدم ضروريًا في عدة حالات:
• إذا انعدمت شروط الصحة أو السلامة بالمحل.
• إذا ظهرت مستجدات تعميرية تتيح بناءً جديدًا أو إضافات ترفع من قيمة العقار.
• إذا رغب المكري في إقامة بناء ذي جودة هندسية عالية.
ولا يشترط القانون أن يدلي المكري برخصة أو تصميم البناء، ما دامت المحكمة تقتنع بجدية وضرورة الإصلاحات.
ويمنح القانون للمكتري حق الأسبقية للرجوع إلى المحل بعد الإصلاح أو البناء، بشرط تفعيل هذا الحق خلال أجل شهرين من تاريخ توصله بالإشعار، وإلا يسقط حقه.
وقد قلّص المشرع هذا الأجل مقارنة بالقانون القديم (شهران قبل نهاية الإصلاح).
وبموجب المادة 50 من مدونة الكراء، يمكن للمكتري طلب تحديد أجل للمكري لتنفيذ السبب المبرر للإفراغ.
كما ضمن القانون للمكتري تعويضًا لا يقل عن واجب كراء سنة إذا ثبت أن سبب الإفراغ غير صحيح أو لم يتم تنفيذه.

التماطل في أداء واجبات الكراء

وفقًا للمادة 12 من قانون الكراء، يُعد المكتري مخلًا بالتزامه إذا لم يؤدِ الوجيبة الكرائية في وقتها. ويتم إثبات التماطل بإنذار قانوني يمنح للمكتري أجلًا للأداء.
حددت المادة 23 إمكانية لجوء المكري لرئيس المحكمة الابتدائية لاستصدار إذن بتوجيه إنذار بالأداء، وحددت المادة 24 الشكليات الإلزامية للإنذار، منها:
• أسماء الأطراف.
• عنوان المحل المكترى.
• مبلغ الوجيبة ومدة الاستحقاق.
• تحديد أجل لا يقل عن 15 يومًا لتسوية الوضعية.
ويطرح التساؤل: هل يُعتبر الإنذار صحيحًا إذا حدد أجلًا أقل من 15 يومًا؟
الجواب: نعم، إذا كان المكتري قد استفاد فعليًا من مهلة 15 يومًا قبل انتهاء الأجل، فإن الإنذار يبقى صحيحًا، ولو تضمّن مدة أقل.
ويُمكن للمكري منح المكتري مهلة أطول.
الفرق بين الإشعار بالإفراغ وإنذار الأداء
يتبين من المادتين 45 و56 من قانون الكراء أن:
• الإنذار بالأداء يكفي في حالة التماطل، ولا حاجة لتوجيه إشعار بالإفراغ.
• في حالة عدم أداء المكتري، يحق للمكري رفع دعوى مباشرة بالإفراغ مرفقة بالإنذار.
• أما إذا لم يكن هناك إنذار بالأداء، فيجب توجيه إشعار يتضمن سبب الإفراغ.
وقد جاء قانون 12.67 بمستجد مهم في المادة 72، حيث سمح للمحكمة أن تُشمل الأحكام بالإفراغ للتماطل بالنفاذ المعجل القضائي، خلافًا للقانون القديم.
كما تنص الفقرة الأخيرة من المادة 56 على أن الحكم القاضي بالإفراغ ينفذ على الأصل، إذا لم ينفذ المكتري الأمر القضائي بالمصادقة على الإنذار.

خلاصة

الإنذار يُعد تصرفًا قانونيًا دقيقًا يتطلب مراعاة شكليات محددة لضمان قبوله. وقد عمل قانون 12.67 على توحيد وضبط هذه الشكليات، مع منح القضاء صلاحية رقابة شكلية وتقديرية على محتوى دعوى الإفراغ. ويُعتبر هذا التنظيم محاولة لتحقيق توازن بين مصلحة المكري وحق المكتري في الاستقرار والسكن الكريم.

Source ذة وسيلة حرنان: قاضية بالمحكمة الابتدائية بالصويرة
Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق