يشكل القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي إطارًا قانونيًا ناظمًا للعلاقة التعاقدية بين المكري والمكتري.
ومع ذلك، يتبدى إشكال قانوني جوهري عند تحديد التعويض المستحق للمكتري في حالات الإفراغ، استنادًا إلى التصريحات الضريبية المقدمة من طرفه، ذلك أن المواد 7 و9 و16 من القانون المذكور تنص على أن التعويض يُحسب بناءً على التصريحات الضريبية للسنوات المالية المنصرمة.
وهذا المعيار، وإن بدا بسيطًا، يحمل في طياته إشكالية قانونية عميقة، إذ يضع على عاتق المكتري مسؤولية قانونية مباشرة عن دقة وواقعية هذه التصريحات، فإذا ما تبين أن التصريحات الضريبية المقدمة من طرف المكتري غير دقيقة أو لا تعكس الواقع المالي الحقيقي لنشاطه التجاري، فإن المكتري يتحمل وحده تبعات ذلك، ويُحرم من الحصول على تعويض عادل يتناسب مع الضرر الفعلي الذي لحق به نتيجة الإفراغ.
وتستند هذه المسؤولية القانونية إلى الاعتبارات التالية:
أولًا: تأكيد مبدأ الثقة القانونية
بحيث يجب أن تكون التصريحات الضريبية المقدمة من طرف المكتري صادقة ومطابقة للواقع، باعتبارها مستندًا رسميًا يعتمد عليه القانون في تحديد الحقوق والالتزامات.
ثانيًا: مكافحة التحايل الضريبي
من خلال ثني المكتري عن تقديم تصريحات ضريبية غير دقيقة.
ثالثًا: تحقيق العدالة التعاقدية
بحيث يضمن القانون حصول المكري على تعويض عادل ومنصف، بناءً على معلومات يُفترض فيها أنها موثوقة، مما يحقق التوازن بين حقوق والتزامات طرفي العلاقة التعاقدية.
وعليه، فإن المكتري يتحمل مسؤولية قانونية مباشرة عن دقة وواقعية تصريحاته الضريبية. وأي تلاعب أو إهمال في هذا الشأن يُعرضه لخسارة حقه في الحصول على تعويض عادل، ويجعله يتحمل تبعات تصرفاته.
وبالتالي، يمكن القول إن التعويض الذي يحصل عليه المكتري في هذه الحالة، والذي يعتمد على تصريحاته الضريبية غير الدقيقة، لا يعدو أن يكون تعويضًا عقابيًا، حيث يتحمل المكتري تبعات تصرفاته غير المسؤولة، ويُحرم من الحصول على تعويض يتناسب مع الضرر الفعلي الذي لحق به.
ومما يؤكد هذا الطابع العقابي، أن المشرع لم يأخذ بعين الاعتبار احتمال خضوع المكتري للمراجعة الضريبية، التي قد تؤدي إلى تعديل التصريحات الضريبية المقدمة. فالعبرة في تحديد التعويض هي بالتصريح الضريبي المقدم، وليس بالمبلغ الفعلي الذي قد يستحق دفعه بعد المراجعة. هذا الأمر يزيد من حدة الطابع العقابي للتعويض، إذ يتحمل المكتري تبعات تصريحاته غير الدقيقة، حتى وإن كانت قابلة للتعديل لاحقًا.
وعلى عكس التصريح الضريبي الكاذب الذي يُعامل صاحبه بنقيض قصده، فإن انعدام التصريح الضريبي لا يعتبر بالضرورة دليلًا على وجود سوء نية من جانب المكتري. فقد يكون ذلك نتيجة لإغفال غير مقصود من طرفه، ولا يمكن الجزم في أمر تحايله.
لذلك، فإن محكمة النقض اعتبرت أن عدم توفر المكتري على التصريحات الضريبية لا يحول دون حصوله على تعويض كامل جابر لجميع الأضرار التي ستلحق به جراء الإفراغ، وفقًا للقرار عدد 133 الصادر بتاريخ 23/02/2023 في الملف التجاري عدد 2021/2/3/419.