مقدمة
يُعد قانون رقم 02.03 المتعلق بدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة، والذي صدر سنة 2003، الإطار التشريعي الأساسي الذي يؤطر سياسات الهجرة في المغرب. وقد جاء في سياق أمني إقليمي ودولي متوتر، طبعته أحداث 11 سبتمبر وما تبعها من تصاعد في المقاربة الأمنية للهجرة عبر العالم. ورغم مرور أكثر من عقدين على إقراره، لم يشهد القانون مراجعة جذرية تستجيب للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية التي يعرفها المغرب، باعتباره بلد عبور واستقرار للمهاجرين واللاجئين على حد سواء.
في ضوء ذلك، أضحت أصوات متعددة، من ضمنها منظمات المجتمع المدني، ومؤسسات وطنية، وخبراء قانونيين، تدعو إلى مراجعة هذا القانون، من أجل تبني مقاربة أكثر إنسانية وحقوقية، تستحضر كرامة المهاجر، وتؤسس لحماية قانونية متكاملة له، خاصة في سياق ما بعد اعتماد الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء لسنة 2014.
أولاً: الملامح العامة لقانون 02.03 ومكامن قصوره
1. خلفية أمنية صارمة
ينطلق القانون 02.03 من فرضية مركزية مؤداها أن الهجرة غير النظامية تُشكّل تهديداً أمنياً للدولة، وهو ما يتجلى من خلال تشديده على تدابير الرقابة على الحدود، ومنح سلطات تقديرية واسعة للسلطات الإدارية في رفض دخول الأجانب أو ترحيلهم، كما ينص على عقوبات سالبة للحرية في حق من يتورط في المساعدة على الهجرة غير الشرعية.
2. غياب الحماية القانونية لفئات هشة
لا يميز القانون بين المهاجرين النظاميين وغير النظاميين، ولا يقدم آليات فعالة لحماية الأشخاص الذين قد يحتاجون إلى حماية دولية، كضحايا الاتجار بالبشر، أو طالبي اللجوء، أو القُصّر غير المرافقين. كما أن القانون لا ينص على إجراءات واضحة تضمن الحق في الطعن في قرارات الطرد أو الترحيل، مما يتعارض مع مقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011 والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
3. طغيان المنطق الزجري
ينص القانون على عقوبات جنحية قد تصل إلى خمس سنوات سجناً وغرامات مالية مرتفعة، في حق المهاجرين غير النظاميين، أو أولئك الذين ساعدوهم، حتى ولو بدافع إنساني. وتُطبق هذه العقوبات أحياناً في غياب ضمانات المحاكمة العادلة، مما يفتح المجال أمام تعسف محتمل.
ثانياً: المسوغات القانونية والاجتماعية لمراجعة القانون
1. التحولات الديمغرافية والدولية
تحوّل المغرب في العقدين الأخيرين من بلد مصدر للهجرة إلى بلد استقبال واستقرار لموجات متعددة من المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، ومن مناطق النزاع. هذا التحول يفرض ضرورة إعادة النظر في الإطار القانوني المنظم للهجرة، بما ينسجم مع طبيعته الجديدة كبلد “استقبال”.
2. الالتزامات الدولية للمغرب
صادق المغرب على عدد من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق المهاجرين، مثل الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم (1993)، واتفاقية مناهضة التعذيب، والاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة (2018). هذه الالتزامات تقتضي مواءمة التشريع الوطني مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
3. مقتضيات الدستور الجديد
ينص الدستور المغربي في الفصل 30 على أن “الأجانب يتمتعون بالحريات الأساسية المعترف بها للمواطنين المغاربة”، كما ينص على مبدأ المساواة والكرامة. غير أن القانون 02.03 لا يترجم هذه المبادئ إلى ضمانات فعلية على مستوى الممارسة الإدارية والقضائية.
ثالثاً: نحو قانون للهجرة أكثر عدالة وإنسانية
1. الاعتراف بالمهاجر كفاعل اقتصادي واجتماعي
ينبغي أن يُبنى القانون الجديد على مقاربة تنموية تعترف بأن الهجرة ليست تهديداً، بل رافعة للتنمية الاقتصادية والثقافية. وقد أظهرت تجارب دولية عديدة كيف يمكن للهجرة أن تُسهم في تنشيط سوق العمل، وتحفيز الاقتصاد، وتعزيز التنوع الثقافي.
2. إقرار الحماية القانونية للمهاجرين
يجب أن يكرس القانون الجديد مبدأ عدم تجريم الإقامة غير النظامية، كما هو منصوص عليه في عدد من توصيات الأمم المتحدة، وأن يضمن الحق في الطعن في قرارات الترحيل أمام القضاء، ويوفر الحماية الخاصة للفئات الهشة، مثل القاصرين والنساء ضحايا العنف والمهاجرين ضحايا الاتجار.
3. تنظيم العمل اللائق للمهاجرين
تشير التقارير الحقوقية إلى أن عدداً كبيراً من المهاجرين في المغرب يشتغلون في ظروف غير قانونية، ودون تغطية اجتماعية. وعليه، يجب أن يتضمن القانون إطاراً يضمن لهم الولوج إلى سوق الشغل بشكل قانوني، خاصة في القطاعات التي تعرف خصاصاً في اليد العاملة، كالفلاحة والبناء والخدمات.
4. تعزيز الرقابة القضائية
من الضروري إخضاع قرارات الطرد والترحيل أو الاحتجاز الإداري لرقابة قضائية فعلية، ضماناً لسيادة القانون وحماية للحقوق الأساسية. كما يجب أن يُمنح المهاجر حق الاستعانة بمحام، والترجمة، وإعلامه بحقوقه بلغته.
رابعاً: مبادرات ومؤشرات مشجعة
لقد أطلق المغرب، منذ سنة 2014، استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء، ارتكزت على أربع محاور: التوطين، التعليم، الصحة، والتكوين المهني. كما تمّت عمليتان لتسوية أوضاع آلاف المهاجرين، خاصة من إفريقيا جنوب الصحراء، مما شكّل تحولاً في التعاطي الرسمي مع الهجرة.
لكن هذه المبادرات، على أهميتها، لا تواكبها بعد منظومة قانونية شاملة ومتكاملة. وقد سبق لوزارة الداخلية أن أشارت إلى اشتغالها على مشروع قانون جديد للهجرة، غير أن المشروع لم يُعرض بعد للنقاش التشريعي، مما يطرح سؤال الإرادة السياسية في الدفع بهذا الورش الحقوقي.
خاتمة
إن إصلاح قانون 02.03 لم يعد مجرد مطلب حقوقي أو تقني، بل أصبح ضرورة ملحة لإعادة الاعتبار للمقاربة الإنسانية في تدبير قضايا الهجرة. فمغرب اليوم، بما يحمله من تحولات اقتصادية ودستورية، لا يمكن أن يستمر في تبني نص قانوني وُضع في سياق أمني تجاوزه الزمن. ومن هذا المنطلق، يجب أن يُفضي الإصلاح إلى قانون للهجرة يتسم بالعدالة، يحمي المهاجر، ويُسهم في بناء مجتمع منفتح، متعدد، ومتضامن، انسجاماً مع شعار المملكة: “أرض الاستقبال والانفتاح”.