قانون المسطرة الجنائية 03.23: ماذا تغيّر فعليًا للمواطن والمحامي بعد 8 دجنبر 2025؟

من التبليغ إلى الحراسة النظرية: قراءة عملية في مستجدات المسطرة الجنائية المغربية 2025

مطرقة قاضٍ وميزان العدالة فوق مكتب خشبي مع كتاب قانوني مفتوح وخلفية محكمة، يظهر على الصورة نص بالإنجليزية “Criminal Procedure Amendments” للتعبير عن تعديلات قانون المسطرة الجنائية بالمغرب.

مقدمة

في 8 دجنبر 2025 دخل القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية حيّز التنفيذ، باعتباره محطة جديدة في مسار تحديث العدالة الجنائية بالمغرب
وبعيدًا عن اللغة التقنية، فالمعنى الإنساني المباشر لهذا الحدث هو التالي: المسطرة الجنائية ليست مجرد نصوص تُدرّس أو تُتلى داخل قاعة المحكمة؛ إنها “طريق” قد يمرّ منه أي مواطن، ضحية كان أو مشتبهًا فيه أو شاهدًا، وقد يحدد هذا الطريق مدى احترام كرامته، وسرعة إنصافه، وحماية حقوقه. كما أن هذا الإصلاح جاء بعد نقاشات واسعة، ورافقته سجالات بخصوص بعض المقتضيات، وهو ما يفسّر ارتفاع البحث عنه على الإنترنت وحضوره القوي في النقاش العمومي.

1) لماذا يُعدّ هذا الإصلاح مهمًا للمواطن قبل المختصين؟

أهمية القانون 03.23 لا تنحصر في كونه “تعديلًا تشريعيًا”، بل في كونه يحاول معالجة نقطتين تُتعبان الناس يوميًا: بطء الإجراءات وما يترتب عنه من ضياع الحقوق، وضعف الثقة عندما يشعر المواطن أن المسطرة لا تُنصفه أو لا تشرح له ما له وما عليه. لهذا قُدِّم الإصلاح باعتباره تقوية لضمانات المحاكمة العادلة، وترسيخًا لقرينة البراءة، وتوسيعًا لمجالات المساعدة القانونية، والسعي إلى أجل معقول للبت.
وفي الخلفية أيضًا، هناك رغبة في تقليل “الاحتكاك القاسي” الذي قد تخلقه المسطرة في مرحلة البحث التمهيدي وما يليها، حتى لا تتحول إجراءات المتابعة إلى عقوبة غير معلنة قبل صدور الحكم.

2) التبليغ والاستدعاء: حين يصبح عنوان البطاقة الوطنية عنصرًا حاسمًا

من أكثر ما يلامس الحياة اليومية للناس هو موضوع التبليغات القضائية. كان واقع الحال يشهد ضياع استدعاءات، أو تعذر العثور على العناوين، أو تغيّر السكن دون إشعار، فتتأخر الجلسات، وقد تصدر أحكام في غيبة المعنيين، ثم تبدأ سلسلة طويلة من الطعون والإشكالات.
الجديد الذي تم شرحه إعلاميًا هو اعتماد قاعدة عملية: يتم التبليغ أولًا على العنوان الذي يقدمه المشتكي/النيابة العامة داخل المسطرة، وإذا فشل ذلك، يتم الرجوع إلى العنوان المضمن في البطاقة الوطنية للتعريف.
والرسالة هنا شديدة الوضوح للمواطن: تحديث العنوان على البطاقة الوطنية لم يعد تفصيلًا إداريًا، لأن التبليغ قد يُعتبر صحيحًا، وتترتب عليه آجال الطعن، وقد يصبح الحكم نهائيًا بعد استنفاد الأجل.
هذا التغيير قد يقلص التأخير، لكنه في المقابل يضع مسؤولية جديدة على المواطن: لا تترك عنوانك قديما وأنت تتنقل بين المدن، لأن الأثر قد يكون قانونيًا لا يُرحم.

3) الحراسة النظرية: ضمانات أقرب للإنسان… وأقرب للرقابة

الحراسة النظرية لحظة حساسة جدًا: شخص يُسلب حريته مؤقتًا، وقد يكون مذنبًا وقد يكون بريئًا، وفي كلتا الحالتين يبقى إنسانًا له كرامة وحقوق. التوجه المعلن هو جعل الحراسة النظرية أكثر ضبطًا، والحد من التعسف، وربطها بالضرورة في القضايا الثقيلة.
ومن المستجدات المتداولة بقوة:
• كل تمديد للحراسة النظرية ينبغي أن يستند إلى قرار مكتوب من النيابة العامة، وهو عنصر مهم للشفافية وللمراقبة اللاحقة.
• إمكانية اتصال المشتبه فيه بمحاميه منذ الساعة الأولى بعد الإيقاف دون انتظار مسطرة إذن مسبق كما كان يُفهم سابقًا في الممارسة.
• إدخال التسجيل السمعي-البصري لبعض محاضر الشرطة القضائية في القضايا الثقيلة، خصوصًا ما يرتبط بالجرائم وبالجنح المعاقب عليها بأكثر من خمس سنوات، مع انتظار نص تنظيمي يحدد التفاصيل التقنية والتنفيذية.
هذا النوع من التسجيل لا يخدم طرفًا واحدًا: فهو قد يحمي الموقوف من أي تجاوز، ويحمي كذلك الضابط المهني من أي ادعاء باطل، ويمنح القضاء مادة أوضح لتقدير سلامة الإجراءات.

4) الاعتقال الاحتياطي: من “الحل السهل” إلى “الخيار الاستثنائي”

الاعتقال الاحتياطي من أكثر المواضيع حساسية عند الرأي العام: لأن الناس ترى فيه أحيانًا “عقوبة قبل الحكم”. لذلك فإن التوجه المعلن هو ترشيد اللجوء إليه، والتأكيد أن السجن ينبغي أن يكون آخر حل، مع التشديد على تعليل قرارات الاعتقال، والبحث عن بدائل كلما أمكن.
عمليًا، ما الذي ينتظره المواطن من هذا التوجه؟
• أن تصبح قرارات الاعتقال أكثر ارتباطًا بأسباب محددة (الفرار، التأثير على الأدلة، تهديد النظام العام… وفق ما تتطلبه المسطرة)، لا بمجرد “الانطباع”.
• أن يشتغل الدفاع بفعالية أكبر لتقديم ضمانات الحضور، والبدائل، والدفوع الشكلية، بدل الاقتصار على الترافع في الموضوع بعد فوات الأوان.
• أن يتراجع “الاكتظاظ” على مستوى السجون في القضايا التي يمكن حلها دون حرمان مؤقت من الحرية.
وبمنطق إنساني بسيط: حين تكون أنت أو أحد أقاربك موضوع بحث قضائي، فالفارق بين متابعة في حالة سراح واعتقال احتياطي ليس رقمًا في ملف؛ إنه شغل، وأسرة، وسمعة، وصحة نفسية.

5) الصلح والوساطة والبدائل: فلسفة جديدة لتخفيف النزاعات وتقليل العقوبة السالبة للحرية

من الإشارات البارزة في تقديم هذا الإصلاح هو دفع النيابة العامة إلى تفضيل مسارات بديلة قبل تحريك المتابعة في بعض الحالات، عبر الوساطة والصلح وأشكال التسوية، بما يخفف العبء عن المحاكم ويمنع تحوّل نزاعات قابلة للإصلاح إلى مسارات جنائية طويلة.
وقد تم إبراز أن المصالحة تُعد عنصرًا محوريًا للاستفادة من البدائل، وأن دور المحامي يتوسع داخل هذه الدينامية: ليس فقط “محامي الجلسة”، بل محامي الحلول، ومحامي إغلاق الجرح بدل توسيعه.
هذا المحور بالذات “سيويًا” قوي جدًا، لأن الناس تبحث بكثرة عن: الصلح في الشكايات، التنازل، شروط الوساطة، العقوبات البديلة، ومتى تُقبل ومتى لا تُقبل.

6) الضحية في قلب المسطرة: الحق في المعلومة والحماية والمواكبة

الإصلاح لا معنى له إن ظلّ الضحية يشعر أنه آخر من يعلم. من هنا تم التشديد على تعزيز مكانة الضحايا داخل المسطرة، عبر تمكينهم من المعلومة حول تطور الملف، وتقديم مواكبة قانونية واجتماعية، واعتماد حماية أكبر في قضايا العنف، خصوصًا ضد النساء والأطفال.
وتم كذلك تداول إحداث مرصد وطني للجريمة بوظيفة معرفية/إحصائية لتقديم معطيات دقيقة تساعد على توجيه السياسة الجنائية.
في العمق، هذا يجيب عن سؤال الناس: “لماذا ترتفع بعض الجرائم؟ ولماذا تبدو بعض المناطق أكثر هشاشة؟” وجود معطيات رسمية ومنهجية يساعد على الانتقال من الانطباع إلى القرار المبني على أرقام.

خاتمة

القانون 03.23، الذي بدأ تطبيقه في 8 دجنبر 2025، ليس مجرد خبر قانوني عابر؛ إنه تغيير يمسّ تفاصيل قد يعيشها أي مواطن: استدعاء يصل أو لا يصل، ساعة أولى بعد الإيقاف، قرار اعتقال أو متابعة في حالة سراح، صلح يُنهي نزاعًا أو مسطرة تُطيل الألم.
ولكي يستفيد الناس من روح الإصلاح، هناك ثلاث نصائح عملية وبسيطة:
1. حدّث عنوانك في البطاقة الوطنية، ولا تترك التبليغ “يفاجئك”.
2. إذا وجدت نفسك أو قريبًا لك في مسطرة جنائية، اطلب فهم الحقوق منذ البداية (محام، آجال، إجراءات)، لأن البداية غالبًا تحسم النهاية.
3. في القضايا القابلة للتسوية، فكّر في الوساطة والصلح باعتبارهما طريقًا لإنهاء النزاع بأقل خسائر إنسانية واجتماعية.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق