بداية، لا بد الاشارة الى أهمية دراسة والالمام بقانون الالتزامات والعقود، فهو يعتبر أب القوانين والعمود الفقري لها، والتمكن من فهمه والاحاطة به يسهل عملية استيعاب وفهم باقي القوانين. ذلك أن المبادئ الأساسية المنبثقة عن نظرية الالتزامات لا تحكم فقط القانون المدني، بل أيضا مجموعة من مواد القانون الخاص.
من ناحية أخرى تتجلى أهمية هذا القانون بالنسبة للطلاب وللمقبلين على مباريات التوظيف، في كونه من أكثر القوانين التي تكون موضوع أسئلة المباريات. فمباراة الملحقين القضائيين (لي هي القضاء) مثلا تعتبر ق.ل.ع مادة اجبارية يمتحن فيها المرشحون للمباراة. وكذا المتصرفين في وزارة المالية والمحاماة والمحررين والمنتدبين القضائيين وغيرها من مباريات التوظيف.
وقبل الخوض في أعماق هذا القانون وسبر أغواره، لا بد لنا من دراسة النظرية العامة للالتزامات، النظرية التي تحكم هذا القانون وتقعد له. لذلك ستكون محاور درس اليوم كالتالي:
أولا: تعريف الالتزام
ثانيا: التفرقة بين الحق الشخصي والحق العيني
ثالثا: تصيف الالتزامات
رابعا: مصادر الالتزامات
أولا: تعريف الالتزام
هو رابطة قانونية بين شخصين، أحدهما يسمى الدائن والاخر يسمى المدين. يلتزم بمقتضاها المدين تجاه الدائن بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، او نقل حق عيني.
ومن الأمثلة على ذلك التزام المقاول بتسليم البناء في الموعد المحدد، هو التزام بالقيام بعمل. والتزام الجار بعدم تعلية بناءه بشكل يحجب الشمس عن منزل جاره، هو التزام بالامتناع عن عمل. وإذا باع شخص لآخر سيارة، فإن البائع يلتزم بنقل ملكية السيارة إلى المشتري، وهو التزام بنقل حق عيني.
والالتزام بطبيعته يتطلب دائما وجود علاقة بين طرفين، الأول متعهد بالالتزام وهو المدين، والثاني مستفيد من الالتزام وهو الدائن.
وعليه فإذا نظرنا إلى هذه العلاقة من زاوية المدين فإننا نسميها التزاما ( فهو الذي يلتزم ويقع على عاتقه القيام بعمل أو لامتناع عنه او نقل حق عيني)، أما إذا نظرنا إلها من زاوية الدائن فإننا نسميها حقا شخصيا.
الا أن العادة جرت بتسمية هذه العلاقة بالالتزام، نظرا للدور الجوهري والحساس للملتزم في هذه العلاقة، ولأهميته في تحقيق القيمة التي يمثلها الحق الشخصي. لذلك فإن النصوص القانونية عنت بتنظيم المركز القانوني للملتزم، وأصبح مصطلح الالتزام هو السائد فقها وقانونا وقضاء.
ثانيا: التفرقة بين الحق الشخصي والحق العيني
(سبق وان قلنا ان مصطلح الالتزام يقابله الحق الشخصي، والذي قد يختلط مع الحق العيني، لذلك لابد من معرفة الفرق بينها حتى لا نقع في لبس، أو نخلط المفاهيم والمصطلحات فيما بينها.)
الحق الشخصي أو الالتزام هو رابطة قانونية بين شخصين، أحدهما دائن والاخر مدين. يلتزم بمقتضاها المدين تجاه الدائن بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل، أو نقل حق عيني.
أما الحق العيني فهو سلطة يمارسها الشخص على شيء معين، تمكن من الحصول على المنفعة المرجوة من هذا الشيء بصورة مباشرة دون وساطة من أحد. فحق ملكية منزل مثلا وهو أحد الحقوق العينية، يمكن مالك هذا المنزل من استعماله واستغلاله والتصرف فيها دون وساطة من أحد، أي أنه يمارس حق ملكيته دون الحاجة إلى شخص آخر حتى يستطيع الوصول إلى حقه.
والحقوق العينية تنقسم إلى قسمين: حقوق عينية أصلية وحقوق عينية تبعية.
الحقوق العينية الأصلية: وهي الحقوق القائمة بذاتها من دون الحاجة إلى غيرها. وهي محددة في القانون المغربي على سبيل الحصر. وتشمل: حق الملكية، حق السطحية، حق الانتفاع، حق الارتفاق، حق الاستعمال، حق السكنى، حق الكراء الطويل الأمد، الوقف أو الحبس، والحقوق العرفية الاسلامية.
الحقوق العينية التبعية: وهي حقوق تتعلق بعين يخصص لضمان تنفيذ التزام أصلي، بحيث يكون للدائن حق الأفضلية في استيفاء دينه من ثمن هذا العين. وهذه الحقوق العينية التبعية تشمل الرهن الرسمي والرهن الحيازي وحقوق الامتياز.
وبذلك يختلف الحق الشخصي عن الحق العيني فيما يلي:
من حيث التكوين:
لابد في الالتزام أو الحق الشخصي من توافر 3 عناصر وهي: صاحب الحق الذي هو الدائن، والملتزم وهو المدين، والشيء أو العمل محل الالتزام أو الحق.
أما الحق العيني فيتطلب عنصرين فقط وهما: صاحب الحق، والشيء محل الحق.
من حيث الخصائص:
-الحق الشخصي نسبي: بمعنى أنه لا يجوز للدائن صاحب الحق أن يحتج بحقه، إلا في مواجهة من التزم إزاءه بأداء هذا الحق. ففي حالة القرض مثلا فإن الدائن لا يستطيع استرداد الدين إلا من المدين، فلا يمكن تحصيله من الغير.
-الحق العيني حق مطلق: يخول صاحبه الاحتجاج به اتجاه أي كان. فإذا كنت أملك دارا مثلا، فيمكنني أن تمسك بحق ملكيتي في مواجهة الجميع، وإذا حاول شخص ما معارضتي في استعمال هذه الدار أو حاول التصرف فيها، فإنه يمكنني معارضته وحماية حقي باستعمال الطرق القانونية المتاحة، أهمها اللجوء إلى القضاء.
-الحق العيني يخول لصاحبه ميزتان لا يخولهما الحق الشخصي وهما ميزة التتبع وميزة الأفضلية.
**ميزة التتبع تخول صاحب الحق العيني تتبع الشيء محل الحق، في يد أي شخص تنتقل إليه حيازة هذا الشيء. فإذا خرج مثلا الملك من يد صاحبه بدون موجب قانوني وانتقل إلى يد غيره، فإنه يمكن للمالك مهما تعاقبت الأيدي، أن يطالب باسترداد ملكه من يد الحائز الأخير.
**ميزة الأفضلية تسمح لصاحب الحق العيني أن يقدم (بضم حرف الياء) في استفاء حقه على من سواه، كما في الرهن الرسمي مثلا، حيث يفضل( بضم حرف الياء) الدائن المرتهن على الدائنين العاديين الذين ليس لهم استيفاء ديونهم إلا بعد أن يكون الدائن المرتهن قد استوفى تماما ما هو مترتب له في ذمة مدينه.
ثالثا: تصنيف الالتزامات
تتسم الالتزامات بالتنوع، ومن أجل تصنيفها، اعتمد الفقه على مجموعة من المعايير يمكن تلخيصها في معيارين اثنين، الأول هو التصنيف المبني على محل الالتزام، والثاني يقوم على أساس مصدر الالتزام.
وهذا التصنيف ليس مجرد تحصيل حاصل أو تنظير لا فائدة فيه، بل له نتائج عملية هامة من حيث اختلاف القواعد القانونية المطبقة حسب كل نوع من الالتزامات.
أ- التصنيف المبني على أساس محل الالتزام
حسب هذا المعيار تنقسم الالتزامات إلى:
1-التزامات ايجابية والتزامات سلبية
*الالتزامات الايجابية: هي التي تتضمن فعلا ايجابيا، كإعطاء شيء أو الالتزام بعمل.
*الالتزامات السليبة: وتتمثل في امتناع الملتزم عن إتيان فعل ما. كالتزام بائع الأصل التجاري بعدم فتح محل تجاري مماثل حلال مدة معينة، أو التزام المودع عنده بعدم استعمال الوديعة لأغراضه الشخصية. والالتزامات السلبية جائزة من الناحية القانونية ما لم تخالف النظام العام.
2-التزامات أصلية والتزامات تبعية:
الالتزامات الاصلية: هي التي تكون مستقلة بذاتها بحيث تكون محور الالتزام الأصلي كله، ولا تحتاج إلى غيرها من الالتزامات حتى تقوم. كالتزام المكري بتمكين المكتري من العين المكراة.
الالتزامات التبعية: هي الالتزامات التي لا تكون (بضم التاء) جوهر العقد وإنما هي التزامات ملحقة أو تابعة له فقط . وتتميز هذه الالتزامات بكونها لا يمكن أن تكون لوحدها، بل لا بد من التزام أصلي حتى تقوم. ومثال ذلك التزام البائع بضمان العيب في المبيع، إذ أن ضمان العيب من المسائل التابعة للالتزام الأصلي الذي هو تسليم المبيع.
3-الالتزامات بغاية والالتزامات بوسيلة:
الالتزام بغاية: هو التزام تحدد فيه غاية معينة يتوجب على المدين الوصول إليها، كالتزام المقاول بإنجاز الأشغال المتفق عليها. أو التزام الصانع بصنع الأشياء المحددة في العقد. ففي هذه الحالات يتعين على المدين تنفيذ الالتزامات تحت طائلة المسؤولية العقدية. وذلك من غير إلزام الطرف الدائن بإثبات خطأ المدين، وإنما يتعين عليه فقط تقديم الحجة والدليل على وقوع الإخلال بالالتزام.
الالتزام بوسيلة: ويسمى كذلك الالتزام ببدل عناية. وفيه لا يكون المدين ملزما بالوصول الى النتيجة المرجوة، بل يلتزم فقط ببذل الجهد لتحقيق ما تعهد به. ومثال ذلك التزام الطبيب بتجنيد كافة مؤهلاته المهنية لعلاج المريض، دون أن يضمن هذه النتيجة وهي العلاج. و كذلك التزام المحامي بتوظيف كافة امكانياته وفقا لأصول وقواعد مهنته، من أجل الدفاع عن موكله. فإذا باءت هذه المجهودات سواء في حالة الطبيب أو المحامي بالفشل، فلا مسؤولية عليهما. ماعدا إذا اثبت الدائن (المريض والموكل) العمد والاهمال في حق الطبيب والمحامي. وهو أمر ليس بالسهل إذ غالبا ما يحول دون استحقاق الدائن للتعويض.
ب- التصنيف المبني على أساس محل الالتزامات
وفيها نجد الالتزامات التعاقدية والالتزامات غير التعاقدية.
*الالتزامات التعاقدية: وهي الالتزامات التي تتولد عن اتفاق بين أطرافه، أي نتيجة ابرام عقد معين.
*الالتزامات غير التعاقدية: وهي الالتزامات التي لا يكون مصدرها الاتفاق او العقد، ويتحقق ذلك في الحالات التي يكون للالتزام مصدر قانوني كما هو الشأن في التزامات الجوار. كما يمكن ان يكون مصدره فعل الشخص الملتزم، ويتحقق هذا في العمل غير المشروع وهو ما يسمى بالمسؤولية التقصيرية. وأيضا من خلال الاثراء بلا سبب.
رابعا: مصادر الالتزام
حدد المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود مصادر الالتزام وذلك في الفصل الأول منه، حيث نص على ما يلي: “تنشأ الالتزامات عن الاتفاقات والتصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة وعن أشباه العقود وعن الجرائم وأشباه الجرائم.”
وبقراءة هذا النص يتضح أن مصادر الالتزامات هي كالتالي:
*الاتفاقات: ويقصد بها العقد. ومعناه توافق ارادتين على إحداث أثر قانوني.
*التصريحات الأخرى المعبرة عن الإرادة: والمقصود بها الإرادة المنفردة، وهي تصرف الشخص بإرادته الوحيدة في غياب الطرف المستفيد من الالتزام كالهبة.
*أشباه العقود: يتحقق شبه العقد عندما يقوم شخص بعمل مشروع بإرادته، فيؤدي هذا العمل إلى انتفاع شخص آخر دون ان يكون هناك سبب لاستحقاقه ذلك النفع. كالإثراء بلا سبب (الفصلان 67 و68 من ق.ل.ع.) ودفع غير المستحق (الفصول من 68 إلى 64 من ق.ل.ع.)، والفضالة ( الفصول من 943 إلى 958 من ق.ل.ع.) كتطبيقات لأشباه العقود.
*الجريمة: وهي ارتكاب فعل غير مشروع يؤدي إلى إيذاء الغير عن قصد.
*شبه الجريمة: وهي فعل غير مشروع يحدث ضررا للغير، والذي يرتكبه لا يرتكبه صاحبه عن عمد، وإنما عن إهمال وعدم تبصر.
وفي كلتا الحالتين سواء عن قصد او عن غير قصد فان مرتكب الفعل الضار يلتزم بتعويض الضرر.