أركان العقد –الأهلية- عوارض الأهلية

عالـم القانون
2021-06-12T11:37:12+01:00
دروس القانونقانون الإلتزامات و العقود
عالـم القانون15 أغسطس 2020
أركان العقد –الأهلية- عوارض الأهلية
اسم الكاتب

هذا الدرس عبارة عن تتمة أو جزء ثان للدرس السابق المعنون بالأهلية كركن من الأركان اللازمة لصحة العقد والذي عرَّفنا فيه الأهلية وتعرفنا على أنواعها.
واليوم إن شاء الله سنتعرف على العوارض التي تصيب الأهلية، فتعدمها أو تنقصها. وسواء تعلق الأمر بفقدان الأهلية أو انعدامها فإن العقود أو ما يصطلح في مدونة الأسرة بالتصرفات التي يبرمها الشخص تختلف آثارها حسب نوع العارض الذي يصيب الأهلية.
وعلى هذا الأساس سنقسم درسنا لهذا اليوم إلى محورين:
الأول نخصصه لفقدان الأهلية وأثره على التصرفات.
والثاني لنقصان الأهلية وأثره على التصرفات.
المحور الأول: فقدان الأهلية وأثره على التصرفات
حدد المشرع الحالات التي يكون فيها الشخص عديم الأهلية في المادة 217 من مدونة الأسرة، حيث نص فيها على أنه: “يعتبر الشخص عديم أهلية الأداء:
أولا: الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز.
ثانيا: المجنون وفاقد العقل.
يعتبر الشخص المصاب بحالة فقدان العقل بكيفية متقطعة، كامل الأهلية خلال الفترات التي يؤوب إليه عقله فيها.
الفقدان الإرادي للعقل لا يعفي من المسؤولية.”
يتضح لنا من خلال هذا النص أن الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز والمجنون وفاقد العقل هم أشخاص فاقدوا الأهلية. لكن ماذا نقصد بكل واحد من هؤلاء الأشخاص؟ نبدأ ب
1-الصغير الذي لم يبلغ سن التمييز: ويصطلح عليه بالصغير غير المميز، وهو الشخص الذي لم يتم 12 سنة شمسية كاملة. هذا الشخص يمنع عليه القانون مباشرة حقوقه والتصرف في أمواله، وكل تصرف يقوم به لا يعد به ويكون باطلا.
نفهم من هذا أن كل شخص لم يبلغ سن 12 سنة يمنع عليه إبرام العقود، فإذا أبرم عقدا ما فإن هذا العقد يعتبر باطلا، لأنه لا يتوفر على ركن من أركان العقد وهو الأهلية.
2-المجنون: هو الشخص الفاقد لعقله، إما بصفة كلية إذا كان جنونه يستغرق جميع أوقاته. وإما بصفة متقطعة حيث يعود إليه عقله بين الفينة والأخرى ويؤوب إلى رشده.
أي أن الشخص المصاب بالجنون قد يكون فاقدا لعقله طوال الوقت، وقد يرجع إليه عقله بين حين وآخر بحيث يكون بكامل قواه العقلية. وإذا كان الأمر كذلك فإنه
في الحالة الأولى، يكون المجنون عديم الأهلية مطلقا وتصرفاته باطلة. أما في الحالة الثانية، فيكون عديم الأهلية في حالة إطباق جنونه عليه، وتعود إليه أهليته عندما يعود إلى رشده فتكون تصرفاته صحيحة ونافذة.
وهذا يعني أن الشخص الفاقد لعقله طوال الوقت، إذا حدث وأبرم عقدا معينا سواء كان عقد معاوضة أو عقدا تبادليا فإن ذلك العقد يعتبر باطلا ولا يعتد به، لأن هذا العقد فقد ركنا من أركانه وهو الأهلية.
أما الشخص المجون الذي يتخلل جنونه بعض الأوقات التي تعود إليه قواه العقلية، فإن العقود التي يبرمها تعتبر صحيحة ولا يطالها البطلان لأنها استوفت ركن الأهلية.
3-فاقد العقل لسبب آخر غير الجنون: وهو كل شخص فقد عقله لسبب غير الجنون، كالسكر وتناول المخدرات التي تذهب العقل. هذا الشخص يعتبر عديم الأهلية ولا تصح تصرفاته، حيث تعتبر باطلة ولا يعتد بها، لأن الركن الأساسي لصحة التصرفات القانونية هو التوفر على ملكة التمييز والادراك اللذان يشكلان جوهر الأهلية، وهو ما لا يتوفر في الشخص الفاقد لعقله.
نفهم من هذا أن الشخص قد يفقد عقله لسبب آخر غير الجنون، فاحتساء الخمر إلى درجة السكر تذهب العقل، نفس الشيء بالنسبة للمخدرات. وعليه فالشخص الذي غابت قواه العقلية لمثل هذه الأسباب يصبح عديم الأهلية. وإذا ما أبرم عقدا معينا وهو في تلك الحالة فإن هذا العقد يطاله البطلان، لأن حالة فقدان العقل التي هو فيها هدمت ركنا من أركان العقد وهو الأهلية.
وعلى العموم فإن الصغير غير المميز، والمجنون، وفاقد العقل، منع عليهم المشرع إبرام العقود لأنهم ليسوا أهلا لذلك. وسبب هذا المنع يكمن في كون هؤلاء الأشخاص لا يملكون القدرة على تقدير مصالحهم، بحيث سيعرضونها للخطر لا محالة نظرا لانعدام الادراك والتمييز لديهم.
وقبل الانتقال إلى الحديث عن ناقصي الأهلية، لا ضرر من الاشارة إلى نقطة سبق وأن ناقشناها في الدرس السابق وهي أن
الصغير غير المميز والمجنون وفاقد العقل يعتبرون فاقدي أهلية الأداء، لا اهلية الوجوب التي تلازمهم كما تلازم الراشد والمتمتع بقواه العقلية. ولما كان تمتعهم بأهلية الوجوب قد يرتب لهما حقوقا أو يرتب عليهما التزاما، وكان يمنع عليهما بحكم القانون مباشرة حقوقهما بنفسهما، أصبح لزاما أن ينوب عنهما في ذلك النائب الشرعي.
هكذا بعد أن تعرفنا على فاقدي الأهلية وحكم العقود التي يبرمونها، سنسير على نفس المنهج بالنسبة لناقصي الأهلية، حيث سنتعرف عليهم وعلى حكم العقود التي يبرمونها.
المحور الثاني: نقصان الأهلية وأثره على التصرفات
نبدأ ب
أولا: ناقصو الأهلية
يعتبر ناقص أهلية الأداء :
1-الصغير المميز: هو الصغير الذي بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد، وهو الصغير الذي أتم 12 سنة شمسية كاملة ولم يبلغ سن 18 سنة. والصغير المميز كالصغير غير المميز يخضع مثله لأحكام النيابة الشرعية. أي أنه يحتاج إلى نائب شرعي من أجل إبرام التصرفات القانونية.
2-السفيه: هو كما عرفته المادة 215 من مدونة الأسرة المبذر الذي ينفق ماله فيما لا فائدة فيه، وفيما يعده العقلاء عبثا، بشكل يضر به أو بأسرته.
وقد عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية بأنه شخص مغلوب بهواه فيعمل بخلاف موجب العقل مع قيام العقل حقيقة. أي أنه شخص عاقل يتمتع بالإدراك والتمييز، إلا أنه لا يعمل عقله في تدبير أمواله، فينفقها بإسراف بشكل يلحق به ضررا هو نفسه، وبعائلته التي هو ملزم بالإنفاق عليها.
فاذا تبت سفه الشخص خضع لأحكام النيابة الشرعية، لأنه من غير المعقول أن يترك على حاله يبذر الأموال ويضر بنفسه وبالآخرين.
3-المعتوه: هو الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته.
ويمكن تعريفها حسب بعص الفقه الاسلامي أن المعتوه شخص قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير الا أنه لا يضرب ولا يشتم كالمجنون.
وبعبارة أخرى المعتوه هو شخص غير متمتع بكامل القوى العقلية التي لدى الشخص العادي فهو ناقص العقل من غير جنون.
ومن الأمثلة على العَتَهِ الشيخوخة والتي تحط من الملكات العقلية والتوازن العاطفي عند التقدم في السن.
ثانيا: حكم التصرفات التي يبرمها ناقصي الأهلية
بعدما تعرفنا على الأشخاص الذين يعتبرون ناقصي الأهلية، لابد لنا أن نبين حكم التصرفات التي قد يبرمها هؤلاء الأشخاص سواء لوحدهم أو بمعية نائبهم الشرعي.
إذا أبرم أحد ناقصي الأهلية تصرفا، فإن أثره يختلف حسب نوع التصرف، حيث تنقسم التصرفات إلى: تصرفات نافعة نفعا محضا وتصرفات ضارة ضررا محضا وتصرفات دائرة بين الضرر والنفع.
وهو ما نصت عليه المادة 225 من مدونة الأسرة التي جاء فيها: “تخضع تصرفات الصغير المميز للأحكام التالية:
1-تكون نافذة إذا كانت نافعة له نفعا محضا.
2-تكون باطلة إذا كانت مضرة به.
3-يتوقف نفاذها إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على إجازة نائبه الشرعي حسب المصلحة الراجحة للمحجور، وفي الحدود المخولة لاختصاصات كل نائب شرعي.”
ونبدأ بالتصرفات النافعة نفعا محضا
*التصرفات النافعة نفعا محضا: وهي التصرفات التي تثري المتصرف أو تبرئ ذمته من التزام، دون أن تحمله مقابل ذلك أي تكليف، كقبول هبة بدون عوض أو قبول البراءة من دين عالق بالذمة.
فمثل هذه التصرفات يجوز لناقص الأهلية مباشرتها بنفسه، وتعتبر إذا وقعت صحيحة ولو جرت بمعزل عن النائب الشرعي.
بمعنى أن ناقص الأهلية إذا أبرم عقدا وحصلت له منفعة بموجب هذا العقد دون أن يلتزم بأي شيء بالمقابل أو دون أن يدفع المقابل، فإن هذا العقد يكون صحيحا ونافذا، ولو أبرم العقد لوحده وبدون موافقة أو علم نائبه الشرعي.
*التصرفات الضارة ضررا محضا: وهي التصرفات التي تحمل المتصرف تكليفا دون أي كسب أو نفع يجنيه بالمقابل. كأن يهب شيئا بدون عوض، أو يبرئ مدينه من دينه . فمثل هذه التصرفات يمنع على ناقص الأهلية مباشرتها بنفسه ولو بإذن من النائب الشرعي. كما يمنع على النائب الشرعي مباشرتها تحت طائلة البطلان.
كأن يهب ناقص الأهلية منزله أو دراجته لأحد أصدقائه أو أقاربه بدون أن يحصل على مقابل ما أعطاه. فهذا العقد أي عقد الهبة يقع باطلا، وهذا البطلان كنتيجة لهذا التصرف يقع أيضا في الحالة التي يسمح فيها النائب الشرعي بإبرام هذا العقد. أي أنه يمنع على النائب الشرعي أن يبرم عقودا بدون مقابل.
*التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع: هي التصرفات التي يحتمل للمتصرف ربح أو خسارة كالبيع والشركة والايجار. وحكم هذه التصرفات أنه يتوقف نفادها على إجازة النائب الشرعي وفي الحدود المخولة لاختصاص كل نائب شرعي.
فإبرام عقد الشركة مثلا يحتمل الربح كما يحتمل الخسارة فالشركة قد تحقق أرباحا وقد لا تحقق. وإذا حدث وأبرم ناقص الأهلية عقد الشركة فإن صحة هذا العقد تبقى معلقة على قرار النائب الشرعي فإذا وافق كان العقد صحيحا، وإذا رفض كان العقد باطلا.
وذلك حسب الحالات التالية:
الحالة الأولى: إذا أجرى ناقص الأهلية تصرفا بإذن من نائبه الشرعي، أو قام النائب الشرعي بتصرف ما باسم من ينوب عنه، مباشرة، أو بعد حصوله على إذن من القاضي في الحالات التي يتطلب فيها المشرع هذا الإذن، فإن هذا التصرف يعد صحيحا ومنتجا لآثاره القانونية كما لو أجراه شخص كامل الأهلية.
الحالة الثانية: إذا أقدم ناقص الأهلية على تصرف دون الحصول على إذن من نائبه الشرعي، فإن تصرفه لا يكون ملزما له، ويقع قابلا للإبطال. ويمكن تصحيح هذه التصرفات فتكون صحيحة وملزمة ونافذة إذا وافق عليها النائب الشرعي، على أن تصدر هذه الموافقة بالشكل الذي يقتضيه القانون (الفصل 4 من ق.ل.ع.)
وهذا يعني أنه يمكن إبطال هذه التصرفات التي يجريها ناقص الاهلية دون إذن من نائبه الشرعي إما بطلب من هذا الأخير أو بطلب من القاصر بعد بلوغه سن الرشد، أو من باقي ناقصي الأهلية وهم السفيه والمعتوه بعد رفع الحجر عنهم أي بعد أن تعود إليهم قواهم العقلية.
ولا بد من الإشارة إلى أنه يحق للقاصر أن يطعن في التصرف الذي أبرمه بعد بلوغه سن الرشد، حتى ولو كان قد استعمل طرقا احتيالية من شأنها أن تحمل المتعاقد الآخر على الاعتقاد برشده أو بموافقة نائبه الشرعي أو بكونه تاجرا (الفصل 6 من ق.ل.ع.)
أي أن القاصر بعد أن يبلغ سن الرشد يمكن له أن يطلب إبطال التصرفات التي أبرمها في الوقت الذي كان فيه قاصرا، وهذا الحق مخول له حتى ولو احتال على المتعاقد معه فحمله على الاعتقاد بأنه شخص راشد، أو حمله على الاعتقاد بأنه يبرم العقد بموافقة نائبه الشرعي، أو أنه حاصل على الإذن بممارسة التجارة.
إن حق الابطال محصور بمن تقرر الابطال لمصلحته، اي القاصر وناقص الأهلية. أما من تعاقد معهما فلا يجوز له الاحتجاج بنقص أهليتهما للمطالبة بإبطال العقد (الفصل 10 من ق.ل.ع.)
وبالرغم من هذا الطعن وقابلية الالتزام للإبطال، فإذا نفذ المتعاقد مع ناقص الأهلية الالتزام، ووقع الابطال فيما بعد، فإن ناقص الأهلية يكون ملزما في حدود النفع الذي استخلصه من الالتزام . ويكون هناك نفع حسب الفصل 9 من ق.ل.ع. إذا انفق ناقص الأهلية الشيء الذي تسلمه في المصروفات النافعة، كترميم بناء أو المصروفات الضرورية كوفاء دين أو أداء قسط مدرسي أو إذا كان هذا الشيء لازال موجودا في ماله. كأن يكون قد اودع الثمن الذي قبضه في بنك. أو إذا كان هذا الشيء لا يزال موجودا في ذمته المالية.
وهو ما يعني أنه إذا تم تنفيذ العقد فإن ناقص الأهلية يلتزم بإرجاع ما نفذ من العقد في حدود المصروفات الضرورية والمصروفات النافعة، أما مصروفات الزينة أي المصروفات غير الضرورية أو ما يطلق عليها بمصروفات الترف فلا يلتزم ناقص الأهلية بإرجاعها.
خلاصة القول أنه إذا تقرر الابطال فلا تطبق القاعدة العامة التي تقضي في حالة ابطال العقد الى ارجاع المتعاقدين الى الحالة التي كانا عليها قيل التعاقد وذلك حسب الفصل 316 ق.ل.ع. بل ان ناقص الأهلية لا يكون ملتزما الا في حدود النفع الذي استخلصه من العقد (المادة6 ق ل ع ) ويتحقق النفع كما سبق وبيناه إذا أنفق ناقص الأهلية الشيء الذي تسلمه في المصروفات الضرورية أو النافعة أو إذا كان هذا الشيء لا يزال موجودا في ذمته المالية.
إن ما قلناه عن إبطال التصرفات التي يجريها ناقص الأهلية دون الحصول على إذن من نائبه الشرعي، يطبق على ما يسمى بأعمال الإدارة التي يبرمها النائب الشرعي دون الحصول على إذن خاص بإجرائها من القاضي المختص.
ذلك أن النائب الشرعي مخول بإدارة أموال ناقص الأهلية، ومن هو مخول بإدارة أموال الغير لا يجوز له إبرام أي عمل من أعمال التصرف على الأموال التي يتولى إدارتها، إلا بعد الحصول على إذن خاص بذلك من القاضي المختص.
وعليه فأي عمل من الأعمال التي يعتبرها القانون من قبيل أعمال التصرف فلا يجوز للنائب الشرعي ممارسته الا بإذن من القاضي، والا كان عملا غير صحيح وبالتالي عرضة للإبطال (الفصل 11 من ق.ل.ع.)
و الأعمال التي تعتبر من قبيل أعمال التصرف بالنسبة لأموال ناقص الأهلية أشار اليها الفصل 11 من ق.ل.ع. وهي البيع والمقايضة والكراء لمدة تزيد على ثلاث سنوات والشركة والقسمة وابرام الرهن.” وقد اعتبر المشرع أيضا الاستمرار في تعاطي التجارة لحساب القاصر أو ناقص الاهلية عملا خارجا عن أعمال الإدارة التي يجوز للولي أو الوصي أو المقدم ممارستها بحكم نيابته الشرعية، وبالتالي لم يجز للنائب الشرعي القيام بمثل هذا العمل إلا إذا رخص له بذلك من قلب القاضي المختص (المادة 14 من ق.ل.ع)
ثالثا: حالات استثنائية يكون فيها الصغير المميز كامل الأهلية
القاعدة أن الشخص البالغ سن الرشد هو المؤهل قانونا لإبرام التصرفات القانونية. إلا أن هذه القاعدة ليست جامدة، بل إنه بالنظر لكون بعض الأشخاص قد يتوفرون على القدرة على إدارة أموالهم بأنفسهم، سواء بشكل جزئي كما سنبين في الحالة الأولى، أو بشكل كامل عن طريق ترشيدهم مبكرا، حيث يحصل الصغير المميز على أهليته كاملة إذا توفرت مجموعة من الشروط كما سنبين في الحالة الثانية.
الحالة الأولى: الصغير المميز المأذون له
الصغير المميز كما نعلم هو الذي تجاوزت سنه 12 سنة ولم يبلغ بعد سن الرشد الذي هو 18 سنة. فهذا الصغير ليس له أن يتسلم أمواله قبل بلوغ سن الرشد.
غير أنه رغبة من المشرع في فسح المجال لتمرين المميزين، وتنمية بصيرتهم المالية في التصرفات تهيئة لرشدهم، فقد سوغ للولي تلقائيا ولمن يقوم مقام الولي(أي الوصي والمقدم) والصغير المميز نفسه أن يطلب من القاضي منحه الإذن بأن يتسلم قدرا من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار والتجربة .
وقد جمع المشرع أحكام الصغير المأذون له في المادة 226 و المادة 227 من مدونة الاسرة. هكذا جاء في المادة 226 ما يلي:
“يمكن للصغير المميز أن يتسلم جزءا من أمواله لإدارتها بقصد الاختبار.
يصدر الإذن من الولي أو بقرار من القاضي المكلف بشؤون القاصرين بناء على طلب من الوصي أو المقدم أو الصغير المعني بالأمر.
يمكن للقاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء قرار الإذن بالتسليم بطلب من الوصي أو المقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا إذا ثبت سوء التدبير في الإدارة المأذون بها.
يعتبر المحجور كامل الأهلية فيما أذن له وفي التقاضي فيه.”
هذا النص يبين لنا أهلية المميز المأذون له وحالات إلغاء الإذن الممنوح له.
فبالنسبة ل:
*أهلية المميز المأذون: يتمتع الصغير المأذون له بكامل الأهلية فيما أذن له به وفي التقاضي فيه. فإذا أذن للقاصر مثلا في إيجار عقاره لأقل من 3 سنوات أو القيام بإصلاحات أو ترميمها فإن التصرفات التي يجريها في الخصوصيات المذكورة تعتبر صحيحة ولا يجوز إبطالها لا من النائب الشرعي ولا من الصغير بعد بلوغه سن الرشد. وإذا ما وقع نزاع ما بخصوص هذا الايجار فإن الصغير يتمتع بأهلية التقاضي أمام المحاكم.
*جواز إلغاء الإذن الممنوح للقاصر: إن الإذن الممنوح للقاصر المميز، يمكن في أي وقت وبإذن من القاضي المكلف بشؤون القاصرين وبطلب من الوصي أو المقدم أو النيابة العامة أو تلقائيا من طرف القاضي، أن يسحب الإذن الذي أعطاه للصغير الذي أذن له إذا وجدت مبررات لذلك.
كما يمكن للولي أن يسحب الإذن الذي منحه للقاصر دون الحاجة إلى إذن القاضي المكلف بشؤون القاصرين. وهو ما نصت عليه المادة 227: “للولي أن يسحب الإذن الذي سبق أن أعطاه للصغير المميز إذا وجدت مبررات لذلك.”
فإذا ثبت سوء تدبير القاصر للأموال المأذون له بإدارتها فإنه لا يكون للإلغاء أثر بالنسبة للأعمال أو الصفقات التي شرع القاصر فيها قبل حصول الالغاء (الفصل 8 من ق.ل.ع.) أي أن التصرفات التي بدأ الصغير المميز فيها يجب أن يتمها ولو حصل إلغاء الإذن. وذلك حماية لحقوق الأغيار الذين تعاقد معهم القاصر والذين لا ذنب لهم في إلغاء الإذن الممنوح للقاصر.
الحالة الثانية: القاصر المرشد
إذا كان الرشد يتحقق ببلوغ الشخص 18 سنة شمسية كاملة، فإنه في بعض الأحيان قد تتحقق في بعض الأشخاص علامات الرشد قبل بلوغ هذا السن، وبذلك لا يمكن حرمانهم من إمكانية تسلمهم لأموالهم وإدارتها بسبب عدم إتمامهم للسن القانونية.
كما أن المولى عز وجل قال في محكم تنزيله: “فإذا آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم.” لذلك فإن المشرع خول للقاصر الذي بلغ سن 16 سنة شمسية كاملة أن يطلب من المحكمة ترشيده، أي أنه يصبح في حكم الراشد. كما خول المشرع للنائب الشرعي أن يطلب من المحكمة ترشيد القاصر الذي بلغ السن المذكورة إذا أنس منه الرشد.
فالترشيد بهذا المعنى هو طلب القاصر أو النائب الشرعي عندما يأنس من نفسه الرشد -وهو التعقل في التصرف في المال بحيث لا ينفقه إلا بمقتضى العقل والشرع- من المحكمة أن ترفع عنه الحجر وتجعله حرا طليقا يتصرف بحرية في أمواله ويخضع في ذلك لما يخضع له الراشد من حقوق والتزامات.
ويترتب على الترشيد تسلم المرشد لأمواله، واكتسابه الأهلية الكاملة في إدارتها والتصرف فيها، إلا أن ممارسته للحقوق غير المالية تخضع للنصوص القانونية المنظمة لها. (ومثال الحقوق غير المالية: الزواج)
وفي جميع الأحوال لا يمكن لا يمكن ترشيد القاصر، إلا اذا ثبت للمحكمة رشده بعد اتخاذ الاجراءات اللازمة من شهادة الشهود والخبرة الطبية.
وهذا أمر طبيعي، لأن المحكمة لا يمكن أن ترشد أيا كان إلا اذا تأكد لها بالملموس رشد المعني بالأمر. لان الأمر يتعلق في نهاية المطاف بشخص غير راشد بحكم القانون، والمحكمة مسؤولة عن أمواله وجميع مصالحه.
وبهذا نكون قد أنهينا درسنا لهذا اليوم، كما أننا قد أتممنا الركن الثاني من الأركان اللازمة لصحة العقد وهو ركن الأهلية. موعدنا في الدرس القادم مع ركن آخر من أركان العقد. إلى ذلك الحين نستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

عالـم القانون

عالم القانون World of law هو موقع (www.alamalkanoun.com) ينشر مقالات قانونية مواكبة لأخر المستجدات القانونية في شتى تخصصاتها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق